رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أحد الشعانين المبارك كما رواه لوقا الإنجيلي
أحد الشعانين المبارك كما رواه لوقا الإنجيلي (لوقا 19: 28-40) النص الإنجيلي (لوقا 19: 28-40) 28 قالَ هذا ثُمَّ تَقَدَّمَ صاعِداً إِلى أُورَشَليم. 29 ولمَّا قَرُبَ مِن بَيتَ فاجي وبَيتَ عَنْيا عِندَ الجَبلِ الَّذي يُقالُ لهُ جَبَلُ الزَّيتون، أَرسَلَ اثْنَينِ مِن تَلاميذِه، 30 وقالَ لَهما: ((اِذهَبا إِلى القَريةِ الَّتي تِجاهَكُما، تَجِدا عِندَما تَدخُلانِها جَحشاً مَربوطاً ما رَكِبَه أَحَدٌ قَطّ، فَحُلاَّ رِباطَه وأْتِيا بِه. 31 فإِن سأَلَكما سائِل: لِمَ تَحُلاَّنِ رِباطَه؟ فقولا: لأَنَّ الرَّبَّ مُحتاجٌ إِليه)). 32 فذَهَبَ المُرْسَلانِ فَوَجَدا كما قالَ لَهما. 33 وبَينَما هُما يَحُلاَّنِ رِباطَ الجَحْش، قالَ لَهما أَصحابُه: ((لِمَ تَحُلاَّنِ رِباطَ الجَحْش؟)) 34 فقالا: ((لأَنَّ الرَّبَّ مُحتاجٌ إِليه)). 35 فجاءَا بِالجَحْشِ إِلى يسوع، ووضَعا رِدائَيْهما علَيه وأَركَبا يسوع. 36 فَسارَ والنَّاسُ يَبسُطونَ أَردِيَتَهم على الطَّريق. 37 ولمَّا قَرُبَ مِن مُنحَدَرِ جَبَلِ الزَّيتون، أَخذَ جَماعَةُ التَّلاميذِ كُلُّها، وقدِ استَولى عَليهِمِ الفَرَح، يُسَبِّحونَ اللهَ بِأعلى أَصواتِهِم على جَميعِ ما شاهَدوا مِنَ المعجِزات، 38 فكانوا يَقولون: ((تَبارَكَ الآتي، المَلِكُ بِاسمِ الرَّبّ! السَّلامُ في السَّماء! والمَجدُ في العُلى!)) 39 فقالَ له بَعضُ الفِرِّيسيِّينَ مِنَ الجَمْع: ((يا مُعَلِّمُ انتَهِرْ تَلاميذَكَ!)) 40 فأجابَ: ((أقولُ لَكم: لو سَكَتَ هؤلاء، لَهَتَفَتِ الحِجارَة! )). مقدمة نحتفل اليوم بأحد الشعانين حيث يصف لوقا الإنجيلي دخول المسيح إلى اورشليم بالمجد والانتصار إلى اورشليم حيث يُدشّن "أسبوع الآلام" مُقدمًا حياته ضحية عن شعبه (لوقا 19: 28-40). وقد ذكر الأناجيل الأربعة هذ الدخول إلى اورشليم ما يدلُّ على أهميته (متى 21: 1-12، مرقس 11: 1-11، يوحنا 12: 12-16). وأسبوع الآلام هو أسبوعٌ مقدّسٌ، لأننا نحتفل فيه بذكرى ما فعله الربّ يسوع من اجل خلاصنا في خميس الأسرار والجمعة العظيمة والعشيّة الفصحيّة وأحد القيامة المجيدة. ويبدأ هذا الأسبوع في أحد الشعانين، وكلمة "شعانين" كلمة عبرية “هوشعنا" הושענה مشتقة من جذر سرياني ومعناها "امنح الخلاص"، ومنها اشتقت الكلمة اليونانية ὡσαννά، وكما يقول القديس ايرونيموس "أنها تعني أن مجيء المسيح هو خلاص العالم". ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص الإنجيلي وتطبيقاته أولا: تحليل وقائع النص الإنجيلي (لوقا 19: 28-40) 28 قالَ هذا ثُمَّ تَقَدَّمَ صاعِداً إلى أُورَشَليم تشير عبارة "تَقَدَّمَ صاعِداً" إلى تصميم يسوع في صعوده إلى اورشليم "ولَمَّا حانَت أَيَّامُ ارتِفاعه، عَزَمَ على الاتِّجاه إلى أُورَشَليم" (لوقا 9: 51). ومن هذا المنطلق، لا يُعتبر طريق آلام يسوع وصلبه مجرد ثمرة لأحقاد الأشرار وتدابيرهم للمقاومة يسوع وقتله، إنما هو أيضا طريق أعدَّ له الرب نفسه، إذ سمح به لننال فيه قوة القيامة وبهجتها خلال الصليب؛ فتقدّم بنفسه متَّجهًا نحو أورشليم لتقديم نفسه بإرادته فِصحًا عن البشريّة. يقدّم جسده ذبيحة حب قادرة أن تقيم من الموت وتهب حياة أبديّة لمن ينعم بها. إنه الكاهن والذبيحة في نفس الوقت الذي يتقدّم إلى الصليب. أمَّا عبارة " أورَشَليم" فتشير في لوقا الإنجيلي مكان صعود ابن الإنسان إلى مدينة الآلام والصلب والدفن والقيامة تتميمًا لمشيئة الآب. وهي ترمز إلى ملكوت الله (أشعيا 65: 17-25). 29 ولمَّا قَرُبَ مِن بَيتَ فاجي وبَيتَ عَنْيا عِندَ الجَبلِ الَّذي يُقالُ لهُ جَبَلُ الزَّيتون، أَرسَلَ اثْنَينِ مِن تَلاميذِه تشير عبارة "قَرُبَ" إلى يسوع الذي أراد أن يتمم عمليا نبوءة زكريا النبي "اِبتَهِجي جِدّاً يا بِنتَ صِهْيون وآهتِفي يا بنتَ أُورَشَليم هُوَذا مَلِكُكَ آتِياً إِلَيكِ بارّاً مُخَلِّصاً وَضيعاً راكِباً على حمارٍ وعلى جَحشٍ آبنِ أتان" (زكريا 9: 9-10). وينت صهيون هو اسم من أسماء اورشليم (أشعيا 1: 8)، لان جبل صهيون هو أحد الجبال التي بُنيت عليها اورشليم. ويبدوا أن يسوع وصل إلى بيت عنيا مساء عند بداية السبت اليهودي كما يظهر من قول يوحنا " قبلَ الفِصحِ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ جاءَ يسوعُ إِلى بَيتَ عَنْيا" (يوحنا 12: 1). أمَّا عبارة "بَيتَ فاجي" في الأصل اليوناني Βηθφαγὴ (معناها بيت التين مشتقة من اسم أرآمي בֵּית־פַּגֵּי ومعناه "بيت التين") فتشير إلى قرية صغيرة قع إلى الجنوب الشرقي من جبل الزيتون على الطريق بينها وبين اورشليم (متى 21: 1)؛ وكان يسكنها الكهنة ليكونوا قريبين من الهيكل بأورشليم؛ والظاهر أن يسوع المسيح دخلها قبل أن يدخل بيت عنيا، إذ كان آتيا من أريحا إلى اورشليم. و"التينة" هي رمز للكنيسة من جهة وحدتها حيث تضم بذورًا كثيرة داخل غلاف الروح القدس. أمَّا عبارة "بَيتَ عَنْيا" فتشير إلى اسم أرآمي בֵית־הִינִי معناه بيت البؤس أو البائس، وهي قرية تقع