منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01 - 04 - 2014, 03:18 PM   رقم المشاركة : ( 11 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,276,540

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني

المكابيين الثاني 11 - تفسير سفر المكابيين الثاني
حملة ليسياس ومعاهدات الصلح


لا شك أن انتصارات اليهود الُمبهرة قد أثارت حفيظة الحكام في أنطاكية، فقد خشوا من تفاقم أمر اليهود وانتقال الثورة والتمرد إلى المدن الأخرى، ومن ثمّ قرروا القيام بعمل عسكري ضخم لردع اليهود. غير أن الحملة فشلت إذ لحق بالسلوقيين هزيمة منكرة، مما حدا بهم إلى تعديل استراتيجيتهم إلى التفاهم والتصالح وانتهاج الدبلوماسية أسلوبًا في التعامل مع المكابيين.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
حملة ليسياس

1 وبعد ذلك بزمان قليل جدًا، إذ كانت الأحداث قد شقت كثيرًا على ليسياس، وصى الملك وذى قرابته والمقلد تدبير الأمور، 2 جمع نحو ثمانين ألف رجل وفرسانه كلهم، وزحف على اليهود، وفي نيته أن يجعل المدينة مسكنًا لليونانيين، 3ويُخضع الهيكل للضريبة كسائر معابد الأمم، ويعرض الكهنوت الأعظم للبيع سنة فسنة، 4 غير حاسب حسابًا لقدرة الله، بل منتشيًا من ربوات مُشاته وألوف فرسانه وأفياله الثمانين. 5 فدخل اليهودية وبلغ إلى بيت صور، وهي مكان محصن على نحو خمس غلوات من أورشليم، وضيق عليها الخناق. 6 فلما علم أصحاب المكابى أن ليسياس يحاصر الحصون، ابتهلوا إلى الرب مع الجموع بالنحيب والدموع أن يرسل ملاكًا صالحًا ليخلص إسرائيل. 7 ثم أخذ المكابي سلاحه أولًا وحرّض الآخرين على المخاطرة معه لنجدة إخوتهم. فاندفعوا كلهم معًا متحمّسين. 8 وكانوا لا يزالون عند أورشليم، إذ تراءى فارس عليه لِباسُ أبيض يتقدمهم، وهو يلوح بسلاح من ذهب. 9 فجعلوا بأجمعهم يباركون الله الرحيم وتشجعوا في قلوبهم، حتى كانوا مستعدين لأن يطعنوا، لا الناس فقط، بل أضرى الوحوش أيضًا، ويخترقوا أسوار الحديد. 10وأخذوا يتقدمون مصطفين للقتال، وقد أتاهم حليف من السماء برحمة الرب. 11 وحملوا على الأعداء حملة الأسود وصرعوا منهم أحد عشر ألفًا ومن الفرسان ألفًا وست مئة، وألجأوا سائرهم إلى الفرار. 12وكان أكثر الذين نجوا بأنفسهم جرحى وبلا سلاح. وليسياس نفسه نجا بفرار مخجل.

هذه الحملة وما تبعها من معاهدات وقعت عقب (8: 36) أي بعد الأصحاح الثامن وقبل موت أنطيوخس أبيفانيوس، ولعل هذا هو المقصود في (الآية1 "وبعد ذلك بزمان قليل") وقد نجد هناك ما يوحى بالخلط بين أنطيوخس الرابع أبيفانيوس وأنطيوخس الخامس أوباطور بسبب وقوع بعض الحملات والأحداث أثناء الفترة الأخيرة من حياة أنطيوخس الرابع والتى قضاها خارج عاصمة ملكه، والفترة التي كان فيها أنطيوخس الخامس ما يزال طفلًا تنقّل تحت الوصاية ما بين فيلبس وليسياس، ولذلك فبعض القرارات تنسب إلى الشخصية الأولى وبعضها إلى الثانية وبعضها إلى الثالثة. والذي يعنينا هنا هو أن الأحداث وقعت بالفعل، وقد كانت الأخبار تصل ببطء، وتتلاحق مما ينتج عنه الكثير من الخلط والكثير من المشاكل الإدارية والسياسية، كما يؤخذ جيدًا في الاعتبار أنه كثيرًا ما يستخدم المؤرخ تقويمًا غير الذي يتخذه الآخر(1).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
وصى الملك وذى قرابته والمقلد تدبير الأمور (آية 2):

جاءت الكلمة " قريبه " في اليونانية (suggenhV) بمعنى نسيب، وهذا يطابق ما ورد في (1مكا 10: 89) و"الموكل على الأمور" جاءت في اليونانية (o epi twn praymatwn) وهو يطابق أيضًا ما جاء في (2مكا 7:3) " هليودوروس قيّم المصالح".
كان على ليسياس في الفترة التالية لوفاة أنطيوخس أبيفانيوس، أن يقوّى نفوذه في أنطاكية (10: 11-13) وحتى بعد التخلص من منافسيه، لم يكن من السهل عليه أن يترك العاصمة إلاّ لأسباب قهرية، وكانت انتصارات المكابيين ُمقلقة ل ليسياس وهو رئيس وزراء نظام لا يتمتع بالأمن التام. ولكن حملته تنتهي على نحو مفاجئ عندما يتصدى لها اليهود بمساندة الظهور الإلهي، وينهى ليسياس العداوات بشكل رسمي طبقًا لما ورد في (1مكا 3: 38- 4: 35) وكان غزو ليسياس هو أولى الحملات السلوقية ضد اليهود بعد حملة نيكانور وجرجياس(1) بل كانت رد فعل لما وقع على هذين القائدين (1مكا 4: 1-28) إذ فوجئ بما حدث (10: 16-38).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
ونعود الآن إلى حملة ليسياس والتي كان الغرض الرئسيى منها هو: محو الهويّة الدينية لليهود في أورشليم وذلك من خلال تحويلها بشكل رسمي إلى مدينة يونانية (آية2) وهو الهدف الذي طالما سعى أنطيوخس الرابع لتحقيقه ولم يفلح، وأما عن الضريبة التي ينوي ليسياس وضعها على الهيكل فلم تكن عادة راسخة، بل خضعت لطبيعة العلاقة بين اليهود والحكام الأجانب الخاضعين لهم، حيث تأرجحت ما بين كرم الملوك وانفاقهم على الهيكل والذبائح، وبين فرض الضرائب الباهظة على الموضع وعلى رئيس الكهنة، وهو المنصب الذي كان يخضع للعرض والطلب: ففي كل عام كان هناك فرصة للمزايدة على رئاسة الكهنوت حيث يُؤهب لمن يدفع أكثر (4: 24).
هذا وكان ليسياس قد حشد جيشًا عظيمًا من الفرسان والمشاة والأفيال الحربية، وما أن وصل إلى "بيت صور" وهي مدينة حصينة (1مكا 4: 29) حتى قام بحصارها والتضييق على اليهود الساكنين داخلها، ومن ثمّ راح اليهود يبتهلون إلى الرب علّه يزيح عنهم هذا الكابوس المزعج.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
بيت صور Beth-zur: هنا ملاحظة تاريخية دقيقة، وهي مرور ليسياس على بيت صور، لم تذكر في المكابيين الأول (4: 29) حيث تقع على مسافة 28 كم جنوب أورشليم على الطريق المؤدى إلى الخليل، وإن كانت على مسافة 14 كم فقط على خط مستقيم (أقصر الطرق)(1).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
أهداف ليسياس من الحملة:

1- جعل المدينة مسكنًا لليونانيين: كان مستوطنون غرباء قد فُرضوا على أورشليم بالفعل (1مكا 1: 38) ولكنه يود تحويلها إلى مستعمرة يونانية.
2- إخضاع الهيكل للضريبة مثل سائر المعابد: كان الهيكل في ذلك الوقت يعانى من أزمة مالية، عقب حوادث السلب والنهب والتي كانت أسوأ من دفع الضرائب بكثير (4: 32، 39 و 5: 15-21) كما كان منلاوس قد اشترى رئاسة الكهنوت (4: 24) وكان مستبعدًا من مزاولة عمله، وإن لم يكن ما يزال شاغلًا لمنصبه.وكان اليونانيين وجامعى الضرائب قد ُمنعوا مؤقتًا من دخول أورشليم.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
ملاك صالح: مرة أخرى يرسل الله عضدًا من السماء وعونًا من عليائه، وهوذا يظهر من جديد فارس بثياب بيض (سمائى) فعندما تعيي البشر الحيلة فإن الله يتدخل بقوة، فقد كان هذا الفارس كنائب عن الله يحمل بشرى العون والغلبة. هكذا كان وعد الله لشعبه منذ أخرجهم من مصر يتعهدهم من خلال خدامه "ها أنا مرسل ملاكًا أمام وجهك ليحفظك في الطريق ويجئ بك إلى المكان الذي أعددته" (خروج 23: 20).
هذا وقد أكسبتهم هذه الرؤيا ثقة كبيرة بأنفسهم وشجاعة عظيمة، إذ أدركوا أن الرب لن يتخلى عنهم فى تلك المجابهة فهوذا حليفه يتقدّمهم (آية 10). وتعد هذه الرؤيا هي الرابعة التي ُتذكر في هذا السفر خلال كفاح المكابيين(1)، وهكذا استطاع اليهود مواجهة هذا الجيش الجرار ُملحقين به هزيمة مخزية، حيث يبدو ذلك منعدد القتلى والجرحى وهروب ليسياس نفسه.
وهكذا صرح عدد كبير من الأعداء، ومن كان سيصبح جامع جزية لاذ بالفرار إذا أصبح فرسانه بلا جدوى، وقد رأى اليهود في ذلك تحقيقًا لنبوات: (زكريا 9: 15 و 10: 4-5 و أشعياء 31: 8-9).
وهكذا استطاع اليهود مواجهة هذا الجيش الجرار ُملحقين به هزيمة مخزية، حيث يبدو ذلك منعدد القتلى والجرحى وهروب ليسياس نفسه.
وهكذا صرح عدد كبير من الأعداء، ومن كان سيصبح جامع جزية لاذ بالفرار إذا أصبح فرسانه بلا جدوى، وقد رأى اليهود في ذلك تحقيقًا لنبوات: (زكريا 9: 15 و 10: 4-5 و أشعياء 31: 8-9).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
التصالح مع اليهود

13 ولم يكن ليسياس عديم الفطنة، فأخذ يفكر فيما أصابه من الهزيمة، وأدرك أن العبرانيين قوم لا يقهرون، لأن الله القدير يناصرهم، فأوقد 14 يعرض عليهم المصالحة في كل ما هو حق، ويعدهم بأن يرغم الملك على مصادفتهم. 15 فرضى المكابى بكل ما اقترح ليسياس، ابتغاء للمصلحة العامة. وكل ما أبلغه المكابى إلى ليسياس بالكتابة في أمر اليهود، أجابه الملك إليه.

سواء أكان قرار التصالح مع اليهود قد جاء قسرًا أو حكمة، فقد أدت بعض الاضطرابات في عاصمة المملكة بأنطاكية إلى تغيير خطة ليسياس، وللرب طرق عديدة في تحقيق مشيئته، فقد بلغت ليسياس الأخبار باستيلاء فيلبس على العرش، ومن ثمّ فقد تحوّل بفكره وقواته عن اليهودية إلى أنطاكية، ويذكرّنا ذلك بما حدث مع أنطيوخس أبيفانيوس حين أزعجته أخبار من الشرق ومن الشمال "وتفزعه أخبار من الشرق ومن الشمال فيخرج بغضب عظيم ليخرب ويحرم كثيرين" (دانيال 11: 44) راجع أيضًا (إشعياء 28: 19).
هذا وقد كان من السهل على ليسياس استصدار القرارات الخاصة بالمصالحة مع اليهود من الملك، إذ كان الأخير ما يزال صبيًا في ذلك الوقت وليسياس نفسه سيصبح الوصيّ عليه، أما اليهود أنفسهم فقد قبلوا العرض، فإذا كان ليسياس قد ُحسب حكيمًا في نظرهم (ليس عديم الفطنة /آية 13) فإن اليهود في المقابل كانوا حكماءً بقبولهم العرض السلوقي، مما يؤكد أن ميولهم حتى ذلك الوقت ليست عدوانية كما لم تكن لهم سياسات توسعية بل دفاعية، وأن كانوا قد انحرفوا عن هذا النهج لاحقًا بالسعي إلى مزيد من السلطة والأراضي.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
(1) رسالة ليسياس إلى اليهود

16 وهذه فَحْوى الرسالة التي كتب بها ليسياس إلى اليهود: "من ليسياس إلى شعب اليهود سلام. 17 قد سلم يوحنا وأبشالوم الموفدان من قبلكم الوثيقة المنسوخة أدناه، وسألانا أن نبرم ما تتضمنه. 18 فشرحت للملك ما ينبغي أن يرفع إليه، ووافقت على ما هو في إمكانى. 19 وإن بقيتم على ولائكم للدولة، فإني أبذل جهدى فيما بعد لأن أتوخى ما فيه خيركم. 20 وأما تفصيل الأمور، فقد أوصينا الموفدين ومن أرسلنا من قبلنا بأن يفاوضوكم فيه. 21 والسلام. في السنة المئة والثامنة والأربعين، في الرابع
من شهر ديوسقورس".



