رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
على الصعيد اللاهوتي اظهر لنا يسوع من خلال مبدئه " أَدُّوا إِذاً لِقَيصَرَ ما لِقَيصر، وللهِ ما لله" (متى 22: 21) ان لنا انتماء مزدوجاً: الله والدولة. إن الإشارة إلى صورة قيصر المحفورة على العملة، تقول إنه من العدل أن نشعر بأنّنا مواطني الدولة ولنا الحقوق والواجبات، لكنّها رمزيًّا تجعلنا نفكّر في الصورة الأخرى المحفورة في كلّ إنسان: صورة الله. هو ربّ كلّ شيء، ونحن، الذين خُلِقنا "على صورته"، إننا ننتمي إليه. ويعلق البابا فرنسيس "لمن أنتمي أنا؟ للعائلة، للمدينة، للأصدقاء، للعلم، للعمل، للسياسة، للدولة؟ أجل، بالطبع. لكن قبل كلّ شيء، يذكّرنا يسوع أنت تنتمي لله. هذا هو الانتماء الأساسي. هو الذي أعطاك كلّ ما أنت عليه وكلّ ما لك" (عظة الاحد 22/10/2017). انتماؤنا للدولة يقتضي منا دفع الأموال للخدمات التي نتمتع بها، وانتماؤنا لله يقتضي ان نقدم لله، ولاء نفوسنا وطاعتها. فيسوع لا يقارن هنا بين مملكتين متوازيتين، بل يفصل بينهما. فصل الدّين عن السّياسة، فالسّياسة مصالح والدّين مبادئ وتقوى وأخلاق. فالمؤمن الذي يُعطي لله ما لله يضع الله في المقام اللائق به: المقام الأول. الله الذي لا يقارن بأحد ولا بأي شيء آخر، لأنه فوق الجميع وفوق كل شيء. وكل الخليقة يجب أن تؤدِّي لله ما هو لله أولاً، وكل شيءٍ آخر يتبع. ويطالبنا سيدنا يسوع المسيح "اطلُبوا أَوَّلاً مَلَكوتَه وبِرَّه تُزادوا هذا كُلَّه" (متى 6: 66)؛ ويشدِّد على ذلك بطرس الرسول "اِتَّقوا الله، أَكرِموا المَلِك" (1 بطرس 2: 17)، وهكذا يطلب بولس الرسول من أتباعه ان يصلوا لأصحاب السلطة "فأَسأَلُ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ أَن يُقامَ الدُّعاءُ والصَّلاةُ والاِبتِهالُ والشُّكرُ مِن أَجْلِ جَميعِ النَّاس ومِن أَجْلِ المُلوكِ وسائِرِ ذَوي السُّلْطَة، لِنَحْيا حَياةً سالِمةً مُطمَئِنَّة بِكُلِّ تَقْوى ورَصانة" (1 طيموتاوس 2: 1-2). راح جواب يسوعُ إلى أبعدِ من ذلك، "أَدُّوا إِذاً لِقَيصَرَ ما لِقَيصر، وللهِ ما لله" (متى 22: 21) مُشيراً إلى ما هو محور الموضوع وجوهره: "اعطوا لله ما هو أصلاً له"، فكما ان القطعة النقدية الرومانية تحملُ صورة القيصر، هكذا يحملُ قلب كل كائن بشري صورة الله، لقد خلقنا الله على صورتهِ كمثاله، إذا نحنُ له وإليه يجبُ ان نعود، وحده يستحق جزية ذاتنا الكاملة، يستحق منا الشكر والحمد والتسبيح والسجود والعبادة. أن ندفع الجزية للقيصر هو أمرٌ مهم، ولكن الأهم هو أن نُعطي الله حياتنا وقلبنا كأبنائه الاحرار. ليست هنا ثنائيّة بين عطاء قيصر حقّه وعطاء الله حقّه، فإن كليهما ينبعان عن قلبٍ واحدٍ يؤمن بالشهادة لله خلال الأمانة في التزامه نحو الله والآخرين. إن نشر الرومان للقطع النقدية التي تحمل صورة قيصر في الأراضي الخاضعة للإمبراطورية لم تكن طريقة لممارسة السيادة فحسب، بل أيضًا لتعزيز عبادة الإمبراطور. لكن مبدأ المسيح أشار " أَدُّوا إِذاً لِقَيصَرَ ما لِقَيصر، وللهِ ما لله" يعترف بسلطة قيصر على الأشياء وسلطة الله على الحياة، والسلطة على الحياة لا يملكها أي شخص سوى مَن يمنحه إياها. ومن هذا المنطلق يعترف يسوع أيضا ان الواجبات تجاه الله غير الواجبات تجاه القيصر. مطلوب في الدرجة الأولى الاعتراف بسيادة الله وابنه يسوع المسيح على العالم وعلى التاريخ إذ "صارَ مُلكُ العالَمينَ لِرَبِّنا ولِمَسيحِه. فسَيَملِكُ أَبَدَ الدُّهور" (رؤيا 11: 15)؛ ويشير ايضا الى الاعتراف بانه لا يجوز للإنسان ان يخضع حريته الشخصية، اخضاعا مطلقا، لأي سلطان ارضي، بل للآب وحده، وللرب يسوع المسيح "الله أَحَقُّ بِالطَّاعَةِ مِنَ النَّاس" (اعمال الرسل 5: 29). والكنيسة "تؤمن أنَّ مفتاح تاريخ البشر، ومركزه، وغايته هي في ربِّها ومعلمها "(التعليم المسيحي الكاثوليكي، 450)، وليس في "قيصر" فقيصر ليس "الرب". ان حق الله فوق كل حق. والطاعة لله لها طابع مطلق ونهائي. فاذا كانت الواجبات تجاه البشر لا تعارض واجباتنا تجاه الله ينبغي ان نقوم بها كما جاء في تعليم بولس الرسول " لِيَخضَعْ كُلُّ امرِئٍ لِلسُّلُطاتِ الَّتي بأَيدِيها الأَمْر، فلا سُلْطَةَ إِلاَّ مِن عِندِ اللّه، والسُّلُطاتُ القائِمة هو الَّذي أَقامَها"(رومة 13: 1). لذلك يتوجب علينا ان نعطي للحكام المدنيِّين كل ما هو واجب لهم، طالما ان ذلك لا يتنافى مع واجبات تجاه الله. فكما يطلب قيصر صورته على عملته هكذا يطلب المسيح صورته فينا. نحن نحمل صورته. هل نعطي لله كل ما هو له؟ |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|