إلى الجنوب الشرقي من جبل الزيتون على بعد ثلاثة كيلومترات من اورشليم. وتدعى الآن العازرية، لأنها فيها بيت لعازر ومريم ومرثا وقبر لعازر. وهي مبنية على أكَمةٍ صخرية عسرة المسالك، وكان يتردَّد السيد المسيح إليها مرارا لا سيما في أيامه الأخيرة ليزور صديقه لعازر وأختيه مريم ومرثا الذين عاشوا في هذه القرية وحيث أقام لعازر من القبر (يوحنا 11: 1-44)؛ ولا يزال قبره منحوتا في الصخر هناك. ويُعلق القديس أوغسطينوس على القريتين بَيتَ فاجي وبَيتَ عَنْيا "إن رقم 2 يشير إلى المحبة لله والناس، فبفلسين قدَّمت الأرملة كل حب قلبها في خزانة الرب، وبالدينارين أعلن السامري الصالح أعماق محبته للجريح. ونحن لا نقدر أن نبدأ موكب الصليب ما لم نبدأ بالقريتين، ونلتقي به في موكبه خلال الحب". أما عبارة "جَبَلُ الزَّيتون" فيشير إلى الجبل الذي يقع تجاه أورشليم (1 ملوك 11: 7) والجبل الذي على شرقي المدينة المقدسة (حزقيال 11: 23) وجبل الهلاك (2 ملوك 23: 13). ويلغ ارتفاعه عن سطح البحر نحو 780 م ولا يزيد على علو الهيكل سوى 91م. ويفصل هذا الجبل عن أورشليم وادي قدرون (يوحنا 18: 1). وقد حسبت المسافة بين أقصى قممه الشمالية وبين أورشليم بسفر سبت أي ألفين خطوة (أعمال الرسل 1: 12)، أو كما قال المؤرخ يوسيفوس ست غلوات. وطالما صعد المسيح إليه، وفي وقت نزوله منه قبل الصلب بأيام قليلة استقبلته الجموع بالهتاف والترحيب، لكنه كان يبكي على المدينة ومصيرها القريب (لوقا 19: 37-44)، إذ تحدَّث من سفح ذلك الجبل عن خراب الهيكل وخراب المدينة (متى 24: 3)، وقبل الفصح الأخير صعد إلى هناك حيث بستان الجسمانية في غرب الجبل (لوقا 22: 39). وقد كانت بيت عنيا وبيت فاجي في شرقه. ومن قمة جبل الزيتون صعد المسيح إلى السماء (لوقا 24: 50). ويُسّمي العرب جبل الزيتون في الوقت الحاضر جبل الطور. وعند أقدام جبل الزيتون وبالقرب من الجسمانية يمتد طريق متفرع إلى أربعة مسارات: مسار إلى بيت عنيا وأريحا وقد بناه الخليفة عبد الملك بن مروان في القرن السابع الميلادي، والمسار الثاني يتَّجه عبر القمة إلى بيت فاجي وبيت عنيا، أما المساران الآخران فيتعرجان كثيراً في طريقهما إلى القمة. ويمتد طريق روماني قديم من وادي قدرون إلى الأردن. وهناك توقعات اليهود أن مجيء المسيح مرتبط بجبل الزيتون، ويُعلن المؤرخ اليهودي يوسيفوس أنَّ ارتباط موكب المسيح في دخوله إلى اورشليم بجبل الزيتون عن طبيعة هذا الموكب أنه "موكب مسيحاني ". أمَّا عبارة "أَرسَلَ اثْنَينِ مِن تَلاميذِه " في الأصل اليوناني ἀπέστειλεν (معناه أرسل) فتشير إلى الإرسالية للأمم ولليهود ويأخذ يسوع دوماً على عاتقه زمام المبادرة. لقد أرسل يسوع التلاميذ سابقا ليعلنوا لجميع الأمم عن الخبر السار المتعلق باقتراب الملكوت " أَرسَلهم ἀπέστειλεν لِيُعلِنوا مَلَكوتَ اللهِ" (لوقا 9: 2). يقوم الآن بإرسال تلميذين تماماً كما سبق وأرسل تلاميذه الاثنين وسبعين، اثنين اثنين (لوقا 10: 1-10). فإرسال هذين التلميذين يمثلان الكنيسة المرسلة لتعلن للجميع فصح الرب حيث أن إرسالية الرسل ترتبط بإرسالية يسوع: "كما أرسلني الآب، أرسلكم أنا أيضاً" ((يوحنا 20: 21) خاصة عند ظهور المسيح لهم بعد القيامة: "اذهبوا…". فهم يذهبون إذاً ليبشروا بالإنجيل (مرقس 16: 15)، وليتلمذوا جميع الأمم (متى 28: 19)، وليقدّموا شهادتهم في كل مكان (أعمال 1: 8). وبذلك سوف تبلّغ إرسالية الابن فعلاً إلى جميع الناس، بفضل إرسالية رسله وكنيسته بالكرازة بالخلاص خلال العهدين القديم والجديد، في العهد القديم خلال الرموز والظلال، وفي العهد الجديد خلال الحق. أمَّا عبارة " اثْنَينِ " فتشير إلى رقم 2 للدلالة على الحب، إذ يجعل الاثنين واحدًا، ولأن الحب جاء في وصيتين: محبة الله ومحبة القريب، لذلك بدأت إرساليته لتلميذين وهو بالقرب من قريتين، أي خلال الحب، الذي بدونه لا ننعم بدخول السيد إلى اورشليم. 30 وقالَ لَهما: اِذهَبا إلى القَريةِ الَّتي تِجاهَكُما، تَجِدا عِندَما تَدخُلانِها جَحشاً مَربوطاً ما رَكِبَه أَحَدٌ قَطّ، فَحُلاَّ رِباطَه وأْتِيا بِه تشير عبارة "اِذهَبا إلى القَريةِ" إلى الإرسالية للأمم ولليهود حيث أرسل السيِّد تلميذيْه ليحلاّ باسمه المربوطين، ويُدخلانهم بالقلوب إلى أورشليم العُليا؛ أمَّا عبارة "جحش" فتشير إلى صغار الحمير، وقد ورد ذكره في بَرَكة يعقوب لابنه يهوذا "رابطٌ بِالجَفْنَةِ جَحشَه وبَأَفضَلِ كَرمةٍ آبنَ حِمارتِه" (تكوين 49: 11)؛ وكان يركب الجحش الشرفاء (قضاة 10: 4). وكان الجحش مطيَّة الآباء (تكوين 49: 11). ولوقا الإنجيلي يلمح هنا إلى قول زكريا النبي (زكريا 9: 9)، أي إلى دخول الملك، المسيح المنتظر إلى اورشليم على جحش، ولا يتم هذا الدخول على جياد الأغنياء والأقوياء، بل على حمار متواضع كما ورد في سفر التكوين (تكوين 49: 11). ندر ركوب الخيل في السفر العادي يومئذ في اليهودية لقلتها واستخدامها في الحرب خاصة. واعتدا الملوك الإسرائيليون وأشرافهم ركوب الحمير (قضاة 10: 4)، فركوب الحمار لا يدل على الفقر ودناءة المقام. أمَّا