كتب ليسيّاس إلى يهوذا المكابى يعرض عليه اتفاقية الصلح (أوبمعنى أدق الهدنة، إذ لم تنته الحرب عند هذا الحد) ومن ثمّ فقد كتب يهوذا بدوره إلى ليسياس يبلغه بمطالب بلاده، هذا وقد ُاشير إلى مضون هذه الرسالة في (1مكا 6: 58، 59) وقد عقد اجتماعه هذا في الرابع والعشرون من شهر كسنتكس.وإن كان ليسياس قد نقض هذا الاتفاق لاحقًا.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني

شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
يوحنا وأبشالوم: ربما كان يوحنا هو: يوحنا المكابى، الابن البكر لمتتيا الكاهن، كما يذكر اسم يوحنا في عائلة من السفراء اليهود (2مكا 4: 11 و 1مكا 8: 17). بينما أبشالوم هو شخصية دبلوماسية مرموقة، وقد أصبح لابنيه متتيا (متتيا بن أبشالوم 1مكا 11: 7) ويوناثان (يوناثان بن أبشالوم 1مكا 13: 11) مراكزًا قيادية عسكرية هامة.
ولم يكن اسم أبشالوم شائعًا كما هو الحال مع اسم يوحنا ربما بسبب ارتباط الاسم بما حدث بين داود وابنه أبشالوم؛ وفي التعليق على سفر حبقوق كما ورد في مخطوطات قمران يدين الكاتب "بيت أبشالوم" بسبب عدم سماعهم لتبكيت "معلم البر" ضد "رجل الكذب" مما يعنى أنهما أي الضابطان المنتميان إلى بيت أبشالوم، من اليهود الأتقياء وأن اسرتهما كانت تقية ذات نفوذ، تعاونت مع الحشمونيين.
هذا وبينما احتوت وثيقة المعاهدة على الخطوط العريضة للاتفاقية، فقد ُتركت التفاصيل الأقل أهمية للوفدين السلوقى واليهودي، مثلما يعبّر عنها الآن ب "لقاء القمة" بالنسبة للرؤساء وتفاهمات وزراء الخارجية والوفود الدبلوماسية. ويظهر من الوثيقة كيف كان ليسياس صادقًا وموضوعيًا، إذ يَعِد بما في إمكانه بينما يترك الباقي مرتبطًا بمدى التزام اليهود وولاءهم.
كان اليهود قد قدموا التماسًا إلى ليسياس يتضمن طلباتهم وذلك قبل عدة شهور من ذلك التاريخ، وكان الإجراء المتبع في مثل هذه الحالة هو التعليق على الالتماس أسفله (في هذه الحالة أعلاه آية 17) فأعاد إليهم نسخة منها وفي أعلاها وضع تعليقاته، ومن الوثائق البطلمية نفهم أن الناتج عن الالتماس ثم التعليق عليه كان يسمى Chrinatismos، وكان على ليسياس إقناع الوزراء الأقوياء الآخرين بتعديلاته (بدلًا من الملك الصغير السن آنئذ) يضاف إلى ذلك تفاصيلا أخرى شفاهية من خلال الموفدين.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
ملاحظة حول تاريخ الوثيقة:

من المحتمل أن تكون هذه الوثيقة قد صدرت عقب وصول نبأ وفاة أنطيوخس الرابع وأما شهر ديسقورس الذي ُكتبت فيه فقد جاءت الكلمة "ديسقورس" في الأصل العبري "ديوس كورنثي" بدون كلمة شهر، وتجيء الكلمة في كل النسخ والمخطوطات باليونانية هكذا (Dioscorinqiou) ولا يوجد شهر بهذا الإسم، ولكن الكلمة عبارة عن كلمتين، حسبما يقرّ بهذا جميع خبراء اللغة: (corinqiou) و (DioV) وقد وردت هكذا في المخطوطة اللاتينية B: "iovis corinthii " ووردت في بقية المخطوطات اللاتينية "Dioskori " وهو الشهر الثالث للكريتيين (نسبة إلى كريت) فهو اسم بديل للإسم اليوناني "ديوس قورنتى" Dios Corinthius (1) وكان يأتي في بداية الخريف. وبالتالي فقد ُابرمت الرسالة في خريف سنة 164ق.م.

شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني

شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
رسالة من أنطيوخس الخامس إلى ليسياس

22 وهذه صورة رسالة الملك: "من الملك أنطيوخس إلى أخيه ليسياس سلام. 23 منذ أن انتقل والدُنا إلى الآلهة، لم يزل همنا أن يكون أهل مملكتنا في مأمن من الاضطراب ومنصرفين إلى شؤونهم. 24 وبلغنا أيضًا أن اليهود غير راضين بما أمرهم والدنا من التحول إلى سنن اليونانيين، بل أنهم يفضلون مذهبهم الخاص ويسألون أن يباح لهم العمل بسننهم، 25 ونحن نريد لهذا الشعب أن يكون كغيره خاليًا من الاضطراب. فإننا نحكم بأن يرد لهم الهيكل وأن يعيشوا بحسب عادات آبائهم. 26 فإنك تحسن عملًا إن أرسلت إليهم ومددت يمناك إليهم، حتى إذا علموا بما عزمنا عليه اطمأنوا وانصرفوا بسرور إلى شؤونهم".


أخيه: جاءت في العبرية " للأخ "، وهي صفة تطلق لحبيب الملك ومن أخلص له، وهو الشخص الذي أراد الملك قربه، ونعلم أن ملك سوريا السلوقي أعطى يوناثان الحشموني هذه الصفة (1مكا 10: 18).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
انتقل والدُنا إلى الآلهة: جاءت في العبرية (نِفطَر أبينو إِل بين ها إلوهيم) بمعنى (غادر أبينا إلى الآلهة). وجاءت في اليونانية (eiV qeouV = إلى الآلهة) ولم يقل (proV qeouV = عند الآلهة). والفارق خطير بين الاثنين هذا لأن أبيفانيوس كان يعتبر نفسه (qeoV = إله) وفي موته عبر ليسكن بين بقية الآلهة أصدقائه إذ هو ليس بشر يستودع لدى الآلهة عند موته .!!
كانت عادة الملوك قديمًا إذا ما اتّخذوا قرارًا بشأن جماعة من رعاياهم، أن يحرّروا خطابًا إلى أحد المسئولين ُيصدروا إليه فيه تعليماتهم، بجعل القرار موضع التنفيذ، وكذلك يكلفونه بإرسال نسخة من القرار إلى تلك الجماعة.
يتدارك الملك هنا بمعاونة مستشاريه الخطأ الجسيم الذي ارتكبه أبوه أنطيوخس الرابع، من حيث اكراه اليهود على اعتناق الحضارة الهيلينية، ومن ثم فهو يعلن عن عهد حكم جديد باستراتيجية جديدة، يمنح اليهود بموجبها الحريات، كما يسعى إلى نشر الوفاق والسلام فيما بين رعاياه. وهي عادة مألوفة لدى الحكام الجدد حال توليهم الحكم، من إعلان سياسات جديدة وتصحيح بعض الأوضاع، وقد تبنّى أنطيوخس الصغير هنا نبرة ودّ تجاه اليهود ولكن الملك في الواقع هنا يقرر ما يعدّ تحصيل حاصل، إذ كان اليهود قد قاموا بشكل منفصل بتطهير الهيكل وإعادة تدشينه، وبالتالي فالرسالة تأكيد وتوثيق لهذا الحق.
أمّا عن تاريخ ذلك الخطاب فهو أواخر سنة 164 أو أوائل سنة 163 ق.م. فإذا اعتبرنا نبوة دانيال (8: 14) تشير إلى هذا الحدث، فقد أعلن دانيال أن القدس سوف يتبرّأ بعد 2300 صباح ومساء (أي 1150 يومًا) من التدنيس الذي حدث في يوم 25 كسلو، وبذلك يكون الخطاب قد ُحرّر يوم: 8 فبراير سنة 163 ق.م.، وهكذا جاءت التبرئة التي تحدث عنها الرائي من خلال خبر موت المضطهِد، ثم رفض سياساته على لسان ابنه شخصيًا. وربما كان إعلان فحوى هذه الرسالة هو التأكيد الرسمي الأول في أورشليم لموت الملك الوالد.
هذا وتحتوى (الآيتان 24، 25) على الأسباب الحقيقية لتمرُّد اليهود واندلاع الثورة المكابية في عهد كل من أنطيوخس أبيفانيوس وابنه. فقد أمرهم الأول بالتحوّل إلى سنن اليونانيين، بينما سار أنه في ذات المضمار. هذا وقد شمل القرار هنا منح اليهود حق الاحتفاظ بالهيكل والذي كان بحوزتهم بالفعل من عام 167 ق.م. وما هذا إلاّ تصديق على ذلك. وهكذا حوّل الله قلوب الأعداء إلى خير اليهود، مثلما حدث مع "كورش" الملك الفارسى والذي ردّ الأواني التي كانت قد ُسلبت من بيت الرب (عزرا 1: 1-4).
ورغم أن التصريحات الواردة في الرسالة مطمئنة ومتعقّلة وواقعية) إلاَ أن الملك لم يفِ بكل ذلك، بل لم يعش طويلًا، إذا اغتيل لاحقًا.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
(3) رسالة الملك إلى اليهود

وهذه رسالة الملك إلى الأمة: "من الملك أنطيوخس إلى مشيخة اليهود وسائر اليهود سلام. 28 إن كنتم في خير فهذا ما تحب، ونحن أيضًا في العافية. 29قد أطلعنا منلاوس على رغبتكم في العودة إلى منازلكم. 30 فالذين يعودون إلى اليوم الثلاثين من شهر كسنتكس يكونون في أمان. 31 وقد أبحتا لليهود أطعمتهم وشرائعهم، كما كانوا عليه من قبل وكل من هفا منهم فيما سلف فلا يضايق. 32 وانا مرسل إليكم منلاوس ليطمئنكم. 33 والسلام. في السنة المئة والثامنة والأربعين، في الخامس
عشر من شهر كسنتكس".



بينما كانت الرسالة السابقة تتضمن تكليفًا من الملك إلى وزيره ووصيّه ليسياس بالقيام بما يلزم وما يتفق مع مصالح اليهود، فإن هذه الرسالة موجّهة إلى اليهود مباشرة، فهي خطاب الملك إليهم، حيث يعود فيؤكد لهم من جديد الحريات والامتيازات التي أوصى بها ليسياس.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني

شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني

صورة: يهوذا المكابي
مشيخة اليهود:

من الُملفت مخاطبة اليهود بهذه الصفة فالنظام المحيط بالملك الصغير يعترف بالمشيخة ولا يعترف باليهود كأمة متمتعة بالامتيازات، ولعلّ الملك يقصد رئيس الكهنة منلاوس وأتباعه لكي يمنحهم مصداقية، باعتبارهم المتحدثون الرسميون عن اليهود، ورغم أن المشيخة اليهودية، كانت قد فقدت كل وضعيتها الرسمية إلاّ أن كثيرين من أعضائها كانوا ما يزالون على قيد الحياة، وربما يكون منلاوس قد اتّصل بالصفوة الحاكمة في أنطاكية لا ليلتمس العفو العام فقط، بل ليحتج على اعتراف ليسياس بالزمرة المتمردة (يهوذا وأتباعه) وقد رأى الملك أن العفو العام سوف يحمل يهوذا ذاته وأتباعه إلى الكف عن القتال، وحمل المتدينين على الإيمان بأن الله ذاته حرم التمرّد ضد الملك.
وأما عن الدور المنسوب هنا إلى "منلاوس" والذي يمقته اليهود بشدة، فإنه لا يعني سوى رغبة الملك في تثبيته في رئاسة الكهنوت، مما يعنى ضمنًا بالتالي عدم اعتراف الملك بالمكابيين وقائد ثورتهم "يهوذا المكابى". ولكن ذلك لم يكن له وزنًا كبيرًا لدى المكابيين إذ كانوا قد حققوا هدفهم من الثورة، أي إعادة العمل بالشريعة واستئناف العبادة في الهيكل، ثم كيف يُرسل منلاوس ليطمئن اليهود على الحرية الدينية وهو الذي له الدور الكبير في نشر الهيلينية ونهب الهيكل.؟
فى هذه الرسالة أيضًا ُيصدر الملك عفوًا عامًا عن اليهود الذين اعترضوا على سياسة السلوقيين في عهد سلفه، مما شكّل ما يشبه جماعات المعارضة داخل أورشليم وخارجها، وقد صرّح الملك لهم بالعودة إلى بلادهم في غضون أسبوعين (من الخامس عشر إلى نهاية شهر كسنتكس والذي هو نفس الشهر ديوس كورنتى / آية 21) وذلك أملًا في أن تستقر الأمور في المملكة وتكفل حركة التنقل بين البلاد.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
المهلة المحددة لليهود: بينما يرى البعض أن مدة الخمس عشر يومًا غير كافية لتصل يها الرسالة الملكية من أنطاكية إلى الأقاليم اليهودية، فإن اليهودية كانت منطقة متضامنة، بحيث يمكن للخبر الانتشار على نحو سريع، وفي قسم تاعنيت Ta'anit من التلمود يرد في يوم 28 آذار (كسنتكس) الآتي "في ذلك اليوم ورد النبأ السار لليهود بأن لا يفرض عليهم ترك التوراة" (1) مما يعنى أن الخطاب المرسل يوم 15 قد وصل إلى اليهودية في يوم 28 وهو أمر مقبول، إذ لم ترد الحكومة آنئذ منح مزيد من الوقت للتفكير في الأمر بل رغبت في الحصول على قرار سريع.
كان هذا العفو يحمل في طياته توفير الأمان لليهود الذين يرغبون في التحرك من أورشليم إلى أنطاكية والعكس، لاسيما بعد الانتهاء من احتفالات الفصح التي كانت تجرى في ذلك الوقت، إذ أن شهر كسنتكس يقابل شهر نيسان حيث يقع الفصح في الرابع عشر منه.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
(4) رسالة الرومان إلى اليهود

34 وأرسل الرومانيون إلى اليهود رسالة هذه صورتها: "من قونتس مميوس وطيطس منليوس، رسولي الرومانيين، إلى شعب اليهود سلام. 35 ما رخص لكم فيه ليسياس، نسيب الملك، فمنحكم إياه أيضًا، 36 وما استحسن أن يرفع إلى الملك، انظروا فيه وبادروا إلى إرسال واحد لنعرضه على الملك بما يوافقكم، لأننا ذاهبون إلى أنطاكية. 37 فعجلوا في إرسال من ترسلون، لنكون على علم بما تبتغون. 38 والسلام. في السنة المئة والثامنة والأربعين، في الخامس عشر من شهر كسنتكس".



