رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
المكابيين الثاني 15 - تفسير سفر المكابيين الثاني يوم نكانوريتمادى نكانور في تجديفه وتحدّيه، وينسحب يهوذا إلى قرب السامرة متفاديًا جيش نكانور، وخلال تلك الأزمة الشديدة برى يهوذا رؤيا مُبهجة فيتعزّى هو وجنوده وتثور فيهم الحميّة العسكرية، فيهزمون جيش نكانور ويُقتل الأخير فيعلقون رأسه على القلعة ويرسمون ذلك اليوم ذكرى سنوية لعمل الله معهم. هذا وبينما ترد تفاصيل أكثرعن تلك الحملة في سفر المكابيين الأول، يركز السفر الثاني هنا على الجوانب الإيمانية والروحية، فيورد الصلوات والرؤى والعظات. تشَامخ نكانور 1 وبلغ نكانور أن أصحاب يهوذا في نواحي السامرة، فعزم على مهاجمتهم يوم السبت دون التعرض للخطر. 2فقال له اليهود الذي رافقوه مضطرين: "لا تهلك القوم بهذه القسوة والبربرية، بل أرع حرمة يوم قد أكرمه وقدسه الرقيب على كل شئ. 3فسأل ذلك الشديد الفجور هل في السماء ملك أمر بحفظ السبت. 4فقالوا:" إن الرب الحي والملك في السماء هو الذي أوصى بحفظ اليوم السابع". 5فقال الرجل:"وأنا أيضًا ملك في الأرض، فامر بأخذ السلاح والقيام بخدمة الملك". ولكنه لم يتمكن من تحقيق مقصده الوخيم. الأماكن التي بجانب السامرة: جاءت في النسخة اليونانية للسفر هكذا (En toiς kata Samarein topoiς)، وقد وردت في النسخ الآرامية للسفر هكذا (عَل جَنْب شمرون = بجانب السامرة)، بينما وردت في الفولجاتا اللاتينية (In locis Samariae = في الأماكن التي في السامرة). وفي الأصل العبري (في الأماكن التي بجانب السامرة). انسحب يهوذا ورجاله إلى الأماكن الشمالية من منطقة يهوذا وهي المناطق المتاخمة للسامرة بحكم الموقع الجغرافي، حيث اتخذ موقعًا قرب أداسة (1مكا7: 40) متفاديًا بذلك جيش نكانور. وجدير بالذكر أن المسافة التقريبية من هذه المناطق وختّى بيت حورون التي كان بها جيش نكانور حوالي ساعة ونصف، كما كان هناك أيضًا جيش يهوذا (راجع 1مكا40: 7). فلما بلغت نكانور تلك الأخبار، قرر مهاجمة اليهود في يوم السبت، وهو يعلم بحكم تواجده في المنطقة لفترة طويلة ماذا يعنى السبت بالنسبة لليهود، وكيف أنهم يمتنعون فيه عن القيام بأي عمل أو قتال، وهذا هو المقصود بأنه لن يتعرض لخطر الحرب (آية)، غير أن اليهود كانوا قد قرَروا من قبل أنه تجوز الحرب في السبت متى كانت حربًا دفاعية، وذلك بعد استغلال السلوقيين ذلك فقتلوا ألف نفس بما فيهم النساء والأطفال والشيوخ، راجع (1مكا2: 41). ولكن يهوذا مع ذلك كان متشددا في حفظ السبت، مما أتاح له حشد تأييد الأتقياء من اليهود، انظر (2مكا 8: 26، 25) أما اليهود المشار إليهم هنا باعتبارهم مرافقين لنكانور عن اضطرار، فهم إما بعض الأسرى، أو بعض اليهود المتأغرقين والذين ما يزال بهم بقية من الحب والوفاء لأمتهم. وأما ردّ نكنافور فجاء متشامخًا، بغرور وكبرياء، شأن الكثير من الملوك والقدماء مثل نبوخذ نصر الذي تشامخ في قلبه فعوقب بطرده من مملكة البشر إلى الحيوان، وكذلك تشامخ أنطيوخس إبيفانيوس والذي ظن أنه يتسلط على الجبال والبحار (9: 8) وهيرودس والذي نسب مجد الله إلى نفسه فضُرب بالدود ومات. 6ورفع نكانور رأسه بزهو وصلف، وعزم على نصب تذكار مشترك من أسلاب يهوذا وأصحابه. 