المتنيح الأنبا بيشوي
هل ممكن للشيطان أن يصنع معجزات؟
نعم، يصنع معجزات ويقلد المعجزات الحقيقية... ولكن لابد أن نعرف ونفحص الظروف التي تحيط بالمعجزة وما تؤدى إليه في النهاية.
الديانة الحقيقية لها أربعة شروط:
1- وجود كم كبير من النبوات التي استمرت على مدى آلاف السنين والتي تؤيد صحة الرسالة.
2- قداسة التعاليم التي تحملها هذه الرسالة، أي كونها تعاليم سامية ومقدسة.
3- قداسة صاحب الرسالة.
4- المعجزات.
هذه أربعة أركان أساسية لصحة الرسالة أو الديانة ونحن ندرسها في اللاهوت النظري.
فالمعجزة لا تكون وحدها دليل على صحة الديانة، ولذلك لو كان السيد المسيح نفسه قد صنع معجزات فقط، لما كان ذلك كافيًا لإثبات أنه هو المسيا، مشتهى الأجيال، ابن الله، كلمة الله المتجسد المرسل إلى العالم. لقد تحققت فيه كل النبوات حتى قيل إن "شَهَادَةَ يَسُوعَ هِيَ رُوحُ النُّبُوَّةِ" (رؤ19: 10)، وحتى ما فعله أعداؤه وليس أصدقاؤه حقق النبوات، فمثلًا عندما استقبله الشعب عند دخوله أورشليم بسعف النخيل قيل عن التلاميذ: "حِينَئِذٍ تَذَكَّرُوا أَنَّ هَذِهِ كَانَتْ مَكْتُوبَةً عَنْهُ وَأَنَّهُمْ صَنَعُوا هَذِهِ لَهُ" (يو12: 16)، لكن الذين فعلوا ذلك كانوا أحباؤه، بينما هناك أمور أخرى لم يصنعها أحباؤه مثل صلبه مثلًا. بعض النبوات تحققت عن طريق أصدقائه وبعضها تحقق عن طريق أعدائه، وأخرى تداخلت فيها الأحداث من شتى الاتجاهات، لكن في النهاية كل النبوات قد تحققت.
إن المعجزة كانت من العلامات التي تؤيد إرسالية السيد المسيح، فمثلًا يقول: "وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا" (يو1: 14)، ولم يقل مجرد أننا رأيناه يصنع معجزات، ولكن بلا شك كان هناك من آمنوا بسبب قيامة لعازر من الأموات وهناك من آمنوا عن طريق معجزات السيد المسيح، ولكن هذه المعجزات كانت تدعمها وتسندها سيرته المقدسة وتعاليمه السامية جدًا ويسندها تحقيق النبوات.
وهكذا أيضًا تقييم المعجزات في كنيستنا، لأنه حتى داخل كنيستنا هناك أدعياء يدّعون أنهم يصنعون معجزات وقد يكونوا رهبانًا أو كهنة ونحن نقاومهم وننصح الشعب ونقوم بتوعيتهم.
كمثال: في أحد المرات سمعت أن صورة للعذراء مريم من النتيجة السنوية المصنوعة من الورق المقوى موضوعة في مطبخ إحدى البيوت بأحد أحياء القاهرة يخرج منها زيت. وكان الناس يتركون الكنائس ليتقاطروا على ذلك البيت ويأخذون زيتًا من الصورة التي في هذا المطبخ، خالعين أحذيتهم خارج المطبخ. فلما سمعت ذلك قلت أن هذا وضع لا يصح. ثم كان هناك شخصًا زكيًا قام بالمرور على باعة الزيت في هذا الحي سائلًا واحدًا فواحدٍ عما إذا كان يحدث أمر غريب في الزيت، إلى أن قال له أحد هؤلاء البائعين أنه كلما ملأ الأوعية زيتًا يجدها ناقصة. ومن هنا فهم وأعلن للناس من أين يأتي الزيت الذي يخرج من الصورة.. الزيت ينقص بفعل شيطاني روحاني غير منظور.
ولذلك عندما تحدث أي ظاهرة معجزة وتأخذ وضعًا كبيرًا في الكنيسة، تشكّل الكنيسة لجنة لتَقَصى الحقائق، ولفحص المعجزة. وإننا لا نقبل أي من يدّعى أنه يصنع معجزة لأنه قد يكون مستخدمًا السحر مثلًا، هذا نقف ضده ونتصدى له، وأحيانًا يغضب الناس منا، لكن هذا هو دورنا ويجب أن نؤديه.
من شروط المعجزة الحقيقية أنها تؤدى إلى تمجيد الله..
الشخص الذي يعظمه الناس نتيجة المعجزات نبحث في مدى صدق عقيدته، لأن "السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ" (يو4: 23)، هل يستخدم هذا الإنسان السحر؟ أم أنه يستخدم الصلاة؟ وهل هو يسير في الإطار الأرثوذكسي السليم أم لا؟
ولذلك لابد أن يعرف من يهاجمون المعجزات أننا نحن أنفسنا نتصدى لأي معجزة لا يكون مصدرها الروح القدس ونعمة المسيح..
لابد أن تؤدى المعجزة إلى تمجيد الله، ولابد أن تكون مقترنة بالإيمان السليم المطابق لوصايا السيد المسيح المكتوبة في الإنجيل. وإن هؤلاء الذين يهاجمون العقيدة الأرثوذكسية لو ادعوا القيام بعمل معجزات، فسوف أقول لهم: بما أن إيمانكم ليس سليمًا، إذًا معجزاتكم تكون غير صادقة.