منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 03 - 04 - 2021, 06:59 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,056

حوار مع السامرية

حوار مع السامرية


فجاءت امرأة من السامرة لتستقي ماء،
فقال لها يسوع:

"اعطيني لأشرب"


مجيء المرأة عند الظهيرة بعد أن حمل الرجال والنساء مياههم إلى منازلهم يكشف عن موقف الشعب منها؛ إذ لم تكن لها الجرأة أن تواجه أحدًا، فجاءت في وسط الحرّ لتستقي ماء من البئر بمفردها. مسيحنا هو إله المرذولين والمطرودين، يخرج منهم أبناء الملكوت وكارزين بالحق.واضح أن هذه المرأة السامرية كانت فقيرة،ليس لها خادم يُحضر لها ماءً من البئر، وأنها مكافحة ذهبت بنفسها إلى البئر لتأتي بالماء.

هذا اللقاء يذكرنا برفقة وراحيل وابنة يثرون كيف تزوجن خلال اللقاء عند البئر بزيجات مباركة باسحق ويعقوب وموسى. هكذا وجدت السامرية عريس نفسها عند بئر يعقوب. ونحن نجد مسيحنا عريسًا لنا عند جرن المعمودية.
بدأ السيد المسيح حواره معها بطلب متواضع: أن يشرب ماءً. ذاك الذي من أجلنا افتقر، الآن من أجلنا صار شحاذًا لكوب ماء، ليس لاحتياج شخصي، وإنما ليكشف لها عن احتياجها هي إليه،فتشرب وترتوي من ينابيع نعمته الغنية.
ماذا تعني "أنا عطشان"؟ إني أتوق إلي إيمانك[461].
ذاك الذي سأل أن يشرب كان في عطشٍ إلى إيمان المرأة نفسها

القديس أغسطينوس


هنا نتعلم من جهاده في رحلته، وعدم اهتمامه بالطعام، وكيف تطلع إليه كأمرٍ قليل الأهمية. وقد تعلم التلاميذ أن يستخدموا تدبيرًا مشابهًا، إذ لم يأخذوا معهم أية مئونة للطريق. يعلن ذلك إنجيلي آخر قائلاً بأنه عندما تحدث السيد معهم عن "خمير الفريسيين" (مت 16:6) ظنوا انه قال هذا لأنه لم يكن معهم خبز، وعندما قدمهم لنا وهم يقطفون سنابل القمح ويأكلوا (مت 12: 1)، وأيضا قال أن يسوع جاء إلي شجرة التين إذ كان جائعًا (مت 21: 18)، كل هذا أورده لا لشيء سوى أن يعلمنا بهذا أن نستخف بالبطن، ولا نحسب خدمتها أمرًا يقلق انتباهنا


القديس يوحنا الذهبي الفم


"لأن تلاميذه كانوا قد مضوا إلى المدينة ليبتاعوا طعامًا".


في هذا الموضع لم يظهر فقط جهاده، وإنما أظهر تحرره من الكبرياء، ليس فقط بكونه كان متعبًا ولا بجلوسه علي جانب الطريق، وإنما بتركه وحده وترك تلاميذه له. فكان في قدرته - إن أراد - ألا يرسلهم جميعًا، أو يترك البعض يذهب والآخرين يخدمونه. لكنه لم يرد هذا، فقد جعل تلاميذه يعتادون علي وطأ الكبرياء تحت أقدامهم.


وأي عجب إن كانوا يسلكون باعتدال في اشتياقاتهم ما داموا كانوا صيادي سمك وصانعي خيام؟" نعم كانوا صيادي سمك وصانعي خيام، لكنهم في لحظة صعدوا حتى إلى أعالي السماء، وصاروا أكثر كرامة من كل الملوك الأرضيين، إذ حسبوا أهلاً أن يصيروا في رفقة رب العالم، وأن يتبعوا ذاك الذي يتطلع الكل إليه برعدة. وأنتم تعلمون هذا أي أن الذين كانوا على وجه الخصوص من أصل وضيع عندما ينالون امتيازًا بسهولة شديدة ينتفخون في غباوة، إذ يجهلون تمامًا كيف يحتملون كرامتهم التي نالوها فجأة. لهذا فلكي يحفظهم في تواضعهم الحاضر كان دائمًا يعلمهم أن يكونوا معتدلين، ولا ينتظروا أحدا يستقبلهم (بكرامة) .


القديس يوحنا الذهبي الفم


بينما مضى التلاميذ إلى المدينة ليشتروا طعامًا استغل السيد هذه الفرصة ليدخل في حوارٍ مع المرأة السامرية، ويسحبها هي وأهل المدينة لخلاصهم. هذا هو طعامه الحقيقي أن يتمم مشيئة الآب، وهي خلاص النفوس.


مسيحنا الذي يهتم بالحديث مع الجماهير يهتم أيضًا أن يلتقي مع شخص واحد، امرأة فقيرة غريبة الجنس وسامرية تحمل عداءً لليهود.


ذهبوا ليبتاعوا أطعمة، لأنهم لم يكونوا مثلنا نحن الذين عندما ننهض من أسرتنا نهتم قبل اهتماماتنا كلها بهذا الأمر، وهو أن نستدعى طباخين ومصلحي أطعمتنا وخدام موائدنا ونوصيهم بحرص كثير على إصلاح مأكولاتنا، وبعد ذلك نمارس أشغالنا العادية كلها، ونهتم بها قبل الأشغال الروحية، لأنه كان واجبًا علينا على خلاف ذلك أن نجعل اهتمامنا بالأشغال الروحانية كثيرًا، وبعد أن نتممها حينئذ نمارس أيضًا الأشغال العادية.


القديس يوحنا الذهبي الفم


"فقالت له المرأة السامرية:


كيف تطلب مني لتشرب وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية؟


لأن اليهود لا يعاملون السامريين".


لقد عرفت السامرية أنه يهودي من ملبسه المختلف عن السامريين أو من لهجة حديثه. وما شغل قلبها ليس أن تعطيه الطلب أو ترفضه، وإنما لهجة حديثه التي لم تحمل عداءً مع أن السامريين كانوا خصومًا لليهود (عز ٤: ١). وهي تعلم ما يحمله اليهود من حقدٍ وضغينة ضد السامريين، حيث يتطلعون إليهم أن لا نصيب لهم في القيامة، وأنهم في نظرهم تحت اللعنة ومحرومون من شعب الله. وأنه لا يجوز أن يأكل يهودي طعامًا لسامري لئلا يتنجس كمن يأكل لحم خنزير. أما السيد المسيح فلم ينشغل بالعداوة التي بين اليهود والسامريين، إنما ما يشغله جذبه للنفس لتتمتع بخلاصه.


دُهشت المرأة السامرية لموقف السيد المسيح، فإنه ما كان يمكن ليهودي أن يطلب شيئًا من سامري، مهما بلغ احتياجه، أو واجه من متاعب ومصاعب، دون أي استثناء. كما دُهشت كيف يتوقع من سامرية أن تعطيه طلبه بينما يحمل السامريون عداءً لليهود.


لم يكن هناك تعامل بين اليهود والسامريين سواء من جانب العبادة أو التجارة، بل ولا يجوز لليهودي أن يستعير إناءً من سامري أو يشاركه نفس الطعام.


ومن أية جهة ظنت أنه يهودى؟ لعلها ظنت ذلك من ملبسه ومن لهجة كلامه.


تأمل كيف كانت المرأة السامرية مؤدبة، لأنها لم تقل إن السامريين لا يختلطون باليهود، لكنها قالت لا "لأن اليهود لا يعاملون السامريين"[465].


