وأيضاً من أقوالِأنبا موسى أرسلها إلى أنبا نومين حسب طَلَبهِ: «إني أفضِّلُ خلاصَك بخوفِ الله قبل كلِّ شيء، طالباً أن يجعلَك كاملاً بمرضاتهِ حتى لا يكون تعبُك باطلاً؛ بل يكون مقبولاً من الله لتفرحَ. لأننا نجدُ أن التاجرَ إذا ربحت تجارتُه كَثُرَ سرورُه، وكذلك الذي يتعلَّم صناعةً إذا ما أتقنها كما ينبغي ازداد فرحُه متناسياً التعبَ الذي أصابه، وذلك لأنه قد أتقن الصنعةَ التي رغب فيها. ومن تزوج امرأةً وكانت عفيفةً صائنةً لنفسِها فمن شأنهِ أن يفرحَ قلبُه. ومن نال شرفَ الجنديةِ فمن شأنهِ أن يستهينَ بالموتِ في حربهِ ضد أعداء ملكِه وذلك في سبيلِ مرضاة سيدهِ. وكلُّ واحدٍ من أولئك الناس يفرحُ إذا ما أدرك الهدفَ الذي تعب من أجلهِ. فإذا كان الأمرُ هكذا مع شئونِ هذا العالم الفاني، فكم وكم يكون فرحُ النفسِ التي قد بدأت في خدمةِ الله عندما تُتَمِّمُ خدمتها حسب مرضاة الله؟ الحقَّ أقولُ لك: إن سرورَها يكونُ عظيماً، لأنه في ساعةِ خروجها من الدنيا تلقاها أعمالُها وتفرحُ لها الملائكةُ إذا أبصروها وقد أقبلت سالمةً من سلاطين الظلمة، لأن النفسَ إذا خرجت من جسدِها رافقتها الملائكةُ وحينئذ يلتقي بها أصحابُ الظلمةِ كلُّهم ويمنعونها عن المسير ملتمسين شيئاً لهم فيها. والملائكةُ وقتئذ ليس من شأنِهم أن يحاربوا عنها، لكن أعمالَها التي عملتها هي التي تحفظها وتستر عليها منهم. فإذا تمت غلبتها بأعمالِها تفرحُ الملائكةُ حينئذ ويسبِّحون الله معها حتى تلاقي الربَّ بسرورٍ. وفي تلك الساعة تنسى جميعَ ما انتابها من أتعابٍ في هذا العالم.