رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ما هي إذن عناصر القوة في الخدمة؟ هي مقدار ما في الخدمة من عمق، ومن حب وبذل. وأيضًا ما فيها من تأثير، ومن قدرة على تغيير النفوس إلى أفضل. ومن الأمثلة على القوة في العمل، ذهاب أبينا إبراهيم ليقدم ابنه الوحيد إسحق محرقة حسب أمر الرب له.. لاشك أن أبانا إبراهيم قدم ذبائح لا نستطيع أن نحصيها، في كل مكان يذهب إليه. ولكن هذه الوحيدة هي التي لا يمكن أن تنسى وسط جميع ذبائحه. مع أنه كانت بمجرد النية ولم تتم!! كانت هذه الذبيحة (بالنية) أعظم من جميع ذبائحه التي تمت فعلًا. بل كانت أعظم من جميع الذبائح التي قدمها الناي طوال عصور التاريخ. وقد سجلها الكتاب، كدرس للأجيال، لأنها تحمل قوة لا يعبر عنها في الحب والبذل، وفي الطاعة والإيمان، وفي ضبط النفس.. عمل آخر له قوته، هو تقديم الأرملة للفلسين. إنه مبلغ بسيط، ولكنه كان من أ‘وازها. لذلك امتدحها الرب، واعتبر إنها قد أعطت أكثر من الجميع. القوة هنا هي نوعية العمل، وليس في كميته.. لأنها أعطت من أعوازها، وهي محتاجة وفقيرة وأرملة. ويمكن أن توجد للأرملة التي أعطت الفلسين، أمثلة في الخدمة. منها ذلك الخادم، الذي لا يمكن أن يعتذر عن الخدمة، وهو في أيام الامتحانات، مع احتياجه لكل دقيقة للمذاكرة والمراجعة والاستعداد للامتحانات.. ولكنه يذهب إلي الخدمة. ولا ينسي له الله ذلك أبدًا. لأن الوقت الذي أعطاه للخدمة، قد أعطاه من أعوازه.. ومثله الذي يذهب إلي الخدمة. وهو مريض، ومحتاج إلي الراحة. ولكنه يبذل من هذه الراحة التي هي من أعوازه، ويقدمها للخدمة. وبالمثل الموظف الفقير المحتاج، الذي كل مرتبه لا يكفيه. ومع ذلك يقدم العشور، وربما يكون مديونًا وقتذاك. إن العطاء من الأعواز، يدل علي حب وإيمان: حب للذين يعطيهم، ولله الذي أعطي الوصية. وإيمان بأن الله لابد أن يعوض، ويبارك القليل. كما يدل هذا العطاء أيضًا علي الاهتمام بالغير أكثر من الذات، ففيه إذن إنكار للذات. وهكذا فعلت أرمله صرفة صيدا، حينما قدمت قليل الدقيق والزيت الذي عندها لإيليا النبي، أثناء المجاعة.. قوة العمل تظهر أيضًا في قصة داود أمام جليات.. إن حروبًا كثيرة عرفها العالم وسجلها التاريخ. ولكن لا يوجد فيها كلها ما يماثل جرب داود مع جليات.. كان داود طفلًا بالقياس لذلك الجبار. لم تكن له قوته ولا أسلحته، ولا خبرته في الحروب، ذلك الذي خاف منه كل الجيش.. ولكن قوة داود كانت في غيرته وفي إيمانه.. غيرته في قوله "من هو هذا الأغلف حتى يعير شعب الله؟! "وأيضًا في قوله "أنا أذهب وأحاربه".. أما إيمانه ففي قوله لذلك الجبار "اليوم يحبسك الرب في يدي"، "أنت تأتيني بسيف ورمح، وأنا آتيك باسم رب الجنود.. "من أجل قوة داود -في غيرته وإيمانه- هتفت النسوة قائلات "ضرب شاول ألوفه، وداود ربواته".. فما هي تلك الربوات؟ كانت هذه المرة الوحيدة في حروب داود تساوي ربوات.. كم من حرب خاضها داود، وكم كانت له من انتصارات، فيما بعد وهو قائد عظيم. ولكنها كلها لا تقاس بتلك الحصاة الملساء التي ارتكزت بإيمانه في رأس جليات.. كانت تساوي ربوات، غذ كان لها عمق معين، في غيرته التي لم تقبل تعييرات ذلك الجبار. كذلك كان هناك عمق آخر في عدم خوفه، وعدم رهبته للموقف، بل تقدمه للصفوف بمقلاعه وحصوته بكل إيمان أن الله سيدفع الجبار إلي يده، إلي يده الصغيرة الملساء مثل حصاته..! حقًا هذه قوة.. ليست مجرد العمل، بل القوة التي فيه، الإيمان الذي فيه.. قوة الخدمة قد تظهر أيضًا في نتائجها: مثل قوة القديس أثناسيوس الرسولي في الدفاع عن الإيمان. وكيف أنه استطاع أن يحول دفة الموقف كله. وكما قال عنه القديس جيروم: "مر وقت كاد فيه العالم كله أن يصبح أريوسيًا، لولا أثناسيوس".. وبالمثل نقول عن قوة حياة القديس أنطونيوس الكبير، التي جذبت بتأثيرها الكثيرين، حتى انتشرت تلك الحياة الملائكية في العالم أجمع.. هناك خدمة قوية، ولا يلاحظها الناس، لأنها في الخفاء. قد يكون هناك اجتماع ناجح، وتلقي فيه عظة قوية لها تأثير عميق. وربما يكون سبب هذا النجاح كله، اجتماع صلاة من اجل الاجتماع. ركب منحنية أمام الله تصلي من أجل أن يمنح الله كلمة للواعظ واستجابة من المستمعين.. هؤلاء المصلون لا يراهم أحد، ولكنهم يمثلون قوة في الخفاء.. الناس يعجبون بالنجف الساطع الضياء، ولا يرون الموتور المولد للكهرباء! ويمتدحون الضياء الذي يرونه، ولا يذكرون إطلاقًا المولد الكهربائي الذي هو سبب القوة. لكنه يعمل في الخفاء. إنها خدمة الأساس المخفي وليس البناء الظاهر. وكم من خدمات قوية جدًا تعمل في الخفاء، ولا يراها أحد، مثل إرجاع مرتد إلي الإيمان، أو هداية فتاة منحلة، أو مصالحة أسرة متخاصمة. إنها خدمة في الخفاء، ولكنها قوية. وقد تكون وراءها خدمة أخري قوية، وفي الخفاء. وهي قداس مرفوع لأجلها، وله قوته.. هناك نوع آخر من الخدمة القوية غير الظاهرة وهي الخدمة الفردية. الناس دائمًا يمتدحون الاجتماعات العامة القوية. ونادرًا ما يلتفتون إلي الخدمة الفردية التي قد تكون أكثر وقعًا وتأثيرًا وتأتي بنتيجة قوية في القيادة إلي الملكوت. وتدخل فيها أيضًا خدمة الافتقاد، والجلسة الروحية بين أحد الآباء الكهنة وأسرة من رعيته. تري لو خيرت بين إلقاء عظة في اجتماع يحضره المئات، وخدمة فردية لشاب ضال، أيهما تختار؟ لعازر الدمشقي سافر في خدمة هامة لاختيار زوجة لإسحق أصبحت جدة للمسيح. وقد يسر الله طريقه. ولاشك أن أبانا إبراهيم كان يصلي بحرارة من أجل ذلك. وهناك نسأل: أكان نجاح المهمة بسبب صلاة أبينا إبراهيم، أم بإخلاص لعازر الدمشقي؟ قطعًا كان النجاح بكليهما: بالعمل الظاهر للعازر في أمانته ومحبته لسيده، وفي العمل المخفي لإبراهيم. وقبل كل شيء لنعمة الله الذي "يسر طريقه، تتحد قوة العمل وقوة الصلاة". هناك نوع آخر من الخدمة القوية، وهو خدمة القدوة والبركة. خدمة القدوة هي خدمة صامته، ولكنها ذات تأثير أقوي من خدمة الكلمة، لأنه تقدم النموذج العملي للحياة الروحية، وهو بلا شك أقوي من مجرد الكلام عن تلك الحياة.. أما