رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الانطلاق من معرفة الخطية
أن تحدثنا عن انطلاق الروح، فلعله يقف أمامنا هذا السؤال. من أي شيء تنطلق الروح؟ ونجيب بأن الروح وهي علي الأرض، تجاهد لكي تنطلق من أشياء كثيرة، سوف يحدثك عنها هذا الكتاب.. غير أن هناك شيئًا آخر مهما حاولت الروح أن تنطلق منه علي الأرض، فلا أظن أنها تستطيع!.. ربما الانطلاق منه هو إحدى المتع التي ننالها في الأبدية.. فما هو هذا الشيء؟ أنه: الانطلاق من معرفة الخطية. عندما خلق الله الإنسان الأول، خلقه بسيطًا نقيا لا يعرف خطية علي الإطلاق، ولا تفاصيل الخطايا، ولا أسماءها.. كان كذلك، قبل أن يأكل من شجرة معرفة الخير والشر.. كان في براءة الأطفال، وربما أكثر... ولذلك حينما أغريت حواء من الحية، ما كانت تعرف.. كذبت عليها الحية وقالت "لن تموتا".. وقالت {تصيران كالله..} (تك5:3). وحواء ما كانت تعرف أن هناك شيئًا اسمه الكذب. وما كانت تشك في صدق الحية، لأنها ما كانت تعرف الشك. كان آدم وحواء لا يعرفان سوي الخير فقط. أما الشر، فما كان يعرفانه. ولكنهما لما أكلا من الشجرة دخلتهما معرفته. دخلت إلى الإنسان معرفة جديدة، هي معرفة الخطية. بل معارف أخرى عديدة، عكرت صفو النقاوة الطبيعية الأولي، ينطبق عليها قول الحكيم: "الذي يزيد علمًا، يزيد حزنًا" (جا18:1). ولعل أول شيء عرفه آدم، أنه عرف أنه رجل وأن حواء امرأة، وبدأت معرفة الجنس تدخل إلى ذهنه، ثم إلى مشاعره وعرف أن هذا شيء يخجل منه، فبدأ يغطي نفسه. ثم عرف الخوف، فبدأ يختبئ وراء الأشجار. وبمرور الوقت بدأ الإنسان يعرف خطايا عديدة جدًا. وأصبحت هذه المعرفة راسخة في ذهنه، تثير عليه حروبا روحية في بعض الأوقات. وإن لم يقع في هذه الخطايا، قد يقع في إدانة غيره عليها. وأصبح الإنسان يعيش في ثنائية الخير والشر، الحلال والحرام. فمتى يتخلص من هذه الثنائية؟ ومتى يرجع عقله إلى نقاوته؟ ومتى تزول من ذهنه معرفة الشر. سواء أكانت وصلت إليه عن طريق العقل، أو عن طريق الخبرة، والممارسة؟ متى يتخلص من تذكار الشر الملبس الموت؟.. لا أظن ذلك يحدث علي الأرض إطلاقًا، إنما يحدث في الأبدية حسبما قال القديس بولس الرسول حينما كان "يسكب سكيبًا ووقت انحلاله قد حضر" قال لتلميذه تيموثاوس. {وأخيرًا قد وُضِعَ لي إكليل البر} (2تى8:4). أخيرًا سيتكلل الإنسان بالبر... البر الذي لا يعرف خطية، والبر الذي لا يعرف خطية.. يتكلل بالقداسة التي بدونها لا يعاين أحد الرب. ولكن متى؟ يجيب الرسول مكملًا حديثه عن أكليل البر "الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل. ليس لي فقط، بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضًا".. إكليل البر هذا، هو الشهوة التي تنطلق إليها الروح.. أما علي الأرض، فإننا كل يوم نخطئ، وفي كل يوم نحتاج إلى توبة. ولا يوجد إنسان بلا خطية، ولو كانت حياته يومًا واحدًا علي الأرض... متى ننطلق حقًا من معرفة الخطية؟ ولا نعرف إلا الله وحده وما يحيط به من نور، ليست فيه ظلمة البتة.. سيكون لك حينما نلفظ ثمرة معرفة الخير والشر التي أكلها أبوانا في ذلك الزمان. وحينئذ نعود إلى رتبتنا الأولي.. بل أننا في الأبدية، سنكون في حالة أفضل من حالة آدم في الفردوس. فآدم وحواء كانا في حالة بر، مع إمكانية السقوط. أما في الأبدية فسوف نتكلل بالبر، البر الذي لا توجد فيه أية إمكانية للسقوط. فأن كنا سنصير في حالة أفضل من حالة الإنسان الأول قبل السقوط، فعلي الأقل سنشابهه في البراءة والنقاوة والبساطة وعدم معرفة الخطية. سننسى الخطية بكل صورها وكل تفاصيلها وكل ذكرياتها. ولا تبقي في أذهاننا إلا إيجابية الحياة الروحية، في محبة الله، والتأمل في صفاته الجميلة، والتأمل في السماويات، وما لم تره عين، أو تسمع به أذن، أو يخطر علي قلب بشر. بهذا تكون الروح قد وصلت إلى قمة انطلاقها. أما هنا علي الأرض، فأقصى ما تصل إليه الروح هو الانطلاق من سيطرة الخطية والمادة والجسد، لكي تحيا طليقة (تُعتَق من عبودية الفساد، إلى حرية مجد أولاد الله) (رو21:8). هل شعرت أن روحك وصلت إلى هذه الحرية؟ هل الحرية هي انطلاق الروح. انطلاقها من كل قيد يعوق وصولها إلى الله.. وكيف ذلك؟ هنا وأتركك أمام هذه التأملات التي كتبت غالبيتها في بداية الخمسينيات، قبل دخولي إلى الرهبنة... |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
معرفة التافِهات البابا شنودة |
الانطلاق لمعرفة الله البابا شنودة |
الخطية خيانة لله البابا شنودة |
الخطية انفصال عن الله البابا شنودة |
الانطلاق من معرفة الطية |