7زأما المكابى فلم يزل يثق كل الثقة ويأمل كل الأمل أن الرب سيؤتيه النصر. 8فحرض أصحابه على ألا يخافوا من غارة الوثنيين، بل يذكروا النجدات التي طال ما أمدوا بها من السماء، وينتظروا الظفر الذي سيؤتونه الآن من عند القدير. 9ثم شدد عزائمهم بالشريعة والأنبياء، وذكرهم بالمعارك التي قاموا بها، حتى أذكى حماسهم. 10وبعدما استنهض هممهم، شرح لهم كيف نقض الوثنييون عهودهم وحنثوا بإيمانهم. 11وسلح كلا منهم بتشجيع كلامه أكثر مما سلحهم بالتروس والرماح. ثم قص عليهم نوعًا من الرؤيا تجلت له في حلم جدير بأن يصدق، فشرح بها صدورهم أجمعين. 12وهذه هي الرؤيا، قال: "رايت أونيا عظيم الكهنة السابق، رجل الخير والصلاح، المتواضع المنظر الحليم الأخلاق، صاحب الأقوال الطريفة، المواظب منذ صباه على جميع أعمال الفضيلة، باسطا يديه يصلى من أجل جماعة اليهود بأسرها.13ثم تراءى كذلك رجل كريم المشيب، أغر البهاء، عليه جلال عجيب سام. 14فتكلم أونيا وقال: "هذا محب الإخوة، المكثر من الصلوات لأجل الشعب والمدينة المقدسة، إرميا، نبي الله". 15ثم إن إرميا مد يمينه وناول يهوذا سيفًا من ذهب فقال: 16"خذ هذا السيف المقدس هبة من عند الله، به تحطم الأعداء". ثم كمن هو واثق في قدرته متأكدًا من النصر، وعد نكانور بأقامة "نصب مشترك" أو نصب عام، وهو عبارة عن كومة من الحجارة على هيئة هرم صغير تقام فوق جثث قتلى الأعداء وتكدس حولها الأسلحة التي سلبت منهم. وكان من عادات اليونانيين قديمًا، أن يقيموا في موقع الانتصار نصبًا تذكريًا عبارة عن طاقم أسلحة كامل مستولى عليه من العدو ومعلقًا شكل صليب بحيث يبدو وكأنه رجل كامل التسلّح، وبحلول الفترة التي نحن بصددها هنا أصبحت هذه النُصب التذكارية نُصبًا تذكاريًا للنصر ولم يصبح ضروريًا أن تقام في مواقع المعارك. وبحلول القرن الثاني ق.م. لم يكن من الضروري أن يتألف النصب التذكارى من طاقم واحد كامل من الأسلحة معلق على صليب بل كان من الممكن اقامة تشييدات مهيبة تزخرف بعدد كبير من قطع السلاح، راجع (1مكا39: 13) وإنما قال نكانور ذلك ليوقع الرعب في قلوب اليهود. ولكن اليهود في كل ذلك لم يفقدوا رجاءهم، ولم تلن عزائمهم بل جعلوا ثقتهم في الله. الرؤيا: تأتى رؤيا المكابى امتداد وتكليل لكافة الرؤى والمعونات الآتية رأسًا من السماء في جميع مراحل جهاد المكابيين، وقد راح يهوذا يشجع جنوده بتعديد تلك الرؤى التي عاصروها، مضيفًا إليها ما ورد أيضًا في كتب الشريعة والأنبياء من رؤى وأحلام وعون سمائى لشعب الله منذ خروجهم من مصر. هذا وكان العهد