رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
سلسلة مخافة الله (3) فوائد روحية كثيرة لمخافة الله بقلم: قداسة البابا شنودة الثالث تحدثنا في العدد الماضي عن لماذا نتحدث عن مخافة الله. ونتابع اليوم حديثنا في هذه السلسلة, فنقول: الخوف يرتبط بالخطية إن الملائكة -وهم يتكللون بالبر- لا يخافون. أما البشر وهم يسقطون في الخطايا كل يوم, فإن الخوف يلاحقهم, لأنه لاصق بالخطية. هو يسبقها, وهو أيضا يلحقها. وهو مرتبط بها علي الدوام. * أول نوع من الخوف, هو خوف السقوط... هو خوف يسبق الخطية, وهو نافع أن دفع صاحبه إلي الحرص. الإنسان الذي يجب أن يحيا حياة طاهرة يخاف من السقوط. لأنه قيل عن الخطية إنها طرحت كثيرين جرحي, وكل قتلاها أقوياء (أم7:26). نعم, هذه الخطية التي اسقطت جبابرة مثل داود وسليمان وشمشون, والتي اسقطت رسلا مثل بطرس ومثل توما.. لذلك يقول القديس بولس الرسول محذرا: لا تستكبر, بل خف (رو11:20). حتي الإنسان الروحي, ينبغي أيضا أن يخاف السقوط, ليس عن رعب, إنما عن حرص. ذلك بسبب عنف الحروب الروحية وقوة الشيطان المخادع الذي قال عنه القديس بطرس الرسول: أصحوا واسهروا, لأن إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسا من يبتلعه هو (1بط5:8). وقال القديس بولس الرسول عن المحاربات الروحية: فإن محاربتنا ليست مع لحم ودم, بل مع الرؤساء مع السلاطين... مع أجناد الشر الروحية في السماويات... (أف6:12). ولذلك فإنه يقول أيضا: من يظن أنه قائم فلينظر لئلا يسقط (1كو10:12). بل أنه قال عن نفسه, ليحذرنا: أقمع جسدي واستبعده, لعل بعد ما كرزت لآخرين, أصير أنا نفسي مرفوضا (1كو9:27). نعم, ما أخطر هذه العبارة, يقولها رسول عظيم قد صعد إلي السماء الثالثة, وتعب أكثر من جميع الرسل. لذلك علي الإنسان الروحي أن يبذل كل جهده, ويبتعد عن كل أسباب الخطية ومصادرها خوفا من أن يسقط!! بفعل هذا, حتي إن كان قد سار شوطا في الحياة بالروح, لعله يحدث له كما حدث لأهل غلاطية الذين وبخهم الرسول قائلا: ابعد ما ابتدأتم بالروح, تكملون الآن بالجسد؟! (غل3:3). ليس المهم إذن كيف بدأنا؟!, وكيف نحن الآن؟ وإنما ماذا سنكون, وكيف ستكون نهاية سيرتنا... هذا هو أول خوف يرتبط بالخطية وهو خوف السقوط. ويشتغله الروحيون لفائدتهم, مستمعين إلي قول المرتل في المزمور: طوبي للإنسان الذي لم يسلك في مشورة الأشرار, وفي طريق الخطاة لم يقف, وفي مجلس المستهزئين لم يجلس.. (مز1). * فإن أخطأ الإنسان يقع في خوف آخر, هو خوف الانكشاف. يخاف أن يعرف الناس خطيئته, وأن ينكشف, فوقع في الفضيحة والعار, ويتعرض لألسنة الناس التي لا ترحم, وتصبح سمعته مضغة في أفواههم!. لذلك يقول علماء النفس إن المجرم كثيرا ما يحوم حول مكان جريمته, خائفا من أن يكون قد ترك هناك أثرا يدل عليه. وهذا العامل النفساني يستغله المحققون فإن أشاروا إلي شئ من آثار الجريمة, قد يضطرب المجرم أو ينهار. ومن أجل خوف