رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
+++ كيف نبدأ الطريق وندخل إليه +++ (أولاً) البداية المشروعة حسب الترتيب الإلهي لقد أظهر لنا الإنجيل الخطوات الصحيحة والسليمة التي ينبغي أن نتخذها ونسلك فيها لكي نبدأ المسير في الطريق وندخل إليه دخولاً شرعياً، ففي البداية قبل ظهور مخلصنا الصالح نجد يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية قائلاً: "توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات. فأن هذا هو الذي قيل عنه بأشعياء النبي القائل: صوت صارخ في البرية أعدوا طريق الرب، أصنعوا سبله مستقيمة" (متى 3: 2 – 3)، فإعداد طريق الرب لا يأتي إلا بالتوبة، لأنها دليل على استقامة القلب لكي يأتي إليه ويتعامل معه مثلما حدث لأهل نينوى، فهم أطاعوا صوت توبوا فلم يهلكوا: أن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون (لوقا 13: 3). فالإنسان لكي يبدأ الطريق مع الله لا بُدَّ من أن يُهيأ قلبه بالتوبة أولاً، والتوبة هنا تُفيد معرفة التشويه الذي أصاب النفس بالخطايا والذنوب من كثرة خبرة الإثم الذي ثقل آذانها عن سماع الصوت الإلهي، وعطل مسيرتها الصحية نحو الله، وعوقها عن حياة التقوى، وأعماها عن أن ترى قوة خلاص الله وتدبيره الفائق من نحوها، حتى أنها طُرحت على فراش الموت في منتهى التعب وقسوة المرض المؤدي للموت، وبذلك الوعي تُظهر ندمها وتأسفها على أزمنة الشرّ التي عاشتها وتُدير لها ظهرها وتبدأ تتوسل لخالقها – بتواضع وانسحاق – أن يرحمها ويعطيها مسيرة جديدة ماسكاً بيديها ويقودها حسب مشيئته، وهي تضع قرار تلتزم به وهو أن تهرب من الخطية ولا تتواجه معها لأنها كرهتها وابغضتها فرفضتها، وبذلك يتم تهيئة القلب وتمهيده لزرع ملكوت الله، ولكن إلى الآن عند هذه الخطوة لم تبدأ المسيرة بعد، ولكن فيها قد حدث تمهيد ضروري لكي يُستعلن الله للنفس، لأن الفلاح قبل أن يزرع الحقل فأنه يُهيئ الأرض أولاً منتزعاً منها كل ما هو ضار وغير نافع لكي يستطيع أن يزرع زرعه الجديد. ولكن هذه الخطوة الأولية وحدها لا تكفي قط، لأنها بداية طريق التوبة ولا يوجد فيها أعمال صالحة وقداسة في السيرة حسب قصد الله لأنها تعجز عن أن تصنع برّ الله، فأصبح من الضروري أن نرى مجد الرب وعِظَّمْ خلاصه، لنُقدم توبة من نوع آخر جديد غير توبة تهيئة القلب لرؤية بشارة الحياة الجديدة، لأن توبة التمهيد تختلف عن توبة بداية إعلان ملكوت الله وزرعة في القلب، لذلك مكتوب على نحو ترتيب آخر كالتالي، ونبدأها من إنجيل مرقس الرسول لأنه رسخ البداية ونكملها من إنجيل متى:+ بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله. كما هو مكتوب في الأنبياء: "ها أنا أُرسل أمام وجهك ملاكي الذي يُهيئ طريقك قدامك. صوت صارخ في البرية أعدوا طريق الرب، اصنعوا سبله مستقيمة"، الشعب الجالس في ظلمة أبصر نوراً عظيماً، والجالسون في كورة الموت وظلاله أشرق عليهم نور. من ذلك الزمان ابتدأ يسوع يكرز ويقول توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات (مرقس 1: 1 – 3؛ متى 4: 16 – 17) فالبداية وعند ظهور يوحنا المعمدان كانت تمهيد لما هو آتٍ، لأنه بدء إنجيل يسوع المسيح أي تمهيد لظهور آخر جديد واقتراب ملكوت الله، أي استعلان النور وإشراقه على النفس، التي حينما تراه تتوب توبة من نوع آخر اسمها توبة التبعية، لذلك نجد بعد نداء الرب عن التوبة مباشرةً دعوة التلاميذ للسير وراءه، فالدعوة "هلمَّ ورائي واتبعني" تأتي بعد نداء التوبة مباشرةً: + وإذ كان يسوع ماشياً عند بحر الجليل أبصر أخوين: سمعان الذي يقال له بطرس واندراوس أخاه، يلقيان شبكة في البحر فأنهما كانا صيادين. فقال لهما: هلم ورائي فأجعلكما صيادي الناس. فللوقت تركا الشباك وتبعاه. ثم اجتاز من هناك فرأى أخوين آخرين يعقوب بن زبدي ويوحنا أخاه في السفينة مع زبدي أبيهما يُصلحان شباكهما فدعاهما. فللوقت تركا السفينة وأباهما وتبعاه. (متى 4: 18 – 22)لكن يلزمنا أن نعرف طبيعة التوبة هنا، لأنها ليست هي التوبة العادية بل هي التي تؤدي للتبيعة السليمة، لأنه كيف لأحد أن يتبع شخص لا يثق به ولا يجد أنه مستحق ان يلتصق به ويترك لأجله كل شيء آخر، لذلك نجد السرّ واضح في إنجيل مرقس، لأنه كان مختزل في إنجيل متى وظاهر من خلال الأحداث، ولم يتحدث عنه لأنه سرّ النفس الخفي الظاهر في الترك والتخلي في موقف التلاميذ حينما سمعوا النداء، لأن التوبة هنا كانت ممزوجة بالإيمان، لذلك تركوا كل شيء وتبعاه، ولنركز في الكلمات لأن الإنجيل واضح في ترتيبه وفي منتهى الدقة، لأنه لو عبر علينا الكلام فلن نستوعب القصد الإلهي فيه، ولن نبدأ الطريق ونحيا حياة سليمة على الإطلاق: + وبعدما أُسْلِمَ يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله ويقول قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالإنجيل (مرقس 1: 14 – 15)فكان من المستحيل أن يبدأ المسيح بالكرازة ونداء التوبة السابق لظهوره لازال موجود ومستمر، بل كان من الضروري يتوقف تماماً لأنه انتهى، وبدأ نداء توبة كرازة من نوع آخر جديد، ولكنها ليست توبة فقط بل توبة يُلازمها الإيمان، فتوبة بدون إيمان هي توبة ناقصة لن تُفيد الإنسان بشيء، بل قد تعوقه عن أن يسير في الطريق الإلهي، لأن للأسف مفهوم التوبة عند الناس ناقص، لأنه يظن أنه يكفي أن يتوقف عن أن يصنع خطية ويهرب منها، ويبدأ صراعه المرير معها الذي لا يتوقف قط، فيخور مرة ويقوم مرة، وينسى كلام الرب تماماً: (توبوا وآمنوا) بل يكتفي دائماً بنصف الآية الأول، وللأسف وعاظ كثيرين يظلوا يتكلموا عن التوبة بدون الشق الآخر الذي هو أساس قاعدتها وهو الإيمان، لأن كثيرون تابوا ولكنهم لم يتبعوا الرب بإيمان ولم يسيروا في الطريق، لذلك نجد ان ربنا يسوع ركز على الإيمان كأساس وقال: فقلت لكم أنكم تموتون في خطاياكم، لأنكم أن لم تؤمنوا إني أنا هوَّ تموتون في خطاياكم (يوحنا 8: 24)، فالتوبة فقط بدون إيمان بشخص المُخلِّص = تموتون في خطاياكم. عموماً رب الكمال تكلم بالصدق في الحق لكي يحدد نوع الإيمان نفسه، فهو ليس