ذئب شيوعي تصطاده الحملان 3
هذه قصة حقيقة لذئب شيوعي لم يحتمل وداعة الحملان، فصار حملًا مثلهم.. قُتِل والد "سيرجي كورداكوف" وماتت أمه كمدًا، أما هو فقد تربى في الملجأ تربية قاسية للغاية، حتى شبَّ ووصل في دراسته إلى الكلية البحرية، وبسبب محبته الفائقة للشيوعية أُختير لتكوين تنظيم أو فرقة لتأديب المؤمنين، مقابل مبلغ مُغري من المال في كل مرة يقبض فيها على المؤمنين مع رجاله الذين يجيدون الملاكمة والجودو والكراتيه، لزوم طحن المسيحيين وتحطيم عظامهم، دون أية مسئولية جنائية تقع عليهم حتى لو وصل الأمر إلى الضرب المُفضي للموت، فهؤلاء المؤمنون هم أعداء الوطن، ومن الضروري القضاء على اسم الله والكتاب المقدَّس، لكيما تستمر الشيوعية، وفي إحدى العمليات التي قام بها سيرجي، وما أكثر العمليات التي قام بها والتي كانت تصل إلى ثلاث غارات أسبوعيًا، يحكي سيرجي أنه أقتحم مع أفراد عصابته منزلًا حوى في أحشائه خمسة عشر شخصًا قد اجتمعوا ليعبدوا الله في الخفاء، وكانوا يصلون ويرتلون وهم راكعين، ويقول "سيرجي": "هؤلاء الناس مدهشين جدًا، ولا أستطيع أن أمنع نفسي من الإعجاب الشديد بشجاعتهم التي جعلتني أزداد غيظًا فصرخت فيهم: ماذا تفعلون؟ فأجاب أحدهم: نحن نُصلي، فقلت لمن؟ فقالوا: لله.
فصرختُ فيهم: أيها الأغبياء لا يوجد شيء اسمه الله. ألآَّ تعرفون هذا..؟ أين هو إلهكم الآن؟ فليأتِ ليساعدكم!
وبدأ رجالي في استعراض مهاراتهم في الملاكمة والمصارعة والجودو على هؤلاء المساكين.. أُصيب كل الرجال إصابات بالغة، وسال الدم منهم مدرارًا، وقد تحطمت على أيدينا كل أثاثات ذلك المنزل، وقد لاحظت أن " فيكتور " أحد أفراد الفرقة يطارد فتاة جميلة تحاول الهرب من حجرة لأخرى.. أمسك " فيكتور " بها، ورفعها وهي تستغيث: لا تفعل هذا من فضلك. لا تفعل هذا. هلمَّ إلى معونتي أيها الإله العزيز.
ثم قام " فيكتور " بدهسها في الحائط، ثم رماها أرضًا، وصارت في شبه إغماء وهي تتأوه وتنوح، وعاد " فيكتور " وهو يضحك ويقول: كنتُ أريد أن أنزع فكرة وجود الله من رأسها" (5).
وبعد ثلاثة أيام كان " سيرجي " يقود غارة أخرى على بعض المؤمنين، فيقول "ورأيتُ شيئًا أذهلني تمامًا، أنها الفتاة الجميلة " ناتاشا".. ووجدتُ أن جمالها يفوق الوصف وشعرها أشقر يتدلى على كتفها ولها عيون زرقاء واسعة.. وعندما رآها " فيكتور " هتف قائلًا لنا: ها هي مرة أخرى أيها الفتيان.
فقلت لفيكتور: يبدو أنك لم تفلح في إعطاءها الدرس حسنًا تلك المرة، لذلك دعها لي هذه المرة.
وقمت برفعها على منضدة، وقام اثنان من رجالي بنزع ثيابها، وآخر ثبَّتها على تلك المنضدة، وقمت بضربها بشدة بكف يدي بضربات متوالية حتى بدأت يدي تؤلمني، ولكني لم أتوقف، وتخضب كل جسدها بالدم وبدأت قطع جلدية مهراة تنفصل من جسمها.. ولما وجدت أن يدي ما عدت أستطيع رفعها، وقد تهرأ كل جسدها دفعتها بيدي فسقطت من فوق تلك المنضدة، ثم تركتها وأنا مُنهك، ونظرت حولي وإذا كل شباب المؤمنين مُلقى على الأرض مضرجًا في الدماء يتأوه" (6).