القديس يوحنا الذهبي الفم


لقد تدرجت في معرفة السيد المسيح بفضل حديثه وإعلاناته التدريجية.


في بداية حديثه معها حسبته يهوديًا لا يخالط السامريين [9].


دعته: "يا سيد" [11].


توقعت أنه أعظم من يعقوب أب الأسباط [12].


آمنت أنه واهب المياه الحية [15].


أنه نبي [19].


توقعت أن يكون المسيا المنتظر [25]، فقال لها: "أنا الذي أكلمك هو" [26].


"أجاب يسوع وقال لها:


لو كنتِ تعلمين عطية الله،


ومن هو الذي يقول لك اعطيني لأشرب،


لطلبت أنت منه،


فأعطاك ماءً حيًا". [10]


سحب السيد المسيح هذه المرأة إلى طريق الخلاص، لا بالهجوم على العبادة في السامرة، بكونها منشقة، وأنها قد شوهت الإيمان والعبادة، وإنما بسحب فكرها من الانشغال بالعداوة القائمة بين الفريقين إلى الدخول إلى أعماق نفسها لتعطش إلى الماء الحي، وتدرك حاجتها إلى المخلص. الآن ليس الوقت للنزاع، بل للجلوس الهادئ مع النفس والتمتع بعطايا الله المجانية. فقد حان وقت افتقاد الله للعالم كله بإرسال المسيّا المخلص. شهوة قلب السيد المسيح أن نعرفه، فنطلبه ونقتنيه، فنرتوي منه أبديًا!


ما تحتاج إليه هو المعرفة الصادقة: "لو كنتِ تعلمين عطية الله"، "ومن هو الذي يقول لكِ...". معرفة عطية الله لها، ومعرفة المتحدث معها، لأنه هو العطية العظمى! هو كنز الحب الإلهي الفائق، المروي للنفس الظمأ. إنه ليس قرضًا نستدين به لنرده، بل عطية مجانية، يُسر الآب أن يقدمها للبشرية.


لم تكن تدرك عطية الله الذي أرسل ابنه الوحيد ليبذل ذاته عن العالم (يو ٣: ١٦)، ولا عطية الروح القدس الذي يفيض في النفس كنهرٍ يرويها ويروي آخرين، ويقدم الروح مواهب روحية لا حصر لها لخلاص العالم. هذه العطايا إلهية مجانية قدمها الله من أجل مبادرته بالحب لنا ونحن بعد أعداء. تبقى هذه العطية مصدر معرفة إلهية مستمرة حتى في الحياة الأبدية: "وأراني نهرًا صافيًا من ماء الحياة، لامعًا كبلورٍ خارجًا من عرش الله والخروف" (رؤ 22: 1).


عطية اللَّه هو الروح القدس. لكنه حتى ذلك الحين كان يتحدث مع المرأة بحرصٍ، ويدخل إلى قلبها تدريجيًا[466].


القديس أغسطينوس


"الماء الحي" هو تعبير شائع لينابيع المياه التي تفيض بلا توقف، يقابله "الماء الميت" الراكد في البرك والمستنقعات ومخازن المياه حيث تتعرض للتلوث. يشير الماء الحي إلى الروح القدس الذي يروي النفس ويحول قفرها إلى فردوسٍ مثمرٍ، ويغسل ما في النفس من دنس.


أوضح المسيح هنا أن المرأة (السامرية) مستحقة أن تسمع، وليست أهلاً للإعراض عنها، وبعد ذلك كشف لها عن ذاته. فإنها ما أن تعلمت من هو، للحال استمعت إليه وأصغت، الأمر الذي لا يُقال عن اليهود، لأنهم إذ تعلموا لم يسألوه شيئًا، ولا رغبوا في الانتفاع بأمرٍ ما منه، بل شتموه وطردوه[467].


القديس يوحنا الذهبي الفم


هذا هو الماء الذي عطش إليه داود. إذ تشتاق الإيل إلى ينبوع تلك المياه (مز 3:42)، ولا تعطش إلى سم الحيَّات. لأن مياه نعمة الروح حيّة، تطهر الأجزاء الداخلية للعقل وتغسل كل خطية للنفس، وتطهر عصيان الأخطاء الخفيَّة .


القديس أمبروسيوس


"لطلبتِ": المعرفة الصادقة تدفعنا نحو الصلاة والطلبة. فالله من جانبه مستعد أن يهب، لكنه ينتظر أن نعلن رغبتنا في الأخذ، نطلب فنأخذ.


"قالت له المرأة:


يا سيد لا دلو لك والبئر عميقة،


فمن أين لك الماء الحي؟" [11]


يرى Maundiell أن عمق البئر كان حوالي ٣٥ ياردة[469]، استخراج الماء يتطلب دلوًا وحبلاً طويلاً لم يكن مع السيد ولا مع تلاميذه. بدا لها ما يقوله السيد ليس بمنطقي، لأنه كان يحدثها عن الروحيات بينما كانت هي تفكر بطريقة مادية. ومع هذا فمن لهجة حديثه شعرت بالالتزام أن تحترمه وتوقره، فبدأت تقول: "يا سيد".


اعتزت السامرية بالبئر التي حفرتها يد بشرية، ولم تدرك أنها أمام الينبوع الإلهي الحي. فقد سبق فعاتب الرب شعبه قائلا لهم: "شعبي عمل شرين، تركوني أنا ينبوع المياه الحية، لينقروا لأنفسهم آبارًا آبارًا مشققة لا تضبط ماء" (إر 2: 13).


انظر كيف أجابت المرأة المسيح بأوفر دعة قائلة: "يا سيد لا دلو لك والبئر عميقة فمن أين لك الماء الحي؟" لأنها لم تدعه هنا سيدًا على بسيط ذات التسمية، لكنها كرمته كثيرًا. والبرهان على أنها قالت هذه الأقوال مكرمة إياه، أنها ولم تضحك عليه، لكنها تحيرت بسرعة. وإن كانت لم تفهم في الحال كل ما يجب أن تفهمه عن المسيح فلا تتعجب، لأنه ولا نيقوديموس فهم معنى كلام المسيح.


تأمل ما قاله نيقوديموس: "كيف يمكن الإنسان أن يولد وهو شيخ؟ ألعله يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية ويولد؟" (يو 3: 4)، أما هذه المرأة فكانت أوفر توقيرًا من نيقوديموس، إذ قالت: يا سيد لا دلو لك والبئر عميقة، فمن أين لك الماء الحي؟" كان يمكنها أن تقول قولاً على سبيل التهجم: "لو كنت تمتلك هذا الماء الحي لما طلبت مني ماءً، بل تعطيه لنفسك أولاً، فأنت الآن إنما تفتخر بذلك". إلا أنها لم تنطق بلفظ من هذه الألفاظ، لكنها أجابت بوداعة كثيرة في ابتداء الخطاب.


القديس يوحنا الذهبي الفم


"ألعلك أعظم من أبينا يعقوب الذي أعطانا البئر،


وشرب منها هو وبنوه ومواشيه؟" [12]


كان السامريون يحسبون أنفسهم أبناء يعقوب، لأنهم أسباط إسرائيل العشرة التي انشقت أيام يربعام، لكنهم كما رأينا صاروا يحملون دمًا غريبًا من أمم مختلفة.


