رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
1. حينما يبدأ الإنسان يعرف ذاته, و لماذا خلق, ويبحث عن الله خالقه فانه يتوب أولا عن كل ما اقترفه فى زمن توانيه. و هكذا يعطيه الله الروؤف حزنا على خطاياه. 2. ثم يعطيه, بنفس الرأفة, أن يتعب جسده بالأصوام و الأسهار و أن يثابر على الصلاة و يحتقر العالم, كما يمنحه أن يحتمل الإهانات, برضى, ويبغض كل نياح الجسد, و يفضل البكاء على الضحك. 3. ثم يعطيه اشتياقاً للدموع والبكاء ، و مسكنة القلب ، و تواضعاً ، كما يعطيه أن يرى الخشبة فى عينه دون أن يحاول اخراج القذى من عين قريبه ، و أن يردد باستمرار: “انى عارف باثمى وخطيتى امامى فى كل حين” (مز 3:51)، وأن يتفكر فى يوم موته وفى مثوله امام الله ، وأن يتصور الدينونة والعذاب ، وايضاً الاجر والكرامة التى تعطى للقديسين. 4. وحينما يرى الله ان هذه الأشياء تحلو له ، يعرضه للتجربة ، ليراه هل يرفض الشهوات ، وهل يثبت أمام هجمات ولاة هذا العالم الذين غلبوه من قبل ، وامام ملذات الاطعمة المتنوعة التى تضعف القلب. فتصل به الحال (تحت التجربة) الى انه يعجز تقريباً عن الصوم ، ويكاد يستسلم ، منهزماً بضعف الجسد وطول الزمان ، لأن افكاره المعادية تقول له : “كم من الزمان تستطيع ان تحتمل هذه الاتعاب؟” ، وايضاً : “انه لتعب مرير أن تستحق حلول الله ميله ، لاسيما وانك قد اخطأت بهذا المقدار” ثم ايضاً : “هل يستطيع الله ان يغفر لك كل هذه الخطايا؟”. 5. ولكن حينما يتيقن الله أن قلبه ثابتا فى مخافته ، وانه لايترك المكان الذى جاء ليسكن فيه ، بل يقاوم بشدة ، فانه يسمح بأن تأتيه أفكار أخرى توحى له قائلة – وهى متخذة فرصة ببره : “صحيح انك أخطأت” غير انك قدمت توبة ، فقد صرت منذ الآن قديساً” ، وتزكره بخطايا بعض الناس ، الذين لم يتوبوا ، وبذلك تزرع المجد الباطل فى قلبه. 6. ثم أن الأبالسة لا تكتفي بذلك ، بل تجعل ايضاً بعض الناس يمتدحونه بإفراط ، ويدفعونه الى أعمال لا يقدر أن يقوم بها ؛ و توحى له بافكار ، كأن يمتنع عن الأكل او الشراب او يغالى فى السهر ، و بافكار أخرى كثيرة يطول ذكرها ؛ بل وتعطيه سهولة للقيام بها ، محاولة بكافة الوسائل ان نجتذبه اليها مع ان الكتاب يحذر قائلاً: “لاتمل يمنة ولا يسرة بل اسلك فى الطريق المستقيم” (ام 4:26،27). 7. ولكن ان لاحظ الله ان قلبه لم يمل الى اى من هذه التجارب ، التى سبق داود فتكلم عنها قائلاً: “جربت قلبى وافتقدته ليلاً. محصتنى بالنار ولكن لم يوجد فى اثم ” (مز 17 : 3) حينئذ ينظر اليه الله من سمائه المقدسة ويحفظه بلا عيب. ولاحظوا جيداً أن داود لم يقل “نهاراً” بل “ليلاً” ، لان خداعات العدو هى ليل ، كما يقرر ايضاً بولس الطوباوى : اننا لسنا اولاد ظلمة بل اولاد نور. فان ابن الله هو بالحقيقه “تهاراً” بينما يشبه ابليس بــ “الليل”. 8. ومتى تجاوزت النفس كل هذه المحاربات ، فان الافكار المعادية توحى لها بشهوة الزنا (والنجاسة). وفى كل ذلك تشعر النفس بضعفها ، ويزبل القلب ، لدرجة انه يتوهم ان حفظ الطهارة امر يستحيل عليه ؛ فان الافكار ، كما قلت ، تبين له طول الزمان ، من جهة ، وصعوبة الفضائل ، من جهة اخرى ، وكم انها حملها ثقيل لا يحتمل ، وتضيف الى ذلك ايضاً ضعف جسده وهوان طبيعته. 9. وان لم يكل أمام هذه المحاربات ، فان الله الروؤف و الرحوم يرسل له قوة مقدسة ، ويثبت قلبه ، ويعطيه الفرح و النياح والقدرة على ان يقوى على اعدائه ، بحيث ان هجومهم عليه لا يخزيه ، لانهم يخافون القوة الساكنة فيه ، هذه التى قال عنها القديس بولس : “جاهدوا فتنالوا قوة ” (كو 1 : 29) ، والتى تعرض لها ايضاً الطوباوى بطرس فى حديثه عن ” الميراث الذى لا يغنى ولا يتدنس ولا يضمحل ، محفوظ فى السموات لاجلكم ، انتم الذين بقوة الله محرسون بالايمان” (بط 1 : 4-5). 