القديم يطلق عليه الشريعة (الناموس) والأنبياء، راجع (لوقا 24: 27) وقد أضاف يشوع بن سيراخ إلى ذلك قوله، وسائر الكتب التي للأجداد"، وفي الاشارة إلى كتب الشريعة والأسفار المقدسة، راجع (1مكا3: 48 و7: 17، 12: 9 و2مكا2: 13 و8: 23). إن جميع الأعمال التي أجراها الله معهم على مدار تاريخهم الطويل، يجب أن تتحول إلى رصيد خبرة يعينهم ويعضّدهم وبقوّى فيهم الرجاء، كلما ألمّ بهم الضيق، لأن الله أمين في وعوده حتى أن عدم أمانة البشر لا تبطل أمانته، حاشا فهو يبقى أمينًا إلى الأبد، في حين ينقض الوثنيون عهودهم ووعودهم كما فعل نكانور هنا (14: 29). وقد استخدم الله طرقًا شتى في حديثه مع الإنسان "الله بعدما كلم الآباء والأنبياء بأنواع وطرق شتى. كلمنا هذه الأيام في ابنه.." (عبرانيين 1: 1) ما بين الكلام فمًا لأذن، كما حدث مع آدم وقايين وإبراهيم وإسحق ويعقوب وموسى، إلى استخدام المناظر ذي الدلالات، مثل سلم يعقوب والعليقة، إلى ظهور ملائكة تبلغ الرسائل، مثل نوح وبلعام، وكانت الرؤى تتم والإنسان يقظ مفتوح العينين، أو من خلال الأحلام والإنسان نائم، مثل حلم يعقوب ويوسف وساقى فرعون وخبازه، وكانت بعض الظهورات تمثل الله نفسه مثل عمود السحاب والنار في ترحال بنى إسرائيل والذي عبّر عن الحضرة الإلهية (الشاكيناه) أو ظهور الله في شكل ملاك، مثل ظهوره لهاجر ومناداته لإبراهيم وظهوره ليعقوب في هيئة إنسان يصارعه، لموسى النبي في البرية (خروج33: 2-6) ويشوع لجدعون، من الأحلام نذكر حلم أبيمالك في جرار وحلم لابان وسليمان الحكيم ويوسف النجار والمجوس وغيرهم. كما ظهر الله في العهد الجديد في هيئة حمامة عند معمودية السيد المسيح، وفي هيئة ألسنة من نار عند حلول الروح القدس يوم الخمسين. الوحى: يضاف إلى ما سبق: الوحي، عندما يوحى الله إلى بنيه برسالة يكتبها أو يبلغها إلى شعب تاركًا له صياغتها حسبما تكون لغته وثقافته، وكان كلاّ من النبي والكاهن في العهد القديم متمّمان أحدهما للآخر في العمل، فبينما يبلغ النبي الرسالة إلى الشعب، يتلقّى الكاهن اعترافات الشعب ونذورهم وتوبتهم وذبائحهم ليرفعها بدوره إلى الله. قائمة بالرؤى التعضيدية الواردة في السفر الرؤيا المناسبة الشاهد 1 ظهور فارس على ظهر جواد. اعتداء هليودورس على الهيكل. 3: 24-28 2 ظهور خمسة رجال يحاربون عن اليهود. حرب المكابى ورجاله مع طيموتاوس العمونى. 10: 30، 29 3 فرس عليه ثوب أبيض. حملة ليسياس الأولى على اليهود. 10: 8، 9 4 ظهور الله في شكل غير محّدد معركة قرنيم. 