إدانة الآخرين
الإدانة، بصفة عامة، تعنى تخطئة الآخرين والحكم عليهم. وإدانة الآخرين من العيوب الروحية والأخلاقية التي تبدأ في سن الشباب، وإن لم تُعالَج، سريعاً ما تتحول إلى عادة ذميمة متسلطة على صاحبها. وهى خاصية سريعة العدوى والانتشار من شخص لآخر مع ما يصاحبها من نميمة وتعرض لسيرة الآخرين.
وهى خاصية عميقة الجذور في الكيان الإنساني، ومن أول الخصائص الرديئة التي دخلت بدخول الخطية، كما نرى في تكوين3؛ فآدم، عندما سأله الرب إن كان أكل من الشجرة التي أوصاه ألا يأكل منها، هرب من المواجهة بإدانة حواء «المرأة التى جعلتها معى هى أعطتنى فأكلت»، وكذلك فعلت حواء بإدانتها للحية. ومصدر هذه الخاصية هو الشيطان نفسه، الذى زرع بذار الإدانة عندما ألقى اللوم على الله في نهيه لآدم عن الأكل من الشجرة.
دوافع نفسية لإدانة الآخرين
عقل الإنسان يدافع عنه (في اللاشعور)، لكى يتجنب المواجهة المستمرة بصورته الرديئة حتى يمكنه قبول نفسه، فيحاول أن يتناسى أو يبرر أخطاءه وعيوبه. وقد يكون المؤمن مقتنعاً، من الوجهة الروحية، بخطأ الإدانة، لكنه مغلوب من دوافع نفسية مثل:-
التبرير: مثل آدم الذى أدان حواء ليبرر نفسه.
الإسقاط: وهو أن ينسب الشخص عيوبه وأخطاءه للآخرين كلما وجد مجالاً لذلك.
الإزاحة: غالباً ما تؤدى الخصائص غير المحببة توتراً لصاحبها، فيلجأ إلى إزاحة توتره بالبحث عن خصائص في الآخرين وإدانتهم عليها والحديث عنها.
الطبيعة القديمة والإدانة
إذا قرأنا متى7: 1 -5 نجد أن إدانة الآخرين تتضمن:
الانتقاد: العين المفتوحة على عيوب الآخرين، فتضخم منها في حين تنسى مزاياهم «لماذا تنظر القذى الذى فى عين أخيك».
تجاهل عيوب الشخص الذى يدين: «أما الخشبة التى فى عينك فلا تفطن لها».
الرياء: المظهر المختلف عن الجوهر «يا مرائى».
الكبرياء: وهو أصل كل الخصال الرديئة، فمع أن الشخص فيه نفس العيب إلا أنه يدعى قدرته على معالجة العيب في أخيه.
فقدان البصيرة الروحية: «حينئذ تبصر جيداً»أي أنك الآن لا تبصر، فلا تصلح للمعالجة.
كما أن إدانة الآخرين تتضمن أيضاً:
الجسدانية والطفولة الروحية: كمؤمني كورنثوس الذين كانوا باستمرار في حالة إدانة الآخرين، فلم يمكن لبولس أن يكلمهم كروحيين بل كجسديين (1كورنثوس3).
الذم: أي الكلام بالسوء على الآخرين «الذى يذم أخاه ويدين أخاه» (يعقوب4: 11).
علاقة الإدانة بالحالة الروحية
الإدانة آفة تحاول التغلغل بين كل المؤمنين على كل المستويات، وليس كبير عليها وتحتاج إلى حذر من الجميع. فمثلاً، هارون أول رئيس كهنة اختاره الرب من بنى اسرائيل، ومريم اخته التي قادت النساء في واحدة من أحلى الترنيمات، مع مستواهما الروحي، ومع أنهما أخوا موسى، إلا أنهما أداناه وتكلما عليه (عدد12). لكن طابع هذه الخاصية أنها تتزايد كلما زادت الجسدانية والطفولة الروحية.