مجرد إيمان، بل هو إيمان بالإنجيل، وطبعاً في ذلك الوقت لم يكن هناك إنجيل مكتوب، فبالطبع لم يقصد مجرد كلمات مكتوبة بحبر على ورق نقرأها ونُعجب بجمال الفضيلة التي فيها، لكن في إنجيل متى لو تتبعنا الخطوات المكتوبة كما تتبعناها منذ البداية فأننا نجد السرّ واضح وكامل: + وكان يسوع يطوف كل الجليل يُعلِّم في مجامعهم ويكرز ببشارة الملكوت ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب. فذاع خبره في جميع سورية فأحضروا إليه جميع السقماء المصابين بأمراض وأوجاع مختلفة، والمجانين والمصروعين والمفلوجين فشفاهم. فتبعته جموع كثيرة من الجليل والعشر المدن وأورشليم واليهودية ومن عبر الأردن (متى 4: 23 – 25)هنا يظهر إعلان إنجيل الشفاء وخلاص النفس من أسقامها وأوجاعها، لذلك بدأ الإيمان بملكوت الله لأنه تجلى وظهر عياناً بكونه فعل شفاء حقيقي، فالناس هنا نظروه وسمعوه ولمسوه ونالوا منه شفاء فعلي في واقع حياتهم المتعبة، لذلك الرسول الملهم بالروح والذي تذوق عمل الله على نحو شخصي وحمل قوة الكرازة ليقدمها لكل الأجيال نطق بالروح قائلاً: + الذي كان من البدء، الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة. فأن الحياة أُظهرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأُظهرت لنا. الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به، لكي يكون لكم أيضاً شركة معنا وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح. ونكتب إليكم هذا لكي يكون فرحكم كاملاً (1يوحنا 1: 1 – 4)إذاً يا إخوتي الطريق يبدأ بـ "توبوا وآمنوا بالإنجيل" ومن ثمَّ التبعية والسير وراء المسيح، "الذي فيه أيضاً أنتم إذ سمعتم كلمة الحق إنجيل خلاصكم، الذي فيه أيضاً إذ آمنتم خُتمتم بروح الموعد القدوس" (أفسس 1: 13)، ولا يوجد طريقة أخرى للسير في الطريق الروحي على وجه الإطلاق غير هذه الطريقة فقط، وفقط لا غير، فلا ينبغي أن نخترع أي طريق آخر أو ننتقص منه شيء، ولا نقدم للناس حلول أُخرى ولا وعظ جديد بأفكار جميلة، فلا تنفع توبة فقط بدون إيمان، ولا ينفع إيمان سوى الإيمان بالإنجيل، ومستحيل يكون هناك تبعيه للرب بدون إيمان، إيمان حي عامل بالمحبة، لأن الإيمان بدون محبة لا يصلح في شيء، بل سيصير مجرد تصديق ليس فيه حركة وربما فيه مخافة كإيمان الشياطين الذين يؤمنون أن الله موجود ويقشعرون، لأننا – حسب إعلان الإنجيل – رأينا التلاميذ حينما سمعوا الدعوة تركوا كل شيء وتبعوه، وهذا هوَّ فعل الإيمان الحقيقي لأنه حي نابض بمحبة الله. ومن الضروري والأهمية أن نعرف أن التوبة والإيمان بالإنجيل متلازمين ومتداخلين جداً وغير منفصلين أو متصلين، بل في منتهى التداخل والارتباط الوثيق. ولنُثبِّت الكلام هنا حسب ما هو مُعلن في كلمة الله ونركز فيه جيداً جداً، لأنه سيظهر لنا معنى الإنجيل كما قصد الرب أن نؤمن به، لأنه يتحدث عن شخص وليس عن كلام وأفكار: + وأعرفكم أيها الإخوة بالإنجيل (الذي بشرت به أنه ليس بحسب إنسان - غلاطية 1: 11) الذي بشرتكم به