كأن المرأة السامرية تقول للمسيح: "إن أبانا يعقوب قد أعطانا هذه البئر ولم يستعمل بئرًا غيرها، لأنه هو والمنسوبين إليه شربوا من هذه البئر، فما كانوا يشربون منها لو كانوا يمتلكون أفضل منها، فما تقدر أنت أن تعطينا أفضل من هذه البئر ومن هذا الماء. ولا يمكنك أن تمتلك بئرًا أخرى أفضل من هذه. إن لم تعترف بأنك أعظم من أبينا يعقوب، فمن أين تمتلك الماء الذي تعدنا أن تعطيه لنا؟


القديس يوحنا الذهبي الفم


حسن أن تعتز السامرية ببئر أبيها يعقوب، لكنها لم تعرف كيف تعبر خلاله إلي إله يعقوب واهب المياه الحية. كان يليق بها أن تنطلق مع يعقوب أبيها لترى سلم يعقوب الصاعد من رأسه إلى السماء، فتتهلل بالصليب فاتح أبواب السماء للعالم كله! وحسن أن تناقش السجود لله: هل على جبل أورشليم أم على جبل جرزيم لكي تعبر مع رجال العهد القديم القديسين إلى ما وراء الجبال، فتتمتع بالسجود لله بالروح والحق. ما أعظمها وهى تتلمس فيه أنه المسيا الذي تترقبه الأجيال ليخبرهم بكل شيء، فتأهلت أن يعلن لها: "أنا الذي أكلمك هو". بلغت قمة الإعلان الإلهي بفم المخلص نفسه، ففاقت الكثيرين.


"أجاب يسوع وقال لها:


كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا". [13]


لم يجبها: "نعم، أنا أعظم من يعقوب"، لكنه بلغ هذا الهدف بحديثه معها... راغبًا في إيضاح طبيعة الأمور، ومدى الفرق الشاسع والاختلاف الكامل بين شخصي المعطيين[470].


القديس يوحنا الذهبي الفم


الماء الذي في البئر هو ملذات العالم في أعماقه المظلمة، من هذا يسحب البشر بأوانيهم التي للشهوة... لتحسبوا الشهوة هي الدلو، واللذة هي الماء الذي من عمق البئر. عندما يحصل شخص على لذة هذا العالم، فإن هذا بالنسبة له طعام وشراب وحمَّام وأبهة وسلاح، فهل يمكنه ألا يعطش مرة أخرى؟[471]


القديس أغسطينوس


"ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا،


فلن يعطش إلى الأبد،


بل الماء الذي أعطيه، يصير فيه ينبوع ماء، ينبع إلى حياة أبدية". [14]


لم يوبخها السيد المسيح لأنها ظنت يعقوب أعظم منه، وماء البئر أفضل من مائه الحي، بل في لطفٍ شديٍ بدأ يكشف لها عن الماء الحي، مقارنًا إياه بماء بئر يعقوب. أوضح أنه لا وجه للمقارنة بين ماء يروي الجسد إلى حين، وماء يسند النفس أبديًا ويرويها، فلا تعتاز إلى شيء.


الماء الذي يقدمه السيد له ميزات خاصة:


هو عطية إلهية "أنا أعطية"، لذا يهب فرحًا إلهيًا: "فتستقون مياهًا بفرحٍ من ينابيع الخلاص" (إش 12: 3).


يهب حياة أبدية بلا احتياج، "لن يعطش إلى الأبد". "من يقبل إلي فلا يجوع، ومن يؤمن بي فلا يعطش أبدا" (يو 6: 35).


ماء داخلي في النفس "يصير فيه". لذا يناجيها واهب المياه الحية، قائلا: "أختي العروس جنة مغلقة، عين مقفلة، ينبوع مختوم" (نش 4: 12).


يحول الأعماق إلى ينبوع فياض على الغير. "من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي" (يو 7: 38).


يسمي السيد المسيح الروح نارًا، مشيرًا إلى النعمة التي تنشط وتدفئ، قادرة على محو الخطايا والتطهير منها، كما أنه في تعبيره عنه بالماء يعلن عن قدرته على التنظيف وإزالة الأوساخ، والانتعاش العظيم الذي تحدثه في العقول التي تقبل الروح.


اشتهى الأنبياء هذه المياه الحية، حيث يسمعون الدعوة المقدمة للكل: "أيها العطاش جميعًا، هلموا إلى المياه" (إش 55: 1). كما قيل: "لا يجوعون ولا يعطشون، ولا يضربهم حر ولا شمس، لأن الذي يرحمهم يهديهم، وإلى ينابيع المياه يوردهم" (إش 49: 10). كما قيل في سفر الرؤيا: "لن يجوعوا بعد، ولن يعطشوا بعد، ولا تقع عليهم الشمس، ولا شيء من الحر، لأن الخروف في وسط العرش يرعاهم ويقتادهم إلى ينابيع ماء حية" (رؤ 7: 16).


يعني بهذا مياه المعمودية المخلصة، والتي بالحق قدمت مرة ولن تُعاد ثانية[472].


القديس كبريانوس


يسمي الكتاب المقدس نعمة الروح القدس أحيانًا نارًا وأحيانًا ماءً، مظهرًا أن هذه الأسماء لا تصف جوهره بل عمله. لأن الروح القدس غير منظور ولا مركب، ولا يمكن أن يتألف من موادٍ مختلفةٍ. لقد أعلن يوحنا (المعمدان) ذلك قائلاً: "هو سيعمدكم بالروح القدس ونار" (مت ١٣: ١١). أما الآخر (يوحنا الإنجيلي) فيقول بلسان السيد المسيح: "من آمن بي، كما قال الكتاب، تجري من بطنه أنهار ماء حي" (يو ٧: ٣٨). قال هكذا عن الروح الذي كان المؤمنون مزمعين أن يقبلوه. وفي حديثه عن السامرية دعا الروح ماء "لأن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد"[473].


إذ سمع المسيح قول المرأة له: "فمن أين لك الماء الحي، ألعلك أعظم من أبينا يعقوب الذي أعطانا البئر؟" [11، 12] ترك يعقوب وخاطبها في وصف الماء قائلاً: "كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا".


سمعت المرأة من قبل هذا القول: "الماء الحي" لكنها لم تفهم، لذلك أوضح لها المسيح هذا المعنى أفضل إيضاح فقال: "لكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا، فلن يعطش إلى الأبد"، لأن هذا أعظم سموًا من الماء بكثير، فكما أن من يملك بئرًا موضوعة داخل منزله لا يعاني من العطش في وقت من الأوقات، كذلك من يمتلك هذا الماء لن يعطش في وقت من زمانه.


القديس يوحنا الذهبي الفم


واضح أن هذه البئر هي نعمة الروح، جدول يفيض من ينبوع حيّ. فالروح القدس هو أيضًا ينبوع الحياة الأبدية...


حسنة هي هذه المياه، نعمة الروح القدس... ليتها تفيض فيَّ، ليت هذه التي تعطي الحياة الأبدية تفيض عليّ.


ليفض الينبوع علينا، ولا يفيض بعيدًا عنا. إذ تقول الحكمة: "اشرب مياهًا من أوانيك، ومن ينابيع آباؤك، ولتفض مياهك في شوارعك" (راجع أم 16:5-17). كيف احتفظ بآنيتي حتى لا يتسلل إليها شقوق الخطية، فلا تتسرب منها مياه الحياة الأبدية؟


علمنا أيها الرب يسوع، علَّمنا كما علِّمت رسلك قائلاً: "لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض حيث لا يفسد السوس ولا صدأ، وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون" (مت 19:6-20)


القديس أمبروسيوس


حينما يتحقق الوعد للشخص المطَّوب لأنه يجوع ويعطش إلى البرً (مت ٥: ٦)، فإنه يشرب من الماء الذي يعطيه، فيكون له ينبوع ماء يثب (يفيض) إلى حياة أبدية، يقوم فيه .


