رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
شخصيّة نوح "... كان نوح رجلًا بارًّا كاملًا في بني جيله. وسار نوح مع الله...". هذه هي الصفة الأساسيَّة التي تميّز بها نوح عن كلّ بني جيله، أي أنّه كان بارًّا وكان يسير مع الله. الرجل البارّ في الكتاب المقدّس هو الذي يسير بحسب شريعة الربّ؛ في هذه المرحلة من التاريخ لم تكن شريعة سيناء بعد قد أُعطيت على يد موسى، ولكنّ شريعة الربّ ليس في الأساس مجموعة وصايا وأحكام يُفترض أن يعمل بها البارّ، بل هي العلاقة الشخصيّة التي يقبل البارّ أن يبنيها مع الربّ، والتي تقوم أوّلًا على رغبته بسماع كلام الله له، إن بإلهام القلب، أو خصوصًا من خلال أحداث حياته، التي يقرأها دائمًا على ضوء محبّة الله له، حتّى في قلب الأحداث المؤلمة أو المزعجة. البارّ هو الذي يعطي الأولويّة في حياته للتعرّف إلى الربّ والسَّير معه، كما يقول النصّ هنا عن نوح! لم يكن بنو الجيل الذي عاش فيه نوح ملحدين أو غير متديّنين، بل بالعكس، لقد تميّزت الشعوب القديمة كلّها بمظاهر العبادة وتقديم الذبائح والنذورات... ولكنّ الإنسان المتديّن ليس بالضرورة بارًّا! التعبّد والتديّن شيء، والبرارة شيء آخر! قد يجتمعان في شخص واحد، ولكن ليس التديّن هو الذي يقود إلى البرارة، بل هو أحد مظاهرها عندما يعبّر عنها! أمّا التديّن وحده، فهو في الغالب تديّن مزيّف حتى ولو كان المتديّن يمارس العبادات بنيّة طيّبة، ولكن تديّنه لا يقوده بالضرورة إلى وضع حياته أمام الله، والطاعة لكلمته ومشيئته والعمل بها كأساس لحياته. بل يبقى المقام الأوّل في حياته هو الأكل والشرب والتسلية والبحث عن تأمين حياته وأمواله ووظيفته وممتلكاته وأصحابه والأشخاص الأقوياء الذين يمكنه أن يتّكل عليهم... بالنسبة إلى المتديّن، الله ينفع في بعض الأوقات، خصوصًا في وقت المرض والشدّة والفشل؛ ولذا فإنّ لسان حاله هو هذه المقولة المَقيتة: "ساعة إلك، وساعة لربّك!!!". فهو يعطي ساعة للربّ (أي أقلّ من 60 دقيقة في الأسبوع)، ويترك الساعة الأخرى لنفسه ومشاغله؛ وهذه الساعة الأخرى هي في الحقيقة 24 ساعة في اليوم و7 أيّام في الأسبوع. إنّها "ساعته" التي تأخذ بكلّ أفكاره وهمومه ومشاغله وانتظاراته...هي في الحقيقة 167 ساعة في الأسبوع له ولهمومه وحاجاته... وساعة واحدة فقط للذهاب إلى المعبد أو الهيكل للصلاة وتقدمة الذبائح، حتى لا "يزعل" الربّ منه، أو يقاصصه... وعندما تسأله عن السبب يجيبك: أنا لست راهبًا أو كاهنًا أو ناسكًا! ليس الإنسان البارّ عاطلًا عن العمل، أو غير متزوّج، أو ليس له عائلة يهتمّ بها، أو إنسانًا لا يأكل ولا يشرب، أو لا يسمح لنفسه بالراحة أو التسلية... ما يميّز الإنسان البارّ هو أنّه "يسير دائمًا مع الربّ" حتّى في أكله وشربه وعمله واستفادته من الخيرات وفي كلّ صراعات حياته، والتي لا بدّ منها، طالما أنّ الله دعاه إليها لخيره وخير الإنسان، كلّ إنسان... وهو يعمل كلّ ذلك بحسب إرادة الربّ، ولذا فهو يكون مع الربّ 24 ساعة في اليوم، و7 أيّام في الأسبوع! معبد الرجل البارّ وهيكله ليسا فقط في مكان معيّن يذهب إليه من وقت إلى آخر، بل هو أيضًا هيكل جسده وقلبه وأعماله: "فإذا كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئًا، فافعلوا كلّ شيء لمجد الله" (1 قور 10: 31)، "وكلّ ما عملتم بقول أو فعل، فاعملوا الكلّ باسم الربّ يسوع، شاكرين الله والآب به" (قول 3: 17). هذا ما سيقوله القدّيس بولس للجماعات المسيحيَّة التي بشّرها، بمثابة قاعدة أساسيّة للحياة المسيحيّة البارّة! لذلك نرى أنّ نوح يعمل بكلّ ما يأمره به الربّ، حتى ولو كان منافيًا لثقافة عصره المنحطّ، وحتّى لو تعرّض لاستهزاء بني جيله، الذين كانوا يرونه "يضيّع وقته" في هذا الأمر السخيف بالنسبة إليهم، أي بناء السفينة التي أمره الربّ أن يبنيها! هذا هو معنى عبارة: "... كان نوح رجلًا بارًّا كاملًا في بني جيله. وسار نوح مع الله...". |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
التقليد الثاني حول شخصيّة سمعان |
التقليد الأول حول شخصيّة سمعان |
إجعل كلمة الله شخصيّة |
كُن في علاقة شخصيّة مع الرب |
كيف أفهم شخصيّة أولادي؟! |