تؤّرخ هذه الرسالة في نفس يوم رسالة أنطيوخس الخامس أوباطور إلى اليهود ويعترض بعض الشراح بأن أول تعاون بين الرومان ويهوذا المكابى كان في سنة 161 ق.م. وليس قبل ذلك التاريخ، ولكن مفاوضات ما غير رسمية، ربما تكون قد جرت بين الطرفين قبل ذلك التاريخ، ويقول يوسيفوس أن يهوذا قد أجرى اتصاله بروما فيما بين وفاة متتيا أبو المكابيين وغزو تالٍ لليهودية بواسطة أنطيوخس الرابع، كما رأى البعض منهم أن اسمي المندوبَين الرومانيَين محرّف، ولكن كثير من المواطنين الرومان في ذلك الوقت كان لهم اسمان: شخصي وعائلى، وأماّ المندوبان فهم:
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
قونتس (كونتس) مميوَس Quintus Memmius: ولا ُيعرف عنه شيئًا إذ لم يرد سوى في هذا المكان، ومن الممكن أن يكون مميوس هو تهجئة للاسم مليوس Mallius أو Manilius وهو الاسم الثالث للسفير الثاني، والآخر هو:
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
طيطس منليوس Titus Menius: والذى من المحتمل أن يكون هو "مانليوس توركراتوس"، والذي عمل سفيرًا في مصر سنة 164 ق.م. وُيحتمل أن يكون قد تلقّى تكليفا من حكومته يتعلّق بالشئون السلوقية(1).
وكان يجب أن يكون السفير أو أي مسئول مهم في روما من عائلة عريقة، أو أن يكون هو ذاته ذا مكانة متميزة.
في ذلك الوقت كانت روما تعطى نفسها حق التدخل في شئون الدول الأخرى، حيث تبادر هنا بالإرسال إلى اليهود مؤيدة انعامات أنطيوخس الخامس ووصيّه ليسياس، ثم يخبرهم السفيران بأنهم سيكونا متواجدين بأنطاكية، وعلى اليهود إرسال سفراء عنهم إلى أنطاكية يحملون رغباتهم حتى يؤيداها أثناء تواجدهما هناك، راجع التعليق على (2مكا 5: 1-4) حيث يتضح دور مندوبي وسفراء روما في مصر.
وهكذا يتضح لنا من رسائل السلوقيين الثلاث، كيف أرادوا ضمان موالاة اليهود لهم في ظلّ التهديد البطلمى للشمال السلوقى. كما يتضح أيضًا أن اليهود لم يلقوا السلاح بموجب هذه الرسالة ليتحولوا إلى الدبلوماسية، فما لبث أن تحرك السكان الوثنيين من حولهم خوفًا من تحقيق نبوات مجد إسرائيل، مما حدا باليهود إلى خوض حروب كثيرة ضدهم وردت تفاصيلها في سفر المكابيين الأول الإصحاح الخامس.
رأينا في هذا الإصحاح أربع رسائل لمباحثات السلام، مختصة بالوضع الجديد لليهود الذي نعموا به بعد موت أنطيوخس أبيفانس وانتصارات يهوذا المكابي، ونعرض هنا ترتيب مفاوضات السلام:
1- رسالة أوباطور إلى ليسياس (21 - 26):
بعد موت أبيفانس أبو أوباطور، أراد أوباطور أن ينعم اليهود بالسلام فأعطاهم حريتهم الدينية واسترددوا الهيكل رسميا بإعطائه لهم قرار رسمي بممارسة حقوقهم الدينية.
2- رسالة أوباطور لمجلس شيوخ اليهود (27 - 33):
عندما علم أوباطور من منلاوس أن اليهود يريدون العودة لبيوتهم وأعمالهم أباح لهم حتى اليوم الثلاثين من شهر كسنتكس وأباح لهم أن يحيوا حسب شريعة آبائهم.
3- رسالة ليسياس لليهود (16 - 21):
أُرِّخ لها في 24 من ديوس الكورنثي (مرحشوان اليهودي) لسنة 148 لليونان، ونرى من الرسالة أن مفاوضات السلام بين ليسياس ويوحانان وأبشالوم اقتربت من النهاية.
4- رسالة المرسلين الرومانيين (24- 38):
وهم من كانوا في يافا أو في معسكر ليسياس، وقد ُكتبت في الخامس عشر من كسنتكس في النسخة اليونانية، لكن في النسخ اللاتينية L,B,M,P ونسخة الفولجاتا كتبت (Dioscoridis) وهي على ما يبدو من الكلمة اليونانية DioV corinqiou.

(1) الرجاء الرجوع إلى "التأريخ" فى كتاب مدخل إلى سفري المكابيين للمؤلف، حيث يلقى الضوء على هذه القضية

(1) هناك إشارة إلى حملتى ليسياس على اليهود في كتاب نبوة أخنوخ (الأصحاح التسعون) وهو سفر غير قانوني كتب في تلك الفترة (مخطوطات البحر الميت).

(1) مئة وخمسون غلوة - جاءت في العربية خمس غلوات -: جاءت في النسخة المعتمدة نحو خمس إستاديونات أي خمس غلوات (كالعربي تماما) (wsei stadiouV pente) - يرى الرابي كاهانا أنها مئة وخمسون غلوة، لأن حصن بيت صور على حدود أدوم، يبعد نحو عشرين ميلا رومانيا (وطبقا ليوسابيوس: 160 غلوة من أورشليم). لذلك جاءت في كلا المخطوطتان (راجع تعليق العالم swete على ذلك) هكذا (scionouV) بدلا من (stadiouV)، حيث (scionouV) هي وحدة قياس تبلغ ثلاثين غلوة أي ثلاثين إستاديون (stadiouV)، وإذ ذاك تبعد بيت صور عن أورشليم نحو 150 إستاديون وهو الأمر الذي أورده يوسابيوس.

(1) راجع قائمة تلك الرؤى في التعليق على الأصحاح الخامس عشر.

(1) ديوس قورنتى هو أحد الآلهة المذكورة بضع مرات في الأدب اليوناني، أما الاسم ديسقورس فقد ورد ضمن جدول تاريخى من عهد الإمبراطورية الرومانية على أنه اسم الشهر السادس من العام الكريتى والذي يبدأ بعد الاعتدال الخريفى مباشرة، وربما يكون الاسم ديسقورس Dioskours اسم ُاطلق على الإلهين التوأم Dioskouroi واللذين كانا يعبدان على نطاق واسع في اليونان وتظهرصورهم على العملات السلوقية القديمة. ربما يكون أنطيوخس ابيفانيوس قد أطلق الاسم على أحد الشهور المقدونية ربما تكريمًا لمدينة طرابلس Tripolis.
وطبقا ليوسيفوس (الآثار كتاب فصل 3:3) كانت (DioV) = شهر مرحشوان (مرحشوان: هو الشهر الثامن في التقوىم العبري) وهو كذلك في الترجمة الآرامية: (بأربعا وعسرين بتِشري أحري = في الرابع والعشرين من تشرين الثاني)، حيث شهر تشرين الثاني عند الآراميين هو شهر مرحشوان، وهو الشهر الثامن لدينا.

(1) Jonathan A. Goldsten, II Macc.

(1) جاء اسما السفيران في الأصل العبري (كوينتُس مميوس، تيطس مانيوس) وفي اللاتينية القديمة (Quintus Memmius Titus Manilius) ولا نعرف عنهم أية معلومات في أي موضع آخر.
  رد مع اقتباس
قديم 01 - 04 - 2014, 03:21 PM   رقم المشاركة : ( 12 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,276,540

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني

المكابيين الثاني 12 - تفسير سفر المكابيين الثاني
حملات على المدن الوثنية

1مكا 5: 8 - 68
بالرغم من الاتفاقيات التي أُبرمت بين اليهود والسلوقيين، إلاّ أن الجيران الوثنيين استمروا في مضايقة اليهود الساكنين بينهم بطرق شتى، ويبدو أن ليسياس قد أقدم على تلك المعاهدات مرغمًا ولذلك فلم يكن صادقًا، وفي مثل هذه الحالات يحتاج الأمر إلى إجراءات من السلطة الحاكمة لتعضيد الاتفاقيات، فقد كان بوسع المسئولين المحليين الإخلال بالاتفاقيات أو السياسات الموضوعة في عاصمة البلاد بسبب بُعد المسافات وعدم سهولة الاتصال. وهكذا اضطر المكابيون إلى تأمين بلادهم ثم حماية الجاليات اليهودية خارج البلاد بشتى الطرق. هذا وُتعتبر الأحداث الواردة في هذا الأصحاح امتداد لـ(2مكا 10: 14-38).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
خيانه أهل يافا ويمنيا

1 وبعد إبرام هذه المعاهدات، رجع ليسياس إلى الملك، وانصرف اليهود إلى حرث أراضيهم. 2 إلا أن بعض القوالد الذين كانوا في البلاد، وهم طيموتاوس وأبلونيوس بن جنايوس، وإيرونيمس وديمفون، وكذلك نكانور، حاكم قبرس، لم يدعوا لهم راحة ولا سكينة. 3وارتكب أهل يافا جريمة فظيعة، وذلك أنهم دعوا اليهود المقيمين عندهم إلى أن يركبوا هم ونساؤهم وأولادهم قوارب كانوا أعدوها لهم، كأن لا عداوة بينهم. 4 وبناء على قرار أصدره شعب المدينة، قبل اليهود الدعوة رغبة في السلام وبعيدًا عن كل حذر. فلما صاروا في عرض البحر، أغرقوهم ولم يكن عددهم أقل من المئتين. 5 فلما علم يهوذا ما ارتكب على بنى أمته من غدر وحشي، أخبر به من معه من الرجال. 6 ودعا الله الديان العادل وسار إلى الذين أهلكوا إخوته. وأشعل النار في المرفأ ليلًا وأحرق القوارب وطعن الذين لجأوا إلى هناك. 7 ولما كانت المدينة قد أغلقت، انصرف وفي نيته الرجوع ليمحو مدينة اليافيين من أصلها. 8 ولكنه علم أن أهل يمنيا ناوون أن يصنعوا مثل ذلك بالمقيمين عندهم من اليهود، 9فهجم على أهل يمنيا ليلًا وأحرق المرفأ مع الأسطول، حتى روى ضوء النار من أورشليم، على بعد مئتين وأربعين غلوة

يفيد الاصطلاح هنا "حرث الأرض" إلى انتهاء حالة الطوارئ في البلاد، ومن ثم التفات أفراد الشعب بما فيهم الجنود الذين سُرّحوا من الجيش إلى مزاولة مصالحهم والاهتمام بموارد البلاد، وبمعنى أشمل: سير الحياة بشكل طبيعي. أمّا القادة الصغار الذين في تلك المدن فلا يُعرف إن كانوا يسلكون بالغدر مع اليهود بإيعاز من ليسياس ذاته، أم من منطلق كراهيتهم الشخصية لليهود، وهكذا كان للسلوقيين موقف رسمي وآخر ميدانى (عملي).

شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
ميناء يافا
وفي (الآية 2) يستخدم مصطلح " قائد Strategos " وهو متعدد المعاني، فعلى الصعيد العسكري يتراوح ما بين قائد وحدة تكتيكية مستقلة، إلى جنرال (لواء) ومن الممكن أن ُيقصد به أيضًا "حاكم إقليمى" وفي هذا النص يفيد مصطلح "محلىّ " هنا بأنهم قادة من الدرجة الأقل. هذا ومن غير المعروف إن كان أولئك القادة قد أقدموا على مضايقة اليهود بموافقة الحكام في أنطاكية أم من تلقاء أنفسهم.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
أما طيموتاوس: فهو القائد العمونى المذكور سابقًا وهو هنا قائد عبر الأردن وجنوبي سوريا، وبشأن الخلط فيما بينه وبين طيموتاوس الآخر انظر التعليق على (8: 30، 32 و 10: 24)، حيث ُهزم ولم ُيقتل، ومن ثم فقد أعاد تنظيم صفوفه ليهاجم اليهود من جديد ولكنه ُحوصر منهم وقُتل لاحقًا مع رفقائه في الجب السفلى (10: 37) ورغم أن فعالية طيموتاوس قد انتهت عند هذا الحد، إلاّ أنه يُحصى هنا مع أولئك الذين ضايقوا اليهود، مع ملاحظة أيضًا أنه من المحتمل أن تكون حملة ليسياس قد جرت قبل ذلك الوقت، غير أن الكاتب كما سبق وأشرنا يجمع جهادات وانتصارات وانجازات يهوذا المكابى معًا، وبالتالي فالترتيب المتعمّد هنا لا يعنى أنه غير واع بالتاريخ وإنما هو يلتزم جانب تقديم كفاح يهوذا المكابى. ومن هنا ليس هناك ما يدعو إلى افتراض وجود قائد آخر باسم تيموثاؤس.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
أبولونيوس بن جنايوس Gennaeus:

المعنى الحرفي للإسم: نبيل، وهو بالطبع بخلاف أبولونيوس بن مسنتاوس المذكور سابقًا (5: 24 و 1مكا1: 29) وهو القائد الذي لم نقرأ عنه شيئًا بعد ذلك، وربما كان أحد مندوبى الملك في تلك المدن الوثنية الساحلية والتي تسكنها جاليات يهودية.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
ايرونيمس Hieronymus:

ويقرأ في اللاتينية "جيروم" وينطبق عليه الكلام ذاته، من حيث أنه لم ُيذكر في موضع آخر من السفرين، وأنه أحد نواب الملك في تلك المنطقة.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
ديمفون Demophon: قائد سلوقى مثل السابقين.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
نكانور Nicanor: وهو قائد جيوش المرتزقة القبرصية (انظر 5: 24 وقارن مع 4: 29) وربما كان نكانور بن بتروكلس المذكور في (2مكا 8: 9) ويقول في (14: 12) أنه كان يوجد نكانور آخر وكان مسؤولا عن الفيلة. وهو غير نكانور الشهير الذي اضطهد اليهود فقتلوه وعلقوا رأسه على سور المدينة، وربما عُيّن حاكمًا بدلًا من بطليموس مقرون، والذي انتحر بسبب اتهامه بتعاطفه مع اليهود (6: 13). وكانت قبرص في ذلك الوقت جزءًا من الإمبراطورية البطلمية.

شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني

صورة: يهوذا المكابي
انتشرت هذه المضايقات الموجهة للجاليات اليهودية في جميع المدن في وقت واحد، حيث وصلت الشكاوى والبلاغات إلى القيادة العسكرية في أورشليم، وما يحدث هنا في المدن الساحلية مثل يافا ويمنيا وقبرس، هو ما حدث أيضًا في مدن الجليل وجلعاد حيث قام يهوذا المكابى بحملة تأديبية ضد أهلها الوثنيين راجع (1مكا 5).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
حادثة يافا المروّعة:

كانت يافا ويمنيا مدينتان وميناءان لهما أهميّة خاصة، وكان سكانها فلسطينيين، أعداء اليهود منذ زمن بعيد، وكان اليهود جالية في يافا ولم يكونوا مواطنين. وكانت المسافة بين يافا وأورشليم حوالي ثمانية وأربعين كيلو مترًا.
وفي تصعيد خطير لهذا الاضطهاد جرت مأساة في يافا الساحلية، ولا يُعرف على وجه الدقة ملابساتها، غير أنه من المحتمل أن يكون أهل يافا الوثنيين قد دعوا أعضاء من الجالية اليهودية هناك إلى مشاركتهم في أحد الأعراس الكبيرة لأحد الشرفاء، وربما كانت مجرد دعوة إلى نزهة بحرية، (مسيرة احتفالية في البحر). وفي الوقت الذي أدخلوا فيه المحتفلين إلى المركب، اختاروا لليهود مراكب محددة معدة خصيصًا لهم، ثم أغرقوهم في البحر. وأما مجلس الشعب (شعب المدينة) فيقصد به شيوخ اليهود هناك فقد رأوا في الدعوة واحدًا من عوامل الوفاق والتعايش السلمى.. ولم يتوقع اليهود بالتالي أيّة خيانة ولذلك فلم يحتطوا، فوقعت الحادثة.
وبلغ يهوذا المكابى الأمر، مثلما بلغه من قبل رسائل الجاليات اليهودية في الجليل وجلعاد، يطلبون نجدة، وصلى يهوذا كعادته قبل التوجه إلى يافا والتي كانت قد أغلقت أبوابها بحلول الليل وكان من الصعب اقتحامها ليلًا، ويبدو أن بعض السكان شعروا بنيّة اليهود في الانتقام من المدينة وسكانها، فلجأوا إلى الميناء سعيًا للامان ولكنهم وقعوا في أيدي رجال المكابى والذين قتلوهم.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
المبادرة بمنع تكرار ذلك في يمنيا:

انصرف يهوذا المكابى من يافا وفي نيّته العودة إليها من جديد للانتقام من أهلها، غير أنه سمع بأن ما جرى في يافا من المحتمل أن يتكرر في يمنيا، وتقع هذه على مسافة سبعة كيلومترات شرق البحر المتوسط، واعُتبرت عاصمة ذلك الاقليم البحري (المدن الساحلية) راجع (1مكا5: 55-62 و 10: 69 و 15: 38) ويبدو أن نقمة المكابيين من يمنيا كانت أكبر من تلك التي جرت في يافا، إذ كانت الحرائق التي ُاشعلت فيها عظيمة لدرجة أنها ُرؤيت من أورشليم أي من مسافة خمسون كيلومترًا(1).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
حملة على أرض جلعاد

(1مكا 5: 24-54)

10وكانوا قد ابتعدوا من هناك تسع غلوات، زاحفين على طيموتاوس، فتصدى لهم قوم من العرب يبلغون خمسة آلاف، ومعهم خمس مئة فارس. 11فاقتتلوا قتالًا شديدًا، وكان الفوز لرجال يهوذا بعون الله، فانكسر عرب البادية وسألوا يهوذا أن يمد إليهم يمناه، على أن يؤدوا له مواشى ويقوموا بخدمات في سائر الأمور. 12وأدرك يهوذا أنه يحصل منهم حقًا على منافع كثيرة، فرضى بمصالحتهم، فأخذوا بيمناه وانصروا إلى خيمهم. 13 وأغار يهوذا على مدينة تحميها سدود من تراب وتحيط بها الأسوار ويسكنها خليط من الأمم، واسمها كسفيس. 14 وكان الذين فيها واثقين بمناعة الأسوار ووفرة الميرة، فأبدوا خشونة ليهوذا والذين معه، وشتموهم وجدفوا ونطقوا بما لا يحل. 15 فدعا الذين مع يهوذا ملك العالم العظيم الذي أسقط أريحا على عهد يشوع بغير كباش ولا مجانيق، ثم وثبوا إلى السور كالأسود. 16 وفتحوا المدينة بمشيئة الله وقتلوا من الخلق ما لا يحصى، حتى إنت البحيرة التي هناك، وعرضها غلوتان، ظهرت كأنها امتلأت وطفحت بالدماء.


ذكرت أنباء هذه الحملة بتفاصيل أكبر في (1مكا 5: 24-54) أمّا هنا فإن (الآية 10) تفيد بأن الموضع الذي ابتعدوا منه ليس "يمنيا" ولا "يافا" ولكنه مكان إحدى المعارك في أرض جلعاد (آية 13) وكما قلنا سابقًا فإن السفر هنا يجمع مآثر يهوذا المكابي.
فقد خاض يهوذا حروبًا كثيرة، وأنقذ الكثير من اليهود المحاصرين في المدن الوثنية، وأجلاهم إلى أورشليم وذلك قبل أن يلتقى بالنبطيين العرب، كما أنه مرّ بمواقع عديدة خاض فيها الحروب قبل الوصول إلى "كسفيس".
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
العرب: هم النبطيون والذين ُاشير إليهم في (1مكا5: 25) حيث كانوا قد صاروا من أنصار المكابيين وقد جاء هذا التعاون نتيجة المعركة الشرسة المذكورة هنا، حيث اتفق الجانبان على أن يؤدى النبطيون الجزية للمكابيين واقامة تحالف بين الطرفين.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
كسفيس Caspin: وقد تكون هي نفسها "كسفور" أو "كسفو" المذكورة في (1مكا5: 26) وتقع شرق بحر الجليل إلى الجنوب من الجليل وجلعاد وربما كانت هي "خسفيس" شرق بحر الجليل بعشرة أميال، وتوجد الآن بقعة َسبِخَة في مكان يسمى كسفين Khisfin ربما هي التي كانت بحيرة فيما مضى (آية 16). وكانت كسفيس تحميها أسوار وسواتر ترابية وكذلك خندق أو ترعة صناعية تحيط بها بعرض 500م ونظرًا لثقة أهلها الشديدة بحصانتها فقد سخروا من المكابيين وجيوشهم بل يبدو أنهم وهم من جنسيات وأعراق مختلفة قد تطاولوا على معتقدات اليهود وإلههم وشرائعهم وهيكلهم "ما لا يحلّ" (آية 14).
أما الكباش المنصوبة عليها والمذكورة هنا فهي الذراع الحديدي Battring Rams وهي مثل المجانيق غير أنها تضرب مباشرة في الحوائط بعكس المجانيق التي تلقى بالحجارة الضخمة في الأسوار والحوائط، وتستخدم كلا الآلتين في فتح ثغرات في الأسوار يسهل من خلالها الاجهاز على السور كله وتدميره. وبعد أن فتحوا المدينة انتقموا من أهلها نقمة شديدة(1). انظر (يشوع 6: 1-21).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
معركة قدنيم

17 ثم ساروا من هناك مسيرة سبع مئة وخمسين غلوة، حتى انتهوا لي الكرك، إلى اليهود الذين يعرفون بالطوبيين. 18 فلم يجدوا طيموتاوس في تلك الأماكن، لأنه قد غادرها من دون أن يصنع شيئًا، لكنه ترك في بعض الأماكن حرسًا منيعًا. 19فخرج دوسيتاوس وسوسيباطير، من قواد المكابى، وأهلكا الرجال الذين تركهم طيموتاوس في الحصن، وكان عددهم ينيف على عشرة آلاف. 20 وقسم المكابى جيشه فرقًا وأقام من يكونون على رأسها وحمل على طيموتاوس، وكان معه مئة وعشرون ألف راجل وألفان وخمس مئة من الفرسان. 21 فلما بلغ طيموتاوس قدوم يهوذا، وجه النساء والأولاد وسائر الأمتعة إلى مكان يسمى قرنيم، وكان موضعًا منيعًا يصعب الوصول إليه لضيق جميع الممرات. 22 ولما بدت أول فرقة من جيش يهوذا، داخل الأعداء الرعب والرعدة، إذ تراءى لهم من يرى كل شئ، فأسرعوا إلى الفرار من كل جهة، حتى إن بعضهم كان يؤذى بعضًا، وطعن بعضهم بعضًا بحد السيوف. 23وتعقبهم يهوذا تعقبًا شديدًا وأخذ يطعن أولئك الأثمة، حتى أهلك منهم ثلاثين ألف رجل. 24ووقع طيموتاوس في أيدي رجال دوسيتاوس وسوسيباطير، فجعل يتضرع إليهم بكل حيلة أن يطلقوه سالمًا، بحجة أن آباء وإخوة لكثيرين منهم قد يهلكون. 25 وأقنعهم بكلام كثير بأن يطلقهم سالمين، فخلوا سبيله لينقذوا إخوتهم. 26 ثم أغار يهوذا على قرنيم وأترجتيون وقتل خمسة وعشرين ألف نفس.



