رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
البناء على الصخر _ يوحنا ذهبي الفم "كل من يسمع أقوالي هذه ويعمل بها أُشبهه برجل عاقل بنى بيته على الصخر" (مت 7) ما هي قوة الفضيلة إذاً؟ إنها العيش بثبات، فلا تتغلب علينا الشدائد بسهولة. ونسمو نحن على كل مضايقينا. فأي شيء يعادل ذلك الحال؟! اللابس التاج الملوكي لا يستطيع أن يضمن ذلك لنفسه، بل من يتبع طريق الفضيلة، فهو يصل إلى توازن كبير، وفي أمواج الظروف العاتية يَعبُر وكأنه في بحر هادئ. وهذا مذهل إذ إن ذلك لا يكون في الطقس الجيد، بل عندما تصفع المؤمن ريح عاصفة، وتشتد عليه الاضطرابات وتتوالى التجارب، فأنه لا يهتزُّ ولا يرتجف. إذ يقول السيد المسيح: "ينزل المطر وتجيء الأنهار وتقع على ذلك البيت فلا يسقط لأنه مؤسس على الصخر". مجازياً المطر هُنا والأنهار والرياح هي الكوارث والضيقات البشرية، كالوقيعة والمؤامرات والأحزان، والميتات الفجائية، وفُقدان أهل البيت، ومُضايقات الغرباء، وكل الشُرور في حياتنا التي يمكن ذكرها. يقول يسوع أن نفساً كهذه لا تتأثَّر بأيُّ من هذه الأمور. والسبب هو أن النفس مؤسسة على الصخر. ويدعو الثبات "صخرة" لأن أوامره ووصاياه هي في الحقيقة أقوى من كُل صخرة. ، إذ تضع الإنسان فوق أمواج الأمور البشرية كُلها. فمن حَفَظ هذه الأمور بدقة يُقاوم، لا الذين يُزعجونه فحسب، بل الشياطين المتآمرين عليه أيضاً. والرسل هم شهودنا على ذلك، لأنهم حين ضربتهم كل أمواج العالم، ووقفت ضدهم كل الأمم والحكام، وشعبهم أيضاً والغرباء، والأرواح الشريرة والشيطان، وقفوا راسخين أقوى من الصخرة، فبددوا كل الاضطرابات. وكانت حياتهم أسعد من حياة الآخرين. فلا الثروة ولا قوة البدن ولا المجد ولا السلطان ولا أي شيء آخر يمكنه أن يوفر لنا الآمان، إنما الذي يوفره هو إمتلاك الفضيلة. لأنه ما من حياة أبداً تخلو من كل الشرور، وأنتم شهود وترون المؤامرات في قصور الملك، والضيقات والمتاعب في بيوت الأغنياء، لكن شيئاً من هذا لا تجدونه بين الرسل. ماذا إذن؟ ألم يعانوا هم من شرور على أيدي الناس؟ بلى، لقد عانوا من أبشع المؤامرات واجهوا أشد العواصف التي انفجرت في وجوههم، لكن أرواحهم لم تنهزم أبداً، ولا أصابهم اليأس، بل صارعوا بأجساد عارية وانتشرت كرازتهم وانتصروا. وكذلك أنتم بالمثل، إن أردتم تحقيق هذه الأمور، فسوف تضحكون على كل المتاعب وتزدرون بها. أجل، لأنكم إن تقوَّمتم فقط بهذه الفلسفة لن يؤذيكم شيء، ولن يقدر عليكم من يحيك ضدكم المؤامرات. هل سيسلب أحد أموالكم؟ حسناً، لكن قبل أن يهددكم فإن الرب أمركم أن تحتقروا المال، وأن تتعففوا عنه تماماً. وفي نفس الوقت لا تظنوا أن هذا الأمر من تدبير ربكم. فهل يرمونكم في السجن؟ ألم يأمركم أن تحيوا هكذا. وأن تُصلبوا عن العالم. فهل يتكلمون عنكم بالشر؟ قد خلصكم المسيح من هذا الألم أيضاً، بوعده لكم بمكافآت عظيمة إذا احتملتم الشر. وقد حرركم من الغضب والاضطراب الناجم عنه. فهل ينفيكم أحد ويسبب لكم متاعب جمة؟ حسناً، فإن الرب يجعل إكليلكم أكثر مجداً. فهل يدمركم ويقتلكم؟ حتى وإن فعل هذا فإنه ينفعكم نفعاً كبيراً. إذ تنهال عليكم أكاليل الشهادة، وتبلغون السماء في منتهى السرعة بلا تعب، وتتوفر لكم أعظم فرص المجازاة الوفيرة والغنى .. والأمر الأكثر عجباً من كل ما سبق، أن كل المتآمرين ضدكم، إذ لا يقدرون إلحاق الضرر بكم، يجعلون من أنفسهم موضع إزدراء ... لنأخذ مثال آخاب وإيليا .. لأن واحد بنى على الصخر والآخر على الرمل، ورغم أنه كان ملكاً، خاف وارتعب عند مقابلته للنبي، ارتعب من إنسان لا يملك إلا جلد غنم. هكذا كان اليهود وليس الرسل، فرغم أن الرسل كانوا قليلي العدد وفي سلاسل، إلا أنهم أظهروا رسوخاً كالصخر، أما اليهود فعلى الرغم من كثرة عددهم وتسليحهم ... بقدر ما بنوا على الرمل كانوا أضعف من الجميع. لأن الشر هكذا دائماً واهن ضعيف، لكن الرسل ليسوا كذلك، إذ قالوا: "نحن لا يمكننا أن لا نتكلم بما رأينا وسمعنا" (أع 4). أرأيتم روحاً بهذا النبل، وصخرة تسخر من الأمواج وتحتقرها؟ أرأيتم بيتاً لا يتزعزع؟ إنهم لا يهتزون أمام المؤامرات المدبرة ضدهم، بل بالحري يتشجعون بالأكثر، ويلقون الآخرين في مزيد من الارتباك والقلق. ومن يضرب حجراً صلباً ترتد الضربة عليه، ومن يركل حجراً ترتد الركلة إليه، ومن يصيب الآخرين بالجراح ويثير مؤامرات ضد الأتقياء هو الذي يقع في الورطة. لأن الشر دائماً هو الأضعف، كلما نظم نفسه ضد الفضيلة .. وهكذا كل من يضرب الفضلاء ويقيدهم يجعلهم أكثر مجداً ويدمر هو نفسه. وكلما زادت عليك الآلام وأنت تحيا حياة البر كلما صرت أقوى. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
عظات يوحنا ذهبي الفم |
يوحنا ذهبى الفم |
يوحنا ذهبى الفم |
القديس يوحنا ذهبى الفم |
كتب القديس يوحنا ذهبى الفم |