يليق أن يلاحظ الشخص بأن الوعد بالماء لم يُعط للمرأة السامرية عندما سألته ذلك، كما لو أن يسوع يريد ألا يقدمه إلاَّ من الينبوع، إذ قال لها: "اذهبي وأدعِ زوجك وتعالي" .


العلامة أوريجينوس


إن كان العلامة أوريجينوس قد كرس طاقاته وقدراته منذ طفولته للتمتع بالكتاب المقدس وشرحه لكنه ميَّز بين مياه الكتاب المقدس والمياه التي يقدمها رب المجد يسوع. فإن الكتاب يفيض بالأسرار الإلهية على النفس لنتمتع بالشركة مع الثالوث القدوس، لكن تبقى بعد الأسرار يحتفظ بها الرب يسوع ليقدمها سرًا للنفس المتحدة معه. إنه العريس السماوي الذي يفيض بأسراره على عروسه في مجال العرس.


حقًا إن الكتاب المقدس لا يحوي بعض جوانب من أسرار الله التي هي بالأكثر ربانية وإلهية، والتي لا تحوي صوتًا بشريًا ولسانُا إنسانيًا، وذلك كما يُفهم من المعاني المعنية: "وأشياء أخر كثيرة أيضًا صنعها يسوع، إن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة" (راجع يو ٢١: ٢٥).


لقد مُنع يوحنا من الكتابة عندما بدأ يسجل كل ما قالته السبعة رعود (رؤ ١٠: ٤). بولس أيضًا يقول أنه سمع كلمات لا يسوغ النطق بها (٢ كو ١٢: ٤). هذه الكلمات لم يكن مسموح لأحدٍ أن يعلنها...


أظن أن كل الكتب المقدسة حتى حين تُدرك بكل دقة ليست إلاَّ مدخلاً للمبادئ ومقدمة مختصرة لكل المعرفة... ماء يسوع هو ذاك الذي يفوق ما هو مكتوب (١ كو ٤: ٦).


الآن غير مسموح للكل أن يمتحن الأمور التي تفوق ما هو مكتوب (١ كو ٤: ٦)... "لا تطلبوا لكم الأمور الفائقة العلو، ولا تبحثوا ما فوق قدرتكم" (راجع ابن سيراخ ٣: ٢١)...


أيضًا الأمور التي لم تدخل قلب إنسان هي أعظم من بئر يعقوب. تُعلن هذه الأمور من ينبوع ماء يفيض (يثب) إلى حياة أبدية للذين لم يعد بعد لهم قلب إنسان، لكنهم قادرون على القول "لنا فكر المسيح" (١ كو ٢: ١٦). "لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله، التي نتكلم بها أيضًا، لا بأقوال تُعلمها حكمة إنسانية، بل بما يعلمه الروح القدس" (١ كو ٢: ١٢–١٣)...


الكتب المقدسة إذن هي مقدمات، تُدعى بئر يعقوب. إذ تُدرك بدقة للحال يلتزم الشخص أن يصعد منها إلى يسوع، لكي يتمتع بسخاء بينبوعٍ يثب إلى حياة أبدية.


لكن ليس كل أحد يسحب ماءً من بئر يعقوب بنفس الطريقة. فإن كان يعقوب وبنوه ومواشيه شربوا منها (يو ٤: ١٢)، والمرأة السامرية أيضًا جاءت إليها وشربت ماءً وعطشت، لكن ربما شرب يعقوب وبنوه بطريقة ما بمعرفة كاملة، وشربت مواشيه بطريقة أخرى في بساطة مثل الحيوانات، والسامرية شربت بطريقة أخرى غير يعقوب وبنيه ومواشيه. فالبعض حكماء يشربون من الكتب المقدسة مثل يعقوب وبنيه. آخرون أكثر بساطة وبراءة يُدعون "قطيع المسيح" (يو ١٠: ٢٦) يشربون مثل مواشي يعقوب. وآخرون يسيئون فهم الكتب المقدسة ويستخدمون أمورًا غير لائقة ينسبونها للنصوص التي يفهمونها من الكتب المقدسة، هؤلاء يشربون مثل المرأة السامرية قبل إيمانها بيسوع .


العلامة أوريجينوس


يوجد ماء حي، ينطق فيّ قائلاً: "تعال إلى الآب" .


القديس أغناطيوس الأنطاكي


بما أن طبيعتنا تحولت إلى حجارة بواسطة عبادة الأصنام، وأصبحت مُجمدة في الوثنية الباردة، وغير القادرة على التقدم، بزغت شمس البرّ (ملا 2:4). في هذا الشتاء القارس تحقق ظهور الربيع. وأزالت رياح الجنوب الدافئة آثار البرد، وأدخلت أشعة الشمس المشرقة الدفء في كل الأرض. لذلك، فالجنس البشرى الذي كان قد تحول إلى حجارة بواسطة البرد، قد يشمله الدفء بواسطة الروح القدس أشعة كلمة الله، وهكذا يصبح مرة أخرى مثل المياه التي تهب الحياة الأبدية (يو 14:4). "المحول الصخرة إلى غدران مياه، الصّوان إلى ينابيع مياه" (مز 8:114)[479].


القديس غريغوريوس النيسي


"قالت له المرأة:


يا سيد اعطني هذا الماء لكي لا أعطش،


ولا آتي إلى هنا لأستقي". [15]


لما قال المسيح للمرأة: "الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية" قالت المرأة في الحال: "يا سيد أعطني هذا الماء". أرأيت كيف أن المرأة صعدت قليلاً قليلاً إلى التعاليم العلوية؟ لأنها في الأول ظنت أن المسيح شخص يهودي منحرف عن شريعته... ولما سمعت المرأة "ماء حيًا" [14] ظنت أن هذا القول قد قيل في وصف ماء محسوس، وصدقت أن ذلك الماء يقدر أن يبطل العطش، ولم تعرف بعد ما هو هذا الماء، لكنها تحيرت أيضًا فظنت أنه أعلى قدرًا من المياه المحسوسة، وقالت: "أعطني هذا الماء لكي لا أعطش، ولا آتي إلى هنا لأستقي".


أرأيت كيف أن المرأة فضلت المسيح على رئيس الآباء إذ أوضحت رأيها في يعقوب ومقدار عظمته وعرفت الأفضل منه؟


هنا اكتسبت بصيرة أكثر جلاءً. لكنها لم تكن قد أدركت بعد الصورة الكاملة، لأنها قالت: "أعطيني هذا الماء حتى لا أعطش، ولا آتي إلى ههنا لأستقي" [١٥]. هنا تفضله عن يعقوب. لأن لسان حالها يقول: "لن أحتاج إلى هذه البئر مادمت أنال منك هذا الماء..." بعد أن أوضحت تقديرها ليعقوب، شاهدت من هو أفضل منه، وبهذا لم تعقها أفكارها السابقة... ولا كانت مجادلة متمردة[480].


القديس يوحنا الذهبي الفم


بالحق قد ظهر واضحًا أن القول: "لطلبتِ أنتِ منه، فأعطاكِ ماءً حيًا" [١٠] صادق. لأنها عندما قالت: "أعطني من هذا الماء" [١٥] تسلمت الماء الحي، فلا تكون بعد في حالة فقدان عندما تعطش، كما لا تأتي إلى بئر يعقوب لتسحب ماءً.


