الثلاثين وسن القلق المرير

[walaa farouk]

أنا امرأة ثلاثينية، لديّ أسرة صغيرة، بدأت علاقتي بالقلق في مراحله الطبيعية.. قلق على زوجي، قلق على أمور مادية، قلق ألا تسير الأمور كما أرغب، القلق الذي يأتي في نوبات مع الأحداث الكبيرة ويذهب. أنجبت ابنتي وبدأت قلقي يتحول إليها، لكن بعد حادثة سيارة حدثت في رحلة مع أسرتي بدأ قلقي يأخذ منعطفًا آخر، وأصبح طوال الوقت، مع تخيل سيناريوهات كابوسية لكل خطوة، لقد خبرت في تلك اللحظة أن الأشياء السيئة لا تحدث للآخرين فقط، ولا يمكن أن أتهيأ لها أبدًا.

كان يجب أن أعترف في وقت ما أن القلق تحوّل عندي إلى وضع مَرَضِي، وليس الدرجة الطبيعية التي يعاني منها كل الناس، ومن هنا بدأت أتعرف أكثر على اضطرابات القلق.
بعد البداية دعونا نسرد بضعة حقائق علمية بسيطة عن اضطرابات القلق Anxiety Disorders التي تصيب الكثيرين ويظنونها اكتئابًا عرضيًا.

* 25% من البشر يصابون بالقلق المرضي في وقت ما في حياتهم.
* أغلب الإصابات تكون في منتصف الثلاثينيات.
* تصاب به النساء أكثر من الرجال.
* القلق المرضي أسهل في العلاج من أي مرض نفسي أو عقلي.
* الاكتئاب على الأغلب يصاحب القلق المفرط.
* المشكلات غير المحلولة، والتعرّض لدرجات عالية من التوتر والضغط النفسي يولد اضطرابات القلق.

هنا لن نتكلم بتوسع عن اضطرابات القلق بطريقة علمية، بل عن حقيقة أن سن الثلاثين هي السن الأمثل للقلق.. لماذا؟
المسؤوليات أو الواجبات والأعباء تتغير في كل فترة من عمر الإنسان، في طفولته يكون مسؤولاً من أهله تمامًا، بعد ذلك وبالتدريج يبدأ في تحمل مسؤوليات بسيطة مثل علاماته المدرسية، اختياره لأصدقائه، تحديد الكلية المناسبة له، ولكن تظل كل هذه الأشياء في حيّز التأثير عليه وحده.

وفي لحظة معينة يخرج الإنسان من باب الشخص المسؤول عن نفسه إلى بُعد آخر، وتلك الهزّة الأولى تحدث بعد الإنجاب مباشرة، وبما أني امرأة؛ سيكون حديثي بصفة خاصة عن الأنثى التي تتحول بعد دقائق من الولادة إلى شخص مسؤول تمامًا عن حياة إنسان آخر -وحياته هنا بالمعنى الحرفي- ولا عجب أن اكتئاب ما بعد الولادة هو رد الفعل الأوَّلي لدى الكثير من الأمهات، اللواتي يعانين من تفجر الهرمونات، بالإضافة إلى أحمال كثيرة من المسؤوليات المفاجئة.

وكلما مر الوقت ويبدأ الإنسان في التعوّد على الوضع الجديد وارتباطه بمخلوق آخر بهذه الكيفية واستيعابه لهذه الحقائق، يجد أن مكانه في دائرة الحياة يبدأ في التغيير، يصبح مسؤولاً عن طفل ثم الثاني، ولكن الطامة الكبرى تحدث عندما يتعدّى قلقه على أولاده إلى قلقه على والديه.

فبعد أكثر من عِقد هو فيه مسؤولية الأب والأم، يجد نفسه في يوم من الأيام قلقًا عليهما، يفكر في صحتهما، وضعهما، سعادتهما، يتعدى دوره في الحياة محاولة إرضائهما أو جعلهما فخورين به إلى منطقة أخرى تمامًا، وينعكس الوضع الذي كان فيه في بداية حياته، ويصبح الإنسان هنا بين قلقين ومسؤولتين، وكأنه في ظرف سنوات قليلة أصبح في المنتصف ما بين جيلين، ويحمل من الأعباء ما لم يكن يتخيل.

بعض الشخصيات ومع التعرض لهذه الأعباء بالإضافة بالطبع إلى ضغوط الحياة المتكررة واليومية، تبدأ نفوسهم تتمرد على هذا الوضع، ويصبح الاستمرار على نفس الوتيرة صعبًا للغاية، ومن ملامح هذا التمرد القلق الذي يبدأ عاديًا ثم يتحول في بعض الأحيان إلى قلق مرضي، والذي يمكن تعريفه بالتالي:
"حالة من القلق الزائد وغير المنطقي لمدة من الزمن لا تقل عن ستة أشهر، ويؤثر على طبيعة حياة الفرد، والمصابون به يقلقون بشدة من أي موقف لا يملكون سيطرة كافية عليه".

علاج القلق الزائد يكون عن طريق الجلسات النفسية التي تساعد في تفهم الأفكار والسلوكيات التي تزيد، وكذلك تعلم تقنيات الاسترخاء، والأهم الاعتراف بوجوده وأن ذلك ليس الوضع الطبيعي للحياة.