أغلب الظن أن كلمة "هناك" في (آية 17) يقصد بها في الغالب: أورشليم، إذ تصل المسافة بين أورشليم وأرض طوب حوالي 50 كم(1).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
الطوبيين: هم سكان أرض طوب المذكورة في (1مكا 5: 13) أو أرض بنى عمون والتي كان تحكمها أسرة بنى طوبيا، وفيها أيضًا كانت تُدرّب الخيول الحربية. وقد توقع المكابيين أن يكون طيموتاوس قد عاث فيها فسادًا واضطهد اليهود السكان فيها، ولكنه كان فقط قد ترك فيها حامية عسكرية سلوقية قبل أن يغادرها.
ويتضح لنا من النصّ هنا أن الطوبيين كانوا أقوياء بدرجة صدّت عنهم طيموتاؤس بحيث لم يستطع هزيمتهم، وإن كان قد ترك بعض حاميات في بعض الحصون، كان الطوبيين مازالوا قوة حامية في عبر الأردن حتى بعد انتحار القائد الطوبى المتميّز "هركانوس" في سنة 169 ق.م. بل ربما كان دوسيتاوس وسوسيباطير قائدين طوبيين قد انضما إلى قوات المكابى.
وكان الطوبيين من القوة والشهرة بحيث صيغت الصفة "طوبيين Tobian, Toubiakos خصيصًا للإشارة إليهم، بل ربما ُسمى الإقليم الواقع حول الحصن الطوبى ب الطوبياكى وسكانه بالطوبياكيين، وربما يكون أنطيوخس أبيفانيوس قد استولى على الحصن الطوبى في "عرق الأمير" وأعاد توطين جنود هناك في مكان ما بشمالي عبر الأردن أو جنوبي سوريا في المكان المعروف باسم دياتما Dathema أو بالقرب منه (1مكا 5: 9-11، 29).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
دوسيتاوس Doisitheus: وهو اسم يوناني معناه "هبة الله" أو "عطية الله" وهو ترجمة يونانية لإسم "متتيا" العبري (وقد وُجِد أيضًا في بعض كتابات آرامية قديمة). وهو أحد القواد اليهود الصغار التابع بدوره لقائد أعلى يسمى "بكينور".راجع (آية 35) وقد اتصف دوسيتاوسبالشجاعة والإقدام.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
سوسيباطير Sosipater: اسم يوناني معناه "المدافع عن أبيه" وهو قائد يهودي في ذات الرتبة التي كان فيها دوسيتاوس قام اثنيهما بقتل أفراد الحامية العسكرية التي تركها طيموتاوس خلفه في أرض طوب، بينما كان الأخير ينظم صفوفه بالقرب من الكرك.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
الكرك Charax, Charak: وجاءت في اليونانية (eiV ton caraca) مدينة تنتمي إلى "الأورانيين" وتقع في الشمال الشرقي من جلعاد، في المنطقة التي تشمل جبل أوران وتمتد غربًا حتى قرية "باتانا" وهي المنطقة التي تجمّع فيها 112 ألف من الجنود المرتزقة لمحاربة داود (2صم 10: 6). وكان مقر الوالي السلوقي في عهد المكابيين يسكن في حصن الكرك، ويظن البعض أنها الكراك حاليًا جنوب موآب، أو" كَنَّه" في حوران، على مسافة 20 كم شمال غرب بُصرَة. وتسمى أيضًا "عرق الأمير".
والكرك هو اسم يوناني عام يعني (معسكر مطوّق بالحسائك) ويقع على بُعد حوالي 750 غلوة من كسفيس، وقد قطع يهوذا مسيرة ثلاثة أيام إلى الجنوب من كسفيس إلى عرق الأمير، ومثلها عودة إلى قرنائيم.
عندما خشى طيموتاوس من شدة بأس جيش المكابيين لاسيما وقد فشل في الاستيلاء على حصنهم، آثر إجلاء أقاربه وأمتعته من هناك إلى "معبد قرنيم" (karnion) راجع (1مكا5: 26، 43)، وهي العادة المتبعة من حيث الاحتماء في المعابد والهياكل، أملًا في حماية الآلهة وعدم تطاول المغيرين على تلك الأماكن، كما أن الممرات الضيقة في قاع الوادى والمذكور في (1مكا 5: 37) كانت تجعل من الصعب الوصول إلى المعبد الكائن على القمة، والمعبد نفسه "قرنيم" هو بعينه "قرنائيم" هو معبد عشتاروت ذي القرنين والذي ورد ذكره في (1مكا 5: 43).مع ملاحظة أن "النساء والأولاد وساءر الأمتعة" (آية 21): هي للعرب الذين كانوا في جيشه انظرشرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني 1مكا 39:5).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
رؤية خامسة: هذه هي الرؤيا الخامسة التي ُتذكر في هذا السفر، وقد آذر الله المكابيين بمثل تلك المناظر الإلهية لكي يعلن لهم تعضيده لجهادهم، وهو الأمر الذي أوقع الرعب في قلوب الأعداء ففروا مذعورين، مما تسبب في قتل وجرح بعضهم البعض وهو ما يسمى في القاموس العسكري الحديث ب (نيران صديقة) وهو ما مكّن المكابيين أيضًا من قتل عدد كبير منهم.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
طيموتاوس في الأسر: استطاع طيموتاوس أن ينجو من هلاك محقق من خلال الحيلة والخداع(1)، فعندما لم تفلح توسلاته ودموعه لآسريه: دوسيتاوس وسوسيباطير وهما اللذان كانا قد أهلكا الحامية العسكرية في أرض طوب فقد لجأ إلى التهديد بقتل عدد كبير من اليهود المأسورين لدى رجاله، وعند ذلك أطلق الرجلان سراحه، حقنا لدماء اخوتهما.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
أتر جيتون Atargatis:ويقصد هنا هيكل أترجيتيس (1مكا 5: 43، 44) وهي كبيرة آلهة الأراميين، ويتكون الاسم من مقطعين: أتار Atar (عشتار) أو أتاه Ahah ثمّ At.. , Attis "أتيس" (اسم إله ذكر فريجي).
وأترجتيس هي صورة من صور عشتاروت اقترن فيها إله وإلهة، وقد ُجلبت من بلاد فارس وأشور، وأصبحت بعبادتها الخاصة الإلهة الأم لآسيا الصغرى، وكان أهم مراكز عبادتها في سورية في هيرابوليس حيث كان الأهالي متعصّبون لها هناك.
عشتارت: هي إلهة السمك عند البابليين، والآراميين والفلسطينيين، ولكن لمادا ُترجم اسم هذه الإلهة وهو في الأصل العبري "عَتَرْعَتاه" إلى عشتارت؟:
من المعروف أن التسمية الأكادية (Ieshtar) سامية الأصل وقد وجدت بصيغ أخرى مقاربة في مناطق متعددة من الشرق الأدنى القديم، منها Ashtart عند أقوام الجزر الشمالية الغربية، و Athr في رأس شمرة و Athar عند العرب في جنوب الجزيرة العربية. وبالإضافة للتشابه في اللفظ فإن ما يدل على وجود صلة في المعتقدات الخاصة بالإلهة عشتار في وادي الرافدين، وبين الإلهة "عثر" في جنوب الجزيرة العربية، أن كلاّ منهما قد ُجسّد في نجمة سماوية، ثم أنهما عُبِدا ضمن ثالوث المجموعة الشمسية (الشمس والقمر والزهرة) والذي شاعت عبادته في جنوب الجزيرة العربية قديما(1).
وقد ورد ذكرها بعدة أسماء: (عشتارت، عشتاره، عشتارته، عشترة، عشتورة) ويجمع بلفظ عتاروت) ويعني الإسم بصورة عامة: الإلهة إشتارتي، والأهم في كل هذا التفريق بين هذه الإلهة والإلهة "عشيرة" زوجة الإله إيل.
ويبدو أن هذه الإلهة امتصّت صفاتها من "عشيرة" التي أصبحت إلهة أم فقط، وبلغة أخرى فإن عشتار الأكادية أو البابلية عندما دخلت إلى البانثيون الكنعاني إنشطرت إلى إلهتين، الأولى هي عشتارت إلهة الحب والجمال، والثانية هي عشيرة الإلهة الأم زوجة إيل...وأما لقبها الآخر فهو " أم القرنين" حيث ظهرت وهي تلبس رأسا على شكل ثور رمز السلطة، تحيط به ريشتان يبرز تحتهما قرنين. لاحظ أن الأحداث هنا في قرنيم مدينتها وحرمها المقدس. كما يقول في صفحة 100:
عشيرة: هي الإلهة الكنعانية الأم زوجة الإله إيل، التي صارت أما لكل الآلهة الكنعانية من إيل.....وقد حملت عدة ألقاب: مثل: خالقة الآلهة، والأم، وأيلة، إيلات، وسيدة العمودين، وربة اليم، و سمكة البحر، والسارية...ولا بد أن نذكر أن الإلهة الآرامية (عتر) ظهرت من عشتار أيضًا وكونت أساس اسم عترجاتس التي ننفي عنها كونها ظهرت من دمج (عناة + عشتارة) بل هي الإلهة الآرامية عتر اندمجت فيها صفات عناة(1).
هذا وقد ُصوّرت أترجتيس في شكل بطلة مصارعة، تجلس مستندة على مجموعة من الأسود وتحمل في يدها حزمة من السنابل. وقد حمل الجنود الرومان تمثالها هذا إلى شمال بريطانيا. بينما في مصر كانت عشتاروت تصّور برأس لها قرون بقرة وتسمّى هناك "الإلهة هاتور".
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
العودة إلى البلاد

(1مكا 5: 45)


27وبعد انكسار أولئك وهلاكهم، زحف يهوذا على عفرون، إحدى المدن الحصينة، وكان ليسياس يقيم فيها. وكان على أسوارها شبان من ذوى البأس، يقاتلون بشدة، ومعهم كثير من المجانيق والقذائف. 28فدعا اليهود الرب الذي يحطم بقدرته بأس الأعداء، فأخذوا المدينة وصرعوا من الذين في داخلها نحو خمسة وعشرين ألفًا. 29ثم رحلوا من هناك وهجموا على مدينة بيت شان، وهي على ست مئة غلوة من أورشليم.30إلا أن اليهود المقيمين هناك شهدوا بأن أهل بيت شأن عطفوا عليهم وعاملوهم بإنسانية في وقت الضيق. 31فشكرهم يهوذا وأصحابه على صنيعهم وأوصوهم أن يبقوا على عطفهم على جنسهم وعادوا إلى أورشليم لاقتراب عيد الأسابيع.(يس15: 45).
لم يكن في نيّة يهوذا المكابى مهاجمة عفرون، ولكنه وبالرجوع إلى (1مكا5: 45) سنجد أنه كان في طريقه إلى أورشليم وبصحبته اليهود الذين خلّصهم من مضايقات الوثنيين الذين كانوا يحيون معهم كأقليات خلال الحملة التأديبية الكبيرة، فكانت عفرون في طريقهم، ولم يكن من الممكن تفادي المرور من خلال، مثلما حدث كثيرًا مع يشوع والشعب عند امتلاك أرض الموعد، فقد رفض سكان العديد من البلاد مجرد مرورهم منها حتى بعد تقديم الضمانات بعدم الأذى أو حتى طلب الطعام والماء، مما اضطره إلى محاربتها والاستيلاء عليها. راجع: (يشوع 15: 45)
وقد يتعجب القارئ كيف سكن ليسياس والذي هو في مكانة الملك آنذاك في مدينة بعبر الأردن؟ (آية 27) ولكن ذلك كان مألوفًا بالنسبة للنبلاء والوزراء أن يكون لهم مساكن ريفية في الأقاليم.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
عفرون Ephron: يبدو أنها كانت مقر الوالي ليسياس في تلك المنطقة، وهو وصي الملك أنطيوخس الخامس، كما كانت تضم سكانًا من جنسيات مختلفة، وبينما ُيذكر في سفر المكابيين الأول أن سكانها رفضوا مرور اليهود في وسطها، بل أوصدوا الأبواب رافعين خلفها متاريس من الحجارة والرمال حتى يستحيل بذلك فتحها، فالسفر يشير هنا إلى قوة بأس المدافعين عنها على الأسوار بما لديهم من مجانق وقذائف (سهام ملتهبة لاشعال الحرائق).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
بيت شان: هي المدينة التي علّق أهلها على سورها جسد شاول (1صم31: 10).وهى المسمّاه أيضًا في اليونانية سكيثوبوليس (Scuqwn poliV) وهي المذكورة في (1مكا5: 46) حيث ُاشير هناك فقط إلى المرور عليها دون الاشتباك مع أهلها الوثنيين، ولكنه وبينما يظهر المكابيون هنا وهم متحفّزون للدفاع عن اخوتهم الساكنين هناك، إذ بهؤلاء يشهدون بحسن معاملة أهلها الوثنيين مما أوجب شكر يهوذا المكابى لهم.
عيد الأسابيع: وهو الترجمة الحرفية للاسم العبري الذي يعنى عيد الخمسين وهو عيد البنطقوستى (آية 32) وهو كذلك العيد الثاني من الأعياد الرئيسية الثلاثة، حيث كان يتوجّب على كل ذكر في إسرائيل أن يظهر أمام الرب في أورشليم (خروج 23: 17 و 34: 22 و تثنية 16: 10) وقد سمى بهذا الاسم لأنه يأتي في اليوم الخمسين أي بعد سبعة أسابيع من الفصح (خروج 34: 22) ولم تذكر إشارة عنه في الكتاب المقدس بعد ذلك إلا في أيام سليمان (2 أخ 8: 12، 13).
ووفقًا للتفسيرات الصدوقية والأسينية كان العيد دائمًا ما يوافق يوم أحد، وكان على يهوذا أن يوقف الأعمال القتالية يوم السبت الذي يسبق العيد (قارن مع 8: 26 و 12: 38) وبحسب التفسيرات الصدوقية والأسينية أيضًا كان يجب على الحجاج الوصول إلى أورشليم قبل السبت، وكان عيد الخمسين بحسب التقوىم الفريسي يوافق 6 سيفان (21 أبريل) وفي حالة التقوىم الكبيس كان العيد يقع في 19 يونية، وهناك نظريات غير مؤكدة تفيد بأن اليهود في تلك السنة (سنة 163 ق.م.) قد استخدموا تقويمًا غير كبيس(1).
في عيد الأسابيع كان ُيحتفل باتمام حصاد الشعير، حيث كان يقدّم في بداية هذا الحصاد "حزمة الترديد" أمام الرب، وهي كذلك بداية حصاد القمح، وكان يومًا مبهجًا حُسب راحة (إجازة رسمية) ومثل احتفال عائلى تقدّم فيه تقدمات اختيارية حسب كرمهم (تثنية 16: 10، 11) وفي الهيكل يقدّم رغيفين من خبز مختمر ومملح (لاويين 23: 17) أما مواصفات الرغيف فهي أن يكون بطول سبعة أشبار وعرض أربعة أشبار وسُمك سبعة أصابع (قراريط) وذلك بحسب فتوى الربيين لاحقًا، مع تقدمات عبارة عن سبع خراف حولية، وثور واحد، وكبشين محرقة مع تقدمتها وسكيبها وقود رائحة سرور للرب (لاويين 23: 18). وفي التقليد اليهودي ُيعتبر هذا اليوم هو يوم اعطاء الشريعة لموسى(2).
وفى العهد الجديد اعتبر هذا اليوم "يوم تأسيس الكنيسة" إذ حلّ فيه الروح القدس، حيث لبس الرسل قوة من الأعالي ومن ثم بدأوا خدمتهم منطلقين إلى كافة أرجاء المسكونة، وصار مع الوقت عيدًا سيديًا بل عُدّ أعظم الأعياد، ومنذ يوم عيد القيامة وحتى يوم الخمسين تعيش الكنيسة حالة من الفرح والبهجة، متسامية فوق القانون.