تستطيع الآن أن تتأمل في الحق بعيدًا عن ماء يعقوب، بطريقة ملائكية تفوق الإنسان. لأن الملائكة ليسوا في حاجة إلى بئر يعقوب لكي يشربوا.


كل ملاك له في داخله ينبوع ماء يثب إلى حياة أبدية وُجد بواسطة الكلمة، ويُعلن به وبالحكمة نفسها.


على أي الأحوال إنه غير ممكن للشخص الذي لا ينشغل باجتهاد قادمًا إلى بئر يعقوب، وساحبًا ماءً منه بسبب عطشه، أن يقبل الماء الذي يعطيه الكلمة الذي يختلف عن بئر يعقوب. لهذا، كثير من الناس، في عجزٍ شديدً في هذا الجانب، في تدريب أنفسهم لمدة طويلة على سحب ماء من بئر يعقوب[481].


العلامة أوريجينوس


"قال لها يسوع:


اذهبي وادعي زوجك وتعالي إلى ههنا". [16]


حوَّل السيد المسيح الحوار من الحديث عن الماء إلى الحديث عن حياتها الزوجية، فإن كانت قد أدركت أنها في حاجة إلى ماء من صنفٍ جديدٍ قادر أن يروي، ويهب حياة أبدية، فإنه يلزمها أن تعيد تقييم حياتها الزوجية، فإنها في حاجة إلى عريس لنفسها.


أوضح السيد المسيح لها، دون أن يجرح مشاعرها، أنه يعرف ما في قلبها كما يعرف كل أسرارها العائلية، لكي يحثها على الشعور بالخطية وحاجتها إلى التوبة.


"أجابت المرأة وقالت:


ليس لي زوج.


قال لها يسوع:


حسنًا قلتِ ليس لي زوج". [17]


ياله من طبيب إلهي ماهر، فقد كشف عن علة المرأة، وبدأ بمشرطه الإلهي أن يضرب في الجسد لكن بمهارة وقدرة وحب، فجعلها تعترف بما لم يكن لامرأة أن تنطق به: "ليس لي زوج". لم يصدر اعترافها عن تبكيتٍ جارحٍ، ولا عن تشهيرٍ بها حتى أمام نفسها، إنما بحبه أيقظ ضميرها، وكشف لها عن شخصه، فاطمأنت له وصارحته بحقيقة موقفها، إذ أدركت أنه قادر أن يضمد جراحاتها ويرد لها صحتها الروحية.


لقد قلنا قبلاً أن الناموس الذي يحكم النفس، حيث يخضع كل أحد ذاته له، هو الزوج. الآن نقتبس شهادة عن ذلك من الرسول في رسالته إلى أهل رومية حيث يقول: "أم تجهلون أيها الأخوة، لأني أكلم العارفين بالناموس، أن الناموس يسود على الإنسان ما دام حيًا... فإن المرأة التي تحت رجل هي مرتبطة بالناموس بالرجل الحي" (رو ٧: ١–٢). كما أن رجلها الحي يعني من كان رجلها هو الناموس. يقول بعد ذلك: "ولكن إن مات الرجل فقد تحررت من الناموس، الرجل"... إذ لا تعود تتمم واجبات الزوجة نحو الزوج... الآن فقد مات الناموس حسب الحرف، ولم تعد النفس زانية إذ تصير لرجلٍ آخر، أي ترتبط بالناموس حسب الروح. لكن عندما يموت الرجل عن الزوجة، ربما يُقال أيضًا أن الزوجة قد ماتت عن الزوج. إذ نحن بالتبعية نفهم العبارة هكذا. "إذًا أنتم أيضًا قد متم للناموس بجسد المسيح، لكي تصيروا لآخر للذي قد أُقيم من الأموات لنُثمر لله" (رو ٧: ٤).


إذن إن كان الزوج يُعرف بأنه الناموس، والسامرية لها زوج إذ أخضعت نفسها إلى ناموس ما على أساس سوء فهم للتعاليم السليمة، الناموس الذي به كل مبتدع يود أن يعيشه، هنا يريد الكلمة الإلهي من النفس المبتدعة أن تُفضح عندما تُدخل الناموس الذي يحكمها. وإذ تحتقر نفسها لأنها لا تنتمي إلى زوجٍ شرعيٍ تبحث عن زوج آخر. إنه يود لها أن تنتمي إلى آخر، إلى الكلمة الذي يقوم من الأموات، الذي لن يهزم ولن يهلك، بل يبقى إلى الأبد (إش ٤٠: ٨؛ ١ بط ١: ٢٥)، هذا الذي يحكم ويُخضع كل أعدائه (مز ٨: ٧؛ أف ١: ٢٢). فإن "المسيح بعدما أُقيم من الأموات لا يموت أيضًا، لا يسود عليه الموت بعد؛ لأن الموت الذي ماته قد ماته للخطية مرة واحدة، والحياة التي يحياها فيحياها لله" (رو ٦: ٩–١٠)، بكونه عن يمينه (عب ١٠: ١٢)، حتى يخضع كل أعدائه تحت قدميه (مز ١٠٩: ١)... لهذا السبب يقول يسوع لها: "اذهبي وأدعي زوجك"... وإذ أجابته "ليـس لي زوج" [١٧] أدانت نفسها على ارتباطها بزوج كهذا[482].


العلامة أوريجينوس


"لأنه كان لك خمسة أزواج،


والذي لكِ الآن ليس هو زوجك.


هذا قلتِ بالصدق". [18]


في رقة عجيبة لم يجرح مشاعرها لأنها تعيش مع من هو ليس برجلها بعد خمس زيجات، وحوَّل حوارها من المجادلة حول الخلافات بين اليهود والسامريين إلى العبادة الجديدة التي تضم كل العالم، ويتمتع بها المؤمن أينما وجد.


يرى القديس جيروم أنه يليق ترك الرجال الخمسة الذين يشيرون إلى حرفية الناموس في الأسفار الموسوية، والرجل السادس وهو يشير إلى المبتدعين، لكي نلتقي بالسيد المسيح مخلص العالم[483].


يرى القديس أغسطينوس أن هذه المرأة قد تزوجت بخمسة رجال والذي معها ليس برجلها. الأزواج الخمسة هم الحواس الخمس، فقد ارتبطت نفسها بالحواس الجسدية، التي لم تستطع أن تشبعها، لأنها لا تقود النفس إلى الأبدية، بل إلى المحسوسات الزمنية المؤقتة. والآن الذي معها ليس برجلها، إنه العقل (غير المقدس) الذي لا يقودها إلى الكلمة والحق، بل إلى الخطأ، يقدم لها مفاهيم خاطئة. إنها محتاجة إلى عريس نفسها، رجلها القادر أن يقودها إلى الحكمة والحق والشبع.


كم كانت حكمة هذه المرأة عظيمة، وكم كان خضوعها إذ قبلت التوبيخ... في هذا التوبيخ يذكر أمرين: يعدد جميع أزواجها السابقين، ويوبخها على ذاك الذي تعيش معه حينئذ وهي تحاول أن تخفي أمره. هنا ماذا صنعت المرأة؟ لم تبدِ ضيقًا ولا تركته هاربة، ولا حسبت كلامه إهانة، لكنها على العكس أبدت إعجابها به، وفاق تقديرها له، إذ قالت: "يا سيد أرى أنك نبي". تطلع إلى رزانتها، إذ لم تندفع إليه مباشرة، لكنها وهي تقدره وتعجب منه قالت: "أرى" أي "يبدو لي" أنك كنبي .


