رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||
|
|||||||||
تشبيه التلاميذ والمسيحين بملح الأرض
نصُّ الإنجيل قالَ يسوع لتلامِيذِهِ : " أَنتُم مِلحُ الأرض . كُلُّ امرئ يُمَلَّح بالنار , وكُلُّ ذبيحَةٍ تُمَلَّحُ بالمِلح . المِلحُ طيِّبٌ . فإِذا صارَ بِلا مُلوحَةٍ , فبأَيِّ شيءٍ يُمَلِّحونَهُ ؟ فليَكُنْ فيكُم مِلحٌ وليُسالِمْ بعضُكُم بعضاً ." ( متى 5/13. ومرقس 9/49-50 ) الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا التشبيه إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا التشبيه هي أنَّ المسيحي لا يشبه ملح الأرض فحسب, بل هو ملح الأرض. والملح على أربعة أنواع: ملح العِقاب الشديد, وملح التقشُّف والتوبة وتحمُّل مشقَّات الحياة, وملح التعليم القويم والسيرة الحميدة, وملح السلام بين الناس. ف بأيِّ نوعٍ من هذه الأنواع الأربعة يوصف به المسيحي ملحُ الأرض؟ وإليكم إيضاح هذا السؤال. النوع الأوَّل ملح العِقاب والعذاب قال يسوع: " كُلُّ امرئ يُمَلَّح بالنار " أيْ كلُّ مسيحيٍّ شريرّ يقاوِم إرادة الله عن تعمُّدٍ وتصميم يَهلِك ويُعذَّب بالنار. وقد أشار بهذه النار إلى نار جهنَّم التي تحدَّث عنها عندما قال: " إذا أَوقَعَتْكَ يدُكَ في الخطيئةِ فاقطعْها , لأنَّه خيرٌ لكَ أَنْ تدخُلَ الحياةَ ولكَ يدٌ واحدةٌ مِنْ أَنْ يكونَ لكَ يدانِ وتذهبَ إلى جَهنَّم , إلى نارٍ لا تُطفأ ." ( مرقس 9/43 ) 1- المواصفات الثلاث لنار جهنَّم إنَّها نارٌ شاملة: فكما أنَّ اللَّحم يُلفُّ بالملح من كلِّ جوانبه, ولا يبقى جزءٌ منه إلاًّ ويرشُّ عليه الملح, هكذا يُلَفُّ الهالكُ بنار جهنَّم. إنَّها نارٌ هائلة: إنَّ ألم النارِ الأرضيَّة ألمٌ شديدٌ جدَّاً. وأمَّا ألم نار جهنَّم فأشدُّ هولاً من ألم نار الأرض. إنًَّها نارٌ أبديَّة: إنَّ الملح يحفظ اللَّحم سالماً, وكذلك نار جهنَّم تحفظ الهالك سالماً. قال يسوع: " لا يموتُ دُودهُم ولا تُطفأُ النار " أيْ لا يهدأ وخز ضمير الهالك ولا يُطفأ حقدُهُ على الله, بل يدوم مدى الأبديَّة. ونحن نتساءل في هذه المناسبة ما إذا كان عذاب جهنم عذاباً ظالماً. 2- ليس عذاب جهنَّم عذاباً ظالماً ليس عذاب جهنَّم عذاباً ظالماً. فإنَّ الهالك رفض في حياته الأرضيَّة, بعنادٍ دائم وحقدٍ عميقٍ مستمرّ, محبَّةَ الله ودعوتَه الأبويَّة إلى التوبة وتغيير السيرة, واستسلم إلى الخطيئة عن قصدٍ وتصميم وتمرُّد على إرادة خالقه, وأهانه بمعرفةٍ وكبرياء وتحدٍّ, عل الرَّغم مِمَّا وجّه إليه اللهُ من دعواتٍ متواصلة وملحَّة إلى سلوك الحياة الفاضلة والإيمان الحيّ. فرفض كُلَّ دعوةٍ, ومات ولم يتُب من ذنوبه. أمّا في الحياة الأخرى فلا يلين ولا يندم, بل يبقى مقاوماً لله متمسّكاً بعناده وتمرُّده وحقده الأسود على الله, مع ما يقاسيه من عذاب هائل وعِقاب مروِّع. فالهالك المُعاند والحقود يعاقب نفسَهُ بنفسِهِ لأنَّه يعرف أنَّ العِقاب الذي ينالُهُ إنّما هو تحقيق العدل الذي فرضه على ذاته. النوع الثاني ملح التقشُّف والتوبة وتحمُّل مشقَّات الحياة قال يسوع: " كلُّ ذبيحةٍ تُملَّحُ بالملح " أيْ انَّ الذبيحة المقدَّمة لله يجب أن تُملَّح خشيةَ أن تفسُد أو يتلَف بعضُ أجزائها, فيرفضها الله لِما فيها من فسادٍ أو تلَف. هكذا كلُّ مسيحيٍّ يجب أن يكون ذبيحةً لله, وأن يُملَّح هو أيضاً على الأرض بملح التقشُّف والتوبة وتحمُّل شدائد الحياة تكفيراً عن خطاياه. فإنَّ هذا الملح المؤلم يمنع عنه الفساد والتلَف الروحي, ويحفظه سالماً, فتكون حياته المقدَّمة لله ذبيحةً نقيَّة لا قذارة فيها ولا تفتُّت ولا قباحة الخطيئة. فإنَّه خيرٌ للمسيحي أن يكون على الأرض ذبيحة عدل الله الحنون من أن يكون, وهو في جهنَّم, ذبيحة عدل الله الرهيب. ذلك لأنَّ ألم الحياة موقَّت ويُكفِّر عن الخطايا, أمَّا ألم نار جهنَّم فهو أبديّ لا يزول ولا يُكفِّر عن الخطايا. النوع الثالث ملح التعليم القويم والسيرة الحميدة قال يسوع: " المِلْح طيِّب. " بهذا القول تكلَّم يسوع على ملح التعليم القويم والسيرة الحميدة. 