الخطيئة دخلت الى العالم بأنسان واحد ، وأجرة تلك الخطيئة هي الموت ، والموت أجتاز جميع البشر أذ أخطأ الجميع وحتى الذين لم يقترفوا خطيئة تشبه خطية آدم . فأذا مات الجميع بسبب أنسان واحد ، هكذا كان الخلاص أيضاً بأنسان واحد " رو 5: 14-17" . الله عادل وقدوس وعدالته تتطلب دفع ثمن الخطيئة . لا أحد يستطيع أن يدفع ثمن الخطيئة . لأن ليس للأنسان ما يملكه يساوي ويوازي مقام الله الذي أهانه الأنسان بخطيئته . فالحل الوحيد لأنقاذ بني البشر هو تجسد وموت أبن الله الذي هو وحده يساوي الآب في الجوهر ، وبغيره لم يتم الخلاص وحسب الآية ( ليس بأحد غيره الخلاص . لأنه ليس أسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص ) " أع 12:4" . لهذا السبب (فالمسيح وضع عليه الرب أثم جميعنا ) " أش 6:53" .
الشيطان كان يعلم بهذه الحقيقة فقاوم المسيح المتجسد منذ ولادته لكي لا يموت مصلوباً ، لأن بقيامته سيتحرركل من يؤمن به . لهذا قاومه منذ ولادته وزرع الحقد في قلب هيرودس لقتله ، فأمر الملك بقتل أطفال بيت لحم معتقداً بأن يسوع سيكون واحداً منهم . وهكذا أستمر الشيطان في حربه فهاجم يسوع بتجاربه ثلاث مرات لأجل أيقاعه وأبعاده عن هدف الصلب . الشيطان لا يكل ولا يمل بسبب فشله في تجاربه بل عاد لكي يجرب الرب بأسلوب آخر عن طريق الرسول بطرس الذي هو هامة الرسل . كان بطرس يظهر محبته للرب وأستعداده للدفاع عنه أكثر من جميع الرسل ، فكان سريعاً في الرد وبأندفاع غير مسؤول ، لهذا كان يسبق الرسل في أقتراحاته ، وينفرد في أبداء آرائه . فعندما صارح يسوع الرسل بموضوع صلبه وموته ، كان على بطرس أن يفكر ملياً بكلام الرب قبل الرد . لكن رده كان سريعاً فقال ( حاشا يا رب أن يحدث لك هذا ) " مت 22:16 " . سبب هذا الرد كان لأنه فسر الكلام من الناحية العاطفية البشرية دون أن يفكر في الغاية من موت الرب ، وبذرة هذه الفكرة ليست من بطرس بل من الشيطان الذي أستغل أندفاع بطرس ومحبته ليسوع ، لهذا لم يتحمل ذلك الخبر ، فعبر عن تلك المحبة بما أراده الشيطان الذي صاغ له الكلام بأسلوب الحنية والمحبة المبطنة بالحقد لهدف مقاومة مشروع خطة الله لخلاص البشر. بطرس لم يعلم بأن صلب المسيح هو لأجل خلاصه وخلاص البشرية ، وأن لم يصلب لم يكن لأحد الخلاص ، لهذا قاوم كلام الرب كما قاوم طلب الرب عندما أراد أن يغسل أرجله ، كل هذه الأعتراضات كانت بسبب وسوسة الشيطان في تفكير بطرس ، لهذا قال له الرب ( أبعد عني يا شيطان ) فهل جعل يسوع بطرس شيطاناً ؟ الجواب كلا ، بل أنتهر الشيطان الذي وسوس في بطرس . الكلام أذاً موجه الى الشيطان وليس الى بطرس . فالذي زجره يسوع هو الشيطان ، وهكذا أنقذ يسوع بطرس من فكره الشيطاني .
يسوع كان يعرف جيداً ، حتى بطرس الذي هو من كبار الرسل سيسقط أكثر من مرة في التجارب القادمة ، فنبهه قائلاً ( أنت ستنكرني ثلاث مرات قبل صياح الديك ) . يسوع كان يعلم بضعف الرسل ومدى أدراكهم لعمله معهم ، لهذا وعدهم بأرسال الروح القدس قائلاً ( ذاك يذكركم ويقويكم ويعلمكم كل شىء ) .
الله تألم منذ بداية الخليقة ، فكل ما كتب على سطور الأنجيل هو تعبير عن ألم عميق وضع في كأس وعلى يسوع أن يتأمل به جيداً في بستان الزيتون قبل أن يتجرعه بأرادته فيتألم كثيراً. فلو لم يتألم ويموت على الصليب لم يكن هناك خلاص للبشر لذلك كان يعبر عن ضرورة موته وقيامته للرسل بقوله ( .. لأن حبة الحنطة أن لم تقع في الأرض وتمت ، تبقى وحدها ، وأن هي ماتت أتت بثمر كثير ) " يو 24:12 ".
المحاولة الأخيرة للشيطان مع يسوع كانت على لسان رؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ في ساعة يسوع الأخيرة وهو معلق على الصليب ، وكان أسلوب الشيطان اليائس هذه المرة بصيغة تعيير وأستهزاء وتحدي ، فقال ( خلص غيره ، أما نفسه فلا يقدر أن يخلص ! أهو ملك أسرائيل ؟ فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به ) " مت 42:27 " . غاية الشيطان أصبحت واضحة وهي نزول الرب عن الصليب لكي يقاوم خطة الله في صلب أبنه لأجل خلاص البشر ، وأن الله أرسله كفارة لخطايانا " 1 يو 10:4" . الشيطان فشل الى الأبد لأن الرب مات على الصليب وتحمل العقوبة الواقعة على البشر .
هكذا أرضى الأبن الله الآب ودفع الثمن ، والله الآب كان مع الأبن دائماً ولم يتركه أبداً وحسب قول يسوع ( والذي أرسلني هو معي . ولم يتركني الآب وحدي ، لأني في كل حين أفعل ما يرضيه ) " يو 29:8 " . أما قول الرب على الصليب ( ألهي ألهي لماذا تركتني ) فهذا القول ليس عمودياً لكي ينادي به الآب ، بل هو قولاً أفقياً موجهاً لنا نحن البشر ، فكان يحثنا الى قراءة النبؤات التي تُحًدِث عن ذلك الحدث في مزمور ( 22) الذي تنبأ عن هذا النبأ ، حيث القائل الأول لهذه الكلمات كان أبينا داود في محنته عندما كان مطارداً من قبل شاول الملك ، وداود كان رمزاً للمسيح المطارد من قبل اليهود . أجل المسيح كان قوياً على الصليب ولم يضعف أبداً ، وذلك القول لا يعني به معاتبة الآب ، بل يريد أن يفتح بصيرتنا نحن الى ما دُوِنَ لنا في الكُتب ، لكي نفهم الدرس جيداً .
مات المسيح عن الجميع ، مقدماً حياته للعدل الألهي عوضاً عنا ، فأستوفى العدل الألهي حقه وتمت المصالحة . أما الأفخارستيا التي خرجت من جنبه فليس ثمناً نستحقه ، بل هو هبة مجانية أعطيت لنا .
ولذبيح فصحنا المجد دائماً