القديس يوحنا الذهبي الفم


أظن أن كل نفس تدخل إلى الدين المسيحي خلال الكتب المقدسة وتبدأ بالأشياء المُدركة بالحواس المدعوة أشياء جسدية، لها خمسة أزواج، لكل حاسة زوج. ولكن بعد أن تصير النفس في رفقة مع الأمور المدركة بالحواس وترغب فيما بعد أن ترتفع فوقها تندفع نحو الأمور المدركة بالروح؛ عندئذ تصطدم مع تعليم فاسد قائم على معانٍ رمزية روحية. حينئذ تقترب من زوج آخر بعد الأزواج الخمسة، وتقدم وثيقة طلاق للخمسة السابقين وكأنها تقرر أن تعيش مع هذا السادس... ونحن نقيم مع ذاك الزوج السادس حتى يأتي يسوع ويجعلنا ندرك شخصية زوجٍ كهذا. لكن بعد مجيء كلمة الرب ودخوله في حوارٍ معنا نجحد هذا الزوج ونقول: "ليس لي زوج". عندئذ يقول الرب: "حسنًا قلتِ ليس لي زوج" [١٧]


العلامة أوريجينوس


إذ أعلنت المرأة السامرية المذكورة في الإنجيل أن رجلها الذي كان معها هو السادس، انتهرها الرب لأنه لم يكن زوجها. من جانبي أعلن مرة أخرى بكل حرية أن الزواج الثاني digamy لا تشجبه الكنيسة، ولا حتى الزواج الثالث trigamy، ويمكن للمرأة أن تتزوج زوجًا رابعًا... أو عدد أكبر ما دام الزواج شرعيًا... لكن وإن كان الزواج الثاني غير مشجوب إلا أنه غير مستحب... "كل الأشياء تحل لي ولكن ليس كل الأشياء توافق" (1 كو 12:6) .


القديس جيروم


"قالت له المرأة:


يا سيد أرى أنك نبي". [19]


إذ كشف لها السيد المسيح عن شخصه تدريجيًا، اكتشفت المرأة أنه عالم بكل أسرارها الخفية أدركت حسب مفهومها أنه نبي، ووثقت أنه قادر أن يجيب بصدقٍ على التساؤل الذي يحير الكثيرين: هل تتحقق العبادة الصادقة في أورشليم كما يقول اليهود أم على جبل الجرزيم كما يقول السامريون؟ وهو الجبل الذي نُطق عليه بالبركات، ويرى البعض أنه نفس الجبل الذي بنى عليه إبراهيم المذبح (تك ١٢: ٦–٧)، وأيضًا يعقوب (تك ٣٣: ١٨–٢٠).


لقد سلم السامريون الهيكل الذي بناه لهم سنبلطSanballat (عام ٣٣٢ ق.م.) لانتيخوس أبيفانيوس، طالبين منه أن يُكرس للإله جوبتر أولمبياس Jupiter Olympius، وقد نفوا كل علاقة لهم باليهود، حتى لا يعانوا من الضيقات المرة التي صبها انتيخوس عليهم.


هكذا تحول الحوار إلى الحديث عن موضع العبادة: هل هو أورشليم أم جبل الجرزيم؟


ما أعجب هذا الأمر، كم كانت فلسفة هذه المرأة، كيف قبلت توبيخ المسيح بأفضل ورعٍ، إذ لما أعلن المسيح فعلها المستور لم تستصعب ذلك ولا تركته وهربت، لكنها تعجبت بالأكثر لأنها قالت له: "أرى أنك نبي".


تأمل في الحكم العادل المستقيم لهذه المرأة، فقد اتخذت قرارها من واقع الحقائق، سواء فيما يخص أبينا يعقوب أو يسوع، أما اليهود فلم يكن رد فعلهم هكذا. إذ لما شاهدوه يطرد الشياطين منهم لم يقولوا أنه أعظم من أبينا يعقوب أب الأسباط، بل قالوا "به شيطان" .


القديس يوحنا الذهبي الفم


بدأ الزوج يأتي، أنه لم يأتِ بالكامل... بدأت تدعو الزوج وتطرد خليلها[489].


القديس أغسطينوس


"آباؤنا سجدوا في هذا الجبل،


وأنتم تقولون إن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يُسجد فيه". [20]


حسب السامريون أن جبل جرزيم مقدس، عليه ينبغي أن يسجدوا لله. وهو الجبل الذي تقع البئر عند سفحه مباشرة قيل انه على هذا الجبل بنى إبراهيم مذبحًا، وعليه تقابل مع ملكي صادق حيث باركه. على هذا الجبل أمر موسى النبي بمباركة الشعب عند العبور إلى الأردن حيث وقف عليه شمعون ولاوي ويهوذا ويساكر ويوسف وبنيامين بينما وقف رأوبين وجاد واشير وزبولون ودان ونفتالي على جبل عيبال للعنة (تث ٢٧: ١١–١٣). على الجانب الآخر فإن اليهود حسبوا صهيون مسكن الله الذي اختاره أب الجميع، وعليه أقيم الهيكل ومارس الكهنة واللاويون العبادة فيه.


إذ ظنت أنه نبي لم تطلب شيئًا زمنيًا، لا صحة الجسد ولا الممتلكات ولا الثروة، لكنها اهتمت بالدين [٢٠] .


أرأيت كيف صارت المرأة في تمييزها أكثر عزمًا؟ لأن التي اهتمت بعطشها حتى لا تتكبد لأجله تعبأ سألته فيما بعد عن آراء في الدين.


القديس يوحنا الذهبي الفم


لو أن اللَّه جسد، لكان يحق أن يُسجد له على جبلٍ، لأن الجبل مادي، وكان يحق أن يُعبد في هيكل[491].


إنه لأمر عجيب! يسكن في الأعالي وهو قريب من المتواضعين. إنه "يرى المتواضع، أما المتكبر فيعرفه من بعيد" (مز 138: 6)...


إذن هل تطلب جبلاً؟ انزل لكي تقترب إليه.


هل تصعد؟ اصعد، ولكن لا تطلب جبلاً. قيل: "الصاعدون في قلبه، في وادي البكاء" (مز 84: 6). الوادي هو التواضع. لتفعل هذا كله في داخلك.


حتى إن أردت أن تطلب مكانًا مرتفعًا، موضعًا مقدسًا، اجعل لك هيكلاً في داخلك. "لأن هيكل اللَّه مقدس، الذي أنتم هو" (1 كو 3: 17).


أتريد أن تصلي في هيكلٍ؟ الجبل في داخلك، إن كنت أنت أولاً هيكل اللَّه، لأنه في هيكله يسمع من يصلي[492].


القديس أغسطينوس


"قال لها يسوع:


يا امرأة صدقيني إنه تأتي ساعة،


لا في هذا الجبل،


ولا في أورشليم،


تسجدون للآب". [21]


لقد حلت الساعة التي جاء فيها ابن الإنسان ليرفع الإنسان من الحرف إلى الروح، فما يشغل ذهن المؤمنين ليس الموضع، بل وضعهم كأبناء للآب السماوي.


الإنسان الكامل والمقَّدس يتعدى حتى هذا، إذ يعبد الرب بطريقة تأملية وإلهية بالأكثر. فكما أن الملائكة (كما يتفق حتى اليهود) لا يعبدون الآب في أورشليم، لأنهم يعبدونه بطريقة أفضل عمن يعبدون في أورشليم، هكذا الذين يستطيعون أن يكونوا مثل الملائكة (لو ٢٠: ٣٦) في ميولهم لا يعبدون الآب في أورشليم، بل بطريقة أفضل .