وهكذا استمرت الحملة التأديبية من ِقبل المكابيين على الأمم الوثنية، عقب عيد الفصح حيث رسائل ومعاهدات السلام وحتى قرب عيد الأسابيع (الخمسين). وجدير بالذكر هنا أنه أثناء تلك الحملة قد وقع يوسف وعزريا في المخالفة وتسبب ذلك في هزيمة الجيش اليهودي الذي كان برفقتهما (1مكا 5: 55-62).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
الحملة على جرجياس

1مكا 5: 65 - 68

32وبعد العيد المعروف بعيد الخمسين، أغاروا على جرجياس، قائد أرض أدوم.33 فخرج إليهم في ثلاثة آلاف راجل وأربع مئة فارس.34وأقتل الفريقان، وكان أن سقط من اليهود نفر قليل. 35وكان فيهم فارس ذو بأس يقال له دوسيتاوس، من رجال بكينور، فأمسك جرجياس وقبض على ردائه واجتذبه بقوة، يريد أن يأسر ذلك اللعين حيًا فهجم عليه. فارس من الطراقيين وقطع كتفه، ففر جرجياس إلى مريشة. 36وتمادى القتال بالذين مع أشدرين حتى كلوا، فدعا يهوذا الرب ليكون حليفهم وقائدهم في القتال. 37وجعل يهتف بالأناشيد بلسان آبائه، ثم صرخ، ووثب على رجال جرجياس بغتة وهزمهم.
يتضح لنا من أخبار هذه الحملة أن المكابيين لم يحققوا نصرًا حاسمًا على جيش جرجياس، والذي كان عدد أفراده قليلًا جدًا إذا ما قورن بالأعداد الضخمة من الجنود والفرسان، التي هزموها في معارك أخرى، حيث وصل قوام بعضها إلى مئة وعشرين ألفًا. ويبدو أنها كانت واحدة من جولات الاشتباك مع جيش جرجياس قائد أرض أدوم(1)، إذ يرد في (1مكا 5: 59، 60) فيما يبدو أنه احدى هذه الجولات أنه سقط ألفى يهودي(2).
جدير بالذكر هنا أن أعداد الجنود والفرسان المذكورة في (آية 32) هي ل جرجياس وليست يهوذا المكابى، وبالتالي فهي أرقام متواضعة بالنسبة للقوى التي أغار بها من قبل على اليهود. وفي (1مكا 5: 68) يذكر أن حملة يهوذا هذه قد انتهت بغارة على إقليم أشدود وعلى المعابد الوثنية والأصنام التي فيها.
أما "دوسيتاوس" المذكور هنا فهو مختلف عن الشخص المذكور في (آية 19) لأنه معرّف هنا. وترد العبارة: "دوسيتاوس أحد رجال بكينور" في النسخ الأرامية: (دين جفرا من طوبينا = رجل من طوب)، وهكذا وردت في عدد من المخطوطات اليونانية: (twbihnwn) أو (Toubnhuwn) مما يعني أنه كان أحد رجال طوب.
وأما "بكينور" Bacenor فهو أحد القواد اليهود في جيش المكابي وكان دوسيتاوس قائدا أيضًا ولكنه دوّنه في الرتبة وتظهر لنا شجاعته وجبروته من اختراقه لصفوف الأعداء ومحاولته أسر قائدهم، وبالتالي فقد كان بإمكانه قتله إذ يقترب منه إلى هذا الحد، لولا أن أحد رجال جرجياس تدارك الأمر فأصاب ذلك الفارس الشجاع.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
الطراقيين = الثراكيين Thracians: وهم سكان ثراكية والتي تقع في شبه جزيرة البلقان شمال شرق مكدونية، جنوب بلغاريا الحالية، وكانت تقع بين نهرى "فستوس" و "الدانوب" حاليًا، وقد اشترك بعض من رجالها كجنود مرتزقة في جيش السلوقيين، حيث عُرف عنهم شدة البأس.وهم يعملون هنا لحساب المكابيين، وبالتالي فلا ينطبق عليهم التحريم الوارد في الشريعة والخاص بعدم جواز استخدام اليهود للفرسان.
أما الرداء الذي حاول دوسيتاوس امساك جرجياس منه، فهو المعطف القصير الذي كان الفرسان يرتدونه "cloak". وهو بلا أكمام وُيطرح على الكتفين ويثبّت عند العنق بدبوس (مشبك) وكان يتألف من قطعة مستطيلة من القماش، ومن الطرف السفلى تتقوس إلى جناحين فيما يشبه ذيلي المعطف الرسمي.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
مريشة: وهي المدينة الفلسطينية الواقعة بين أدوم وحبرون، وهي التي ُاشير إليها سابقًا في (1مكا 5: 66) راجع التعليق عليها هناك.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
أسدرين = أشدرين Esdris: وهو واحد من القادة في جيش المكابى، ولم ُيذكر إلاّ في هذا المكان وبالتالي فلا ُيعرف عنه شيء غير ما ورد هنا. وربما كان قائد الوحدة العسكرية التي تعرضت للخسائر والمذكورة في (آية 34). هذا وقد جاءت الكلمة اسدرين في اليونانية (EsdriV) وهو اسم يشابه اسم عزري الوارد (1 أخ 27: 26)، ونرى أن الكاتب لم يعطه كنية والذي بالتأكيد كان مذكور في كتب ياسون الكاملة.
وهكذا كاد اليهود أن يخسروا تلك المعركة، وعندما بادر يهوذا بالهتاف مع الشعب بالأناشيد الحماسية (المزامير)، والتي من شأنها إثارة حميّة الجنود وإذكاء روح القتال فيهم، استطاعوا تدارك الأمر، أمّا المقصود بأن يهوذا أنشد بلغة آبائه وهي العبرية فهو أن تلك الأناشيد كانت معروفة حيث كتبت ولحنت في العبرية وصارت تتلى في مناسبات بعينها. كما يوحى استخدام المكابى هنا للعبرية بأنه كان يتكلم الأرامية هو ورجاله قارن (15: 29).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
أصنام يمنيا

38ثم جمع يهوذا جيشه وسار به إلى مدينة عدلام. ولما كان اليوم السابع، اطهروا بحسب العادة واحتفلوا بالسبت هناك. 39وفى الغد جاؤوا إلى يهوذا عندما كانت تقتضيه الحاجة ليحملوا جثث القتلى ويدفنوهم مع ذوى قرابتهم في مقابر آبائهم. 40فوجدوا تحت ثياب كل واحد من القتلى أشياء مكرسة لأصنام يمنيًا، مما تحرمه الشريعة على اليهود. فتبين لهم جميعًا أن ذلك كان سبب قتلهم. 41فباركوا كلهم تصرف الرب الديان البار، الذي يكشف الخفايا.

عدلام Adulam: اسم عبري معناه "ملجأ" وهي احدى مدن السهل الشهيرة وتسمى "عين الماء" وفيها تقع المغارة المسمّاة بإسمها، والتي فيها اختبأ داود من وجه شاول، راجع (يش12:15 و 1صم 22: 1 و 2 أخ 11: 17) وبعد هزيمة طيموتاوس العمونى عسكر الجيش عندها. هذا وتقع عدلام على بُعد حوالي 12 كم شمال شرق مريشة، ورغم أن الأدوميين قد تعدّوا على جزء كبير من جنوب اليهودية، فقد بقت عدلام في أيدي اليهود، أنظر (نحميا 11: 30).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
التطهير حسب العادة:

لم يستحم المكابى ورجاله فقط ولكنهم تطهّروا بحسب الطقس، ولكنه لم يكن تطهير بحسب طقس سفر العدد (31: 19 - 24) لأنه يستغرق سبعة أيام، ولكنه كان حسب العادة أو حسبما تقضى تعليمات الحاخامات لمن يدخل الفناء الداخلي للهيكل فقط، فبحسب الرابي يهوذا ابن رابي إيلى كان مجرد غسيل للوجه واليدين بماء دافئ قبل حلول السبت، بينما يحتفظ الحسيديين بعادة التطهير بالغمر الطقسي قبل حلول السبت، كما طالب سكان قمران (الأسينيين) الجنود بتطهير أنفسهم في الصباح التالي لأية معركة (1).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
أصنام يمنيا:

وبعد انقضاء السبت والاحتفال به قام الجنود باتمام الواجب والذي كان قد تأجّل بسبب حلول السبت، فعندما همّ رجال المكابي بتكفين القتلى تمهيدًا لدفنهم كلٍ في قبر آبائه، عثروا في طيات ثياب القتلى على تمائم (تعاويذ) وتماثيل صغيرة لآلهة يمنيًا والتي كانوا قد اجتاحوها، ولم تكن تلك الأشياء قد حملها الرجال على سبيل التفاؤل أو أنها تعكس معتقدات وثنيّة لديهم، وإلاّ لما حاربوا مع المكابى ضد الوثنيين، ولكنها على الأرجح كانت مقتنيات استولوا عليها من يمنيا (آية 8، 9) إذ كانت المعابد الوثنية تحتوى على ُحلى ذهبية وفضية مكرسة للآلهة الوثنية وتوضع فوق تماثيلها، ولكن ذلك كان مخالفًا للشريعة إذ يرد في سفر التثنية: " تماثيل آلهتهم تحرقون بالنار لا تشته فضة ولا ذهبًا مما عليها فتأخذ لك لئلا تصاد به لأنه رجس عند الرب إلهك، ولا تدخل رجسًا إلى بيتك لئلا تكون مجدفًا مثله، تستقبحه وتكرهه لأنه محّرم (تثنية 7: 25، 26)(1).
وقد رأى القادة المكابيين أن ذلك كان السبب في قتلهم دون الباقين، حيث لم تحمهم تلك الآلهة التي حملوا تماثيلها وتمائمها.
ويقول العالم إيسيدور ليفي أن أهل يمنيا صوّروا هيرقل وهورون على أنهما الإلهين اللذين يمتلكان يمنيا، ويظهر هذين الإلهين كمدافعين، وكانت يمنيا تقع في الإقليم الذي كانت تسيطر عليه مدينة عقرون حيث كان بعل زبول يعتبر كإله يدافع ويشفى (2مل 1: 2 - 16) وبذلك كانت تلك الأشياء المكرسة تعتبر تعاويذًا تجلب لحاملها قوة آلهة يمنيا الدفاعية، وكما مات الملك أحازيا عقابًا له على طلب قوة الشفاء من بلعزبول (بعل زبوب) هكذا هلك الجنود اليهود بسبب حملهم التعاويذ الوثنية.
ولكن الأرجح أن خطيّة أولئك الرجال كانت الجشع وليست الوثنية (أي الثقة بآلهة كاذبة) وقد كانت خطية "عخان بن كرمي" هي الجشع ولكنه دفع حياته ثمنًا لها (يشوع 7).
ويذكرنا ذلك بأصنام بيت لابان والتي أخفتها راحيل في أمتعتها، ورغم اعتقاد الكثير من الشراح في أن ذلك كان يعبّر عن بقايا التأثير الوثني لدى راحيل، إلاّ أن وثائق " نوزى Nuzi " تفيد بأن ذلك كان يعنى اثبات نصيب الإنسان في الميراث (تكوين 31: 14 16، 30، 32، 33 35).
أما عن مباركة (تمجيد) الشعب للرب الذي كشف الخفايا، فالمقصود به اكتشافهم سبب هزيمة البعض وكذلك الهزيمة العامة التي كانت وشيكة الحدوث في تلك المواجهة مع جيش جرجياس، معتبرين ذلك خيانة على غرار ما حدث في عاى بسبب ما فعله عخان بن كرمى.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
الصلاة عن الراقدين


42ثم أخذوا يصلون ويبتهلون أن تمحى تلك الخطيئة المرتكبة محوا تامًا. ثم وعظ يهوذا الباسل القوم أن يصونوا أنفسهم من الخطيئة، إذ رأوا بعيونهم ما حدث بسبب خطيئة الذين سقطوا. 43ثم جمع من كل واحد تقدمة، فبلغ المجموع ألفى درهم من الفضة، فأرسلها إلى أورشليم لتقدم بها ذبيحة عن الخطيئة. وكان عمله من أحسن الصنيع وأسماه على حسب فكرة قيامة الموتى، 44لأنه لو لم يكن يرجو قيامة الذين سقطوا، لكانت صلاته من أجل الموتى أمرًا سخيفًا لا طائل تحته. 45وإن عد أن الذين رقدوا بالتقوى قد أدخر لهم ثواب جميل، كان في هذا فكر مقدس تقوى. ولهذا قدم ذبيحة التكفير عن الأموات، ليحلوا من الخطيئة.