12: 22 5 ظهور أونيا الكاهن مع إرميا النبي. المواجهات مع نكانور 15: 11-16 وفى الرؤيا الأخيرة يظهر أونيا الثالث رئيس الكهنة ذو السيرة العطرة، حيث يحمل له اليهود أثناء وبعد وفاته أجمل المشاعر ويوسمونه بأفضل الصفات. وهو يمارس دوره الشفاعي في الرؤيا كما كان يمارسه من خلال العمل الكهنوتي في حياته، راجع التعليق على (3: 10و4: 5) وأما إرميا وهو الرجل المحب لشعبه والذي تألم كثيرًا في سبيله (إرميا11: 19، 21و14: 15 و18: 8 و20: 1، 2، 26) وكانت ظروف البلاد في أيامه مشابهة لتلك الظروف التي يمر بها اليهود هنا. ويمثل ظهور كل من أونيا وإرميا النبى وكأنهما يصدّقان على المسار الذي اتخذه يهوذا المكابى. هذا وتمثل هذه الفقرة من السفرأهمية بالغة في تعضيد عقيدة قيامة الأموات وشفاعة المنتقلين من الأحياء، وسيكون من المناسب أن نعتبرها كنيسة واحدة مجاهدة منتصرة معًا. (وليس كنيستين احداهما منتصرة في السماء وأخرى مجاهدة ما تزال على الأرض) راجع التعليق على (12: 42-45). سيف من ذهب: قد يكون من الغريب أن يتسلم يهوذا المكابى سيفًا من إرميا النبي ليحارب ويقتل به، مما يوحى للوهلة الأولى أنها عملية تشجيع على القتل! إلاّ أن اليهود كانوا في ذلك الوقت في حالة دفاع عن النفس، وهناك نوعان من القتل، الأول يتم في الحروب الدفاعية Killing وهو شرعي وتقع تبعيته على الحاكم الذي أصدر قرار الحرب، وهذا يُعفى أو يدان عن مسئولية ذلك بحسب الدافع خلف الحرب، أما النوع الثاني فهو القتل على خلفية جنائية "جريمة Murder" حيث يُحسب خطية. الاستعداد للقتال 17فطابت قلوبهم بأقوال يهوذا الرائعة التي حركت بقوتها حماسهم وجعلت نفوس الشبان كنفوس الرجال، وعقدوا عزمهم على أن لا يعسكروا، بل يهجموا بشجاعة ويخوضوا المعركة بكل بسالة، حتى يفصلوا الأمر، بما أن المدينة والأقداس والهيكل في خطر. 18وكان قلقهم على النساء والأولاد والإخوة وذوى القرابات أخف وقعًا من خوفهم على الهيكل المقدس الذي كان هو الخوف الأعظم والأول. 19وكان الباقون في المدينة في قلق شديد في أمر القتال الذي كانوا يتوقعونه في العراء. 20وبينما كان الجميع ينتظرون ما يؤول إليه الأمر، وقد احتشد العدو واصطف الجيش وأقيمت الأفيال في مواضعها واصطفت الفرسان على الجناحين، 21تفرس المكابى في كثرة الجيوش وتوفر الأسلحة المختلفة وضراوة الأفيال، فرفع يديه إلى السماء ودعا الرب صانع المعجزات، لعلمه أن ليس الظفر بالسلاح، ولكنه بقضائه يؤتى الظفر من يستحقه. 22وصلى قائلًا: "إنك، ياسيد، قد ارسلت ملاكك في عهد حزقيا، ملك يهوذا، فقتل من جند سنحاريب مئة وخمسة وثمانين ألفًا. 23والآن يا ملك السموات، أرسل ملاكًا صالحًا أمامنا يوقع الرعب والرعدة. 24وبعظمة ذراعك ليروع الذين خرجوا على شعبك المقدس مجدفين". وسكت بعد هذا الكلام. أثلجت تلك الرؤيا - التي نصها المكابى على رجاله - قلوبهم، وأشاعت الطمأنينة في قلوب الجنود "الشبان" والذين من الواضح أن صغر سنهم كان العامل الكبير في خوفهم، فلما تشجّعت قلوبهم مكتسبين قوة هجومية عظيمة قرروا المبادرة بالقتال دون انتظار هجوم الأعداء ليدافعوا من ثمّ. وقد كان عظيمًا منهم أن يجعلوا الدفاع عن الهيكل والعبادة والشرائع في المركز الأول، قبل أسرهم ومقتنياتهم، حيث كان الهيكل هو مركز