كلمات كتبها نيافة أنبا مكاريوس أسقف عام المنيا عقب صلاة القداس في إحدى الكنائس التي وقعت في دائرة غارات الحريق التي شنتها بعض قوى الإرهاب في مدينة المنيا بصعيد مصر
كنيسة السراديب في المنيا
خبرة نادرة مرّ بها شعب المنيا هذا الأسبوع، فقد تجمّعوا لصلاة القداس الإلهي أمس واليوم في الكنيستين اللتين تعرّضتا للحرق الكامل والتدمير والنهب. كان المنظر يشبه كنيسة السراديب (أي اجتماع المؤمنين في سراديب روما وتعزية بعضهم البعض) في القرون الثلاثة الأولى، حيث كان المسيحيون الأوائل يصلّون بجوار المدافن ورائحة الموت حولهم، لم تكن تنفّرهم، قدر ما كانت تجتذبهم بالأكثر إلى الحياة الآتية. هكذا كنا نصلي القداس بينما تحيط بنا بقايا الأشياء المحروقة، وتملأ الأنوف رائحة الحريق، إذ كان الدخان ما يزال ينبعث من بعض المواضع، وكنا نرى بعضنا البعض بصعوبة، وكان المكان بالفعل شبيهًا بتلك القبور.
كُنّا قد اتفقنا مع الآباء ليلة القداس على أن يكون العدد محدودًا لا يتجاوز عدد أصابع اليدين، حتى لا نلفت الأنظار أو نثير المجرمين الذين قد يعتبرون ذلك نوعًا من التحدّي، لاسيّما وأن عمليات النهب كانت مستمرة حتى ذلك الوقت على مرأى ومسمع من الجميع، كما كانت الكنيسة بلا أبواب أو شبابيك، ولكننا فوجئنا بأعداد هائلة من جميع الأعمار جاءوا غير خائفين وهم يدركون جيدًا أن الخطر ما يزال محدقًا بالمكان! وقد تناول في القداس عدد أكبر من المعتاد، كان المنظر رائعًا: أن نجتمع معًا “الأسقف والكهنة مع الشعب”، نعزّي بعضنا البعض.
وبعد القداس قام الشباب في وقت محدود ببناء الفتحات التي دخل منها الناهبون لأيام، والذين كانوا قد نهبوا كلّ شيء، وحملوا كل ما استطاعوا قبل أن ينزعوا البلاط والرخام وأسلاك الكهرباء! وباعوا الجميع بأبخس الأثمان على مرأى من الجميع. ولكن الشعب غالب أحزانه وأوجاعه، وقرّر تجاوز الأزمة والعودة إلى الحياة بشكل طبيعي، وتأكّد للجميع أن الكنيسة ليست مجرد مبنى فقط، ولكن اجتماع الشعب براعيه حول الإفخارستيا.
ذكرني المشهد بمنظر الهيكل متهدّمًا محروقًا بالنار حين عاينه العائدون من السبي، وكانوا قد رأوه في سابق مجده وبهائه، فرفعوا أصواتهم بالبكاء (راجع عزرا 3: 12)، ولعلّ راعيي الكنيسة كانا أكثر المتأثرين بسبب أنهما بنيا الكنيسة وأعدوها بجهد جهيد ومشقة كثيرة، على مدار سنوات عديدة.
لقد صلينا القداسات من قبل في الشوارع والمنازل وعلى الأسطح وتحت الأشجار، ولكنّ أيًّا منها لم يكن في مثل هذا الخشوع والجمال والتأثّر، لقد كان من أجلّ القداسات التي صليناها، بل لم يكن هناك ما يشغلنا عن الله من جهة جمال المكان أو زخارفه، كان جماله الحقيقي “الله المُقدَّم في الإفخارستيا على المذبح”. وبعد القداس تجدّدت القوة والحماسة والرجاء في جميع الموجودين، فراحوا يتبرّكون من آثار الركام والحطام الذي أصبح بالنسبة لهم شهادة للمسيح، وعلامة قوة وبركة قادمة سريعًا.