سُئل القديس مقاريوس:«أيُّ الفضائلِ أعظمُ»؟ فأجاب وقال: «إن كان التكبُّر يُعتبرُ أشرَّ الرذائلِ كلِّها حتى أنه طرح طائفةً من الملائكةِ من علوِ السماءِ، فبلا شكٍ يكون التواضعُ أكبرَ الفضائلِ كلِّها لأنه قادرٌ أن يرفعَ المتمسكَ به من الأعماقِ حتى ولو كان خاطئاً. من أجلِ ذلك أعطى الربُّ الطوبى للمساكين بالروحِ».
أتى الأب مقاريوس يوماً من الإسقيط إلى نيرس، فقال له الشيوخ: «قل كلمةً للإخوةِ أيها الأب». فأجابهم قائلاً: أنا لم أصر راهباً، لكني رأيتُ رهباناً. فقد كنتُ يوماً جالساً في الإسقيط في القلاية، وإذا أفكارٌ تأتيني قائلةً: اذهب إلى البريةِ الداخليةِ وتأمَّل فيما تراه هناك. ومكثتُ مقاتِلاً لهذا الفكرِ خمسَ سنواتٍ ظاناً أنه من الشيطانِ. لكني لما وجدتُ الفكرَ ثابتاً مضيْتُ إلى البريةِ فصادفتُ هناك بحيرةَ ماءٍ وفي وسطِها جزيرةٌ، وقد وافت وحوشُ البريةِ لتشربَ. وشاهدتُ بينها رجلين مجرَّدين (أي عاريين)، فجزعتُ منهما لأني ظننتُ أنهما روحان. لكنهما لما رأياني خائفاً جزعاً خاطباني قائليْن: «لا تجزع فإننا بشريان مثلك». فقلتُ لهما: «من أنتما؟ وكيف جئتما إلى هذه البريةِ»؟ فقالا لي: «كنا في كنوبيون وقد اتفقنا على تركِ العالم فخرجنا إلى ها هنا. ولنا منذ ذلك الوقتِ أربعون سنةً. وقد كان أحدُهما مصرياً والآخر نوبياً. فسألتُهما كيف أصيرُ راهباً. فقالا لي: «إن لم يزهد الإنسانُ في كلِّ أمورِ العالمِ فلن يستطيعَ أن يصيرَ راهباً». فقلت لهما: «إني ضعيفٌ فما أستطيعُ أن أكونَ مثلَكما». فقالا لي: «إن لم تستطع أن تكونَ مثلنا فاجلس في قلايتك وابكِ على خطاياك». فسألتُهما: «هل ما تبردان إن صار شتاءٌ. وإذا صار حرٌ أما يحترقُ جَسداكُما»؟ فأجاباني بأن اللهَ قد دبَّر لنا ألا نجدَ في الشتاءِ برداً ولا يضرُّنا في زمنِ الحصادِ حرٌ. وأخيراً قال القديسُ للإخوة: «لذلك قلتُُ لكم إني لم أصر بعدُ راهباً، بل رأيتُ رهباناً. فاغفروا لي