العبادة والناموس، كما كان هو الهدف الرئيسى للحرب المكابية (وسوف نلاحظ انتهاء هذا السفر عند تحرير الهيكل واستئناف العبادة) وبعكس ما هو متبع في سائر الحروب، حين يُحفّز الجنود للقتال دفاعًا عن شرفهم وعن زوجاتهم وأولادهم وبيوتهم.. هنا كان اهتمام القائد والجنود هو الحرية الدينية، وفي المقابل كان هدف العدو هو نزع هذه الحرية بتدنيس الهيكل. وأما الشعب في أورشليم فقد كان يتابع الأمر عن كثب، إذ على نتائج هذه الحرب تتوقف سلامتهم وسلامة هيكلهم وبنيهم وممتلكاتهم. استعراض السلوقيين للقوة العسكرية: كان استعراض القوى مسلكًا تقليديًا في الحروب وما يزال معمولًا به، بغرض ايقاع الرعب في قلوب الجنود - وهم المقاتلين الفعليين - اولًا ثم قادتهم، وفي ذلك الوقت (وكما مر بنا في التعليق على هذه الحملة في سفر المكابيين الأول) كانت الأفيال توضع في المقدمة وفوق كل منهما البرج العملاق وفيه الجنود والذين يصل عددهم في بعض الأوقات إلى اثنين وثلاثين جنديًا مع أسلحتهم وذخائرهم، ثم الفرسان بخيولهم على الجانبين ومن خلفهم الجنود المشاه ويسمون الرجال (او المترجلين/ أي على أرجلهم وليس على صهوات الخيول) ومن خلف الجميع كان طابور التمويل سواء الطعام أو الذخائر، وكذلك طابور الاسعافات والخدمات ورفع الجرحى والقتلى، وكان طابور الخدمات يضم الكثير من الدواب مثل الإبل والحمير، وفي النهاية عدة فرق عسكرية لحماية ظهر المعسكر. هكذا كان مجمل المشهد مما يثير الخوف والرعب، كفيلًا بهروب وانسحاب الجنود اليهود قليلى العدد والعتاد. بخصوص استعراض القوة (راجع 1مكا 6: 35 و 2مكا 6: 38). ومن جديد يلجأ المكابى ورجاله إلى التضرع لله مستندين على وعوده، متذكرين أعماله المجيبة مع أجدادهم عندما هاجمهم جيش الأشوريين (2ملوك أول 19: 35 و إشعياء 37: 36 و 2مكا8: 19) وكذلك جيوش السلوقيين منذ وقت قصير والتي كانت تفوق جيوشهم الآن بكثير (1مكا7: 40-42) وهكذا طلبوا الله بدالة وهم واثقين من نجدته لهم، إذ لا يعسر عليه أمر. المواجهة.. هزيمة نكانور 25وكان أصحاب نكانور يتقدمون بالأبواق والأغانى الحربية، 26فنازلهم أصحاب يهوذا بالدعاء والصلوات. 27وفيما هم يقاتلون بالأيدي، كانوا يصلون إلى الله في قلوبهم، فصرعوا لا أقل من خمسة وثلاثين ألفًا، وهم في غاية التهلل من ظهور الله. 28ولما انتهوا من هذا العمل، ورجعوا مبتهجين، تبينوا أن نكانور صرع مع سلاحه. 29حينئذ ارتفعت الهتافات وعمت البلبلة، وباركوا الملك العظيم بلسان آبائهم. 30ثم إن يهوذا، الذي لم يزل في مقدمة أهل وطنه، باذلًا عنهم جسده ونفسه، حافظًا لبنى أمته المودة التي كنها لهم منذ حداثته، أمر بقطع رأس نكانور ويده حتى الكتف، وحملهما إلى أورشليم. 31ولما وصل إليها، دعا نبي أمته وأقام الكهنة أمام المذبح، واستحضر الذين في القلعة. 32وأراهم رأس نكانور القذر ويد ذلك المجدف التي مدها متكبرًا على بيت القدير المقدس. 