مجالات إدانة الآخرين
يمكن أن تشمل كل المجالات الإنسانية؛ من ظروف اجتماعية أو طباع أو عادات أو مستوى دراسي، أو أمور روحية. قد تكون أمور حقيقية محكوم عليها من المكتوب، أو أمور وهمية بحسب قياس الإنسان الذى يهوى الإدانة:
الظروف الاجتماعية: المستوى الاجتماعي، الملابس، الممتلكات، العمل، الدراسة. وهذه أمور نسبية، لكن الشخص الذى يدين فيها غالباً ما يقيس الأمور على نفسه، إذ يعتبر نفسه هو النموذج الذى من يرتفع عنه يعتبر عالمي الطباع. وكلها أمور استنتاجية، الحكم فيها على الظاهر فقط.
الطباع والعادات: مثل العصبية والهدوء، الخجل والكرم... الخ. وهنا، من يدين فإنه يدين دوافع الآخرين، وهذا ما لا يعطينا الكتاب الحق فيه.
الأمور الروحية: إدانة من نراهم متزمتين (أصحاب الضمير الضعيف) ومحاكمة أفكارهم (رومية14)، الحكم حسب الظاهر (يوحنا7: 24)، إدانة دوافع الخدمة بسبب المركز المتميز لشخص، مثلما أدان هارون ومريم موسى.
الإدانة والتمييز بين الصواب والخطأ
ليس معنى عدم الإدانة أن تتساوى عندنا كل الأمور. فنحن نقرأ أن «الروحى يحكم فى كل شىء» (1كورنثوس2: 15)، أي يقدر على تمييز الصواب من الخطأ، وإذا رأى العيوب يعرف أنها عيوب. لكن نفس الحالة الروحية التي تعطيه التمييز، هي نفسها تقوده إلى التصرف الصحيح، فيقوده لا إلى إدانة المخطئ بل إلى إصلاحه، مع اقتران ذلك بالاتضاع (غلاطية6: 1).
العلاج
*محاولة معرفة الدوافع النفسية، والتصرف معها بطريقة روحية صحيحة، وذلك بوجودي في محضر الله لأكتشف عيوبي وأدين نفسى أولاً.
*أن يتعلم الشخص أن يطبق المبادئ الإلهية على نفسه لا على الآخرين، لا أن يطالب الآخرين بالتصرف الصحيح بل أن يطلب معونة من الرب أن يتصرف هو التصرف الصحيح. فمثلاً «إن أخطأ إليك أخوك (خطأ ثابتاً بالبرهان لا بالتخمين) اذهب وعاتبه بينك وبينه» (متى18: 15)، أي أن الذى أُسيء إليه هو الذى يسعى لعلاج الأخ المخطئ. والعكس أيضاً إذا «تذكرت أن لأخيك شيء عليك ... اذهب أولاً واصطلح مع أخيك» (متى5: 23 -24). ففي الحالتين نرى أن الشخص الذى يطالب نفسه بتطبيق المكتوب هو الذى يذهب في الحالتين.
* نتعلم أن نحتمل (ولا ندين) أضعاف الضعفاء ولا نرضى أنفسنا (رومية15).
* نتعلم أن نقبل بعضنا البعض في الأمور التي نختلف فيها، والتي ستظل هكذا نظراً لاختلاف تركيبة كل منا، ولا ننسى أن المسيح قبلنا كما نحن (رومية15).
* إذا رأينا عيباً في أخ لنا، نذكر ضعفتانا وإمكانية تعرضنا للسقوط.
* في الحالات التي فيها عيوب واضحة، لا نكتفى بمجرد السماع، لكن لا بد من بحث الموضوع والتأكد منه، بعدها يأتي العلاج.
* لنحذر لأن إدانة الآخرين ينطبق عليها مبدأ الزرع والحصاد، لذلك يقول الرب «لا تدينوا لكى لا تدانوا... بالكيل الذى به تكيلون يُكال لكم» (متى 7: 1 ،2).