عبارة "مَربوطاً" فتشير إلى الآخرين الذين يربطوه ليمتلكوه، أمَّا يسوع فيأمر بحلِّه دلالة أن السيد المسيح يَحلنا ويحفظنا في يده؛ فالنعمة أعظم من القيود، والحلّ أقوى من القيود. ولنبتهل مع القديس أثناسيوس الرسول "لكي يرسل الرب يسوع تلاميذه إلينا فيحلّوننا من القيود المُكبَّلين بها جميعًا، إذ بعضنا مُكبل بحب الفضة وآخر بقيود الزنا، وآخر بالسكر، وآخر بالظلم ". أمَّا عبارة "ما رَكِبَه أَحَدٌ قَطّ" فتشير إلى طبيعة الموكب أنه ديني سماوي روحي إلهي (2 صموئيل 6: 3)، ويُعلق العلامة أوريجانوس "أن الأمم لم يسبق لهم عبادة الله الحيّ، ولا تسلموا شريعته، ولا عرفوا مواعيده كما عرفوها اليهود، إنهم بلا خبرة روحية، فهم صورة للجَحش الذي ما رَكِبَه أَحَدٌ قَطّ". أمَّا عبارة "حُلاَّ رِباطَه وأْتِيا بِه" فتشير إلى مشروع ديني روحي (عدد 19: 2)؛ ويعلق القديس باسيليوس الكبير "يليق بنا حتى إن أوكل إلينا أقل الأعمال أن نمارسه بغيرةٍ عظيمةٍ وحبٍ، عالمين أن ما يُصنع بالله ليس تافهًا، بل يقابله ملكوت السماوات". 31 فإِن سأَلَكما سائِل: لِمَ تَحُلاَّنِ رِباطَه؟ فقولا: لأَنَّ الرَّبَّ مُحتاجٌ إِليه تشير عبارة "فإِن سأَلَكما سائِل" إلى اعتراضهما. أمَّا عبارة "الرَّبَّ" فتشير إلى لقب يُطلقه يسوع على نفسه، ولا يَرد إلاَّ في هذا النص الإنجيلي. وبهذا اللقب سمّى المسيحيون الأولون المسيح الذي قام من بين الأموات. في حين أن أسفار العهد القديم جعلت لقب "الرب" لله (متى 21: 3-4). وأمَّا للمسيح المنتظر فأطلق له لقب الملك. أمَّا عبارة "مُحتاجٌ إِليه" فتشير إلى صاحب الدابة الذي كان واحداً من أصدقاء يسوع غير المعروفين، ربما يرمز إلى يسوع المحتاج إلى البشريّة كلها لا كمن يتعالى عليها، بل كمن هو محتاج إلى قلوب البشرية جمعاء مسكنًا له. ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "أن السيِّد لم يطلب منهما أن يقولا: "ربَّك محتاج إليه"، ولا أن يقولا "ربّنا محتاج إليه"، بل قال "الرب"، وذلك لكي يُدركوا أنه رب البشريّة كلها، حتى الخطأة منتمون إليه، وإن كانوا بكامل حرّيتهم قد اِنتموا إلى الشيطان". 32 فذَهَبَ المُرْسَلانِ فَوَجَدا كما قالَ لَهما تشير عبارة "المُرْسَلانِ" إلى "شَهادَةُ شاهِديْنِ تَصِحّ" (يوحنا 8: 17)؛ ورقم أثنين يشير لعمل الخير والتجسد "فإِنَّه سَلامُنا، فقَد جَعَلَ مِنَ الجَماعتَينِ جَماعةً واحِدة" (أفسس 14:2). وبإرسالهما يقوم يسوع اليوم بإرشاد التلاميذ مثلما أرشدهم سابقا. أمَّا عبارة "فَوَجَدا كما قالَ لَهما" فتشير إلى التلميذين الذين وجدا كل شيء يجري وفق طلب يسوع المعلم حيث ينبغي عليهما التحلي بالثقة بأن كلمة المعلم ستتحقق. 33 وبَينَما هُما يَحُلاَّنِ رِباطَ الجَحْش، قالَ لَهما أَصحابُه: لِمَ تَحُلاَّنِ رِباطَ الجَحْش؟ تشير عبارة "هُما يَحُلاَّنِ رِباطَ الجَحْش" إلى "صورة رمزية للتمتع بالحل من الخطايا خلال السلطان الرسولي، وذلك حسب وصية السيد المسيح وبكلمته. الحلّ هو موهبة إلهية وعطيَّة يُقدِّمها الله نفسه من خلال كهنته! ويعلق القديس أثناسيوس" ليتني أكون مثل هذين التلميذين أستطيع أن أفك قيود الحاضرين لأن كل واحد منا مُقيَّد بقيود الخطية". لنبتهل لكي يرسل الرب يسوع تلاميذه إلينا فيحلوننا من القيود المكبلين بها، إذ بعضنا مقيد بحب المال، وآخر بقيود الزنا، وآخر بالسكر، وآخر بالظلم... 34 فقالا: لأَنَّ الرَّبَّ مُحتاجٌ إِليه تشير عبارة "مُحتاجٌ" إلى كلمة رئيسية عند إرسال التلاميذ حيث كان واجبهم الذهاب وسط الناس كالفقراء المحتاجين من دون أن يحملوا معهم شيئاً (لوقا 9: 3)، وأن يضعوا ثقتهم فيمن يستقبلهم. وقد توقع يسوع رفض الناس لهم أحيانا، ولكن هذا لن يُعيق مسيرة التلاميذ ومسيرة كلمة الخلاص. 35 فجاءَا بِالجَحْشِ إلى يسوع، ووضَعا رِدائَيْهما علَيه وأَركَبا يسوع تشير عبارة "وضَعا رِدائَيْهما علَيه" إلى احتراما للراكب وقبول يسوع أن يكون ملكًا كما حدث مع ياهو بن يهوشفاط (2 ملوك 9: 13)، أو تشير إلى ترشيحه للرئاسة كما جاء في سفر أشعيا "إِنَّ لَكَ رِداءً فكُنْ قائِداً لَنا" (أشعيا 3: 6). ويقول القديس أمبروسيوس "إن الرداء هو رمز للجسد؛ فإذا قدمناه للرب فهو يقبله عطية حب ويقدّسه"؛ أمَّا عبارة "أَركَبا يسوع" فتشير إلى تتويج سليمان؛ إذ كما اركب الخدم سليمان الحكيم على بغلة الملك داود ليمسحه صادوق الكاهن ملكا (1 ملوك 1: 33)، كذلك أركب التلميذان يسوع على الجحش لدخول اورشليم ملكاً منتصراً. فيسوع هو ذاك الذي ارتضى أن "افتَقَرَ لأَجْلِكُم وهو الغَنِيُّ لِتَغتَنوا بِفَقْرِه " (2 قورنتس 8: 9)، وهو ذاك الذي اختار الضعف ليعطي القوة لكلّ الذين يصرخون له: ": تَبارَكَ الآتي". ومن خلال هذا المشهد تعرّفت الجماعة المسيحية الأولى إلى ربها الذي هيأ ونظّم بالتفصيل دخوله إلى أورشليم كملك متواضع ووريث لمملكة داود. 36 فَسارَ والنَّاسُ يَبسُطونَ أَردِيَتَهم على الطَّريق تشير عبارة "يَبسُطونَ أَردِيَتَهم على الطَّريق" إلى إظهار لزيادة فرحهم بالانتصار والسلام (رؤيا 7: 9). واما عبارة "أَردِيَتَهم" (مفردها رداء) فتشير إلى الثوب الخارجي، وهو قطعة مربعة أو مستطيلة من القماش طولها 1.8م تُلف حول الجسد، وإذا مسّت الحاجة تطرح فوق المَنكِب أو تحت الإبط؛ أمَّا في الليل فكانت تستعمل غطاء (خروج 22: 26). وزاد يوحنا الإنجيلي على ذلك أن الذين استقبلوا يسوع من اورشليم أتوا بسعف النخل (يوحنا 12: 12). 