وآخرُ أيضاً، كان كثيرَ الصلاةِ والصومِ والجهادِ، وكان كلُّ يومٍ في ازديادٍ وحرص، وحدث أنه اتكل على أعمالهِ الصالحة، فجاءه المجرِّبُ في الليلِ في شبهِ امرأةٍ تائهةٍ في البريةِ، ووثبت ودخلت قلايتَه، ووقعت بين رجليه، وكانت تطلبُ إليه أن تستترَ عنده تلك الليلةِ، فظن في نفسهِ حينئذ أن يصنعَ معها خيراً، وبدأ يسألها كيف تاهت؟ فأخبرته ما أصابها ... ثم بدأت تكلمه، وتزرع في قلبهِ الأفكار الدنسة، وترثي لحاله، وتتظاهر بالإشفاق عليه، وهكذا أطالت في كلامِها حتى أمالته إلى الشهوةِ النجسةِ، مريدةً جذبه إلى نفسها، وبالضحك السمج أضلَّته حتى أنه بسط يديه إليها، فاقترب منها مسبياً بها، مقدماً نفسَه ليُتمَّ الشهوةَ، فصاحت بغتةً وخرجت هاربةً مثلَ الدخانِ، وصوتُ الضحك سُمع في الهواءِ من الأرواحِ النجسة يصيحون ويقولون: «يا من تعظَّم وترفَّع إلى العُلا، انظر كيف هبطت إلى الهاويةِ». ومن بعد هذا غدا حزيناً ورجع إلي العالم. وعلى هذا المنوال يفعلُ الشيطانُ، فإنه إذا غَلب إنساناً يجعله بغير معرفةٍ لئلا يقومَ من سقطتِه، ومن أجل ذلك علينا الهرب من العالمِ، والحذر من ملاقاة امرأةٍ، ولا نقطع رجاءَنا أبداً من رحمةِ ربنا.