" من أكل جسدي وشرب دمي ، فله الحياة الأبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير . لأن جسدي طعام حقاً ، ودمي شراب حقاً . من أكل جسدي وشرب دمي أقام فيّ وأقمت فيه " ( يو 6/ 27 – 58 ) .
الافخارستيا في قلب الحياة الكنسية والمسيحية ، بها يحضر المسيح شخصياً لشعبه في السر الفصحي . فلما كان المسيح هو قلب الحياة الكنسية والمسيحية ، أصبحت الافخارستيا هي محور الحياة المسيحية وذروتها المكلّلة ، وهي ينبوع التبشير كله وقمته ، إذ أن المسيح بتجسده وعمله الفدائي ، شفانا ودعانا إلى الاشتراك في حياة جديدة ، تربطنا بعضنا ببعض كأبناء لله معدين للاشتراك في حياة الثالوث . وقد اختصر الدستور المجمعي في الليتورجيا ذبيحة الافخارستيا بقوله : " رسم مخلصنا في العشاء السري ذبيحة الافخارستيا : اعني سر التقوى وعلامة الوحدة ورباط المحبة والوليمة الفصحية التي فيها يؤكل المسيح وتمتلئ النفس نعمة وتعطى عربون المجد الأبدي … إن ذبيحة الافخارستيا هي ينبوع وقمة كل حياة مسيحية . " هذه الحقائق المبنية على أمر السيد المسيح لرسله : " اصنعوا هذا لذكري حتى مجيئي " نفذها الرسل والتلاميذ وواصلت الكنيسة الناشئة هذه الوصية . مطورة طقوس الوليمة الجديدة بحسب ظروف الزمان والمكان والأشخاص واتسعت الوليمة إلى وليمتين : وليمة الكلمة ووليمة الذبيحة . وتنوعت النظرة اللاهوتية والحياتية إلى هذه الوليمة : فهي وليمة محبة ، ميزة مسيحية ، حاجة وجودية ، ممارسة دينية وفريضة كنسية ، وانتظار نهيوي . سر لا بل سر الأسرار ، واحتفال لا بل قمة الاحتفالات كلها ، وينبوع الحياة الروحية المسيحية . لهذا السبب فإن لكل الأسرار والخدم الكنسية وأعمال الرسالة صلة وثيقة بسر الافخارستيا ، فإن النعمة التي وهبت في العماد وتثبتت في الميرون موجهة إلى الاتحاد بالمسيح القربان " من يقبل إليّ … يثبت فيّ وأنا فيه " ، والافخارستيا تكمل مفاعيل الشفاء الكائنة في سرَّي التوبة ومسحة الرضى " هذا هو دمي الذي يسفك لمغفرة الخطايا … وأنا أقيمه في اليوم الأخير " ، أما سر الكهنوت فموّجه إلى تقدمة الذبيحة القربانية " اصنعوا هذا لذكري " ، وأما سر الزواج فمن حيث هو عهد دائم بين الرجل والمرأة ، يرمز إلى الاتحاد القائم بين المسيح والكنيسة بفضل الافخارستيا ، وعلامة للعهد الجديد بين الله والإنسان " هذا هو دمي ، دم العهد الجديد " لذلك يحتل سر الافخارستيا الذروة في الأسرار ، لأن يسوع بهذا القول والفعل الحاسم سلّم الخبز والخمر وجمع فيهما وحطّ كل نعم تجسده واستحقاقات آلامه وقوة قيامته ، فأنجز تقدمة ذاته والخليقة كلها معه لله الآب ، وكرس استمرارها معنا إلى الأبد .