37 ولمَّا قَرُبَ مِن مُنحَدَرِ جَبَلِ الزَّيتون، أَخذَ جَماعَةُ التَّلاميذِ كُلُّها، وقدِ استَولى عَليهِمِ الفَرَح، يُسَبِّحونَ اللهَ بِأعلى أَصواتِهِم على جَميعِ ما شاهَدوا مِنَ المعجِزات تشير عبارة "استَولى عَليهِمِ الفَرَح" إلى ابتهاج التلاميذ وهتافاتهم مثل ابتهاج وهتافات الشعب لما مُسح سليمان ملكا في اورشليم (1 ملوك 1: 34)؛ أمَّا عبارة "معجِزات" فتشير إلى هتافات لتسبيح الله على أثر المعجزات التي شاهدوها كما فعل الرعاة في بيت ساحور "رَجَعَ الرُّعاةُ وهم يُمَجِّدونَ الله ويُسَبِّحونَه على كُلِّ ما سَمِعوا ورَأَوا كَما قيلَ لَهم" (لوقا 2: 20). فالجموع التي كانت تسير وراءه عند دخوله أورشليم كانت قد آمنت به، لأنها شاهدت شفاء اعمى في أريحا (لوقا 18: 35-43)، وإقامة لعازر من الموت (يوحنا 11: 44). فالمعجزات التي كان يصنعها يسوع كان يجب أن تتحوّل في حياة الذين ما استطاعوا أن يتبعوه إلى آية لكي تصبح دعوة إلى الإيمان لا سيما في الحالات التي تبدو أكثر صعوبة. ونحن كثيراً ما نشبه أيضاً هؤلاء التلاميذ والجموع الذين ساروا وراء يسوع في يوم الشعانين بسبب تلك المعجزات التي كان يصنعها ثمّ انقطعوا عن السير معه عندما سار في طريق الجلجلة والآلام داعيا إياهم لحمل الصليب " مَن أَرادَ أَن يَتبَعَني، فَلْيَزْهَدْ في نَفسهِ ويَحمِلْ صَليبَهُ كُلَّ يَومٍ ويَتبَعْني" (لوقا 9: 23). وفي هذا الصدد يعلق كتاب الاقتداء بالمسيح "لدى يسوع أبتاع كثيرون يرغبون في ملكوته السماوي، أمَّا حاملو صليبه فقليلون...كثيرون يكرّمون معجزاته، أمَّا الذين يتبعونه في عار الصليب فقليلون". 38 فكانوا يَقولون: تَبارَكَ الآتي، المَلِكُ بِاسمِ الرَّبّ! السَّلامُ في السَّماء! والمَجدُ في العُلى! تشير عبارة "تَبارَكَ الآتي" إلى هتاف مقتبس من المزامير (118: 26) ويراد به التمجيد والترحيب. وهو نداءٍ موجّهٍ إلى الملك (2 صموئيل 14: 4) يرافقه هزّ الأغصان ويُطلق به خاصة في اليوم السابع من عيد الأكواخ، عيد المظال. وكان الكهنة يستشهدون بهذا الهتاف "تَبارَكَ الآتي، المَلِكُ بِاسمِ الرَّبّ!" لمُباركة رؤساء المواكب الصاعدين إلى الهيكل؛ وهذا ينطبّق على يسوع "الآتي" والمُكلف بالرسالة والمُقلّد قدرة الله. ويُعلّق القديس أوغسطينوس على عبارة "تَبارَكَ الآتي بِاسمِ الرَّب" قائلاً: "لنفهم من قوله "باسم الرب" هو "اسم الله الآب"، وإن كان يمكن أن يُفهم على أنه باسمه هو بكونه الرب (يوحنا 5: 43). أمَّا عبارة "الملك" فتشير إلى يسوع "ملك إسرائيل" الذي جاء بشخصه يُتمِّم الوعود الإلهية لشعبه. بانتصاره على العدو، وسقوط مملكة إبليس جاء حاملاً معه سلام الأزمنة المسيحانية "لا تخافي يا بنت صهيون هوذا ملكك". وهنا نجد يسوع في صورة المسيح المنتظر والملك معاً. ويتجنب لوقا الإنجيلي في هذا النص كلمة "هوشعنا" הוֹשַׁע־נָא ב السامية ومعناها "امنح الخلاص" (مزمور 118: 25)، ولكنه يضيف لقب "ملك" كما يفعل يوحنا الإنجيلي (يوحنا 12: 13). والواقع هناك ثلاثة أمور أعطت لدخول السيد أورشليم مفهوما مسيحانيًا: ارتباطه بجبل الزيتون، وإرساله لإحضار جحش، والإشارة إلى مملكة داود. هذه الأمور الثلاثة كشفت عن طبيعة الموكب أنه ليس موكب رجل سياسة وحرب، وإنما موكب المسيح المنتظر المُخلص، موكب الرب نفسه، كما سبق فأنبأ زكريا النبي منذ 550 قبل الميلاد (زكريا 14: 4-5)؛ أمَّا عبارة "بِاسمِ الرَّبّ!" فهي مقتبسة من صاحب المزامير "تَبارَكَ الآتي باسم الرَّبِّ (مزمور 118: 25-26) فتشير إلى يسوع المتسربل بسلطان الرب والذي وكَّل الله إليه إعلان مشيئته. يسوع هو الآتي ليفتتح العصر المسيحاني كما اكّد صاحب الرسالة إلى العبرانيين "قَليلاً قَليلاً مِنَ الوَقْت فيَأتي الآتي ولا يُبطِئ" (عبرانيين 10: 37)، ويُعلّق القديس أوغسطينوس على قوله "لنفهم من قوله "باسم الرب" بالأحرى “اسم الله الآب"، وإن كان يمكن أن يُفهم على أنه باسمه هو بكونه الرب... لقد قال بنفسه: " جِئتُ أَنا بِاسمِ أَبي، فلَم تَقبَلوني. ولو جاءَكُم آخَرُ بِاسمِ نَفْسِه لَقَبِلتُموه" (يوحنا 5: 43). فإن المعلّم الحقيقي هو المسيح الذي "وضَعَ نَفْسَه وأَطاعَ حَتَّى المَوت مَوتِ الصَّليب"(فيلبي 2: 8)، لكنّه لم يفقد لاهوته بتعليمه التواضع. فبلاهوته هو مساوٍ للآب، وبناسوته هو مشابه لنا نحن. بذاك الذي هو مساوي للآب دعانا إلى الوجود، وبالذي صار به مشابهًا لنا، خلَّصنا من الهلاك". أمَّا عبارة "السَّلامُ في السَّماء! " فتشير إلى نشيد الملائكة لدى ميلاد يسوع (لوقا 2: 14)؛ جاء يسوع لإحلال السلام، أمَّا الآن فالتلاميذ هم الذين يُشيدون "بالسلام" الذي يأتيهم من الله، وهم الذين يُمجّدون به الرب، ويؤدّون له تعالى