رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
غاية سفر أيوب إن كان سفر إستير يعلن عن عناية الله بشعبه في أرض السبي، فإن أيوب يعلن عن رعايته لرجل أممي، إن صح التعبير، أحب الله، واستحق تسجيل اسمه وسيرته في الكتاب المقدس. كشف أيضًا عن جوانب من سرّ الألم في حياة القديسين، ويوضح الفارق بين تعزيات البشر وتعزيات الله. يقدم لنا السفر شخصية أيوب كمثالٍ حيٍ للمؤمن الذي يثق في رعاية الله وعنايته بالرغم من عدم معرفته ما وراء الستار. إنه بار في عيني الله، لكنه ليس بدون خطية أو أخطاء. أوضح القديس أمبروسيوسفي كتابه "صلاة أيوب وداود" غاية هذا السفر، فقال: * يبرهن كتاب الله المقدس في عدة عبارات أنه لا بُد للإنسان أن يعاني هنا من اضطراباتٍ في هذه الحياة، كما تُتاح له تعزيات كثيرة أيضًا. وفي وسط تلك الأمور جميعها، فإن روحًا تتسم بالعزيمة القوية واليقظة وإدراك الصواب (الحق) يجب أن تغلب الضيقات الراهنة، وتتطلع إلى تلك الوعود بالفرح الأبدي. حقًا وبالفعل تفوق التعزيات الضيقات والأتعاب، لأنها تمنح الهدوء والطمأنينة وسط الصعاب الحالية، وتعطي الرجاء في الأمور العتيدة. لهذا يقول بولس الرسول أيضًا: "إن آلام الزمان الحاضر، لا تُقاس بالمجد العتيد" (رو 18:8). حقًا إنها لا تستحق أن تُقارن بالتعزية. ناهيك عن الحديث عن ثمرة الفداء. * على هذا الأساس، شهد القديس داود بحقٍ، في كل أعماله، وخصوصًا في المزمور الواحد والأربعين (42) أنه كان يسرع إلى المجد، لأنه قال: "متى أجيء وأتراءى قدام الله؟" (مز 2:42). وقد صوّر في هذا المزمور تصويرًا بليغًا الاضطرابات التي يسببها ضعف الإنسان من جهة، والتعزيات التي من الرب من جهة أخرى. وفيه يصلي أيضًا داود لله عنا، كأن الله نسي عمله الخاص والفيض والوفرة والنعمة التي وهبها للإنسان. فقد هجر الإنسان الذي قرر أن يحميه ويكرمه، وألقى به في الهلاك، ضعيفًا ومحطّمًا بضعفات متنوعة (مز 42: 10-11). وفعل القديس أيوب نفس الشيء قبل داود، لكن كان الأخير يركز بالأكثر على الدروس الأخلاقية (moral)، أما الأول فبأكثر شدة وعنفًا! لهذا وضعت في قلبي أن أتأمل صلوات كليهما معًا، لأن فيهما تصَّورًا لطبيعة الحياة الإنسانية، ودفاعًا عن قضية الإنسان، ويظهر منهما الوضع المتميز لتلك الطبيعة البشرية. لهذا يجب أن نهتم بهذه الصلوات بالترتيب. القديس أمبروسيوس * لنقتدِ الآن بأيوب الفريد في استقامته وتقواه، الذي يحيد عن كل شرٍ، والذي أغار الشيطان مسلكه، وسرعان ما استشرى ضده، فتساقطت السهام كالبرد حتى فرغت جعبته. وتلقاها ذلك البطل دون أن يكبو. لو جمعنا كل محن العالم وويلاته التي يمكن أن تحل بإنسان في حياته من فقرٍ ومرضٍ وموت أبنائه، وانتقام الأعداء، وجحود الأصدقاء والجوع والسخرية والإهانات والافترءات... وصببناها على رأس شخصٍ واحدٍ كما انصبت على رأس أيوب البار لعرفنا قيمته وجَلَدَه . القديس يوحنا الذهبي الفم * هذا ما نتعلمه من حالة أيوب. يضع الله القادرين أن يحتملوا التجربة حتى الموت أمام الضعفاء كنموذجٍ لهم. * يتعلم (الإنسان) الاحتمال من أيوب، هذا الذي ليس فقط عندما بدأت ظروف الحياة أن تنقلب ضده، ففي لحظة اندفع من الغنى إلى الفقر المدقع، ومن كونه أبًا لأبناء فاضلين تحول إلى الثكل (الحرمان من الأبناء)، ومع هذا بقي كما هو، محتفظًا بتدبير نفسه دون أن يتحطم. بل ولم يثر في غضب ضد أصدقائه الذين جاءوا لتعزيته فوطأوا عليه بأقدامهم، فتفاقمت متاعبه. القديس باسيليوس الكبير * لست أعرف بأيّ لقب أدعو هذا البار. هل أدعوه مصارعًا؟ إنه يفوق ذلك، بنواله مثل هذا العدد من الأكاليل! هل أدعوه صخرة؟ إني أراه أكثر صلابة منها. هل جنديًا؟ أدرك أنه أكثر قوة في جَلًده. هل أدعوه برجًا؟ لكنه يقوم في الحكمة؟ هل أدعوه شجرة؟ أراه أكثر سخاء منها. هل ثمرة؟ يظهر أنه أكثر جمالًا منها. هل كنزًا؟ يُعرف بأنه أكثر غنى من هذا. بهذا فإنني لا أجد لقبًا أدعو به هذا القديس . الأب قيصريوس أسقف آرل * إني أصعد المنبر لا لأمدح أيوب وحده. يوجد فيكم أيوبون كثيرون أمتدحهم. في كل واحدٍ منكم أيوب جديد، حيث يظهر صبر هذا القديس وبسالته من جديد . القديس أمبروسيوس * استخدم الشيطان كل حيله الشريرة ضد أيوب الطوباوي محاولًا أن يفرض عليه شر الخطية، فلم يقطع عنه فقط الاحتياجات الزمنية، بل وحاول أن يُرعبه بكل مصائب الحرمان التي لم تكن متوقعة، كموت أولاده السبعة (وبناته الثلاث)، وإصابته بقروح مميتة، وعذابات لا تُطاق من رأسه حتى أخمص قدميه، لكن أيوب بقيَ في هذا كله ثابتًا غير مجدِّفٍ . * صبر أيوب وانتفاعهبالتجارب التي بها ازداد صلاحًا لم ينتفع به الشيطان، بل أيوب وحده لأنه احتمل بصبر . * فإننا نقرأ عن المكافأة التي نالها الطوباوي أيوب، والذي تُوج بالنصرة من الناحية اليمينية، لأنه إذ كان أبًا لسبعة بنين (وبناته الثلاث) وكان غنيًا وصاحب ثروة طائلة، كان يقدم كل يومٍ ذبائح لله لأجل تطهيرهم، وذلك لشغفه أن يكونوا مقبولين وأعزاء لدى الله أكثر منه. وكان يفتح بابه لكل غريبٍ إذ كان: "عيونًا للعُمي وأرجلًا للعُرج" (أي 15:29)، وكسا أكتاف التعابى بصوف غنمه. وكان أبًا للأيتام وزوجًا للأرامل، ولم يكن يفرح قط لسقوط عدوٍ له. وقد بقي نفس الرجل في حياة الفضيلة بصورة أعظم عندما انتصر على المصائب من الناحية اليسارية، عندما أُخِذ منه أولاده السبعة (وثلاثة بنات) في لحظة، فإنه كأب لم يتغلب عليه الحزن المرّ، بل كخادمٍ حقيقي لله ابتهج بإرادة خالقه. وإذ صار فقيرًا بعدما كان صاحب ثروة، ومُعدمًا بعد أن كان غنيًا، وهزيلًا بعدما كان قويًا، ومؤدبًا ومرذولًا بعدما كان مشهورًا وصاحب شرف، في كل هذا احتفظ بثبات عقلة من غير أي اضطراب. وأخيرًا إذ تجرد من كل شيء جلس وسط الرماد وكان يحُك جسده بسبب ما أصابه، زافرًا بتنهدات حارة، ومع هذا لم يسقط في اليأس ولا جدف أو تذمر على خالقه . الأب ثيؤدور |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
غاية سفر طوبيت في الكتاب المقدس |
غاية سفر إرميا في الكتاب المقدس |
غاية سفر عوبيديا في الكتاب المقدس |
غاية سفر ميخا في الكتاب المقدس |
غاية سفر راعوث في الكتاب المقدس |