33ثم قطع لسان نكانور الكافر، وأمر بأن يقطع ويطرح إلى الطيور وتعلق أجرة ذلك الأحمق تجاه الهيكل. 34وكانوا جميعًا يرفعون إلى السماء بركات إلى الرب الذي تجلى ويقولون: "تبارك الذي حفظ مكانه المقدس منزهًا عن كل دنس". 35وربط يهوذا رأس نكانور على القلعة، ليكون دليلًا بينًا منظورًا على نجدة الرب. 36ثم فرضوا جميعًا باقتراع عام أن لا يترك ذلك اليوم بدون احتفال، بل يكون عيدًا، وهو اليوم الثالث عشر من الشهر الثاني عشر، الذي يقال له آذار بلسان أرام، قبل يوم مردكاى بيوم واحد. بينما راح الجنود السلوقيون يطلقون الصيحات العسكرية والأناشيد القومية والحربية (مثلما كان اليهود يهتفون بعبارة "نصرة الله") راح اليهود هنا يتضرعون إلى الله، كانت مثل تلك الترانيم او الأغانى الحربية الوثنية تُعرف باسم "أناشيد الشكر أو التسبيح أو النصرة" وكانت عادة ما توجّه إلى الإله أبوللو Apollo من قِبل الجنود المتوجهين إلى المعارك. وبينما التحم القتال كانوا يرفعون قلوبهم بالصلاة إلى الله، وعند انتهاء الاشتباك والذي أسفر عن قتل هذا العدد الهائل، وُجد نكانور نفسه مقتولًا وبجواره سلاحه ويظهر ذلك عادة عند الكشف عن جثث القتلى مثلما حدث بعد معركة جلبوع حين عُثر على جثث شاول وبنيه الثلاثة وحامل سلاحه (1صم31). نهاية نكانور: عبّر اليهود عن سعادتهم بهذا النصر الحاسم بترتيلهم الأناشيد التي تقال في مثل هذه المناسبات (وهي موضوعة وملحنة في اللغة العبرية آية 29) ومن ثَم امر يهوذا بقطع رأس نكانور وذراعه اليمنى بكاملها وهي التي رفعها على الهيكل مهددًا ومتوعدًا (1مكا 7: 35، 2مكا 14: 33) بل أمر يهوذا بقطع لسان نكانور وألقاه إلى الطيور، وربما كان ذلك ردًا على ما فعله السلوقيون قبلًا مع اليهود "دفعوا جثث عبيدك طعامًا لطيور السماء. لحم اتقيائك لوحوش الأرض سفكوا دمهم كالماء حول أورشليم وليس من يدفن" (مزمور 79: 2، 3 و1مكا7: 17). وقد يكون التمثيل بالجثّة صعبًا ومؤلمًا، ولكن دعونا نقدّر المعاناة النفسية الشديدة التي لحقت باليهود من ذلك المعتدى والذي كان مقررًا فى قلبه افناء الجيش وتدمير الهيكل والتخلّص من يهوذا المكابى كامر الملك. كما أن مثل تلك الإجراءات كانت تقليدية في أزمنة الحروب القديمة.(وأراهم رأس نكانور القذر (آية 37): وأراهم رأس نكانور القاسي، حيث كلمة "القذر" الواردة هنا غير موجودة في الأصل العبري، بل وردت كلمة "رشع" والتي تعني (قاسي - أثيم - ظالم - مفترى). أما تعبير أجرة Folly فيعنى حماقة، وفي العبارة "جناس لغوى" إذا قلنا علقت "حماقة الأحمق" وهي الكلمة التي تعني ذراع أيضًا، أما المكان الذي عُلّق فيه كلِّ من الرأس والذراع فهو القلعة، ولكن ولأنها كانت محتلة من الحامية السلوقية حتى ذلك الوقت، ولم تحرّر إلا في أيام سمعان المكابى بعد تسع سنوات من موت نكانور (1مكا 13:51) فالمرجَح أنها رُبطت على سور القلعة من