الحمد والتسبيح الواجبين منهم إلى العظمة الإلهية (دانيال 5: 23)؛ وكان السلام الأمر الواجب إعلانه عند دخولهم أي بيت: "وأيَّ بَيتٍ دَخَلُتم، فقولوا أوّلاً: السَّلامُ على هذا البَيت" (لوقا 10: 5). ويٌقبل السلام في الإيمان (لوقا 1: 79)، أمَّا عبارة "المَجدُ في العُلى " فتشير إلى مجد الله الذي هو كمال صفاته التي بها يفوق الإنسان (رومة 3: 23)، وبالتحديد ليتمجد المسيح تمجيدا يبلغ السماء ارتفاعا. ويظهر هذا المجد في وجه يسوع المسيح (2 قورنتس 4: 6)، لذا سُمي المسيح "رب المجد" (2 قورنتس 2: 8)؛ وبهذا المفهوم أصبح "المجد الذي في العُلى " هو انفتاح السماء بأمجادها على الإنسان ليتمجَّد في العُلى. يمكننا أن نقول أيضًا مع القديس أوغسطينوس "أن السماء هي النفس البشرية، فعمل المسيح الفادي ردّ للنفس سلامها الداخلي، وتمتعها بأن ترتفع في العُلى، لتُمجِّد عريسها الأبدي"؛ ولكن اورشليم سترفضه كما تنبأ السيد المسيح "لَيتَكِ عَرَفتِ أَنتِ أَيضاً في هذا اليَومِ طَريقَ السَّلام! ولكِنَّه حُجِبَ عن عَينَيكِ" (لوقا 19: 42). ويُعلن يسوع ذلك المجد عند دخوله القدس. ولا يقوم بإعلان ذلك فحسب بل ويدفع الثمن بحياته، بهدف تمجيد الله وخلاص الإنسان. ويبقى على الكنيسة أن تعلن عن هذا السلام الذي استحقه السيد المسيح بدمه. 39 فقالَ له بَعضُ الفِرِّيسيِّينَ مِنَ الجَمْع: يا مُعَلِّمُ انتَهِرْ تَلاميذَكَ! تشير عبارة "بَعضُ الفِرِّيسيِّينَ" إلى مرافقة بعض الفِرِّيسيِّينَ ليسوع ليراقبوا أعماله ويجدوا علة للاشتكاء عليه، ولم يشاركوا الجموع في الفرح بل امتلأوا حسداً على تمجيد الناس إياه، ولم يصدِّقوا أنه هو المسيح كما تؤكد ذلك رواية الآلام. أمَّا عبارة "يا مُعَلِّمُ انتَهِرْ تَلاميذَكَ!" فتشير إلى استشاط غيظ الفريسيين أمام حماس الجموع التي سارت وراء يسوع بعد أن شاهدت آية إحياء لعازر من الموت. طلب الفريسيون إلى يسوع لا إلى الشعب لينتهر تلاميذه لأنهم حسبوا سكوته اشتراكا في التجديف وحسبوه مُهيِّج الشعب إلى ذلك التسبيح. 40 فأجابَ: أقولُ لَكم: لو سَكَتَ هؤلاء، لَهَتَفَتِ الحِجارَة! تشير "لَهَتَفَتِ الحِجارَة!" إلى صراخ الحجارة الشاهدة لمملكة يسوع حتى اهتزَّت حجارة اورشليم لدى دخول يسوع إليها، كما اهتزت عند بلوغ خبر ولادته (متى 2: 3). وهذ الأمر يدلّ أن حياة يسوع حدث علني يهمّ جميع الناس. وسيتردَّد صدى هذا الإعلان للوصول إلى قلب الإنسان، ولن يتمكن الموت من إسكات هذا الصوت. ويُعلق القديس أمبروسيوس "أن قول السيد تحقق أيضًا حرفيًا عندما سكت اليهود عن تسبيحه وتمجيده في لحظات الصلب، فقد نطقت الحجارة فعلًا، إذ حدثت زلزلة، والصخور تشققت، والقبور انفتحت". ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي (يوحنا 8: 1-11) بعد دراسة وقائع النص الإنجيلي (لوقا 19: 28-40) نستنتج انه يتمحور حول دخول يسوع إلى أورشليم منتصرا تحقيقا لنبوءة (زكريا 9: 9). ومن هنا نتناول ثلاث نقاط وهي: تهيئة الدخول إلى اورشليم، ثم الدخول إلى اورشليم، وأخيراً رد فعل الناس لدخول المسيح إلى اورشليم. 1) تهيئة الدخول إلى اورشليم (لوقا 19: 28-31) بدأ يسوع يستعد لدخول اورشليم منذ أن اقتربت أيام موته "ولَمَّا حانَت أَيَّامُ ارتِفاعه، عَزَمَ على الاتِّجاهِ إلى أُورَشَليم" (لوقا 9: 51). ثُمَّ أكد يسوع هذا الاستعداد بتَقَدَّمَه صاعِداً إلى أُورَشَليم ليبذل حياته فدية ًعن الكثيرين، من خلال آلامه وموته. ولم تكن دخول يسوع إلى اورشليم خطة بشرية، إنما هو طريق يَعُّد له الرب نفسه؛ قصد يسوع أن يقدِّم نفسه في اورشليم، العاصمة الروحية بوصفه المسيح المنتظر في موكب شعبي بترتيب خاص. في يوم الأحد في بداية الأسبوع، كان الاحتفال بعيد الفصح العظيم على وشك أن يبدأ، وكان اليهود يأتون من جميع جهات العالم الروماني طيلة هذا الأسبوع للاحتفال بذكرى الخروج من مصر (خروج 13) وكان الكثيرون بين الجموع قد سمعوا عن يسوع أو رأوه وكانوا يتمنون أن يأتي إلى الهيكل (يوحنا 11: 55-57). انطلق يسوع من أريحا مروراً ببيت عنيا وبيت فاجي الواقعتين في الجنوب الشرقي من جبل الزيتون. ومن بيت فاجي أرسل يسوع تلميذين يسبقانه كما سيفعل في العشاء الأخير (متى 26: 18). وإن ارتباط الموكب بجبل الزيتون يُعلن عن طبيعة هذا الموكب أنه "موكب مسيحاني" كما كانت توقعات اليهود التي أكدها المؤرخ اليهودي يوسيفوس في أكثر من موضع. ويدل إرسال التلميذين لإحضار الجحش على خطة مقصودة من جانبه، خاصة أنَّ الجحش "ما رَكِبَه أَحَدٌ قَطّ " (لوقا 19: 30)، وبهذا يُعلن عن طبيعة الموكب أنه ديني سماوي روحي إلهي (2 صموئيل 6: 3). يستعدُّ يسوع لدخول المدينة بالطريقة التي يجيء به المسيح المنتظر كما أعلنها زكريا النبي (زكريا 9: 9). جاءَ إذاً طوعًا وتوجَّهَ إلى اورشليم، هو الذي انحدرَ من السماواتِ من أجلِنا، ليرفعَنا معه، إلى "السَّمَاوَاتِ العُلَى، فَوقَ كُلِّ صَاحِبِ رِئَاسَةٍ وَسُلطَانٍ وَقُوَّةٍ وَسِيَادَةٍ، وَفَوقَ كُلِّ اسمٍ يُسَمَّى بِهِ مَخلُوقٌ" (أفسس 1: 21). 