واهتم " سيرجي " بتتبع قصة " ناتاشا " فذهب إلى مكان عملها حيث كانت تعمل في جريدة، وفوجئ بشهادة الزملاء لها بأنها موظفة ممتازة لا تسبب أية مشاكل، وأنها ظريفة وجادة في عملها وأهلًا للثقة، وتعمل باجتهاد، ولكن عندما علم الزملاء أنها مؤمنة وقد ضُبطت في أحد اجتماعات المؤمنين، صاروا يغتابونها وينعتونها بصفات رديئة. وقارن " سيرجي " بين الشيوعيين وأخلاقهم المنحلة وسكرهم وبين هؤلاء المؤمنين الذين يعملون بجد واجتهاد، لهم علاقات طيبة مع الكل، وهم أهل للثقة، لا يسكرون على الإطلاق.
ثم استدعى سيرجي " ناتاشا " وهدَّدها وتوعدها بأنها ستتعرض لمضايقات شديدة لو استمرت في ذلك الطريق، ومع كل هذا لم تهتز ولم تتزعزع، ولم تحقد في قلبها على ذلك الذئب، بل كانت قادرة على أن تغفر له، والدليل على ذلك أنها أخذت تقصُّ له كيف قبلت الإيمان بالله، تمامًا كما كان بولس الرسول أمام الملك أغريباس.. أخذت " ناتاشا " تحكي قصة إيمانها، وقد شوهت ضربات سيرجي وجهها الجميل، أما سيرجي فقد صرفها بوابل من التوبيخ والتقريع والإذلال الوحشي، هذا من الخارج، أما من الداخل فقد كان يشعر بالانهزامية أمام ملك القوة الجبارة الغافرة والتي بلا عيب.
وبعد أسبوع في إحدى الغارات فوجئ " سيرجي " بناتاشا وهو لا يصدق نفسه: ناتاشا لثالث مرة، وكاد أحد رجاله يضربها بالمطرقة على رأسها، ولكن تصدى له زميل آخر، واندهش " سيرجي " كيف يحمي أحد من رجاله إحدى المؤمنات، والأمر الذي عجز سيرجي عن تفسيره، أنه نفسه أومأ لهذا الرجل بأن يعطي " ناتاشا " الفرصة للهرب، وقد كان. وبعدها تركت المنطقة وعادت إلى قريتها في أوكرانيا، ولكنها تركت أثرًا عميقًا في نفس سيرجي، وهزمته تمامًا، فتخلى عن شيوعيته الذئبية. كما أن دماء العشرات من الذين أصيبوا على يد سيرجي ورجاله، شفعت فيه، فتحوَّل هذا الذئب إلى حمل، وهكذا اصطادت الحملان الذئب.