شعر يهوذا ورجاله أن المجتمع كله قد ُوصم بخطية عبادة الأصنام، من خلال سلوك الجنود المخالفين، فإذا اعتبر يهوذا ما ورد في (لاويين 4: 13) منطبقًا على حالتهم فقد كان (لاويين 4: 14 - 21) بالتالي يحتّم احضار الشعب ثورًا كذبيحة خطية، وفيما بعد نصّت القوانين الحاخامية على أن يُجمع من الشعب مبلغ خاص لشراء الثور، وكان مبلغ الألفي درهم كبيرًا جدًا كثمن للثور (آية 43) وبالتالي كان المبلغ المتبقي يوهب للهيكل، ولكن يهوذا هنا يقدمها عن الأموات.
تعد هذه الفقرة من أهم المصادر الكتابية في تدعيم عقيدة الصلاة لأجل الراقدين، غير أنالأهم من ذلك هو عقيدة قيامة الأموات، فإن هؤلاء الذين ماتوا في الحرب لم يكونوا مجرد كائنات ظهرت حينًا ثم اختفت، مثل أية ظاهرة بيولوجية، ولكنهم أولاد لله أتى بهم إلى هذا العالم ووهبهم ميزة الخلود، وإذا عاشوا هنا بالبر فهم بذلك ُمستحقون لنصيب أبدي أعدّ لهم منذ تأسيس العالم.
أما عن تقديم القرابين عن الراقدين فقد مارست الكنيسة منذ البداية هذا الطقس، إذ ترد إشارة إلى ذلك في قوانين الآباء الرسل (1: 69) " إذا رغبتم في ذلك فكلوا بترتيب وخوف الله حتى يمكنكم أن تصلّوا عن الذين انتقلوا من هذا العالم". ويرد أيضًا في قوانين القديس اكليمندس أن الشرير لن ينتفع حتى ولو ُقدمت كل قنايا (أموال) العالم صدقة نيابة عنه للفقراء، كما يقول القديس أغسطينوس أنه ليس للصالحين جِدًا ولا الأردياء جِدًا، تقدم هذه القرابين (مدينة الله 21: 24/2). والمقصود بالطبع أنها تقدم عن أشخاص أبرار لهم بعض الهفوات والخطايا التي ليست للموت. ويرد في قوانين ابن العسال (القرن13)عن القربان الذين يقدّم يوم الدفن وفي تمام الشهر وعند انقضاء ستة أشهر وعند تمام السنة " ويعطون الفقراء ومن زاد على ذلك فله وللميت زيادة الأجر". كما ورد في كتاب الجوهرة النفسية لابن السباع (بداية القرن 14) "رفع القربان عن الميت في اليوم الثالث والتاسع والشهر و ستة أشهر وسنة " ويضيف: أن القربان على الميت مما ُيوجب له الرحمة من الله. فترتيب الثالث، لنشعر أهل الميت أنه رُحم من الله فيتسلّوا ويتعزوا عن فقده، برحمة الله. ويمضى ابن السباع (في باب 84) فيقول "عند توزيع لقمة البركة فعلى من يأخذها أن يقول قبل أن يأكلها اللهمّ اغفر خطايا مقدم هذا القربان وتستجيب طلبة الكاهن له على وجه الخصوص، وطلبة سائر الشعب على العموم". كما يقول يشوع بن سيراخ: "لا تمنع معروفك عن الميت" (سيراخ 7: 33).
أما عن الخطايا التي نصلي عن الميت لأجلها ونرفع القرابين، فهي تلك التي ليست للموت مثل التي نسى الاعتراف بها، أو تلك التي لم يجد من يعترف بها أمامه، أو عندما لم يجد الوسيلة التي يصحح بها ما ارتكبه أثناء حياته، يقول القديس يوحنا الحبيب " إن رأى أحد أخاه يخطئ خطية ليست للموت يطلب فيعطيه حياة للذين يخطئون ليس للموت. توجد خطية للموت ليس لأجل هذه أقول أن يطلب" (1يو 5: 16).
ويصلى القديس بولس الرسول عن تلميذه أنيسفورس قائلًا "ليعطه الرب أن يجد رحمة من الرب في ذلك اليوم" (2تيمو1: 18) كما نصلي جميعًا لأجل داود النبي كل يوم قائلين وإذكر يا رب داود وكل مذلته" (مزمور 132: 1).
ولكنه ولا شك أن الذين ماتوا في خطاياهم، لاسيما أولئك الذين كانوا ُمصرّين عليها حتى موتهم، فإن هذه الصلوات والقرابين لن تنفعهم شيئًا (كما ورد في أقوال القديس أغسطينوس وقوانين القديس اكليمندس).
وهكذا نصلي كل يوم في أوشية الراقدين قائلين "وان كان قد لحقهم توان أو تفريط كبشر وقد لبسوا جسدًا وسكنوا في هذا العالم، فأنت كصالح ومحب للبشر اللهم تفضل واغفر لهم".
وفي العصر المسيحي الأول استبدلت القرابين التي ترفع عن الميت (في شكل طعام وصدقات للفقراء) بالافخارستيا، حيث ترفع ذبيحة الافخارستيا عن الميت سواء في الثالث أو الأربعين أو وقتما يشاء ذويه، إذ ُتعد الافخارستيا شركة حقيقية بين الأحياء والراقدين من خلال تناول جسد ودم المسيح الذي هو خبز الحياة (راجع يوحنا 6) كما عرفت في الولائم التي تعقب الافخارستيا في هذه المناسبات عادة أكل السمك من قرابين الموتى، حيث يرمز السمك إلى الافخارستيا، وقد أكله السيد المسيح مع تلاميذه بعد قيامته، ويوجد على الكثير من جدران مقابر المسيحيين في روما رسوم السمك مقترنة بالخبز والخمر.
وفي المقابل فإن الأبرار الذين انتقلوا من هذا العالم هم أيضًا يصلون عنا، ففي سفر المزامير نصلي "من أجل داود عبدك لا ترد وجهك عن مسيحك" (مزمور 132: 10) ثم قال الرب في سفر إرميا "وإن وقف موسى وصموئيل أمامي لا تكون نفسي نحو هذا الشعب" (إرميا 15: 1) أي أن موسى وصموئيل لهم كرامة عند الرب ويسمع لتضرعاتهم ولكن هذا الشعب تجاوزت تعدياته هذا الحدّ، كما يشفع فينا الملائكة أيضًا، فيرد في سفر زكريا: " فأجاب ملاك الرب وقال: إلى متى أنت لا ترحم أورشليم ومدن يهوذا التي غضبت عليها هذه السبعين سنة؟" (زكريا 1: 12، 13، 16). ونقرأ كذلك في سفر الرؤيا عن الحيوانات الأربعة والقسوس الأربعة والعشرون الذين رفعوا البخور وهو صلوات القديسين (رؤيا 5: 8).
جدير بالذكر أن الصدوقيين والذين تبلورت أفكارهم في العصر المكابي أيضًا، أنكروا فكرة قيامة الأموات وكذلك وجود الأرواح والحياة الأبدية ويظهر ذلك في محاجاتهم مع السيد المسيح، راجع (متى 22: 23-33) وقد أسهم هذا الجزء من السفر في بلورة فكرة الخلود.
يقول القديس أغسطينوس في مقاله عن المباحث العقائدية والأخلاقية".. نقرأ في سفر المكابين عن الذبيحة التي ُقدمت عن الموتى، فإن استخدام
(مثل هذه الذبائح) واضح للكنيسة كلها، حيث في صلاة الكاهن التي يقدمها للرب على مذبحه: اطراء للموتى له أيضًا مكانه(1).
وفي وجوب تقديم القرابين عمن ماتوا قبل أن يعتمدوا:".... على مثال المكابين الذين سقطوا في المعركة، فإني أشرح وجهة نظري في ضرورة ذلك، فهم (أي المكابيين) عندما قدّموا خفية التضحيات المحرقة (يقصد أصنام يمنيًا) وبعدما سقطوا في المعركة، نجد أن الكهنة قد لجأوا فورًا إلى هذا الاجراء الشافى، فقد ُقدمت الذبائح بغرض خلاص نفوسهم التي قيّدها الذنب بسبب تصرفهم المحرم" (2).
ويضيف قائلًا في أن ذبيحة جسد ودم المسيح لن تنفع الأشخاص غير المعتمدين، ولا يمكن تقديمها عن غالبية أولئك الذين يموتون بغير عماد: "فإننا نتكلم عن أولئك الذين بميلادهم بين الاشخاص الوثنيين ومن الوالدين الوثنيين لا يمكن بأي شكل أن ينالوا مثل هذا العون والمساعدة، وحتى إن أمكن تقديم هذه الذبائح فإنها بالتأكيد لن تفيد غير المعمّدين، تمامًا كما كانت الذبائح المذكورة في سفر المكابين غير ذي جدوى للموتى الخطاة الذين قدمت عنهم كما لو كانوا بالضبط غير مختونين" (1) ويقصد القديس في الفقرتين السابقتين أنه لن تفيد التقدمات الموتى غير المعمدين، مثلما كانت ستصبح غير مفيدة ذبائح المكابيين عن الذين ماتوا إذا لم يكونوا مختتنين إذ كان الختان في ذلك الحين رمزًا للمعمودية.
ويقول كذلك في دفاعه "إذا رغبت في أن تكون مسيحيًا، فأضرع إليك ألاّ تؤمن ولا تعلّم بأن تقدمة المسيحيين عن أولئك الذين قد فارقوا الجسد من دون عماد لن ُتقبل، وألا فإن ذبيحة المكابيين عن الموتى لن تقبل إذا كانوا غير مختونين" (2) وكان القديس يعاتب شخصًا يدعى فيكتور أو فيكتوريانوس في بعض العقائد.
أخيرًا: يجب أن نلاحظ الفرق بين مبلغ الثلثمائة درهم التي جمعها اليهود للاشتراك في ذبيحة وثنية في صور مجاملة للسلوقيين، ومبلغ الألفي درهم هنا والتي ُجمعت لأجل الذبيحة عن الأموات، حيث يظهر هنا كرم الشعب وتعاطفه وميله إلى تصديق فعالية هذه الذبيحة. هذا وقد اكتسب هذا العمل الذي قام به يهوذا أهمية كبرى في الفكر اليهودي والمسيحي تجاه عقيدة الصلاة عن الراقدين.

(1) مئتان وأربعون غلوة: تقريبا 45 كم، وطبقا للعالم أبل (Abel,RB 1925 , 359) يقول أن المسافة تبلغ 340 غلوة بالضبط. ربما يوجد اختلاف في المقاييس ما بين اليهود واليونانيين؟! وربما أخطأ "أبل".

(1) تشبه المدينة إلى حد كبير "خط بارليف" والذي أقامه اليهود على الضفة الشرقية لقناة السويس للحيلولة دون وصول المصرين إلى سيناء، وهو الخط الذي حطمه الجنود المصريين في حرب 1973م. وطبقًا لبعض المخطوطات اليونانية فإن كلمة جسور جاءت: (gefuraiV) وربما كانت جسور حجرية لتسهيل العبور.

(1) سبع مئة وخمسين غلوة: طبقا للمسافات التي قدرها كوجلر Kugler فإن الغلوة الواحدة = 0.165 كيلومتر، إذن 750 غلوة = 124 كيلومتر.

(1) يتضرع إليهم بكل حيلة: جاءت في اليونانية (meta pollehV gohteiaV) = (بسحر كثير، بشعودة كثيرة)، وهكدا ترجم من للآرامية (وْباعاه هُو مِنْهون وْمِتكَشيف هو = وقد طلب منهم وعمل في الأسحار)، ويوجد من يترجمها في بعض نسخ السفر: "بتحنن عظيم وبكاء".

(1) د/فاضل عبد الواحد علي كتاب: (عشتارت ومأساة تموز)، الطبعة الأولى 1999م. دار الأهالي للطباعة والنشر - سوريا. دمشق /ص 25.

(1) د/خزعل الماجدي في سلسلة "التراث الروحي للإنسان" الجزء الخامس " المعتقدات الكنعانية " الطبعة الأولى 2001م. دار الشروق للنشر والتوزيع عمان - الأردن /ص 97-100.

(1)Jonathan A. Goldsten, II Macc.

(2) راجع كتاب الهيكل للمؤلف / فصل عيد البنطقستى

(1) قائد أرض أدوم: طبقا للآية 40 من هذا الأصحاح فإن بعض اليهود أخذوا قدس من أصنام يبنة، وطبقا ل (1مكا 5: 58 - 9) خرج جرجياس من الحرب من يبنة، وهكذا يقول يوسيفوس (الآثار اليهودية كتاب 12 فصل 8: 6): (رئيس جيش يبنة strathgoV ImaneiaV) بهذا الدليل هناك من يترجم الكلمة في طبعات السفر ب " رئيس جيش يبنة " لأن مدينة يبنة كان بنو أدوم مستوطنين فيها منذ زمان.

(2) يعطينا هذا تأكيدًا اضافيًا لصدق السفر إذ لم يخفى الهزائم التي لحقت باليهود، ولم يقدّمهم على أنهم منتصرون على طول الخط.