خدمة البركة، فتتجلي في حياة أولئك الذين كانوا بركة في أجيالهم، وقال الرب أثناء شفاعة إبراهيم في مدينة سادوم "إن وجد عشرة (أبرار)، لا أهلك المدينة من أجل العشرة" (تك 18). لم يقل إن صلي هؤلاء العشرة من أجل المدينة، وإنما إن وجدوا، مجرد وجودهم هو خدمة كبيرة لأجل المدينة.. لا يهلكهم الرب لأجلهم.. كان إيليا بركة في بيت أرملة صرفة صيدا. وكان أليشع بركة في بيت. وكان يوسف الصديق بركة في أرض مصر. بل كان نوح بركة للعالم كله. من اجله استبقي الله حياة للبشر استمرت علي الأرض. النمو في الخدمة في الواقع أن النمو هو شرط أساسي من شروط الخدمة الناجحة. فالخدمة الروحية هي خدمة دائمة النمو. ونمو الخدمة له مظاهر متعددة. فهو نمو في العدد، سواء بالنسبة إلي الخدام أو المخدومين. وكذلك في تفاصيل الخدمة وفي نوعيتها. كما أنه أيضًا نمو في الروح. ولنبدأ بالنمو في العدد: النمو في العدد: ولعل أبرز مثال لذلك هو خدمة السيد المسيح ورسله القديسين. بدأ السيد المسيح باثني عشر تلميذًا (مت 10) ثم بسبعين آخرين (لو 10) نسمع عم مائة وعشرين يوم اختيار متياس (أع 1: 15). ونسمع أيضًا عن أكثر من خمسمائة أخ ظهر لهم السيد دفعة واحدة بعد قيامته (1 كو 15: 6). كم نعرف أنه كانت تزحمه الجموع، وآلاف كانوا يسمعونه (يو 6: 10). وازداد العدد، فاعتمد ثلاثة آلاف في يوم الخمسين (أع 2: 41) وبعد شفاء الرجل الأعرج على باب الجميل، اَمن كثيرون "وصار عدد الرجال نحو خمسة آلاف" (أع4: 4). واستمر النمو حتى يقول الكتاب فيما بعد "وكان مؤمنون ينضمون إلي الرب أكثر، جماهير من رجال ونساء" (أع 5: 14). بل في كل يوم، كان ينضم إلي الكنيسة مؤمنون جدد. وفي ذلك يروي سفر أعمال الرسل فيقول "وكان الرب في كل يوم يضم إلي الكنيسة الذين يخلصون" (أع 2: 47). ويتطور الأمر حتى قيل وقت اختيار الشمامسة السبعة "وكانت كلمة الرب تنمو، وعدد التلاميذ يتكاثر جدًا في أورشليم، وجمهور كثير من الكهنة يطيعون الإيمان" (أع 6: 7)؟ ثم بعد ذلك نسمع عن انضمام مدن وشعوب. ليس فقط في أورشليم، وإنما أيضًا في كل اليهودية والجليل والسامرة. حتى الذين تشتتوا من جراء الاضطهاد، "جالوا مبشرين بالكلمة" (أع 8: 4). وإذا بالسامرة قد آمنت، وأرسل إليها مجمع الرسل بطرس ويوحنا لكي يمنحاهم الروح القدس بعد أن اعتمدوا (أع 8: 14-17). ويسجل سفر أعمال الرسل عبارة جميلة جدًا عن هذا النمو يقول فيها: "وأما الكنائس في جميع اليهودية والجليل والسامرة، فكان لها سلام، وكانت تبني وتسير في خوف الرب. وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر" (أع 9: 31). وانتقل العمل الكرازي إلي "فينيقية وقبرص وأنطاكية"، "واَمن عدد كثير ورجعوا إلي الرب". "واجتمع برنابا وشاول في الكنيسة في أنطاكية سنة كاملة، وعلما جمعًا غفيرًا. ودعي التلاميذ مسيحيين في أنطاكية أولًا" (أع 11: 19-26). وبنشاط القديس بولس الرسول ومساعديه ازداد نمو الكنيسة، وانظم إليها كثيرون من بلاد اليونان، في مكدونية، في