رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||
|
|||||||||
مثل الكرامون القتلة
(مت 33:21-45) إن أهم ما يميّز المثل في إنجيل القديس متى هو موقعه: يضع إنجيل القديس متى هذا المثل بين مثل الابنين (28:21-32) ومثل وليمة الملك (1:22-14) وبذلك يجعل منه مركزاً لحديث طويل عن رفض الملكوت والدينونة الناتجة عن ذلك. إن رفض الإنسان ليسوع هو قمة موقف هذا الإنسان، وهو أمر واضح وموقف مبدئي وليس مجرد حدث عارض. لقد سبق هذا الرفض، رفض تعليم الأنبياء ورفض رسالة يوحنا المعمدان ويليه رفض بشارة الكنيسة. تتعرّض أعمال الله كلها لهذا المصير. يستلهم إنجيل القديس متى هذا المثل، كما فعل إنجيل القديس مرقس، من نشيد الكرم (أش5)، ولكن المثل يبتعد فجأة عن خط أشعيا النبي. إن أعمال الله، وكذلك أعمال الإنسان، فريدة وليست نسخة مكررة من أعمال تمت في الماضي. انتظر رب الكرم في نبوة أشعيا عنباً جيداً ولكن الكرم أثمر حصرماً برياً. لا يدور موضوع هذا المثل في الأناجيل حول نوعيّة العنب إن كانت جيدة أم رديئة إنما يدور حول رفض حقوق رب الكرم. لا يريد الكرام الاعتراف برب الكرم سيداً له. إنهم يتصرفون كما لو كان الكرم ملكاً لهم هم وبالفعل كان رفض الأنبياء ومن بعدهم رفض يسوع المسيح ليس مجرد خطيئة عادية بل خطيئة من يقيم نفسه رباً وبدلاً من أن يصغي لله الذي يتكلم بفم الأنبياء يغتصب لنفسه حق الحكم والدينونة، وهو خاص بالله وحده. إنهم يقيمون أنفسهم قضاة حتى على الكلمة الإلهية ذاتها. هذا الموقف هو سبب رفض الأنبياء. ويزداد هذا الأمر وضوحاً تجاه الابن: "هوذا الوارث هلم نقتله ونأخذ ميراثه" (مت 38:21). هناك، إذاً، دافع آخر لقتل الابن: كونه الابن. ربما تندهش أمام قسوة هؤلاء الكرامين: ضرب، قتل، رجم... كل أنواع العنف!. ولكن أشد أنواع العنف وأقساها يقع على الابن: »فأمسكوه وألقوه في خارج الكرم وقتلوه« (مت 39:21). ونلاحظ فرقاً بين إنجيلي القديسين مرقس ومتى: فالأول يقول إنهم قتلوه أولاً ثم ألقوه خارج الكرم (مر 8:12) بينما يقلب الثاني الترتيب أي »أخرجوه خارج الكرم وقتلوه«. إن قلب الترتيب هذا لا يرجع إلى محض الصدفة: إنه مقصود إذ يوحي به الكاتب لقرائه صورة جميلة: »أخرج اللاعن إلى خارج المخيم، وليضع كل من سمعه أيديهم على رأسه، ولترجمه كل الجماعة« (أح 14:24؛ عد 35:15-36، تث24:22). إن القتل بعد الجر خارج المخيم أو المدينة هو مصير اللاعن والزاني. لقد تمّ سحب إسطفانوس خارج المدينة ثم تمّ رجمه (رسل 58:7). وهذا هو نفس مصير يسوع كما يرد في الرسالة إلى العبرانيين »لذلك تألم يسوع أيضاً في خارج الباب ليقدّس الشعب بذات دمه« (عب 12:13). يبدأ المثل في إنجيل القديس متى بفعل أمر: »اسمعوا« وينتهي بسؤال: »فماذا يفعل رب الكرم بأولئك الكرامين عد عودته؟« (41:21) يطرح يسوع السؤال في إنجيل القديس مرقس، ويعطي هو نفسه الإجابة عليه. أما في إنجيل القديس متى فيطرح يسوع السؤال ويجيب معارضوه. يبدو السؤال ساخراً ولكنه في محله. يعطي معارضو يسوع رداً صحيحاً إلا أنهم يعجزون عن استخلاص النتائج المترتبة على ذلك. لا بل إن الحقيقة التي يعلنها يسوع والتي لا يستطيعون إنكارها تزيد من إثارتهم وثورتهم لسببين: لأنها حقيقة ولأنها تمسهم هم مباشرة. وتتعلق عبارات يسوع الأخيرة (مت 42:21-44)، التي يختلف فيها إنجيل القديس متى عن إنجيل القديس مرقس، بالدينونة. إنها دينونة متعددة الوجوه. إن الحجر الذي رذله البناءون، أي الرؤساء، معتبرينه غير صالح هو الحجر الذي اختاره الله ليكون حجر زاوية. ليست هناك طريقة أكثر وضوحاً ومباشرة لفضح ادعاءات هؤلاء الرؤساء الذين أعطوا أنفسهم الحق في الحكم على يسوع ورسالته ورفضهما أكثر من هذه الطريقة الساخرة. لا يتوقف الأمر هنا بل سيكونون شهود عمل إلهي يقلب كل معارضهم رأساً على عقب. سيُنـزع منهم ملكوت الله ويُعطى للأمم وهي التي تستثمره أفضل منهم. يرد الفعلان في المبني للمجهول. وكما هو معروف فإن نائب فاعل المبني للمجهول الإلهي هو الله نفسه: فهو الذي ينزع وهو الذي يعطي. هنا أيضاً تستثر سخرية رقيقة: يمنح الله الملكوت إلى الأمم، الذين يدينونهم هم رؤساء الشعب بشدة ويعتبرونهم خارجين مبعدين عنه. الله هو الصخرة المخلِّصة ولكنه قد يكون هو أيضاً الصخرة التي تسقط على الإنسان وتحطمه: »فيكون لكم قدساً وحجر صدم وحجر عثار لبيتي إسرائيل وفخاً وشبكة لساكني أورشليم« (أش14:8). ينطبق هذا على المسيح: إنه المخلص وفي نفس الوقت الديّان، جاء لكي يخلص وسيأتي ليدين. الحجر الذي يهشم من يقع عليه هو صورة رمزية للدينونة الأخيرة: ولكن التهديد هنا ليس موجهاً فقط لرؤساء الكهنة والفريسيين بل للجميع بما فيهم نحن المسيحيين. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|