العلامة أوريجينوس


إنه لم يفضل مكانًا آخر، إنما أعطى الأفضلية للنية[494].


القديس يوحنا الذهبي الفم


قيل هذا حقًا في شخص اليهود، لكن ليس كل اليهود، ليس اليهود الرافضين الإيمان، بل الذين كانوا مثل الرسل والأنبياء، فقد باع كل هؤلاء القديسين ما يملكونه ووضعوا أثمانها عند أقدام الرسل. "فإن اللَّه لم يرفض شعبه الذي سبق فعرفه" (رو 11: 2) .


كأنها تقول: يجاهد اليهود من أجل الهيكل، ونحن من أجل هذا الجبل. وعندما يأتي (المسيا) سيحتقر الجبل ويلقى بالهيكل، وسيعلمنا كل شيء، فنعرف كيف نعبد بالروح والحق. لقد عرفت من يستطيع أن يعلّمها، لكنها لم تعرف بعد أنه الآن هو يعلِّمها. الآن قد تأهلت أن تتمتع بالكشف عنه .


القديس أغسطينوس


"أنتم تسجدون لما لستم تعلمون،


أما نحن فنسجد لما نعلم،


لأن الخلاص هو من اليهود". [22]


بقوله: "لما لستم تعلمون" يشير إلى إنكار السامريين لأسفار الأنبياء التي تمهد طريق المعرفة للتعرف على شخص المسيا المخلص. وبقوله "نسجد لما نعلم" يشير إلى الأسفار الإلهية كطريق آمن للمعرفة والعبادة الحقيقية. ضم السيد المسيح نفسه إلى جمهور العابدين، لأنه صار في تواضعه ابن الإنسان.


لم يخجل ابن الله الوحيد من أن يعلن طاعته للآب وسجوده وعبادته له، بينما يستهين كثير من بني البشر في كبريائهم بالعبادة ويحسبونها مضيعة للوقت.


"لأن الخلاص هو من اليهود": ظهر الخلاص الأبدي من اليهود (رو ٩: ٥) وقُدم لهم أولاً. سلمت لهم التعاليم الإلهية (رو ٣: ٢)، وخدمة الله (رو ٩: ٤)، ومنهم جاء المسيا، ومنهم تبدأ الكرازة بالإنجيل للأمم.


"لأن الخلاص هو من اليهود"، ما يقوله هو هكذا: أن بركة هذا العالم تأتي منهم (لأن معرفة الله وجحد الأصنام وإنكارها بدأت بهم، وبالنسبة لكم فإن عمل السجود وإن كنتم لا تؤدونه بالأسلوب الصحيح إلاَّ أنكم استلمتموه منهم)... كما أشار بولس الرسول إلى مجيئه إذ يقول: "ومنهم المسيح حسب الجسد، الكائن على الكل إلهًا مباركًا" (رو ٩: ٥). أنظر إليه كيف يمتدح العهد القديم، ويوضح أنه أساس البركات[497].



لم يظهر المسيح للمرأة السامرية لماذا سجد الآباء في ذلك الجبل، ولماذا سجد اليهود في أورشليم، فلهذا صمت، إذ أبطل وأزال عن الموضعين كليهما معالي التقدم. وأنهض نفسها موضحًا أنه لا يمتلك السامريون ولا اليهود فعلاً عظيمًا بالمقايسة إلى الفعل المزمع أن يوهب لنا. وبعد ذلك أورد الفصل بينهما، إلا أنه قد حكم أن اليهود أشرف قدرًا على هذا القياس، دون أن يفضل مكانًا على مكان. لكنه أعطى لليهود التقدم، وكأنه قال: لا ينبغى لأحد أن يجادل لأجل مكانٍ فيما بعد، إلا أن اليهود في غريزتهم قد حازوا الشرف أكثر منكم أنتم أيها السامريون لأنه قال: "أنتم تسجدون لما لستم تعلمون، أما نحن فنسجد لما نعلم".

فإن سألت: كيف لم يعرف السامريون من هو الذي يسجدون له؟! أجبت: لأنهم اعتقدوا بأن الله يحده مكان معين ويتحيز لهم، لهذا يسجدون له. إذ أرسلوا للفرس قائلين: "إن إله هذا المكان غاضب من أجلنا" (٢ مل ٢٦). ظنوا أنه يوجد إله محدود، فعلى هذا استرضوه وعبدوه، ولهذا السبب لبثوا يسترضون الأصنام، ويسترضون إله المسكونة، أما اليهود فكانوا بعيدين عن هذا الظن، فقد عرفوا الله أنه إله المسكونة كلها، وإن كان هذا الرأي لم يكن رأيهم كلهم، فلهذا السبب قال المسيح: "أنتم تسجدون لما لستم تعلمون، أما نحن فنسجد لما نعلم"[498].

القديس يوحنا الذهبي الفم

عندما تحدثت هذه المرأة معه كيهودي وظنت أنه نبي، أجابها كيهودي يعرف أسرار الناموس روحيًا: "أنتم تسجدون لما لستم تعلمون، أما نحن فنسجد لما نعلم". يقول "نحن" إذ يضم نفسه مع البشر، ولكن كيف يضم نفسه مع البشر إلا بحسب الجسد، ولكي يظهر أنه أجاب كمتجسدٍ، إذ يضيف "الخلاص من اليهود"[499].

القديس أمبروسيوس

"ولكن تأتي ساعة وهي الآن،

حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق،

لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له". [23]

عوض الانشغال بمكان العبادة يلزم الانشغال بحال الفكر الداخلي، وهيكل الله داخل النفس، وكيفية تقديم العبادة لله الذي هو روح. فالله الآب يطلب العابدين بقلوبهم، ونادرًا ما يوجدون، إذ قيل: "من هو هذا الذي أرهن قلبه ليدنو إليَّ يقول الرب" (إر ٣٠: ٢١). طريق العبادة بالروح ضيق، لأن فيه لا يطلب الإنسان مجد الناس بل مجد الله.

العبادة بالروح تحول القلب إلى صهيون الحقيقية التي يشتهيها الله كقول المرتل: "لأن الرب اختار صهيون، اشتهاها مسكنًا له؛ هذه هي راحتي إلى الأبد؛ ههنا أسكن لأنه اشتهيتها (مز ١٣٢: ١٣–١٤).

كان كل من اليهود والسامريين شديدي الاهتمام بالجسد، يطهرونه بمختلف الطرق. لذلك يقول إنه ليس بطهارة البدن، بل بطهارة ذلك الجزء غير الجسدي من كياننا، أي العقل. به نعبد الله اللاجسدي، كما لا يكون القربان بذبح العجول والخراف، بل بتكريس الإنسان نفسه لله. أهلك ذاتك، فتقدم ذبيحة حية[500].

إذ يقول الحق استبعد السامريين واليهود. فإنه وإن كان اليهود أفضل من السامريين، إلا أنهم أقل بكثير من القادمين بقدر ما أن الرمز أقل من الحقيقة. إنه يتحدث عن الكنيسة التي لها العبادة الحقيقية التي تليق بالله .

القديس يوحنا الذهبي الفم

يليق بالإنسان أن يلاحظ إن العابدين بالحق يعبدون الآب بالروح والحق، ليس فقط في الساعة القادمة، بل وفي الوقت الحاضر أيضًا

إن كان الآب يطلب أولئك الذين يعِّدهم أن يكونوا عابدين حقيقيين بتطهيرهم وتعليمهم بالكلمة في تعاليم صادقة، إنما يطلبهم بابنه الذي جاء يطلب من قد فقدوا (لو ١٩: ١٠؛ حز ٣٤: ١٦).

