أما إليكم يا جميع عابري الطريق؟ تطلعوا وانظروا إن كان حزن مثل حزني الذي صُنع بي، الذي أذلني به الرب يوم حمو غضبه (مرا 1: 12)
رهيبة هي دينونات الله حقاً! ولنا الشهادة في الطوفان وفي سدوم وعمورة، ولكن ما هذه مُجتمعة بالمقارنة مع دينونة الخطية في الجلجثة! فالشمس قد أظلمت، والصخور قد تشققت، والزلزلة في هزاتها: كل هذه تشهد أن « رئيس الحياة » قد قتله جماعة أشرار وأنهم أنكروا « القدوس البار » وأن « الرجل الذي تبرهن من قِبَل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده » أخذه الأثمة وبأيديهم الآثمة صلبوه وقتلوه، وأن « البار » يُسلَّم ويُقتل!
كان هو النور، لكنه حين مات تعلق في الظلمة. كان هو الحياة، لكنه « سكب للموت نفسه ». كان صخر الدهور، لكنه غاص في مياه غامرة، غطاه طوفان وطوفان. كان هو الله الظاهر في الجسد ـ يهوه يسوع، لكنه مات موت المجرمين مُعلقاً بين لصين. كان الأسد الخارج من سبط يهوذا، إلا أنه « كشاة سيق إلى الذبح ». كان أصل وذرية داود، لكنه « نبت كعرق من أرض يابسة ». كان مُعلماً بين ربوة، وكله مشتهيات، ومع ذلك « لا صورة له ولا جمال فننظر إليه ولا منظر فنشتهيه ». كان القديم الأيام، ومع ذلك « قُطع في نصف أيامه ». كان رئيس السلام، لكنه إلى الصليب مضى حيث أعنف صراع وكفاح. كان أب الأبدية، لكنه صار طفلاً في مذود بيت لحم. كان الإله القدير، لكنه صار إنساناً « وصُلب من ضعف ». هو حامل كل الأشياء بكلمة قدرته، لكنه في جثسيماني جاء ملاك ليقويه. كان صورة الله غير المنظور، لكن « كان منظره كذا مُفسداً أكثر من الرجل (أكثر من أي رجل) » أ فسدوا وجهه الكريم باللطم والبصق!! فيه حلّ كل ملء اللاهوت جسدياً ـ غير أنه أخذ صورة عبد وصار في شبه الناس. قال فكان وأمر فصار ـ لكنه وضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب!
هذه الأسرار العجيبة ليس في مقدورنا أن ندركها. إن « سماء السماوات » لا تسعه، ومع ذلك جاء ليسكن معنا ويمكث « المسيح فيكم رجاء المجد »!
إن جلال آلام ذاك الذي مات ليفتدي الجنس البشري لتزيد من عجبنا كلما أمعنا النظر في نعمته التي لا شبيه بها ـ ذاك الذي نزل بهذا المقدار حتى يخلصنا. وفي كلمته نقرأ ما كان وما صار، من أجل المحبة العظيمة التي بها أحب نفوسنا.