1- ملح التعليم القويم والسيرة الحميدة إنَّ التعليم القويم الذي يقوم به المعلِّم الصالح يقود إخوته المسيحيين إلى معرفة الله الحقَّة. وهذه المعرفة تؤثِّر فيهم وتجعل إيمانهم صحيحاً وأخلاقهم كريمة وسيرتهم حسنة. ولذلك فإنَّ الكنيسة تُعنى العناية الفائقة بإعداد المعلّمين الصالحين لهذه المَهمَّة السامية لتبقى الوديعة الإيمانيَّة والخُلُقيَّة التي تسلَّمتْها من الربِّ يسوع سالمةً في نفوس المؤمنين لا يتسرَّب إليها الغلط أو التحريف أو الفساد الخُلُقي. 2- استسلام بعض المعلِّمين إلى البدعة يعرف يسوع أنَّ الإنسان يميل إلى الشرّ والضلال وتشويه كلام الله. ولذلك أضاف هذا القول: "ولكِنْ إذا صَار المِلحُ بِلا مُلوحة ٍ, فكيفَ تُعادُ إليه مُلوحَتُهُ ؟" لقد أراد يسوع بذلك أن يقول: إذا استسلم المعلِّم إلى البدعة والتحريف, أو إلى الزهو والكبرياء والتعالي, فمن يردُّه عن ضلاله وشرِّه؟ والويل لـه إذا لم يرجع إلى الحقيقة الموحاة, أو لم يحارب ما فيه من ميولٍ شرِّيرة. إنَّه لا يصلح لتثقيف المؤمنين ولا لخدمة الكنيسة, بل يُطرد منها لأنَّه عنصر فاسد ومُفسِد. قال عنه يسوع: " لا يَصْلُحُ إلاَّ لأَنْ يُرمى في الخارجِ فيَدوسَهُ الناسُ ." ( متى 5/13 ) النوع الرابع ملح السلام نقرأ في الإنجيل أنَّه لمَّا تسرَّبت في بعض الأيّام إلى أذهان الرسل أفكار الكبرياء واختلَّ بينهم الإتِّحاد, ذكَّرهم يسوع بواجب السيطرة على أسباب التفرقة وواجب حفظ الوفاق والسلام بينهم, فأشار إلى قوّة الملح التي تربط بعضهم ببعض برباط السلام. قال لهم: " فليَكُنْ فيكُمْ مِلْحٌ , وليُسالِمْ بعضُكُم بعضاً ." بهذا القول بيَّن لنا أنَّ الملحَ رمزُ السلام في الكنيسة, وأنَّ الكنيسة بحاجةٍ إلى هذا الملح, ملح السلام, لتبقى الوحدة قائمة فيها ولا يتنافر أعضاؤها أو يتبعثروا. لذلك يجب أن يسود السلام أوّلاً بين رعاة الكنيسة أنفسهم ليعتنوا معاً بنشر الحقيقة الموحاة في العالم ويقوموا بهذا العمل المشترك بتفاهمٍ واتِّحاد القلوبِ. ثمّ يجب أن يسود السلام بين المؤمنين في الطاعة لرؤسائهم, والمَحَبَّة المتبادلة, وممارسة فضيلتَيْ الوداعة والتواضع, فتبقى الكنيسة موحَّدة تعيش في سلام المسيح. المسيحي ملح الأرض قال يسوع لتلاميذه: " أَنتُمْ مِلْحُ الأَرض ." إنَّ الملح طيِّب إذا أُستُعمل في الأطعمة بكميَّة معتدلة, ووُضِع بعيداً عن الأمكنة الرطبة التي تُفسدُهُ. لذلك يجب على المسيحي لكي يبقى ملح الأرض أن يحافظ على هاتَيْن الصفتَيْن اللتين يتَّصف بهما الملح. وفي الواقع الذي يعيشه المسيحي: 1- يجب عليه أن يُعامل إخوته المسيحيين وجميع الناس برفقٍ وتفهُّمٍ وحنان ليتَّصف تصرُّفه معهم بطيبة المِلح المستعمل باعتدال في الطعام. 2- وأن يتحاشى ارتياد الأماكن الفاسدة خشيةَ أن يتسرَّب الفساد إلى قلبه, فيفسد كالمِلح المعرَّض للرطوبة, وينقلب ضرراً روحيَّاً على مَنْ يختلط بهم, ويكون سبب خِصامٍ واضطرابٍ بين الجماعة المسيحيَّة, وانحلالٍ لإيمانها وأخلاقها. التطبيق العملي أنت ملح الأرض. فكِّر في أربعة أنواع، الملح فلا تكُنْ ملح النار الأبديَّة بسلوكِكَ السيِّئ, بل كُنْ ملحَ التقشُّف والتوبة وتحمُّل مشقَّات الحياة, وملحَ الإيمان القويم والأخلاق الصالحة, وملحَ السلام بين الناس، فتكونَ ملحاً طيِّباً في الكنيسة. |
|