طبيعة الملائكة
الملائكة مخلوقات إلهية نعرّف عنها بـ"الأنوار الثانية" حيث إن الإله البارئ هو النور الأول غير المخلوق. وهي ثانية لأنها تقتبل بنعمة الروح القدس إشعاعات النور الأول وتشترك في سرمديته. أبدعها الله قبل العالم المنظور الذي نعرف، وكمَّلها بالقداسة، جاعلاً إياها أرواحاً وخدّاماً كلهيب النار (انظر المزمور 103). واسمها معناه في الأصل اليوناني "رسلٌ". وهي حرة من ثقل الجسد، عاقلة وفي حركة دائمة لا تتوقف. تعاين الله على قدر طاقتها ولها من المشاهدة قوتٌ لذاتها وثبات وعلة وجود. وهي وإن كانت حرة من انفعالات الجسد لكنها ليست بلا هوى كمثل الله لأنها كائنات مخلوقة. من هنا إن الملائكة وإن لم تكن لِتَجْنحَ إلى الشر إلا بصعوبة، لكنها ليست بمنأى عنه إمكاناً. ومن هنا، أيضاً، أن عليها أن تحسن استعمال الحرية التي يسبغها الله عليها لتحفظ ذواتها في الصلاح وتنمو في مشاهدة الأسرار الإلهية لئلا تجنح إلى الشر وتبعد عن الله. وحيث لا جسد لا توبة ترتجى.
على أن الملائكة وإن كانت بلا أجساد فهي ليست غير هيولية تماماً. وحده الله كذلك، والملائكة محدودة في الزمان والمكان، ليس بإمكانها أن تكون في أكثر من مكان واحد في وقت واحد. لكن طبيعتها اللطيفة تتيح لها اجتياز العوائق كمثل الجدران والأبواب وما إليها، متى أوكل إليها السيد الرب بمهمة لدى الناس وهي لذلك تتخذ شكلاً جسدانياً يتيح لنا رؤيتها، كما أن خفتها وسرعتها الخارقة تؤهلها لاجتياز المسافات لتوّها. ولها من الله، متى أوفدها، علم كامل دقيق نفّاذ بكل ما تخرج من أجله. وإن تنبأتْ فبنعمة من عنده وأمرٍ، وهذا ليس من فضلها.