الله لم يره أحد قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبَّر (يوحنا1: 18)
« في حضن الآب » هذا التعبير الذي يكشف عن العلاقة الأزلية والجوهرية بين الآب وبين الابن في اللاهوت، ينبغي الحرص عليه بكل غيرة، ككنز مقدس ثمين القدر جداً. ولنعتز به دواماً.
« في حضن الآب » أي نعم، لنعتز به في بساطة نُطق الروح القدس الرائعة. إنه من غير الجائز ومن الخطأ القول كما يقول البعض ـ بأن الابن ترك حضن الآب، أو أن الآب بذل من حضنه ابنه الوحيد، أو أن الابن لم يكن في لحظة ما في حضن الآب كما هو موصوف في يوحنا1: 18. إن الحضن هو مركز ومستقر أرق العواطف وأشد المحبة وأحرَّها. وحضن الآب يُستعلن كالمُستقر الأزلي الأبدي للابن، المُستقر الفائق الوصف الذي لم ينفصل الابن عنه قط ولن ينفصل على الإطلاق.
هذه العلاقة الوثيقة الصادقة الثابتة ـ علاقة المحبة بين الآب والابن، هي في ذاتها جوهرية وأزلية أبدية لأن « الله محبة » (1يو4: 16). وبناء على ذلك لم يكن ممكناً أن يتعطل حضن المحبة هذا حتى في أثناء خدمة الابن الكفارية عندما كان يصنع تكفيراً لخطايانا وأيضاً تكفيراً لكل العالم.
بل على العكس، إننا نجد في المكتوب أساساً لاعتقادنا بأنه في آلام المسيح المُبرحة، وفي موته موت الطاعة، قد تعمقت واستعرَّت ـ إذا جاز لنا قول كهذا ـ المحبة الفائقة المتبادلة ـ محبة الآب والابن. وعلى كل حال يعلمنا المكتوب أن الابن بوضعه حياته صانعاً بذلك مشيئة الآب، قد أفسح مجالاً جديداً لاستعار محبة الآب الذي في حضنه يمكث الابن بصفة أزلية أبدية.
إن راعي الخراف الصالح قال عن نفسه « لهذا (أي بسبب هذا) يحبني الآب، لأني أضع نفسي لآخذها أيضاً. ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضاً. هذه الوصية قبلتها من أبي » (يو10: 17). لقد كان في عمل الكفارة الإجماع الكامل الشامل والتضامن الوثيق المتين بين الآب والابن. فإذ هو في حضن الجلالة ـ حضن الآب، ساغ أن تكون كلمات ـ الابن الراعي ـ « أضعها أنا من ذاتي » ـ متوافقة أكمل ما يكون التوافق مع الكلمات المُتممة لها « هذه الوصية قبلتها من أبي ».