الانكشاف نلاحظ ملاحظة مهمة وهي: إن الخطية كثيرا ما تعمل في الظلام وفي الخفاء... وهكذا قيل عن الخطاة إنهم: أحبوا الظلمة أكثر من النور, لأن أعمالهم كانت شريرة (يو3:19). لأن كل من يعمل السيئات يبغض النور, لئلا توبخ أعماله. وأما من يعمل الحق, فيقبل إلي النور, لكي تظهر أعماله إنها بالله معمولة (يو3:20, 21). ولهذا فإن الأبرار يلقبون بأبناء النور, والأشرار بأبناء الظلمة, لأنهم يدبرون خطاياهم في الخفاء. لذلك يخافون من اليوم الأخير الذي تنكشف فيه الأعمال, وتفتح الأسفار, وتفحص الأفكار والنيات. أين يهربون في ذلك اليوم؟ وأين يختفون؟!. إن كانت خطاياهم لا تنكشف علي الأرض, بأسباب وطرق شتي, فلابد إنها ستنكشف أمام الديان العادل وأمام الكل في يوم الحساب.. يخافون من أن الذي يقال في المخادع, ينادي به فوق السطوح. ويخافون من تلك العبارة الرهيبة التي قالها الرب: ليس مكتوم لن يستعلن, ولا خفي لن يعرف (مت10:26). أين يخفون وجوههم إذن؟ حين لا تكون هناك أسرارا ولا خفايا, بل الكل معلن والكل معروف... بل هناك أمرا آخر يخاف منه الإنسان الروحي, وهو إن خطاياه قد تكون مكشوفة أمام أرواح الذين انتقلوا من هذا العالم, سواء أحبائه الذين كانوا يثقون به فيندهشون!, أو أمام الذين كانوا ينتقدونه فيرون إنهم كانوا علي حق...!. لعل إنسانا يسأل: وماذا تراني أفعل إذن؟ أقول لك إن التوبة تمحو خطاياك, وذلك لم تفعلها. تغسلك فتبيض أكثر من الثلج.. ولا تعود لك خطايا تخاف من أن تنكشف.. فإن كنت تخاف الانكشاف, تب. وحينئذ يفرح بك ملائكة الله وأرواح القديسين. لأنه يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب (لو15:7). * نوع آخر من الخوف يرتبط بالخطية, وهو خوف العقوبة, أو الخوف من نتائج الخطية... أبونا آدم لما أخطأ, خاف واختبأ خلف الشجر. تحولت علاقته مع الله من حب إلي خوف. وقايين القاتل, وقع ليس في الخوف فقط بل في الرعب. وهكذا قال لله: ذنبي أعظم من أن يحتمل. إنك قد طردتني اليوم عن وجه الأرض, ومن وجهك اختفي. وأكون تائها وهاربا في الأرض (تك 4: 13, 14). وداود النبي أيضا لما أخطأ خاف. وقال: يارب لا تبكتني بغضبك, ولا تؤدبني بسخطك. ارحمني يارب فإني ضعيف. اشفني فإن عظامي قد اضطربت (مز6). والخاطئ يخاف من عقوبتين: أرضية وسماوية. أما العقوبة السماوية, فهي رهيبة وأبدية. وأرجو أن أتحدث عنها بالتفصيل فيما بعد. وأما العقوبة الأرضية فهي كذلك علي أنواع. إما عقوبة من المجتمع: فضيحة واحتقار, أو نبذ هذا الإنسان من المجتمع, أو عدم الثقة به في المستقبل.. أو عقوبة من القانون مثل السجن, أو ما هو أشد... أو عقوبة يوقعها الله عليه من مرض أو عاهة أو اللعنات التي وردت في (تث28) أو عقوبة تصيبه في أولاده وأحفاده. هناك خوف روحي أيضا يتابع الخاطئ, أو يخافه الإنسان المحترس من السقوط. إنه يخاف من غضب الله عليه, أو رفض الله له, مثلما رفض شاول الملك من قبل (1صم16). يخاف