سَبِيلُ (طريق) الصِّدِّيقِ اسْتِقَامَةٌ، لأَنَّكَ تَجْعَلُ طَرِيقَ الْبَارِّ مُمَهَّدَةً
(أشعياء 26: 7 – ترجمة تفسيرية)
السؤال
المطروح من كثيرين لماذا بعدما بدأت الدخول في شركة مع الله الحي بالتوبة والإيمان انتهى بي الحالة بالانحراف عن الطريق دون ان اشعر إلا بعدما سيطرت عليَّ حياتي القديمة مرة أخرى، والبعض يشتكي من الإحساس بالبرودة وانطفاء الشوق المشتعل لله الحي!!!
في الحقيقة أن الإجابة على هذه الأسئلة ليست بالصعوبة الذي يتخيلها البعض، لأن الطبيعة نفسها تُعلمنا أن الإنسان الذي ضاع منه هدفه فانه يتخبط ومن الطبيعي أنه يفشل، أو لو هناك هدف أمام عينيه ولم يسير فيما يتفق مع هذا الهدف سيضل عنه ولن يصل إليه ابداً، وممكن نمثلها بإنسان حب يسافر إلى بلد ما، فأن سار في طريق آخر أو اتجاه غير صحيح، ولم يتبع المسلك السليم فأنه لن يصل أبداً مهم ما بذل من جهد مضني وسعى بكل قوته لكي يصل، لأنه سار في طريق مُغاير تماماً، لأن الجهل بالطريق وعدم معرفة كيفيه السير فيه للوصول للغاية، يجعل الإنسان تائه لا يعرف يمينه من يساره.
لذلك فالطريق الإلهي هو طريق مرسوم من الله، له منهجه الخاص الظاهر في الإنجيل، الذي ينبغي علينا أن ننتهجه لكي نصل للغاية الحقيقية من اتباع المسيح الرب، وذلك مثل من يُريد أن يُحدد مستقبله من جهة طريقة حياته الشخصية، فمثلاً غايته أن يصبح طبيب فأنه يجتهد في أن يصل لكلية الطب، وهذا الاختيار الخاص يُحدد ملامح الطريق الذي ينبغي أن يسير فيه، وبذلك يعلم يقيناً أنه سينتهج منهج الطب المُخصص والموضوع في الجامعة من قِبل المُتخصصين ولا يستطيع أن يُغيره أو يسير وفق هواه الخاص طالما اختار أن يسير في هذا الطريق، لأن كل طريق نختاره له منهجه الخاص الذي ينبغي أن نخضع له بدون أن نتأثر بأهوائنا ورغبتنا في تغيير المنهج ووضعه وفق شروطنا الخاصة، لأن كل مُخالفة أو خروج أو تمرد على المنهج الموضوع فأنه يُسبب عدم الوصول للغاية، لأن الفشل وعدم النجاح والوصول للهدف سيصير أمر حتمي لا محالة.
فالمنهج هو مجموعة الركائز والأسس المهمة التي توضح مسلك الفرد أو المجتمع أو الأمة لتحقيق الآثار التي يصبو إليها، لأن مستحيل أن تتحقق الغاية الموضوعة إلا عن طريق المنهج السليم والصحيح للوصول إليه بأقصر الطرق وأفضلها.
ومن أخطر الأمور المُؤثرة في طريق الإنسان هو غياب المنهج الصحيح أو عدم وضوحه للسامعين، لأن من خلال الاستقراء في المناهج عامة نجد أنها قسمان: صحيحة وفاسدة، فالمنهج الصحيح عموماً يكون وفق الشروط والمبادئ الموضوعة للوصول لغايته بوضوح وسهولة، والمنهج الفاسد يضع العراقيل الصعبة والحواجز العالية ويُصيب الشخص الذي يتبعه بالتشويش، حتى أنه يخرج – طبيعياً – عن الطريق السليم الذي اختاره ولا يصل لغايته قط مهما ما بذل – بإخلاص – من أعمال قوية للغاية، بل سيُطيح به بعيداً جداً حتى يُصاب بالفشل والتيه التام عن غايته ومن ثمَّ الإحباط وتثبيط العزيمة.
ومما سبق نستطيع أن نفهم لماذا كثيرون يفشلون أو يتعثرون في الطريق الإلهي والبعض يكمل بصعوبة شديدة وشق الأنفس بمجهود فوق الطاقة مع صراع لا ينتهي حتى انه يُمرض الإنسان أحياناً كثيرة، والآخر يسقط ويتراجع سريعاً أو بعد فترة (قد تطول قليلاً أو كثيراً) وذلك بعد محاولات مضنية وضغط شديد، وذلك لأنه حينما انتهجوا الطريق المؤدي للحياة الأبدية باختيار إرادتهم بحرية الابن الوحيد الذي جذبهم وشدهم إليه محرراً إرادتهم واضعاً أمامهم قوة خلاصه وفدائه حتى يستطيعوا الاختيار، لم يدخلوا مخادعهم ويمكثوا فيها طويلاً ليمارسوا سرّ الصلاة ليتلقفوا قوة النعمة المُخلِّصة، ولم يجلسوا مع الإنجيل كثيراً ليصغوا لدعوة الله المُقدمة لهم بكل دقة وتدقيق مع معرفة تفاصيلها وكيف يسلكون فيها، ولم يتبعوا شخص الرب مسيح القيامة والحياة في الطريق الذي حدده هوَّ بشخصه وبفمه الطاهر، وعاشوا تلاميذ خصصوا أنفسهم وكرسوها لهُ، وتبعوا تعاليمه بكل دقة حسب المنهج الذي أعلنه وحدد ملامحه بنفسه من فمه بأقواله، لأن لا ينبغي قط أن نضع من أنفسنا منهج خاص شخصي لنا، أو حتى منهج عرفناه حسب الناس وشروحاتهم وتفسيراتهم الخاصة، أو توارثناه حسب أفكار بعض الناس البعيدة عن إعلان الإنجيل، وننتهجه ونقول ونُعلِّم أن هذا هو المنهج الصحيح والأصيل والمستقيم للحياة الحقيقية مع الله...
لأن في تلك الحالة سيكون هذا هوَّ طريقنا الشخصي الخاص بنا نحن والذي يُدعى طريق الناس لا طريق الله على الإطلاق، لأن الطريق الذي سأختاره بحريتي وإرادتي أنا، لا بُدَّ من أن أسير فيه وفق الشروط الموضوعة الخاصة به، وأولها أن أخضع لصاحب الطريق نفسه، واخضع تمام الخضوع لمنهجه الخاص لكي أسير فيه سيراً مُنضبطاً لكي أصل في النهاية لغايته الموضوعة والمرسومة من قِبَل صاحب الطريق نفسه، وأُكلل بالنجاح طبيعياً حسب الجهاد القانوني الخاص بهذا الطريق:
+++ ليس أحد وهو يتجند يرتبك بأعمال الحياة لكي يُرضي من جنده، أيضاً أن كان أحد يُجاهد لا يُكلل أن لم يُجاهد قانونياً. (2تيموثاوس 2: 5)
+++ ثم كلمهم يسوع أيضاً قائلاً: أنا هو نور العالم، من يتبعني فلا يمشي في الظلمة، بل يكونله نور الحياة. (يوحنا 8: 12)