2) الدخول إلى اورشليم (لوقا 19: 32-36) دخل يسوع إلى أورشليم في زمن يجتمع فيه كل اليهود في عيد الفصح في الهيكل الذي يمكن للجموع الغفيرة أن تراه فيه. دخل يسوع إلى اورشليم راكبا جحشا وهو تأكيدٌ على المسيح الملك المنتظر وإثبات لتواضعه. دخل يسوع إلى اورشليم أولا كملك: كما دخل سليمان ملكا إلى اورشليم كذلك دخل يسوع كملك إلى اورشليم (1 ملوك 38: 40). ولأول مرة دخلها باستقبال رسمي وحفاوة لا مثيل لها. دخلها راكبا على الجحش بالإجلال اللائق بالملك، تحقيقا لنبوءة زكريا النبي "اِبتَهِجي جِدّاً يا بِنتَ صِهْيون وآهتِفي يا بنتَ أُورَشَليم هُوَذا مَلِكُكَ آتِياً إِلَيكِ بارّاً مُخَلِّصاً وَضيعاً راكِباً على حمارٍ وعلى جَحشٍ آبنِ أتان" (زكريا 9: 9)؛ ويُعلق يوحنا الذهبي الفم بقوله "جاء يسوع وديعًا حتى لا تهابوا عظمته، بل تُحبُّون رقَّتِه. لا يأتي جالسًا على مركبة ذهبيَّة، ولا ملتحفًا بالأرجوان، ولا راكبًا على فرس ناري، كمن يشتاق إلى الخصام والصراع، وإنما يأتي على أتان صديقًا للهدوء والسلام". استقبل الشعب يسوع بحفاوة وتبجيل حاملين أغصان النخل التي هي علامة النصر تماماً كما يستقبلون كل ملكٍ، ملكٍ بشري. وأغصان الزيتون التي هي علامة السلام، حملوها في استقبال ملك السلام، وكلهم يهتفوا، الأطفال والكبار والصغار: "مبارك الآتي باسم الرب". دخل يسوع كربٍ إلى اورشليم وهذا ما أكَّده يسوع بكلامه إلى التلميذين الذين أرسلهما إلى بيت فاجي "فإِن سأَلَكما سائِل: لِمَ تَحُلاَّنِ رِباطَه؟ فقولا: لأَنَّ الرَّبَّ مُحتاجٌ إِليه". دخل "باسم الرب" بقوّة محبّته الإلهيّة يغفر خطايانا ويصالحنا مع الآب ومع أنفسنا. لم يدخل يسوع إلى المدينة المقدسة للحصول على التشريفات الخاصة بالملوك الأرضيين، إنما دخل إلى أورشليم لكي يُكلَّل بإكليل الشوك، ويصعد جبل الجلجلة حاملا خشبة الصليب ليموت فوقها، فعرشه الملوكي هو خشبة الصليب! وبها هزم الشر كما سبق وأعلن النبي أشعيا (أشعيا 50، 6). لم يدخل يسوع إلى اورشليم لتأكيد على انه المسيح الملك فحسب، إنما أيضا لإثبات تواضعه. قد اظهر المسيح تواضعه كما اظهر الملوك الأولون لمَّا رفض أن يركب فرسا إنما ركب جحشا في دخوله المنتصر إلى اورشليم (زكريا 9: 9). فدخل يسوع إلى المدينة المقدسة، لا كملك حربي، بل كملك متواضعٍ ومسالمٍ. وعبّر بولس الرسول عن معنى التواضع بفعلين: "تجرّد من ذاته" و"وضع نفسه" (فيلبي 2: 7، 8). يسوع تجرّد من ذاته: أي تخلّى عن مجد ابن الله وأصبح ابن الإنسان، ليتّحد معنا، نحن الخطأة، هو الذي بدون خطيئة. ولم يكتفِ بهذا، بل عاش معنا في "صورة العبد" أي لا صورة ملك أو أمير، وإنما صورة عبد. وأهم العلامات لهذا التواضع هي غسل الأرجل. "الرب والمعلّم" انحني إلى أقدام تلاميذه ليغسل أرجلهم كما كان يفعل الخدم (يوحنا 13: 14)، وبِيع أيضا بثلاثين من الفضّة وتعرّض للخيانة بقبلة من تلميذه يهوذا، وأنكرّه بطرس ثلاث مرّات، وشُتم وبُصق عليه، وعانى من الضربات والجلد وإكليل الشوك والحكم الظالم. واختبر يسوع بنفسه اللامبالاة أيضًا، لأن لا أحد يريد أن يتحمّل مسؤوليّة مصيره. وصل يسوع إلى موت الصليب، الميتة الأكثر ألمًا وإذلالاً المُخصَّصة للخونة والعبيد وأكبر المجرمين. وفي ذروة التجرُّد أُظهر الوجه الحقيقي لله الذي هو رحمة. فغفر لصالبيه، وفتح أبواب الفردوس للص التائب ولمس قلب قائد المائة. وأخذ على عاتقه ألمنا ليخلّصنا، حاملاً النور إلى الظلمات، والحياة إلى الموت، والحب إلى الكراهية. وأصبح الصليب انتصارًا. 3) هدف دخول يسوع إلى اورشليم لدخول يسوع رسميا إلى اورشليم أهداف عدة واهمها: - تدشين أسبوع الالام: دخل يسوع احتفاليا إلى اورشليم لكي يدشّن "أسبوع الآلام". في مثل هذا اليوم توجّه يسوع إلى مصيره: "فَابنُ الإِنسانِ يُسلَمُ إلى عُظَماءِ الكَهَنَةِ والكَتَبَة، فيَحكُمونَ علَيه بِالمَوت، ويُسلِمونَه إلى الوَثَنِيِّين، فَيسخَرونَ مِنه، ويَبصُقونَ علَيه ويَجلِدونَه ويَقتُلونَه، وبَعدَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ يَقوم" (مرقس10: 32-34). ولذلك فإننا نبدأ اليوم مسيرة آلام سيدنا يسوع المسيح التي قِمَّتُها يوم الجمعة العظيمة على الجلجلة، ولكن نهايتها القيامة في أحد الفصح. - تتميم النبوءات: دخل يسوع احتفاليا إلى اورشليم ليتمم نبوءات الأنبياء: أشعيا وزكريا. وصَل يسوع إلى بَيتَ فاجي ومن هناك توجّه إلى اورشليم راكبا على جَحشٍ آبنِ أتان تأكيداً على انه المسيح الملك الوديع تحقيقا لنبوات أشعيا "قولوا لابنَةِ صِهْيون: هُوَذا خَلاصُكِ آتٍ هُوَذا جَزاؤُه معَه وأُجرَتُه أَمامَه" (أشعيا 62: 11) ولتحقيق نبوءة زكريا القائل "اِبتَهِجي جِدّاً يا بِنتَ صِهْيون وآهتِفي يا بنتَ أُورَشَليم هُوَذا مَلِكُكَ آتِياً إِلَيكِ بارّاً مُخَلِّصاً وَضيعاً راكِباً على حمارٍ وعلى جَحشٍ آبنِ أتان" (زكريا 9 :9). والجموع يتكلمون عن عودة مملكة داود (2 صموئيل 7: 12-14) بهتافهم: "تَبارَكَتِ المَملَكَةُ الآتِيَة، مَملَكةُ أَبينا داود" (مرقس 11: 10). - إعلان المسيح المنتظر: دخل يسوع احتفالياً إلى اورشليم أيضا