أن يحزن الروح أو يطفئ الروح, بل يخاف أن يفارقه روح الله (1صم16:14) أو أن تتخلي عنه النعمة, ويسلمه إلي ذهن مرفوض, أو يسلمه إلي شهوات قلبه (رو1:28, 24). يخاف أن يفقد صورته الإلهية التي خلقه الله بها في البدء. ويخاف لئلا يأخذ أحد أكليه, وتتزحزح منارته من مكانها (رؤ2:5). يخاف أن يأخذ العدو سلطانا عليه, ويأتي وقت عليه يفقد فيه إرادته, ويفقد حرية أولاد الله. والشر الذي ليس يزيده, إياه يفعل (رو7:19). وهكذا يخاف أيضا أن يتطور إلي أسفل وإلي أسوأ. يخاف من قول الرب له: أنا عارف أعمالك, إن لك اسما إنك حي وأنت ميت (رؤ3:1). يخاف أن يأتيه الموت فجأة, وهو في حالة غفلة, وغير مستعد لملاقاة الله.. أحد القديسين قال إني أخاف من ثلاثة أمور: أخاف من لحظة مفارقة روحي لجسدي. وأخاف من ساعة الوقوف أمام الديان العادل. كذلك أخاف من لحظة صدور الحكم علي... فإن كان القديسون يخافون مع ارتفاعهم العجيب في حياة الفضيلة, فماذا نقول نحن عن أنفسنا؟!. الذي يخاف الله لا يخطئ, والذي يخطئ هو إنسان لا يخاف الله.. الذي يخاف الله لا يظلم, لأنه يخاف الله الذي يحكم للمظلومين, والذي يخاف الله لا يتدنس, لأنه يعرف أن الله قدوس. والذي يخاف الله لا يعمل الشر حتي في الخفاء, لأنه يعرف أن الله يري كل شئ, ويسمع كل شئ, ويفحص حتي أعماق القلوب. ولعل البعض يسأل: ما رأيك إذن فيمن يفعل الشر ولا يخاف؟! نقول إنه وصل إلي حالة الاستهتار أو اللامبالاة. أو أن ضميره مريض أو متعطل عن العمل. أو أن دوامة العالم تجرفه ولا تعطيه فرصة لمراجعة نفسه ولا للتفكير في أعماله. فهو في غيبوبة روحية: إن استيقظ منها لابد سيخاف. وبعض من مثل هؤلاء الناس, نراهم في ساعة الموت, أو إذا اقتربوا من الموت, لابد أن الخوف يرعبهم. لأنهم لم يعملوا لأجل تلك الساعة ولم يستعدوا لها... ويشعرون أنهم أضاعوا حياتهم. تقول: أريد أن أحيا حياة الحب وليس الخوف. أقول لك: إذن لا تخطئ, فالخطية مرتبطة بالخوف. يقينا أن الشخص الذي يخطئ, كان في وقت خطيئته لا يخاف الله. أو يقول المزمور عن أمثال هذا الإنسان: لم يسبقوا أن يجعلوا الله أمامهم. لو كنتم بلا خطية, لا تخافوا. ولو أخطأتم, وعدتم فأصطلحتم مع الله, وندمتم ووبختم أنفسكم وعاقبتموها, وعشتم في حياة التوبة, حينئذ سوف لا تخافون. أما ونحن خطاة, فقد وهبنا الله المخافة لكي نصلح مسارنا. استمع إلي قول الرسول: فلتخف إنه مع بقاء وعد بالدخول إلي راحته, يري أحد منكم أنه قد خاب منه (عب4:1). وإن كنت تريد ألا تخاف في ذلك اليوم, فلتخف الآن. والخوف يمنعك من الخطية, ويمنع عنك الخوف في اليوم الأخير. فوائد المخافة أرجو أن أحدثكم عنها في العدد المقبل إن أحبت نعمة الرب وعشنا... |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
سلسلة مخافة الله (4) |
سلسلة مخافة الله (8) |
سلسلة مخافة الله (7) |
سلسلة مخافة الله (5) |
سلسلة مخافة الله-6 يمكنك الحصول علي مخافة الله |