10. ومتى رأى الله الروؤف المتحنن أن قلبه صار اقوى من اعدائه ، فان يسحب عنه بالتدرج القوة التى كانت تسنده ، ويسمح لاعدائه ان يهاجموه بنجاسات الجسد المختلفة وبشهوة المجد الباطل والعظمة ،وبتجارب الخطايا الاخرى التى تجذب الى الهلاك ، حتى انه يكاد يشابه سفينه بلا دفة ، تتخبط من كل ناحية على الصخور. 11. ولكن متى صار قلبه وكأنه قد ذبل ، وكاد ان يكون قد عثر فى كل تجارب العدو ، فان الله محب البشر والمعتنى بخليقته يرسل فيه قوة مقدسة ، ويثبته ، ويخضع قلبه ونفسه وجسده وكل اعضائه الى نير الباراقليط ، لانه هو قد قال : “احملوا نيرى عليكم ، وتعلموا منى ، لانى وديع ومتواضع القلب” (متى 11 : 9). 12. وهكذا يبدأ الله الروؤف ، اخيراً ، يفتح اعين قلب (الانسان) ، لكى يفهم أن (الله) هو الذى يثبته ، وحينئذ يبدأ الانسان يتعلم بالحقيقه كيف يعطى مجداً لله بكل تواضع وانسحاق قلب ، كما يقول داود : “الذبيحه لله روح منسحق” (مز 51 : 17) ، لان من صعوبه ذلك الجهاد ، يتولد التواضع وانسحاق القلب والوداعه. 13. ومتى تجرب بكل هذه الانواع ، فان الروح القدس يبدأ يعلن له الاشياء السمائيه ، اى كل ما يعود بالاستحقاق و العدل على القديسين ، وعلى الذين وضعوا رجاءهم فى رحمته. وحينئذ يتفكر الانسان فى ذاته ويردد قول الرسول “ان الام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد ان يستعلن فينا ” (رو 8 :18) وايضاً قول داود : “ماذا لى فى السماء ؟ ومعك كم من الاشياء اردت فى الارض ؟” (مز 73 :25) ومعناه : يارب كم اعددت لى فى السماء ؟ وانا كم من الاشياء طلبت معك فى الحياة الفانيه ؟ وهكذا ايضاً تعلن له العذبات التى تنال الخطاة ، واشياء اخرى كثيرة بفهمها كل رجل قديس بدون ان اذكرها. 14. وبعد هذا كله يقطع الباراقليط عهداً مع نقاوة قلبه وثبات نفسه وقداسة جسده وتواضع روحه ، فيجعله يتجاوز كل الخليقة ، ويعمل فيه ، بحيث ان فمه لا يتكلم باعمال الناس ، وانه يرى المستقيم بعينه ، ويضع حارساً لفمه ، ويرسم طريقاً مستقيماً لخطواته ، ويقتنى بر يديه اى (بر) اعماله ، والمثابرة فى الصلاة مع تعب الجسد والسهر المتكرر. ولكن هذه الاشياء يرتبها الباراقليط فيه بقياس وافراز ، وليس بتشويش ، بل بهدوء. 15. ولكن ان تجاسرت روحه فقاومت ترتيب الروح القدس نفسه فان القوة التى وضعت فيه تنسحب ، وبذلك تتولد فى قلبه محاربات واضطرابات ، ثم تضايقه آلام الجسد فى كل لحظه بمهاجمة العدو. 16. ولكن ان تاب قلبه وتمسك بوصايا الروح القدس (من جديد) ، فان معونة الله تكون عليه. وحينئذ يفهم الانسان انه خير له ان يلتصق بالله فى كل حين ، وان حياته هى فى (الله) كما يقول داود : “صرخت اليك فشفيتنى” (مز 30 : 2) وايضاً : “لان عندك ينبوع الحياه” (مز 36 : 9). 17. فمن رأى ، اذن ، ان الإنسان ان كان لا يقتنى تواضعاً كثيراً ، وهو قمة جميع الفضائل ، وان كان لا يضع حارساً لفمه ولا يجعل خوف الله فى قلبه ؛ وان كان لا يمتنع عن تزكية ذاته بسبب الاشياء التى يتوهم فيها انه اصلح من غيره ، وكأنه قد فعل خيراً ما ؛ وان كان لا يحتمل ، برضى ، الإهانات التى تقع عليه ، ولا يقدم الخد الآخر للذى يلطمه ؛ وان كان لا يندفع ، بعزمه ، نحو كل عمل صالح ليقتنيه ؛ وان كان لا يحمل نفسه فى يده كأنه يموت كل يوم ؛ وان كان لا يعتبر كل الاشياء التى ترى تحت الشمس كأنها باطلة ، ولا يردد فى نفسه “لى اشتهاء ان انطلق واكون مع المسيح” (فى 1 : 23). و ايضاً “لى الحياة هى المسيح والموت هو ربح” (فى 1 : 21) ؛ فانه لا يستطيع أن يحفظ وصايا الروح القدس . آمين |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
هل صراعات العلاقة علامة على أن العلاقة ليست مشيئة الله |
الكتاب المقدّس قادر أن يدخل بنا من خبرة إلى خبرة لنتعلّم |
رسالة جيالك من الانبا مقار |
رسالة خاصة - خبرة أقدمها للجميع |
خبرة الطفولة كانت خبرة صلاة |