أسفل، مقابل الهيكل الذي جدف عليه لكي يكون في ذلك عبرة بعقبة الأعداء وإذلالاّ لساكنى قلعة عكرة من الجنود السلوقيين، وكثيرًا ما سلك القدماء على ذلك النحو من حيث تعليق الجثة أو الرأس على أسوار المدن كما فعل الفلسطينيون عندما علّقوا جسد شاول على سور بيت شأن (صموئيل الأول 31: 9، 10)، وكذلك عندما قام آخرون بتثبيت رأس القائد المقتول على سن رمح (حربة). ومع أننا نقرأ في (سفر العدد 19: 11-16 و 21 و 31: 19- 24) عن تحريم احضار مثل هذه الأشياء النجسة إلى المدينة المقدسة، لا سيّما جبل الهيكل، وكذلك لحوم وجلود الحيوانات النجسة. ولكن أجزاء من جثة نكانور قد أحضرت إلى الهيكل ربما في ساحة النساء فوق جبل الهيكل، ويؤكد احد النصوص الحاخامية (8: 1 To Kalim) جواز إحضار جثة حتى إلى داخل فناء النساء، وفي سفر صموئيل الأول نقرأ أن داود حمل رأس جليات إلى أورشليم (17: 54). رجال القلعة (آية 32، 33): لم تبق هناك قوات سلوقية تمنع يهوذا من دخول أورشليم، فلقد دخلها كظافر ومنتصر مع رجاله وغنائمه، وأما القوة السلوقية والتي كانت ما تزال في قلعة عكرة، فقد كانت أقل بكثير من قوة المكابى، بحيث لم تغامر بالاشتباك معها، وربما خرج ممثلون عن الحامية للتفاوض وربما خرجوا لمشاهدة رأس تكانور وذراعه معلقتين على سور قلعتهم، وهذه هي المرة الأولى التي تُذكر فيها القلعة في هذا السفر، والتي كانت تُمثل الوجود السلوقى في أورشليم، ولم يخرج الجنود منها إلا في أيام سمعان المكابى حيث قام بتطهيرها واستخدامها (1مكا 13: 49- 51) يوم نكانور (عيد سنوى): تحدد الشهور العبرية بأطوار القمر، فظهور الهلال هو بداية الشهر (وهو في العبرية "حودش" أي "شهر"). كما كان يطلق على الشهر أيضًا كلمة " القمر "، وهي تسمية أقدم ومشتقة من الفينيقية، وظلت تستخدم إلى أزمنة متأخرة، وفيما بعد السبي دخلت أسماء الشهور البابلية إلى التقوىم العبري. كان يوم نكانور يجئ في الشهر الثالث عشر في التقوىم العبري القديم - وهذا الشهر ما يقابله الآن في تقويم اليهود المعدل بعد السبي (آذار "مارس" في السريانية (الأرامية))، وقد جاء ذلك اليوم قبل "يوم مردخاى" بيوم واحد، وهو يوم خلاص اليهود من المكيدة التي دبرها لهم هامان الشرير (إستير9). وحتى عام 124ق.م. كان يوم مردخاى (ويُسمى اليوم الموردخايي Mordachaiic Day وعيد الكفارة يحتفل بهما في يوم واحد حتى بدأوا منذ ذلك التاريخ في الفصل بينهما. أما الاحتفال ب"نكانور" فقد توقّف في وقت مبكر، وأن كان اسم نكانور قد اُطلق على إحدى بوابات الهيكل الرئيسية. راجع التعليق على (1مكا 7: 49).1(برغم قرب "أراسة" من أورشليم إلا إنه لا يُعرف بالضبط أن كان يوم 13 آذار هو يوم النصر أو يوم الاحتفال بالنصر). ولكن أورشليم لم تنعم بالحرية بعد قتل نكانور طويلًا (1مكا9: 23وما بعدها) غير أن الهيكل لم يتعرض للإهانة والتدنيس مرة أخرى وكذلك جبل الهيكل كله. |
|