18 - 10 - 2017, 11:02 AM | رقم المشاركة : ( 11 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
قال شيخٌ: «من شأنِ شيطانِ السبح الباطل أن يعارض الرهبان بعجرفتين: إحداهما يُقال لها عجرفةٌ علمانيةٌ، لأنها ليست من مناكب السيرةِ، وليس إحكامُها عائداً إلى نَصَبِ الإنسانِ وتعبه، مثال ذلك: التيه بجاهِ الرئاسةِ، التباهي بشرفِ الجنسِ، الاغتباط بكثرةِ الغنى، بتزين اللباس، بقوةِ الجسم، بفصاحةِ المنطق، وكل ما شاكل هذه. أما الأخرى فيقال لها عجرفةٌ رهبانية، مثال ذلك: شدة الصوم والنسك ومداومة السهر، ملازمة الصلاة، البعد عن الناس، التجرد من المقتنيات ومن كلِّ شيء، وما شابه ذلك، وهذه الفضائل وإن كانت مرتفعةً في ذاتِها، إلا أن النيَّةَ السقيمةَ تحطُّ من شرفِها، والنتيجةُ المتولدةُ من ذلك: إضاعةُ الأجرِ، لأنه مكتوبٌ: لقد أخذوا أجرَهم». وأيضاً إنسانٌ اسمُه ماليطون كان يرى آراءً غريبةً، ويتجاسر على العظائمِ، هذا تنسك محتملاً الأتعاب والمعاطب الكثيرة، متشبثاً بإمساك الهوى لأبعدِ غايةٍ، وعلى ما قيل إنه تتلمذ لأوليانوس الطوباوي مدةً من الزمانِ، وصَحِبَه إلى طور سيناء، وإلى بلد القبطِ، وشاهد أنطونيوس الكبير وصَحِبَه، وصاحَبَ غيرَه من القديسين الكبار، وسمع منهم أقوالاً كثيرةً تتعلق بالطهارةِ وخلاصِ النفوسِ، وأشياءً كثيرةً من التذكاراتِ التي تهوِّن من احتمال المصاعب، وما يتعلق بمناظرِ الروح، وسمع أيضاً أنه يمكن للنفسِ إذا ما نُظِّفتْ كما يجب وبلغت إلى عدمِ الانفعال، أي أنها إذا ألقت عنها – بحفظ الوصايا – لِباس الآلام العتيق، وثبتت ثباتاً قوياً بالله على صحتِها الطبيعية التي كانت لها أولاً، فإنها حينئذ تبلغ إلى المناظرِ الإلهية، فهذه الأمور وما شاكلها لمَّا سمعها ماليطون، التهب بالعجرفةِ كالملتهبِ بالنارِ، ثم أنه انفرد في موضعٍ وانفصل من الاجتماعِ بالباقين، وعكف على نَصَبٍ وتعبٍ طويل، وتبتَّل للصلواتِ الكثيرةِ والطلباتِ ليحظى فقط بما كان يأمل فيه من المناظر الرفيعة التي سمع بها، وكان شغوفاً بنوالِها، مع أنه لم يكن قد احترف صناعتها، أي تواضع اللبِّ وتمسكن القلبِ، وجعل اعتمادَه على مواصلة الأتعابِ والتوفر على الأصوامِ دون أن يذلِّلَ ذاتَه أو يُخضع عقلَه جملةً، ودون أن يفهم حيلَ وكمائنَ إبليسِ المحارب، ولم يُصغِ إلى القول القائل: «إذا أكملتم كلَّ شيءٍ فقولوا إننا عبيدٌ بطالون». بل تعجرف عقلُه بالكبرياءِ والأبهةِ، فلما نظر الشيطانُ أنه لا همَّ له إلا في عدمِ تمسكن العقلِ، ولا غرضَ له سوى تأميلِ نوالِ المناظر العالية، فأظهر له ذاتَه محاطاً بمجدٍ عظيمٍ ونورٍ كثير، وقال له: «أنا هو الباراقليط، أُرسلتُ الآن من الآبِ إليك لأهبَكَ شيئاً من المناظرِ الرفيعة جزاءً لأتعابك الكثيرة هذه المدة الطويلة، لأنك أكملتَ زمانَ العملِ، وقد حان أوان الراحةِ». وطلب منه السجود له، ففرح جداً بما سمع ولم يشعر بالعطبِ، وللوقت خرَّ ساجداً له، فلما نال العدوُ السجودَ الذي أراده، استولى عليه بالكليةِ، وأعطاه تخيلات شيطانية عوض المناظر الإلهية، التي كان يشتاق لرؤياها، وفرغ من الأتعابِ والأعراقِ كأنه قد بلغ إلى عدمِ الانفعال، وقال له: «إن كنتَ أنت قد بلغتَ إلى هذا الحدِّ من عدم الآلام، فليست هناك حاجةٌ بعد إلى تعبٍ وعرقٍ جسدي». ومن ههنا جعله إبليس مقدماً وإماماً لمقالة (أي بدعة) الساجدين المصلين، فلما انكشف أمرُه للأسقف، أبعده ورذله ونفاه بعيداً. قال الأب أوغريس: «لا تصوِّر بعقلِك اللاهوتيةَ أشكالاً وأنت تصلي، ولا تسمح لعقلِك بالجملةِ أن يتصوَّر الإله بشكلٍ ما، لكن تعالى إلى غير الهيولي، بغير (تصوُّر) هيولي، فإنك تجد فهماً يليق بغير الهيولي أعني الإله. احفظ ذاتَك من مصايد المحاربين لأنهم إذا رأوْك تصلي بنقاوةٍ يجعلون أشكالاً غريبةً تظهر قدامك بغتةً ليجذبوك إلى كبرياءِ القلبِ، وذلك بأن يصوِّروا لك اللاهوتية، ويجعلونك تظن في نفسِك أن الذي ظهر لك هو الإله، والله ليس له شبه ولا قياس ولا صفة». |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
بستان الرهبان كامل مسموع |
زهور من بستان - كتاب بستان الرهبان |
تحميل كتاب بستان الرهبان كامل مسموع |
كتاب بستان الرهبان لبيلاديوس |
كتاب بستان الرهبان |