رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
شكوى إبليس "وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَنَّهُ جَاءَ بَنُو الله لِيَمْثُلُوا أَمَامَ الرَّبِّ، وَجَاءَ الشَّيْطَانُ أَيْضًا فِي وَسَطِهِمْ" [6]. جاء في الترجوم الأورشليمي Targum Yerushalmi أن المجلسين اللذين تَمَّا في السماء أحدهما في روش هاشاناه Rosh ha- Shanah، والثاني في يوم كيبور Yom Kippur. كان الملائكة -بنو الله- يجتمعون معًا أمام الله يقدمون له التسبيح اللائق من أجل محبته للسمائيين والأرضيين، ويقدمون أيضًا صلوات المؤمنين، ويترقبون أية إرسالية يتممونها، إذ هم خدام للعتيدين أن يرثوا الخلاص (عب 1: 14). تسلل بينهم الشيطان المتكبر والمضل لكي يشتكي على البشرية، خاصة المؤمنين، ففي حسده لا يطيق أن يرى إنسانًا ترابيًا ينمو في الروح، وينطلق كما بجناحي حمامة إلى السماء. كل الأمور مكشوفة أمام الله، فهو ليس في حاجة إلى ملائكة تحمل إليه صلوات مؤمنيه، ولا إلى الشيطان ليكشف عن فساد مؤمنٍ ما. لكن الله في محبته للسمائيين يهبهم عمل المحبة سواء بتقديم الصلوات أو إتمام إرساليته. كما في عدله يترك للشيطان الحرية ليشتكي على من يريد. إنه يقدس حرية الإرادة في المخلوقات العاقلة، سواء على مستوى الطغمات السمائية أو القوات الروحية في الشر، أو البشر. لا نعجب من هذا، ففي رؤيا زكريا النبي إذ شاهد كلمة الله نفسه كرئيس كهنة يحمل خطايانا كثوبٍ قذرٍ، كان الشيطان قائمًا ليقاومه (زك 3: 1-2). يسألنا القديس يوحنا الذهبي الفم ألا ندهش من أن يقف المتمرد وسط الملائكة، فإن ما يقدمه السفر هو بصورة بشرية لكي نتفهم الموقف بفكرنا البشري. * جاءت الملائكة -حسب النص- وجاء معهم الشيطان، إذ كان يطوف الأرض، ويسير فيما هو تحت السماء. ماذا نفهم من هذا؟ إن الأرض مملوءة بالشياطين والملائكة، والكل تحت سلطة قوة الله، وأن الملائكة يقفون أمام الله حيث يتقبلون منه الأوامر. ولا يقدر الشيطان أن يفعل شيئًا يسره ما لم ينل سماحًا من فوق... بالقول: "جاء الشيطان أيضًا في وسطهم" [6] لا يعني سوى أنه هو أيضًا لا يقدر أن يفعل شيئًا بدون سماح الله. * ماذا يعني هذا التعبير؟ إنه معهم في العالم، فكما أن البشر المخادعين والصالحين ممتزجون معًا هكذا الملائكة والشياطين. القديس يوحنا الذهبي الفم هكذا في يوم الرب العظيم يرى المؤمنون الحقيقيُّون في عينيّ المسيح يسوع حمامة وديعة، وفي أحضانه أمجادًا لا يُعبَّر عنها، أمَّا الأشرار فيرون عينيه لهيب نارٍ، فلا يحتملون رؤيته. وكما قيل هنا عن الشيطان أنه وقف ممتثلًا أمام الله دون أن يتمتع ببهاء مجده، قيل في موضع آخر عن الملائكة أنهم أرواح خادمة مُرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب 14:1)، لكن إرسالهم للخدمة لا يحرمهم من التمتع بالحضرة الإلهية وإشراق البهاء الإلهي عليهم. * ربما يتساءل البعض: كيف يمكن للشيطان وقد سقط عن رتبته بسبب كبريائه أن يقف أمام الرب بين الملائكة؟ هل يُمكن له معاينة الرب وهو غير طاهرٍ؟ لقد سقط إبليس وجنوده ولم يعد من حقه رؤية الله، لكن بحسب طبيعته كروح يمكن المثول أمام الله دون معاينته. هكذا كان ماثلًا يشتكي علينا دون رؤية الله، لأنه غير طاهرٍ. لاحظ أنه قيل أنه جاء أمام الرب، ولم يُقل أنه رأى الرب. فقد جاء لكي يُرى لا لكي يرى. كان أمام عيني الرب، ولم يكن الرب أمام عينيه، وذلك كما يقف أعمى أمام الشمس، فهو نفسه غارق في أشعة النور، لكنه لا يرى شيئًا من النور البهي... فإن قوة الله، بنظره يخترق كل الأشياء، فيرى الروح الدنس الذي لا يراه. فإنه حتى الأشياء نفسها التي تهرب من وجه الله لا يمكنها أن تكون مختفية، فالكل عريان أمام نظر العلي. فالشيطان الغائب جاء إلى ذاك الذي هو حاضر. * من هم الذين يُدعون بني الله إلا الملائكة المختارون؟ وكما نعرف عنهم أنهم يتطلعون إلى عيني عظمته. يليق بنا أن نتساءل: من أين جاءوا ليمثلوا أمام الله؟ فقد قيل عنهم بصوت الحق: "إن ملائكتهم في السماوات كل حين ينظرون وجه أبي الذي في السماوات" (مت 10:18). ويقول عنهم النبي: "ألوف ألوف تخدمه، وربوات ربوات وقوف قدامه" (دا 10:7). فإن كانوا دائمًا ينظرون ويقفون بجواره، يلزمنا بحرص وتدقيق أن نراعي من أين جاءوا، فإنهم لا يفارقونه قط، لكن إذ يقول عنهم بولس: "أليس جميعهم أرواحًا خادمة مُرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص؟" (عب 14:1)، من هذا نتعلم أنهم مُرسلون ونكتشف من أين جاءوا... إنهم لا يذهبون بطريقة يُحرمون فيها من رؤية الله، فتُنزع عنهم أفراح التأمل الداخلي، فلو أن بإرسالهم يفقدون رؤية خالقهم لا يقدرون أن يُقيموا الساقطين، ولا أن يعلنوا للذين في الجهالة عن الحق، وما كانوا يستطيعون قط أن يقدموا للعميان ما حُرموا به بتركهم مصدر النور. تختلف طبيعة الملائكة عن حال طبيعتنا الحاضرة، حيث نحن مقيدون بالمكان ومحدودون بعمى الجهالة، أما أرواح الملائكة فمع كونها محدودة بمكانٍ، لكن معرفتهم ترتفع عنا جدًا، دون وجه للمقارنة، لهم معرفة ممتدة خارجيًا وداخليًا، إذ يتأملون ذات مصدر المعرفة نفسه... وكما أن أرواحهم ذاتها إن قورنت بأجسادنا فهم أرواح، هكذا إن قورنوا بالروح السامي غير المدرك يُحسبون جسدًا. لذلك فهم مُرسلون منه، وواقفون أمامه أيضًا، إذ في هذا هم مقيدون أن يُرسلوا، وفي نفس الوقت حاضرون بالكامل لن يفارقوه. هكذا في نفس الوقت يرون وجه الآب دائمًا، ومع هذا يأتون إلينا، حيث يُرسلون خلال سمة التأمل الداخلي. يمكن إذن أن يُقال: "جاء بنو الله ليمثلوا أمام الرب"، إذ يرجعون إلى هناك بعودة الروح، إلى حيث لم يفارقوه قط بعدم انسحاب العقل عنه. البابا غريغوريوس (الكبير) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
أبونا ميخائيل وشكوى الزوج |
العذراء وسكنى الروح القدس |
هدئي نوء آلامنا وسكني عاصف زلاتنا |
أيوب وشكوى إبليس |
دموع وشكوى للرب يسوع |