العلامة أوريجينوس

"الله روح،

والذين يسجدون له، فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا". [24]

بقوله "الحقيقيون" يستبعد اليهود والسامريين، لأن هؤلاء اليهود وإن كانوا أفضل من السامريين إلا أنهم أدنى كثيرًا من المزمعين أن يسجدوا "بالروح والحق".... إن كان الله في الماضي قد سعى إلى مثل هؤلاء... إنما لطفًا وتنازلاً منه حتى يأتي بهم إلى حظيرة الإيمان.

وإن سألت: ومن هم الساجدون الحقيقيون؟ أجبتك: الذين لا يربطون عبادتهم بمكانٍ محددٍ، وهم ينجذبون بالروح. وكما يقول بولس الرسول: "الذي أعبده بروحي في إنجيل ابنه" (رو ١: ٩). وفي موضع آخر يقول: "أطلب إليكم أيها الاخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم الفعلية" (رو ١٢: ١).

قول المسيح للمرأة السامرية: "الله روح" لا يدل على معنى آخر إلا على أنه خالٍ من جسم، لذلك ينبغي أن تكون عبادة للخالي من جسم خالية من جسم أيضًا، وأن نقدمها بما هو فينا خالٍ من جسم، أي أن تكون بروحنا وبنقاوة عقلنا، لذلك قال المسيح: "والذين يسجدون له، فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا"[503].

القديس يوحنا الذهبي الفم

لست أتجاسر فأحدّ قدرة اللَّه الكلية أو أقيّدها بشريحة ضيّقة من الأرض، هذا الذي الأرض والسماء لا تسعانه. كل مؤمن يُدان ليس حسب مسكنه هنا أو هناك، وإنما حسب براري إيمانه. العابدون الحقيقيون يعبدون الآب، لا في أورشليم، ولا على جبل جرزيم

القديس جيروم

بكونه ابن داود يخضع للزمن وللتدبير والتنازل النسبي، لكن من جهة اللاهوت لا يخضع لزمان ولا لمكان. "جيله من يعلنه؟" (إش 8:53)

"اللَّه روح"؛ فذاك الذي هو روح قد وُلد روحيًا بكونه غير جسدي بنسبٍ غير مدرك ولا مفحوص.

الابن نفسه يقول للآب: "قال الرب لي: أنت ابني، وأنا اليوم ولدتك" هذا "اليوم" ليس زمنيًا بل سرمدي. اليوم هنا غير زمني بل قبل كل الدهور. "من الرحم قبل كوكب الصبح ولدتك

القديس كيرلس الأورشليمي

أي عجب مادام الآب والابن يُقال عنهما أنهما "روح"، الأمر الذي نتحدث عنه بأكثر توسع عند حديثنا عن "وحدة الاسم"...

ليقرأوا أن الآب يُدعى "الروح"، كما يقول للرب في الإنجيل: "لأن اللَّه روح" [24]. والمسيح يدعى "الروح"، إذ قال إرميا: "الروح أمام وجهنا، المسـيح الرب") مرا 20:4)

القديس أمبروسيوس

الكلمات: "الله روح" لا تغير الحقيقة أن الروح القدس له اسمه الخاص به، وأنه هو العطية المقدمة لنا. قيل للسامرية التي وضعت حدودًا لله بالجبل أو الهيكل أن الله يحوي كل الأشياء ومُحوى في ذاته، وهو غير منظور ولا مُدرك، يلزم أن يُعبد بوسائل غير منظورة ولا عندما علم المسيح أن الله بكونه الروح يجب أن يعبد بالروح، وأظهر أية حرية ومعرفة ومجالات بلا حدود للسجود في عبادة الله الروح بالروح

القديس هيلاري أسقف بواتييه

"قالت له المرأة:

أنا أعلم أن مسيا الذي يقال له المسيح يأتي،

فمتى جاء ذاك،

يخبرنا بكل شيء". [25]

أخيرًا جاء الحوار بخصوص المسيا، فإذ لم تعترض السامرية على ما يقوله بل شعرت بقوة في داخلها سألته عما كان يدور في أذهان اليهود والسامريين، وهو: متى يأتي المسيا؟ فمع العداوة القائمة بين اليهود والسامريين إلاَّ أن أمرًا واحدًا كان الكل يترقبه، وربما تحدث كثير من المعلمين عنه في ذلك الوقت، وهو تحقيق الوعد الإلهي الخاص بمجيء المسيا وحلول مملكته.

مع ما لحق بها من فساد بسبب خطيتها لكن شوقها لمعرفة الحق وترقبها في تواضع لمجيء المخلص هيأها للالتقاء مع السيد والتعرف عليه والشهادة له.

قد يقول قائلٍ: من أين للسامريين أن ينتظروا مجيء المسيح وهم يقبلون موسى وحده؟ فنقول له: "من كتب موسى نفسها، لأن موسى قال: "يقيم لك الرب إلهك نبيًا من وسطك من اخوتك مثلي له تسمعون" (تث 18: 15)".

كانت مجرد امرأة فقيرة لا خبرة لها بالكتب المقدسة، لذلك لم يحدثها بما جاء في هذه الأسفار، بل قادها إلى الإيمان عن طريق الماء[509].

بالنسبة لليهود الذين كانوا يرددون باستمرار: "إلى متى تعلق أنفسنا؟ إن كنت أنت المسيح فقل لنا جهرًا" (يو ١٠: ٢٤) لم يعطهم جوابًا شافيًا. أما بالنسبة لهذه المرأة فقال لها بصراحة: "أنا هو"، لأن المرأة كانت غير منحازة وذات تفكير وضمير عادل أكثر من اليهود. إذ لم يسألوا لكي يتعلموا، بل كانوا دائمي السخرية منه... أما هذه فسمعت وآمنت ودعت آخرين أيضًا إلى الإيمان، وفي كل الأحوال تلاحظ وقتها وانضباطها وإيمانها

القديس يوحنا الذهبي الفم

"قال لها يسوع:

أنا الذي أكلمك هو". [26]
لم يتحدث السيد المسيح مع اليهود، ولا حتى مع تلاميذه بعبارات مباشرة هكذا: "أنا الذي أكلمك هو".
الحصاد قد أُعد، فقد قام الأنبياء بالغرس لينمو، والآن قد جاء إلى النضوج وينتظر الرسل كحاصدين له... فبالنسبة للمرأة السامرية كان اسم "المسيا" ليس بجديدٍ عليها، كانت بالفعل تترقب مجيئه. لقد آمنت بالفعل أنه قادم. من أين كان لها أن تؤمن بهذا لو لم يغرسه موسى؟

القديس أغسطينوس
بالحقيقة لم يعطِ إجابة واضحة لليهود الذين كانوا يقولون باستمرار: "إلى متى تعلق أنفسنا؟ إن كنت أنت المسيح فقل لنا جهرًا" (يو 10: 24)، أما لها فأخبرها بوضوح: "أنا هو"
رد مع اقتباس
 


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
5امور مهمة في حوار السامرية مع السيد المسيح
يحتاج الكاهن موقف المرأة السامرية “حوار الحب”
حوار المسيح مع السامرية
حوار السيد المسيح مع المرأة السامرية
حوار السيد المسيح مع المرأة السامرية


الساعة الآن 08:39 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024