ليؤكد انه المسيح المنتظر حيث كانت الساعة تقترب. فدخل اورشليم ليحقق ما سبق وأعلنه أكثر من مرة أن ابن الإنسان ينبغي أن يتألم. دخلَ القدس لا كمُحتَلٍّ مظفَّرٍ مكلَّلٍ بالمجدِ وبالأُبّهة، بل وديعًا متواضعًا. دخل راكبا على أتان، مطية الآباء (تكوين 49: 11) لا مطيّة الأقوياء والأغنياء والمقتدرين. تخلى المسيح عن مظاهر أبهة الملوك (ارميا 17/25). وفرشوا له الناس أرديتهم وأغصان الزيتون على الطريق كما يفعلون للملوك مُعترفين بمجد الرب يسوع وهاتفين: "هُوشَعْنا لابنِ داود! هوشعنا" تَباركَ الآتي بِاسمِ الرَّبّ!" (2صموئيل 7: 1). - افتتاح العهد المسيحاني: دخل يسوع إلى اورشليم أخيرا ليفتتح العهد المسيحاني من خلال تقريب جسده ذبيحة على الصليب في القدس "فيَأتي الآتي ولا يُبطِئ" (عبرانيين10: 37) ليقرّب ذَبيحَة كَفَّارةٍ لِلخَطايا (عبرانيين 10: 12). وهناك ثلاثة أمور أعطت لدخول السيد أورشليم بُعداً مسيحانيًا: ارتباطه بجبل الزيتون، وإرساله لإحضار جحش، والإشارة إلى مملكة داود. هذه الأمور الثلاثة كشفت عن طبيعة الموكب أنه ليس موكب رجل حرب وإنما موكب المسيح المخلص، موكب الرب نفسه، كما سبق فأنبأ زكريا النبي " تَقِفُ قَدَماه في ذلك اليَومِ على جَبَلِ الزَّيتونِ الَّذي قُبالَةَ أُورَشَليمَ إلى الشَّرق، فيَنشَقُّ جَبَلُ الزَّيتونِ مِن نِصفِه نَحوَ الشَّرْقِ ونَحوَ الغَرْبِ وادِياً عَظيماً جِدّاً... يأتي الرَّبُّ إِلهي وجَميعُ القِديسينَ معَه" (زكريا 14: 4-5). - استباق للنّصر الأخير: دخل يسوع اورشليم وهو استباق للنصر الأخير الذي سيتمّمه الرّب في مجيئه الثّاني الأخير كما تنبا يوحنا "رَأَيتُ بَعدَ ذلِكَ جَمعًا كَثيرًا لا يَستَطيعُ أَحَدٌ أَن يُحصِيَه، مِن كُلِّ أُمَّةٍ وقَبيلَةٍ وشَعبٍ ولِسان، وكانوا قائمينَ أَمامَ العَرشِ وأَمامَ الحَمَل، لابِسينَ حُلَلاً بَيضاء، بِأَيديهم سَعَفُ النَّخلِ، وهم يَصيحونَ بِأَعلى أَصْواتِهم فيَقولون: الخَلاصُ لإِلهِنا الجالِسِ على العَرشِ ولِلحَمَل! "(رؤيا 7، 9-10). لقد دخل السيد المسيح إلى اورشليم ليقود موكب الصليب بنفسه، وبه صرنا قريبين من اورشليم السماوية، ملكوته السماوي، لندخل به فيها، قائلين مع الرسول: "الشُّكرُ للهِ الَّذي يَسْتَصْحِبُنا دائِمًا أَبَدًا في نَصرِه بِالمَسيح. ويَنشُرُ بِأَيدينا في كُلِّ مَكانٍ شذا مَعرِفَتِه" (2 قورنتس 2: 14). 4) رد فعل الناس لدخول يسوع إلى اورشليم (لوقا 19: 37-40) أ) رد فعل التلاميذ والجموع مع دخول يسوع إلى اورشليم بدأت كل نبوءة تتحقق، ومنها نبوءة إعلان الانتصار بمسمع ومرأى قادة اليهود الروحيين. فاختلف رد فعل التلاميذ عن رد الفريسيين، إذ احتفل التلاميذ والشعب بمهرجان مهيب هاتفين مع صاحب المزمور "تَبارَكَ الآتي باْسمِ الرَّبِّ نُبارِكُكم مِن بَيتِ الرَّبِّ. الرَّبّ هو اللهُ وقد أَنارَنا فرُصُّوا المَواكِبَ والأغْصانُ في أَيديكم حتَّى قُرونِ المَذبَح" (مزمور 26:118). وقد هتفوا بفرح وابتهاج "السَّلامُ في السَّماء! والمَجدُ في العُلى السَّلامُ في السَّماء! كما أشاد الملائكة لدى ميلاد يسوع (لوقا 2: 14). أشاد التلاميذ "بالسلام" الذي يأتيهم من الله، ومجّدوا به الرب، وتقبلوا سلام المسيح في الإيمان (لوقا 1: 97). إنهم كانوا يُتمِّمون نبوءة زكريا (9: 9) ويتكلمون عن عودة مملكة داود في المسيح يسوع (2 صموئيل 7: 12-14). وفي هذا الصدد يقول القديس كيرلس الكبير "سبح التلاميذ السيد المسيح، مخلص الكل، ودعوه الملك والرب وسلام السماء والأرض. ليتنا نحن أيضًا نسبحه كما بقيثارة المرتل، قائلين: ما أَعظَمَ أَعْمالكَ يا رَبّ لقد صَنعتَ جَميعَها بِالحِكمة فاْمتَلأَتِ الأَرضُ مِن خَيراتِكَ! (مزمور 104: 24). ويُعلق يوحنا الإنجيلي على دخول السيد المسيح إلى اورشليم بقوله "هذهِ الأَشياءُ لم يَفهَمْها تَلاميذُه أَوَّلَ الأَمرِ، ولَكِنَّهم تَذَكَّروا، بَعدَما مُجِّدَ يسوع، أَنَّها فيهِ كُتِبَت، وأَنَّها هي نَفسُها لَه صُنِعَت" (يوحنا 12: 16). ب) رد فعل الفريسيين اعتبر الفريسيون كلمات الجموع والتلاميذ كلمات تجديف وتحريض، فلم يعلنوا إيمانهم للرب بل رفضوا واحتجوا على هتاف التلاميذ كما فعل عظماء الكهنة والكتبة (متى 21: 15-16)، وطلبوا من يسوع أن يضع حداً لهتافاتهم (لوقا 19: 37-40)، لأنهم كانوا يعترفون بملوكية المسيح. فأجابهم يسوع "لو سَكَتَ هؤلاء، لَهَتَفَتِ الحِجارَة!"(لوقا 19: 40) لنطقت الأرض كلها بمجد الملك السماوي، ملك السلام الآتي باسم الرب، الآتي ليخلص البشر؛ لا شيء يمنع اورشليم من الهتاف ليسوع، بل إن حجارة اورشليم تهتف شاهدة لمملكته كما تنبَّا يوما النبي حبقوق "فالحَجَرُ يَصرُخُ مِنَ الحائِط" (حبقوق 2: 11). لقد "هتفت الحجارة" (لوقا 19: 40)، وهذه يعني أنَّ المسيح كان مُدركاً صفته الملوكية، إنه ملك اورشليم، ملك العالم ومملكته ثابتة "يُوليه الرَّبُّ الإِلهُ عَرشَ أَبيه داود، ويَملِكُ على بَيتِ يَعقوبَ أَبَدَ الدَّهر، وَلَن يَكونَ لِمُلكِه نِهاية" (لوقا 1: 32-33). أنه يوم انتصار النور على الظلام. 