إذ غشي قلب المرتل وهو في أقاصي الأرض ولم يجد من يعينه، تجلى له المخلص صخر الدهور والملجأ الذي فيه يدخل ويتمنع.
بدخوله البرج ليس فقط يجد الحماية من سهام الشرير القاتلة وتجاربه المُرَّة، وإنما يختبر عذوبة الشركة مع المسيح، فيشتهي أن يقضي كل حياته في شركة معه. هذا هو النذر الحقيقي، وتكريس القلب لله!
لأَسْكُنَنَّ فِي مَسْكَنِكَ إِلَى الدُّهُور.
أَحْتَمِي بِسِتْرِ جَنَاحَيْكَ. سِلاَهْ [4].
يرى البعض أن طلبة المرتل داود أن يسكن في مسكن الرب إلى الأبد، لا تعني أن يقيم جسديًا في بيت الرب، لأنه لم يكن بعد قد بُني الهيكل، فقد عبرَّ عن هذه الشهوة التي في قلبه في مزامير كثيرة سجلها قبل بناء الهيكل (مز 15: 1؛ 19: 4؛ 27: 5-6). إنما لأنه يرى سواء في خيمة الاجتماع أو في بناء بيت للرب (الأمر الذي حققه ابنه سليمان) صورة حيَّة للسماء وللعبادة السماوية. فكان قلب المرتل يشتهي الحياة السماوية.
طلبته أن يحتمي تحت ظل جناحي الله، تشير إلى ظهور الله على غطاء تابوت العهد، أي على كرسي الرحمة، المظلل بأجنحة الكاروبين في قدس الأقداس، الذي لم يكن يقدر أن يدخله إنسان غير رئيس الكهنة، حتى وإن كان الملك نفسه!
لقد حسب المرتل سعادته العظمى تتحقق بأن ينطرح أمام المذبح عن أن يجلس على عرش الملك[5].
وجد المرتل سعادته حين كان يقف أمام تابوت العهد، ويشعر بالحضرة الإلهية، وأنه يختبئ تحت ظل جناحي الله، فكم تكون سعادتنا حين نلتقي مع الله نفسه وجهًا لوجه، ونحيا معه في سماواته إلى الأبد.
ما يتمتع به المؤمن خلال خلاصه من التجربة هو الدخول في أعماق جديدة في علاقته مع الله. عندئذٍ يتوق أن يعبر سريعًا من العالم، ليس بسبب مرارة التجارب والضيقات، وإنما شوقًا إلى السكنى الأبدية مع الله.
* يقول النبي: "مسكن الله" عن مدينة أورشليم، بظهوره فيها ووجود هيكله. وأيضًا عن أورشليم السماوية حيث مسكن الذين أرضوا الرب. أما جناح الله فهو عنايته وحراسته.
الأب أنثيموس الأورشليمي