ومما ساعد " سيرجي " في التخلي عن أفكار الشيوعية التي كان متيمًا بها أنه أكتشف البؤس والشقاء النفسي الذي يعاني منه قادة الشيوعية، حتى أنهم بينهم وبين أنفسهم لا يقتنعون بمبادئ الشيوعية، ففي إحدى المرات دعى " أورلوف " أحد قادة الشيوعية " سيرجي " إلى صالة الطعام والشراب، حيث كبار القادة، فيقول "سيرجي": "فترددت في الدخول، فأين سأذهب أنا وسط هؤلاء الكبار، وأخذني الرفيق " أورلوف " وكان بالداخل حوالي عشرين من كبار المسئولين أمام مائدة ملآنة بمأكولات ومشروبات وفيرة جدًا.. من سجق وكافيار وكل أنواع المأكولات الأخرى والنبيذ اليوناني وأشياء أخرى لا يمكن للإنسان في الإتحاد السوفيتي أن يتخيلها،وطلب " أورلوف " المعذرة وذهب للتواليت لأنه أسهل من كثرة المأكولات والمشروبات التي ألتهمها، ووجدت أمامي كل قادة الحزب في المقاطعة وهم سكارى بدرجة كبيرة.. وآخرين في أوضاع غير لائقة، وقد اشمأزت نفسي من هذا الذي أراه أمامي وقلت لنفسي: هل هؤلاء هم الناس الذين صارت مقدرات وحياة الناس في أيديهم؟ حتى أن أحدهم اضطر أن يتقيأ على ملابسه من كثرة الإفراط في الأكل والشرب. وعاد " أورلوف".. وقد كان منظره مثيرًا للسخرية من الأكل الذي قد جعل كل ملابسه تتسخ كطفل صغير، ثم رفع زيه وأطلعني على أثر جرح قديم قد تسبب " ستالين " فيه، وقال لي أنظر: هذا بسبب " ستالين " الذي أرسلني للمقدمة، وقد استخدمنا أجسادنا بدلًا من الأسلحة، وبدا يلعن " ستالين " بصوت عالٍ، ثم لعن الآخرين، ثم تكلم على بريجنيف وقال أن هذا الإنسان منافق ومتطفل، وقد قام بمسح حذاء ستالين.. لم أصدق ما أسمعه، فها هو " أورلوف " ينتقل من صوت الديك إلى الحمار مستخدمًا ألفاظًا خارجة يصف بها زميله بريجنيف.. ثم وضع "أورلوف" رأسه على المنضدة كأنه نائم، ثم قام فجأة ولعن الشيوعية ذاتها بألفاظ لا أستطيع أن أكتبها.. إن لقائي بأورلوف وزملاءه جعلني أكتشف كيف أن الشيوعية تقوم على الرياء والتملق.. ووجدت أن الشيوعيين بلا قلب، أفظاظ، مخادعين، لا يؤمنون بالشيوعية، بل يتخذونها وسيلة لتحقيق طموحاتهم الشخصية، ووجدت أن القادة يحيون حياة البذخ والترف بينما عامة الشعب يعيشون في فقر مدقع" (7).
وبينما كان هذا حال الشيوعيين كان عدد المؤمنين يتزايد رغم الاضطهادات الرهيبة وخطورة الموت التي تهدد كل إنسان مسيحي، ويقول "سيرجي": "وهناك شيء آخر زود الإحباط في نفوسنا وهو أنه يبدو أن عدد المؤمنين كان يزداد كلما ازدادت غاراتنا قسوة ووحشية.. في كل غارة تقابل وجوهًا جديدة لم نقابلها من قبل.. لقد ازداد الوضع سوءًا وأصبح من اللازم لنا أن نزيد عدد الغارات وننظمها لأننا ما عدنا قادرين على مواكبة سرعة تحرك وازدياد عدد المؤمنين. وكنتُ أنا وديمتري وكأننا في غرفة عمليات " حربية " دائمة الانعقاد للتداول والتشاور بسبب ازدياد الوضع صعوبة، خصوصًا وأن نسبة الشباب قد ازدادت جدًا في هذه الاجتماعات، بل أن الاجتماعات لم تعد تخلو من الأطفال" (8).
وفي هذا الباب يا صديقي نكتفي بطرح خمسة مبادئ رئيسية للإلحاد، نناقشها، ونرد عليها بحسب الوقت المُتاح، وهذه المبادئ نعرضها في خمسة فصول هي:
الفصل الأول: إنكار وجود الله
الفصل الثاني: الاعتقاد بأزلية المادة وتطورها
الفصل الثالث: تأليه الإنسان ورفض السلطة الإلهيَّة
الفصل الرابع: الدين أفيون الشعوب
الفصل الخامس: الكتاب المقدَّس و سفر الإلحاد
وفي نهاية كل فصل، أضع أمامك يا صديقي "لقطة للتاريخ" تشهد على ظلم وقسوة الإلحاد، إله القتل، ثم نلتقي بـ"نظرة تأمل " .