5) دورة أحد الشعانين التقليدية في القرن الرابع كان يحتفل بدورة أحد الشعانين بنفس الطريقة التي يحتفل به في يومنا هذا فكتبت أيجيريا في يومياتها: "في الأحد الذي يفتتح الأسبوع المقدّس… يصعد الشعب إلى جبل الزيتون… وعند الساعة الحادية عشرة (أي الساعة الخامسة من بعد الظهر) تتم قراءة المقطع الإنجيلي (لوقا 19: 28-40) ثم تبدأ المسيرة من قمة جبل الزيتون، حتى كنيسة القيامة". انطلقت الدورة في القرن التاسع من مكان أبعد كما كتب الحاج الراهب ابيفانوس "على بعد ما يقارب الميل (من مكان الصعود) نجد المكان الذي فيه جلس يسوع على الجحش. ويوجد هناك شجرة زيتون، يؤخذ منها في كل عام غصن، بعد أن يدفع الثمن؛ وهكذا يدخل المشارك في الدورة إلى أورشليم في يوم الشعانين". وفي هذا المكان ذكر وجود كنيسة من القرن الرابع، ذكرى لقاء يسوع مع أختي لعازر، مرثا ومريم، على طريق بيت عنيا. في القرن الثاني عشر وبالتحديد عام 1187 على أثر انهزام الصليبيين على يد صلاح الدين الأيوبي توقفت دورة الشعانين. ولكن الآباء الفرنسيسكان أعادوها في الفترة ما بين القرنين 16-17، والتي كان يجلس خلالها حارس الأراضي المقدسة على جحش. ومنذ العام 1933 استطاعت الدورة أن تأخذ من جديد شكلها الاحتفالي، وعلى رأسها بطريرك اللاتين الاورشليمي منطلقة من مزار بيت فاجي؛ إذ عثر في عام 1870، أحد الفلاحين على حجر منحوت وقد رسم عليه رسومات من العصر الصليبي، تمثل حادثتي، قيامة لعازر ودخول يسوع الانتصاري إلى القدس. فتمَّ شراء الأرض وبناء مزاراً صغيراً عام 1883؛ وقد تم َّترميمه وإعطاءه الشكل الذي هو عليه اليوم في عام 1954. أمَّا في أيامنا تسير الدورة الاحتفالية في أحد الشعانين تحت رعاية بطريرك القدس للاتين، ويحمل المشتركون سعف النخيل أو أغصان الزيتون وهم ينشدون الترانيم الروحية التي تُشيد بيسوع الملك. وتنطلق الدورة من كنيسة "بيت فاجي في الطور، إلى الجسمانية مروراً بباب الأسباط وصولاً إلى كنسية القديسة حنة المعروفة بـ"الصلاحية" حيث يختم البطريرك الدورة بإعطاء البركة للمشتركين من خلال القربان الأقدس. وعند نهاية الدورة الدينية تنطلق المجموعات الكشفية بمسيرة في شوارع القدس، مرورا بطريق "ستنا مريم" والمتحف الفلسطيني (روكفلر)، ثم باب الساهرة وساحة باب العمود وصولا إلى ساحة دير اللاتين عند الإباء الفرنسيسكان. وقد أصبحت دورة أحد الشعانين مهرجان إيمان بالمسيح الملك والمُخلص "كَيما تَجثُوَ لاسمِ يسوع كُلُّ رُكبَةٍ في السَّمَواتِ وفي الأَرْضِ وتَحتَ الأَرض ويَشهَدَ كُلُّ لِسانٍ أَنَّ يسوعَ المسيحَ هو الرَّبّ تَمْجيدًا للهِ الآب" (فيلبي 2: 10-11). الخلاصة هلمّواْ نصعَدْ معًا جبلَ الزيتونِ لملاقاةِ المسيحِ العائدِ اليومَ من بيتَ عنيا متقدّمًا إلى يومِ آلامِه المكرَّمة، وقد جاءَ طوعًا ليتحملَّها ويُتمِّمَ سرَّ خلاصِنا. نحن نؤمن أن المسيح ابن الله يدخل اليوم بالمجد في قلوبنا وفي شعبنا وأطفالنا وعائلاتنا وعلى أرضنا. يدخل كمخلص ويفتدينا بموته وقيامته. هذا هو الإيمان الذي أعلنه آباؤنا وأجدادنا على مدى مئات السنوات، ونحن اليوم نعلن هذا الإيمان. هلمَّ نُسرِع ونُقبِلْ معًا إلى المسيح الملك الُمقبِلِ إلى الآلام، ونقتدِ بالجموعِ التي أسرعَتْ لملاقاتِه، لا بحملِ أغصانِ الزيتونِ أو سَعَفِ النخلِ، ولا بفرشِ الثيابِ أمامَه على الطريق، بل نسجدُ له بأنفسِنا، بكلِّ قِوانا وإرادتِنا، ونستقبلُ الكلمةَ بروحٍ منسحقةٍ وبنِيَّةٍ مستقيمةٍ وبعزمٍ ثابت، فنصلُ إلى الله الذي لا يمكنُ الوصولُ إليه. هلمَّ نَفرُش نحن للمسيحِ لا ثيابًا وأغصانًا جافَّةً، بل نلبِسْ نعمتَه أي ليَكُنْ هو نفسُه بكاملِه رداءً لنا: "لأنّكم لمّا اعتمَدْتم بالمسيحِ لبِسْتُم المسيح" (غلاطية 3: 27). فبدَلَ إلقاءِ الثيابِ أمامَه، لِنُلقِ بأنفسِنا أمامَ قدمَيْه ساجدِين. ولْنردِّدْ نحن أيضًا مع التلاميذ، في كلِّ يومٍ من الأسبوع المقدس، هتافَهم المقدَّس، فيما تهتزُّ أغصانُ أنفسِنا وأرواحِنا: "مُبَارَكٌ الآتِي بِاسمِ الرَّبِّ". نحن مدعوون اليوم أن نختار نفس الدرب الذي سار عليه يسوع: درب الخدمة والعطاء ونكران الذات والتواضع. لنوجّه أنظارنا إليه ونطلب منه النعمة لنفهم شيئًا من سرّ تجرُّده لأجلنا؛ ولنتأمّل بصمت سرّ أسبوع الآلام. دعاء "امنحنا، أيّها الآب الرحيم، نعمة اتّباع ابنك حتّى في ساعة الصليب، كي نُشاركه في الحياةّ الّتي تدخلنا فيها قيامته". يا مريم أمّي، يا أمّ الأوجاع، علّمينا تحمّل أوجاعنا وآلامنا من أجل خلاصنا وخلاص كلّ من وضعهم الربّ في حياتنا مرددين دعاء بولس الرسول " الشُّكرُ للهِ الَّذي يَسْتَصْحِبُنا دائِمًا أَبَدًا في نَصرِه بِالمَسيح. ويَنشُرُ بِأَيدينا في كُلِّ مَكانٍ شذا مَعرِفَتِه " (2 قورنتس 2: 14). الأب لويس حزبون - فلسطين |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
تَجَلِّي يسوع كما رواه مَتَّى الإنجيلي |
يسوع المَلِك كما رواه لُوقا الإنجيلي |
أحد الشعانين كما رواه متى الإنجيلي |
عيد التجلي كما رواه متى الإنجيلي |
التجلي في حياة يسوع كما رواه لوقا الإنجيلي |