|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الأحد الخامس من زمن الصوم ﴿اطلُبوا الرَّبَّ، اِلْتَمِسوا وَجهَه كُلَّ حين﴾ (مزمور 4:105) ﴿نُريدُ أنْ نَرَى يَسوع﴾ (يو 21:12). لَمْ يَأتِي الإنجيلِيُّ يُوحنَّا عَلَى ذِكرِ الأسبَابِ الّتي دَفَعَتْ أُولئِكَ اليُونَانيّين لالتِمَاسِ "رُؤيَةِ الْمَسيح". والرّؤيَةُ هُنَا لا تَقتَصِرُ عَلَى الْمُشَاهَدَةِ الحِسيَّة بِدَافِعِ الفُضولِ مَثَلًا، بَل تَدَلُّ عَلَى رَغبَةٍ تَوَّاقَةٍ مُتَأَصِّلَةٍ في بَواطِنِهم. وَمِنْ هُنَا جَاءَ استِخدَامُ يُوحنَّا للكَلِمَةِ "مُلْتَمِسين"، واصِفًا الأُسلُوبَ الّذي أَتَى بِهِ اليُونانِيُّون! فَالالتِمَاسُ شَكلٌ أَعمَقُ وأَقوَى مِنْ أَشكَالِ الطَّلَب، يُشيرُ إلى شِدَّةِ الحَاجَةِ في نَفسِ الطّالِب، ويُحَرِّكُهُ الرَّجَاءُ والأَمَلُ في قَلبِ السَّائِل. أَتَى اليُونَانيّونَ إلى فِيلبّس يَلْتَمِسُونَ رُؤيَةَ الْمَسيح. وَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكونُوا مِنْ شَعبِ إسرائِيل، إِلّا أَنَّ شَيئًا قَدْ جَذَبَهم نحوَ الْمَسيح. رُبَّمَا كَانُوا أَصحَابَ فَلسَفَة، مِثلَ كَثيرٍ مِنَ اليُونانيّين، قَصَدُوا الْمَسيحَ الْمُعلِّمَ للحِوارِ مَعَه. أَو رُبّما كَانَ بَينَهم مَريضٌ، يَرْجُونَ الْمَسيحَ صَانِعَ الآياتِ أَنْ يَشفِيه. جَميعُهَا افتراضَاتٌ مَنطِقيَّة، ولَكِنْ الأهمَّ يَبْقَى إِدرَاكهُم بأَنَّهم سَيَجِدونَ في الْمَسيحِ مَا جَاؤوا بِهِ إليهِ يَلْتَمِسُون! وبِهذا الفِعلِ هُم يُعرِبونَ عَنْ إيمانِهم بِقَولِ الرَّبّ: ﴿تَعَالَوا إِليَّ جَميعًا أَيُّها الْمُرهَقُونَ الْمُثقَلون، وأَنا أُريحُكم﴾ (متى 28:11). هَذَا الْمَشهَدُ الإنجيليُّ يُذَكِّرنُا بِمشهَدٍ مُشَابِهٍ مِنَ العَهدِ القَديم، حِينَ قَدِمَت "مَلِكَةُ سَبَأ"، مِنَ الجَنوبِ البَعيد، تَطلُبُ رُؤيَةَ الْمَلكِ سُليمان، وتَرغَبُ بالاستِقَاءِ مِنْ حَكمَتَهِ الفَريدَة. وباسْتِماعِ الْمَلِكَةِ وَرُؤيَتِهَا حِكمَةَ سُليمَان، مَجَّدَتِ اللهَ الَّذي وَهَبَهُ هَذهِ الحكمَة، فَقَالَت: ﴿تَبَارَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ الَّذي رَضِيَ َعنكَ، وَأَقَامَكَ مَلِكًاَ لِتُجرِيَ الحَقَّ والبِرّ﴾ (1ملوك 9:10). ولَنَا في العَهدِ الجَديدِ مَثَلٌ أَبلَغُ، أَلا وهوَ مَثَلُ زَكَّا العَشَّار، الَّذي دَفَعَتهُ الرَّغبَةُ لِرؤيَةِ يَسوع، إلى أَنْ يَتَغَلَّبَ عَلَى كَافَّةِ التَّحَدّياتِ، ويجتَازَ كُلَّ العَوائِق، مُحَقِّقًا مَسعَاه، وغَانِمًا بِرُؤيَةِ الْمَسيح، الَّذي بِدورِهِ طَوَّبَهُ فَقَال: ﴿اليَومَ حَصَلَ الخَلاصُ لِهذا البَيت﴾ (لو 9:19). يا أَحِبَّة، نَرَى أَنَّ الِّلقَاءَ في كِلا الحَدَثَين، قَدْ أَفضَى إلى نَتيجَةٍ طَيِّبَةٍ مَحْمُودَة. ولَكِن، لَم يَكُن الأمرُ هَكَذَا دَائِمًا، إذْ أَنَّ هُنَاكَ لِقَاءَاتٍ قَد انْتَهَتْ بِفَشَل! ويَبقَى مَثلُ الشَّابِّ الغَنيّ أوضَحَ مِثالٍ عَلَى الِّلقاءِ الفَاشِل! فالرَّغبَةُ في لِقَاءِ الْمَسيحِ وَاتِّباعِهِ كَانَت مَوجودَةً لَدَى هَذَا الشَّاب، ولَكِنَّ حُبَّ العَالمِ كَانَ أَكبرَ وأَعظَمَ في قلبِهِ، وعَليِه: ﴿اغتَمَّ وانصَرَفَ حَزينًا، لأَنَّهُ كَانَ ذَا مَالٍ كَثير﴾ (مرقس 22:10). أَيُّها الإخوَةُ والأَخَوَات، نحنُ نَلتَقي اللهَ ونَرَاهُ ونَسمَعُهُ في كُلِّ ذَبيحَةِ قُدّاسٍ، وفي الأَسرار، وفي كُلِّ صَفحَةٍ مِن صَفَحَاتِ الكِتَابِ الْمُقَدَّس. فَمَا الّذي يُحدِثُهُ فِينَا هَذَا الِّلقَاء؟ مَا هي ثمارُهُ ونَتَائِجُه؟! مَنْ أَرَادَ أنْ يَرَى الله، عَلَيهِ أنْ يُدرِكَ بِأنَّ هَذهِ الرّؤيةَ أَمرٌ مُتَطلِّبٌ للغَايَة! وبِأنَّ العَيشَ مَعِ الله، والسَّيرَ بموجَبِ وَصَايَاه، لَيسَتْ بالأمرِ الهَيّن! وعَليهِ يَفشَلُ كَثيرون، ويَنصَرفُونَ عَنِ الرّبِّ، ويَمضونَ في طَريقٍ آَخَر. تَمامًا مِثلَمَا حَدَثَ مع كَثيرٍ مِنْ تَلاميذِه الَّذينَ انْقَلبُوا عَليِه، قَائِلين: ﴿هذا كَلامٌ عَسير مَن يُطيقُ سَماعَه؟ وارتدَّ كثيرٌ مِن تَلاميِذِهِ، وانْقَطَعُوا عَنِ السَّيرِ مَعَه﴾ (يوحنا 60:6، 66). كَثيرٌ مِنَ الْمَسيحيّين يَعِيشونَ في تَنَاقُضٍ كَبير، إذْ يَعتَقِدونَ "واهِمين" أَنّهم أَتبَاعُ الْمَسيح، لِمُجرَّدِ التِزَامِهم الشَّكليِّ بالصَّلواتِ والطُّقوس، ولكنَّ نَمطَ حَياتِهم ورُدودَ فِعلِهِم وطَريقةَ تَفكيرهِم، تُخَالِفُ الْمَسيحَ كَثيرًا جِدًّا. فَفي الوقتِ الّذي يَطلبُ الْمَسيحُ أَنْ نُحِب، نَكرَهُ ونُضمِرُ سُوءًا. وفي الوقتِ الّذي يطلبُ فِيهِ أَن نُسامِح، نَثْأَرُ ونَنتَقِم. وفي الوقتِ الّذي يَطلبُ فيهِ أَنْ نَبذُلَ ونُعطي، نَطمَع ونَبخَل ونُكَدِّس. وفي الوقتِ الّذي يطلبُ فيهِ أنْ نرفَعَ قُلوبَنا إلى العُلَى، نَحطُّهَا نحوَ الأسفَل، جَاعِلينَ كُلَّ هَوَانَا في الأرضِ ومِتَاعِهَا الزَّائِل... ولِذلِك، كُلُّ لِقاءٍ باللهِ لا يُفضي إلى توبَةٍ، ولا يَقودُ إلى ارتِدادٍ، ولا يَدفَعُ نحو تَغيرِ نهجِ حَياة، يُصبِحُ تِلْقائِيًّا وَسيلَةً تَدينُكَ وتحكمُ عَليكَ أَمامَ عَرشِ العَدلِ الإلهيّ. هو الرَّبُّ نَفسُهُ قَدْ أَنْذَرَنا بِقولِه: ﴿لَيسَ مَن يَقولُ لي: ((يا ربّ، يا ربّ))، يَدخُلُ مَلكوتَ السَّمَوات، بَلْ مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ أَبي الَّذي في السَّمَوات﴾ (متى 21:7). فَلا تَجعَلْ حَياتَكَ إثمًا عَلَى إثم، وكَذِبًا عَلَى كَذِب! بَلْ كُنْ صادِقًا: فَإمَّا أَنْ تَرتَدَّ عَنِ الْمَسيحِ لأنَّ كَلامَهُ عَسيرٌ لا حيلَةَ لَكَ عَليِه. وإمَّا أن تَتبَعَ الْمَسيحَ بالرّغمِ مِنْ كُلِّ مَا يحمِلُهُ هَذَا الاتِّباعُ مِن مُتَطَلَّبَات وتَضحِيَات، تمامًا كَمَا أَعلَنَ بُطرس: ﴿يا ربُّ إِلى مَن نَذهَب وكَلامُ الحَياةِ الأَبَدِيَّةِ عِندَك؟﴾ (يوحنّا 68:6). وَحَذاري أنْ تَعيشَ حالَةً مِنَ التَّذَبذُبِ والتَّلوُّنِ والتَّأرجُحِ بينَ الْمَواقِف، إذْ لا يُمكِنُكَ أن تَخدَعَ الله. وحِينَهَا تَنطَبِقُ عَليكَ كَلمَاتُ سفرِ الرّؤيا: ﴿إِنِّي عالِمٌ بِأَعْمالِكَ، فلَستَ بارِدًا ولا حارًّا. ولَيتَكَ بارِدٌ أَو حارّ! أَمَّا وأَنتَ فَاتِرٌ، فَسَأَتَقَيَّأُكَ مِنْ فَمي﴾ (رؤ 15:3-16). |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|