قال القديس أنسطاسيوس: «لا تكن ديَّاناً لأخيك، لتؤهَّل أنت للغفران، فربما تراه آثِماً خاطئاً، لكنك لا تعلم بأي خاتمةٍ يفارق العالم، فذلك اللصُ المصلوب مع يسوع، كان للناسِ قتالاً وللدماء سفاكاً، ويوداس الرسول كان تلميذاً للمسيح ومن الأخصاء، إذ كان الصندوق عنده، إلا أنهما في زمنٍ يسير تغيَّرا، فدخل اللصُ الفردوسَ، واستحق التلميذ المشنقةَ وهلك».
وقال أيضاً: إن أخاً من الرهبانِ كان يسير بتوانٍ كثير، هذا وُجِدَ على فراشِ الموتِ وهو في النزعِ الأخير بدون جزعٍ من الموتِ. بل كانت نفسُه عند انتقالهِ في فرحٍ كاملٍ وسرورٍ شاملٍ. وكان الآباءُ وقتئذ جلوساً حوله، لأنه كانت العادةُ في الديرِ أن يجتمعَ الرهبانُ كلُّهم أثناء موتِ أحدهم ليشاهدوه، فقال أحدُ الشيوخِ للأخِ الذي يموت: «يا أخانا، نحن نعلم أنك أجزتَ عمركَ بكلِّ توانٍ وتفريط، فمن أين لك هذا الفرحُ والسرور وعدمُ الهمِّ في هذه الساعةِ؟ فإننا بالحقيقةِ لا نعلمُ السرَّ، ولكن بقوةِ الله ربنا تقوَّ واجلس وأخبرنا عن أمرِك العجيب هذا، ليعرفَ كلٌّ منا عظائمَ اللهِ». وللوقت تقوَّى وجلس، وقال: «نعم يا آبائي المكرَّمين، فإني أجزتُ عمري كلَّه بالتواني والنوم، إلا أنه في هذه الساعةِ، أن أحضرَ لي الملائكةُ كتابَ أعمالي التي عملتُها منذ أن ترهبتُ، وقالوا لي: أتعرف هذا؟ قلتُ: نعم، هذا هو عملي، وأنا أعرفه، ولكن من وقتِ أن صِرتُ راهباً ما دِنتُ أحداً من الناسِ قط، ولا نميتُ قط، ولا رقدتُ وفي قلبي حقدٌ على أحدٍ، ولا غضبتُ البتة، وأنا أرجو أن يَكْمُل فيَّ قولُ الرب يسوع المسيح القائل: لا تدينوا لكي لا تدانوا، اتركوا يُترك لكم. فلما قلتُ هذا القولَ، تمزَّق للوقتِ كتابُ خطاياي بسبب إتمامِ هذه الوصية الصغيرة». وإذ فرغ من هذا الكلام أسلم الروحَ. فانتفع الإخوةُ بذلك وسبَّحوا الله.
سُئل شيخٌ إن كان الله يقبل توبةَ الخطاةِ، فردَّ على سائلِه قائلاً: «أخبرني أيها الحبيب، لو أن ثوبَك تمزَّق، فهل كنتَ ترميه»؟ قال: «لا، ولكني كنتُ أخيِّطُه وألبسه». فقال الشيخ: «إن كنتَ أنت تشفق على ثوبِك الذي لا يحيا ولا يتنفس، فكيف لا يشفق الله على خليقتِهِ التي تحيا وتتنفس»؟
سأل أحدُ الإخوةِ الأب بيمين قائلا: «يا أبي، إن وقع إنسانٌ في خطيئةٍ ورجع، فهل يغفر الله له»؟ فقال له الشيخ: «إن كان الله قد أمر الناسَ بأن يفعلوا هذا، أفما يفعله هو؟ نعم، بل وأكثر بما لا يقاس، إذ هو نفسُه الذي أوصى بطرسَ بهذا عندما قال له بطرس: إن أخطأ إليَّ أخي سبعَ مراتٍ، أأغفر له؟ فقال له سيدنا المتحنن: لستُ أقولُ سبعَ مراتٍ فقط لكن سبعةً في سبعين».