تسالونيكي، وفيلبي، وبيريه، وغير ذلك "فاَمن كثيرون منهم، ومن النساء اليونانيات الشريفات، ومن الرجال عدد ليس بقليل" (أع 17: 12). ثم انتقل الإيمان إلي أثينا (أع 17). وانتقل الإيمان إلي رومه، حيث ذهب إليها القديس بولس وبشرها. وهناك "أقام بولس سنتين كاملتين في بيت استأجره لنفسه. وكان يقبل جميع الذين يدخلون إليه، كارزًا بملكوت الله، ومعلمًا بأمر الرب يسوع المسيح، بكل مجاهرة بلا مانع" (أع 28: 30، 31). وذهبت الكرازة إلي مصر والشرق، وهكذا ازداد النمو عدديًا وجغرافيا، وتحققت فيهم نبوءة المزمور: "في كل الأرض خرج منطقهم، وإلي أقصي المسكونة كلماتهم" (مز 19: 4). واستطاعت كنيسة الرسل في حوالي 35 سنة بعد القيامة، أن تنفذ وصية السيد المسيح الذي قال لتلاميذه "وتكونون لي شهودًا في أورشليم، وفي كل اليهودية والسامرة، وإلي أقصى الأرض" (أع 1: 8). وأيضًا قوله لهم "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم.." (مت 28: 19). "اذهبوا إلي العالم أجمع، واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" (مر 16: 15). و قد نجحوا في ذلك، علي الرغم من كل المقاومات.. سواء مقاومات اليهود ومؤامراتهم، وإلقائهم في السجون، أو مقاومات مجامع الفلاسفة (أع 6: 9).. أو محاكمات الدولة الرومانية. وعلي الرغم من الاضطهادات المريرة وعصور الاستشهاد القاسية، وعلي الرغم أيضًا من قلة الإمكانيات التي كانت لهم. نقول هذا لنعاتب، ليس فقط الذين توقف نموهم، بل نقص عددهم في بعض المناطق بنمو عمل الطوائف الأخرى وأنشطتهم وإغراءاتهم . كل من تقابله، كلمه لتجذبه إلي الله أرثوذكسيًا كان أو غير ارثوذكسي. اذهب والق بذارك علي كل أرض، كما في مثل الزراع الذي ألقي البذار، ليس فقط علي الأرض الجيدة، وإنما حتى علي الأرض المحجرة والأرض المليئة بالشوك، والأرض التي ليس لها عمق (مت 13:3 –9). وفي عملك كخادم، اذكر الرمز في كلمة الرب التي قالها منذ بدء الخليقة، وفي أيام نوح: "أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض، واخضعوها" (تك 1: 28). (تك 9: 1). ولا تؤخذ هذه الآية من الناحية الجسدانية أو المادية فقط..، وإنما بمعناها الروحي أيضًا.. وعبارة "اخضعوها" في (تك 1: 28). تعني من الناحية الروحية "اخضعوها لكلمة الله، أو لوصيته. وهكذا نصلي كل يوم قائلين في المزمور "فلتعترف لك الشعوب يا الله، فلتعترف لك الشعوب كلها.. ليعرف في الأرض طريقك، وفي جميع الأمم خلاصك" (مز 67: 2، 3). والعجيب أن داود النبي صلي هذا المزمور في وقت كان اليهود فيه ينادون بأنهم شعب الله المختار، ولكنه صلي من أجل الشعوب، ومن أجل خلاص الأمم كلها.. ألعلها كانت نبوءة عن خلاص الأمم؟ أو هي معرفة نبوية بمحبة الله لكل الشعوب، وانتشار الإيمان بين الكل.. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
كيف نبدأ العلاقه مع الله وكيف ننميها ؟ |
عناصر القوة في الخدمة |
عناصر القوة في الخدمة |
عناصر القوة |
هبة القوة ؟ وكيف نحصل عليها ؟ |