وقبلتموه وتقومون فيه، وبه أيضاً تخلصون أن كنتم تذكرون أي كلام بشرتكم به، إلا إذا كنتم قد آمنتم عبثاً (1كورنثوس 15: 1)فنحن لكي نبدأ في تبعيه المسيح رب القيامة والحياة نتوب ونؤمن بالإنجيل، عالمين بمن آمنا ووضعنا حياتنا بين يديه لأن هوَّ المؤتمن الوحيد، لأنه أتى إلينا لكي يشفينا ويُحيينا ويرد لنا كرامتنا المهدورة بالخطية والإثم، ومن هنا فقط تبدأ مسيرتنا الصحيحة وتبعية الرب فعلياً في واقع حياتنا اليومية: أن إنجيلنا لم يصر لكم بالكلام فقط بل بالقوة أيضاً وبالروح القدس وبيقين شديد (1تسالونيكي 1: 5)، ومن ثمَّ تبدأ كرازتنا المفرحة بسبب خبرتنا التي صارت لنا معه: "كما تعرفون أي رجال كنا بينكم من أجلكم؛ الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به لكي يكون لكم أيضاً شركة معنا، وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح (1تسالونيكي 1: 5؛ 1يوحنا 1: 3) + وأما هو فخرج وابتدأ يُنادي كثيراً ويُذيع الخبر، حتى لم يعد يقدر (المسيح الرب) أن يدخل مدينة ظاهراً، بل كان خارجاً في مواضع خالية وكانوا يأتون إليه من كل ناحية (مرقس 1: 45)فمن واقع حياة الإيمان الحي العامل بالمحبة نخدم ونتكلم، أما إذا خدمنا وتكلمنا بلا إيمان حي وممارسة حياة الشركة مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح مع جميع القديسين في النور، فكل خدمة أو كلام نتكلم به مهما ما كان صحيح 100% فنحن نخدع أنفسنا ونغش كلمة الله ولن نرضي الله أبداً لأن بدون إيمان يستحيل أن نُرضيه قط مهما ما فعلنا حتى لو وصلنا إلى الاستشهاد، لأن بدون إيمان عامل بالمحبة فسنصير مجرد بوق يصدر صوتاً أو نحاساً يطن وصنجاً يرن، لكن من الداخل فراغ وخلو تام من الله، لأن من ملء نعمة الله وعملها فينا نتحرك ونتكلم ونخدم، أما بدون أن ننال نعمة وأن نحيا كما يحق لإنجيل المسيح فخدمتنا باطلة وتستوجب الدينونة لأنها ستكون لحساب الذات أو للتمجيد الطائفي، ولن نثمر لحساب ملكوت ابن الله الحي على الإطلاق مهما ما كانت الحجج والبراهين التي نخترعها لأسباب الخدمة، والتي تقول باطلاً أن الخدمة تضبط حياة الإنسان، مع أنه كيف نجعل الذي لم يتب بعد أو الذي لم يحيا بالإيمان ونال نعمة الله يخدم خدمة الخلاص في المسيح يسوع وهو لا يعرفه إله حي وحضور مُحيي، لأن فاقد الشيء كيف يُعطيه، ومن ليس له خبرة حياة شركة مع الله القدوس كيف يدعو الناس لها !!!، لأن الأعمى كيف يقود الناس في الطريق ولا يضل ويسقطهم معه في حفرة الهلاك: "حينئذٍ تقدم تلاميذه وقالوا لهُ: أتعلم أن الفريسيين لما سمعوا القول نفروا.؛ فأجاب وقال: "كل غرس لم يغرسه أبي السماوي يُقلع. أتركوهم هم عميان قادة عميان، وأن كان أعمى يقود أعمى يسقطان كلاهما في حفرة" (متى 15: 12 – 14)ومن واقع حياتنا وخبرتنا نبشر ونكرز ونتكلم ونخدم لأنه مكتوب:+ وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه (يوحنا 20: 31) ___________________________ في الجزء الرابع سنتحدث عن: (ثانياً) التلمذة والتعليم |
|