(1) كتاب الحرب / مخطوطات قمران.كتابات ما بين العهدين.

(1) أشياء مكرّسة: جاءت في الأصل العبري (كْليْ قودِش) حيث (كْليْ = أدوات، أشياء) بينما (قودِش = مقدس، هيكل، قدس)، وجاءت في اليونانية (Ierwmata). ويرى العديد من المفسرين والتاريخيين أنه كانت هناك فيلة بحجم صغير مصنوعة خصيصا كتعويذة تحمل في الرقاب.

(1) N.P.NF, S1, vol. (1). P. 540. في العناية بالموتى.

(2) Ibid, v.5 , P. 338 فى الروح ومنشأها

(1) Ibid, v.5 , P. 320 فى الروح ومنشأها

(2) Ibid, v.5 , P. 350 فى الروح ومنشأها
  رد مع اقتباس
قديم 01 - 04 - 2014, 03:22 PM   رقم المشاركة : ( 13 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,276,540

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني

المكابيين الثاني 13 - تفسير سفر المكابيين الثاني
حملة أنطيوخس الخامس وليسياس



جاءت هذه الحملة نتيجة لاستغاثة الحامية السلوقية الموجودة في قلعة (عكرة) في أورشليم، فقد قام يهوذا المكابى بالتضييق عليها بقصد إخضاعها ولكنه لم ينجح في ذلك، وقد ظلت الحامية موجودة بها إلى أن قام سمعان المكابى بفتحها وطرد الجنود منها حيث كان ذلك إذانا بانتهاء الاحتلال السلوقى لأورشليم (1مكا13: 49-52) أما حملة أنطيوخس الخامس فقد فشلت في تحقيق أهدافها ومن ثم عقد معاهدة صلح مع اليهود، حيث أكدت هذه المعاهدة استمرار نجاح الثورة المكابية.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
تزلف منلاوس وقتله

فى السنة المئة والتاسعة والأربعين، بلغ أصحاب يهوذا أن أنطيوخس أوباطور زاحف على اليهودية في جيش جرار، ومعه ليسياس وصيه وقيم المصالح، ومعهما جيش يوناني مؤلف من مئة وعشرة آلاف راجل وخمسة آلاف وثلاث مئة فارس واثنين وعشرين فيلا وثلاث مئة مركبة ذات مناجل. فأنضم إليهم منلاوس، وجعل يحرض أنطيوخس بكل نوع من الحيل، غير مبال بخلاص وطنه، بل ساعيا لأن يعاد إلى منصبه، ولكن ملك الملوك أثار سخط أنطيوخس على ذلك المجرم، فإن ليسياس أظهر له أن الرجل كان هو السبب في تلك الشرور بأسرها. فامر الملك بأن يذهب به إلى بيريه ليقتل على عادة البلاد. وهناك برج علوه خمسون ذراعا مملوء رمادا، وفيه آلة مستديرة تهوى براكبها من جميع جهاتها على الرماد. ففي ذلك المكان يصعد المذنب بنهب المقدسات أو ببعض الجرائم الفظيعة الأخرى، ويفع به لهلاكه. وبهذا التعذيب هلك الأثيم منلاوس، ولم يحصل على تربة يوارى فيها، وحدث ذلك بكل عدل، فإنه قد أرتكب جرائم كثيرة على المذبح الذي ناره ورماده مقدسان، وفي الرماد ذاق موته.
جاءت هذه الحملة ناقضة للاتفاقيات السابقة الواردة في الإصحاح الحادى عشر، ومثلت تحولا كاملا في السياسة السلوقية تجاه اليهود، ولا شك أن العنف والقسوة منسوبان ليس إلى الملك الغلام بل ليسياس الوصي عليه، ثم ما تلبث سياستهم في أن تتحول إلى تعاطف مع اليهود وعقد صلح مع حماة بيت صور، وفي نهاية الحملة يكرم الملك الهيكل بسخاء، في حين يأمر بإعدام منلاوس رئيس الكهنة المرفوض.
فى تلك الحملة كان يهوذا قد قام لمحاصرة قلعة عكرة، بينما استخدم بقية قواته في سد الطرق الوعرة المؤدية إلى أورشليم من السهل السأحلى، ولكن قواته لم تكن تسمح بالهجوم على الجيش المالكى الكبير، وعندما طوق جيش الملك الأوجار التي تسببت في إعاقة تقدمه نحو أورشليم من خلال أدوم، وضرب الحصار حول الحصن اليهودي في بيت صور، اتخذ يهوذا القرار الصعب برفع الحصار عن القلعة ومواجهة الجيش المالكى في بيت زكريا، وهزم يهوذا ومات أخوه كبطل تحت أحد الأفيال، وعاد يهوذا إلى الهيكل الحصين ولم ينقذهم سوى تدخل إلهي من هزيمة ساحقة (راجع1مكا6: 28......الخ).

شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
عملة أنطيوخوس الخامس
كانت القوة السلوقية كبيرة إلى الحد الذي يثير الفزع، يضاف إلى تلك أنها حملة انتقامية وليست توسعية أو استكشافية لمدى قوة اليهود وعتادهم. أما الأفيال الحربية فقد أشرنا فيما سبق إلى استخدامها في القتال من قبل السلوقيين، وأما المركبات ذات المناحل (أو الكلاليب) فلعلها ذلك النوع الذي يوجد على امتداد محوره من الجانبين جزء مدبب ومشرشر مثل السكاكين أو المناجل، وكان الغرض منه الإيقاع بأية مركبة تمر إلى جوارها أو الفتك عمومًا بكل ما يمر في محازاة المركبة، وقد ظهر هذا التطور في المركبات الحربية ومركبات المصارعات خلال القرن الثاني قبل الميلاد، وقد استخدامها الرومان على نطاق واسع.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
نهاية منلاوس:

يأتي تزلف منلاوس هنا إلى السلوقيين، على غرار تزلف ألكيمس إليهم، فبينما صاحب الأخير بكيديس القائد السلوقى(1مكا7: 9، 12) أملا في تعزيز موقفه كرئيس للكهنة، هكذا سلك الأول، وكلاهما يدرك أنه غير منتخب ولا محبوب من الشعب، وقد أراد منلاوس العودة إلى منصبه الذي طرد منه ولو على أشلاء بنى أمته، وكان خليقا به أن يؤثر خير الشعب على محبته للرئاسة والزعامة والمال، وفي هذا تأكيد على عدم محبته للشعب من جهة وعدم صلاحيته للوظيفة من جهة أخرى، لذلك ففي الدول ذات الأنظمة المتطورة يؤثر المسئول خير بلاده على محبته للسلطة، ومن ثم فإنه يستعفى من وظيفته متى كان باستمراره فيها يحول دون ذلك.
بل أن منلاوس نفسه قد فقد حياته وأبديته بسبب السعي إلى الكرامة الزائلة، إذ أن أنطيوخس عندما على ليسياس بأنه هو السبب الحقيقي وراء اندلاع الواجهات مع اليهود وهو الذي اقنع أنطيوخس الرابع بفرض الأغرقة على اليهود، وبالرغم من الاتفاقيات التي أبرمت منذ عهد قريب: استاء الملك لذلك فسواء أكان الملك أو ليسياس فإن أثنيهما لم يرغب في استئناف القتال.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
معاقبة منلاوس:

قرر أنطيوخس توقيع أشد العقوبة على منلاوس في ذلك الوقت، حيث كان يرسل إلى البرية أعتى المجرمين وأشرهم خطرا وجرما، مثل نهب المعابد أو الخيانة العظمى وما في مستوى ذلك. أما تلك الآلة الرهيبة وهي من اختراع الفرس، فهي ذاتها التي عذب بها ومات: ألعازر الشيخ اليهودي(6: 28).
وكان المحكوم عليه يثبت في آلة تشبه الساقية، ومن ثم تدار وتغطس به داخل خزان أو برج ضخم بارتفاع حوالي 17م، ملئ بالرماد الملتهب، وتسمى هذه الطريقة أيضًا ب"الدولبة" (2مكا6: 28) وهي ما يقصد به عند الفرس ب"التعذيب بالرماد". وكان عدد كبير يشترك في هذه العملية كما هو الحال في عقوبة الرجم، إذ يتناوبون دفع العجلة. وكان منلاوس بحق سارق هياكل ومقترفا لجرائم بشعة (آية6) راجع أيضًا (4: 32-50).
وهكذا مات منلاوس على نحو مريع، ولم يهتم أحد بتسليم جثمانه لدفنه، حيث كان ترك الجثة دون دفن يعد عارا كبيرًا لدى اليهود، "وأتركك في البرية أنت وجميع سمك أنهارك على وجه الحقل تسقط فلا تجمع ولا تلم وبذلتك طعاما لوحوش البر ولطيور السماء"(حزقيال29: 5). هذا ويورد السفر هنا توازيا ما بين الجرائم التي أقترفها منلاوس، والطريقة التي قتل بها، فقد تعدى على الهيكل والذي يعد كل من ناره ورماده مقدسان، لأنها نار نازلة من عند الله، ولأنه رماد الذبائح التي قدمت لله، وهكذا عذب هو بالنار والرماد.....!!
ويقول يوسيفوس أن منلاوس قال في نهاية الحرب (1) ومن المحتمل أن تكون معاقبة منلاوس قد حدثت عند التفاوض مع اليهود في نهاية الحملة (آيات18-26) كحل بديل وأمثل للحروب بين الفريقين، فجاءت معاقبته في سياق ترضية اليهود. هذا وقد استمر لمدة عشر سنوات كرئيس كهنة.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
بيرية Beroea وفي العبرية "برويا" وفي اليونانية ειζ Βεροιαν وفي الآرامية "حلب" (أرام صوبة). وهي مدينة في الجنوب الغربي لمكدونية في مقاطعة "أمباثيا" على مسافة 65كم غرب تسالونيكى، ومسافة 40كم من "خليج ثرماى" ونظرا لبعدها عن الطريق الرئيسى لروما فلم تكن لها شهرة كبيرة، وكانت أول مدينة تسقط في يد الرومانيين خلال الحرب في تلك المنطقة سنة 168 ق.م.، هذا وقد استعار سلوقس الأول اسمها ليُطلقه على مدينة "حلب" في سوريا، حيث كانت تلك الآلة البشعة للتعذيب، وأما بيرية مكدونية الآن فتُسمّى "فيريا".
ويقول يوسيفوق أن أونيا الرابع عندما رأى ألكيمس (وهو لا يتبع العائلة الأونية) قد تولى رئاسة الكهنوت بعد موت منالاوس، رحل إلى مصر البطلمية وشيد هيكله المنشق، وذلك عقب عودة أنطيوخس الخامس وليسياس إلى موضعهما في أنطاكية (2).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني

شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
يهوذا المكابي
المكابيون يصرخون إلى الله

9 وأما الملك، فما زال يتقدم وروحه مملوء مقاصد بربرية، وهو يتوعَّد اليهود بأمر مما حدث على عهد أبيه. 10 فلما علم يهوذا ذلك، أمر الشعب بالابتهال إلى الرب نهارًا وليلًا أن ينصرهم في ذلك اليوم أيضًا، كما كان يفعل من قبل، فإنهم قد أوشكوا أن يحرموا من الشريعة والوطن والهيكل المقدس، 11 وأن لا يدع هذا الشعب الذي لم يفرج عنه إلا من أمد قريب يقع في أيدي الوثنيين الحقيرين. 12 ففعلوا كلهم وتضرعوا إلى الرب الرحيم بالبكاء والصوم والسجود مدة ثلاثة أيام بلا انقطاع. ثم حرضوا يهوذا وأمرهم أن يكونوا متأهبين. 13 وخلا بالشيوخ وعزم ألا ينتظر دخول جيش الملك إلى اليهودية والاستيلاء على المدينة، بل أن يخرج ويقضي الأمر بتأييد الرب. ففوق الأمر إلى خالق العالم، وحضَّ أصحابه على أن يُقالتلوا ببسالة حتى الموت في سبيل الشريعة والهيكل والمدينة والوطن والمؤسسات، ونصب معسكره عند مودين. 15 وجعل لهم كلهم السر "نصر الله". ثم أختار قوما من نخب الشبان وهجم بهم ليلا على خيمة الملك. وقتل نحو أربعة آلاف رجل في المعسكر، وطعن أول الأفيال مع الذي كان في برجه. 16 وأخيرا فقد ملأوا المعسكر رعبا وبلبلة وانصرفوا في فوز 17 تام عند طلوع الفجر وتم ذلك بحماية الرب التي كانت تكتنف يهوذا.
مضى أنطيوخس في سبيله متوعدا يهوذا، (3) ولم يعتبر بما جرى مع أبيه أنطيوخس الرابع عندما تحدى الله وشعبه ففشل وعوقب بشر ميتة. أما اليهود فلم يكن أمامهم تجاه ذلك سوى التوجه إلى الله بكل قلوبهم، مستعطفين إياه بالصلاة والصوم والميطانيات بشكل متصل ولمدة ثلاثة أيام. وهي العادة التي ما تزال متبعة في كنائسنا حتى اليوم عندما يحل بها ضيق ما أو تجربة، حيث يجتمع الشعب مع الكهنة مكرسين صوما وصلاه لمدة ثلاثة أيام استدرارا لمراحم الله، ذلك عندما تعيينا الوسيلة ويخرج الأمر عن الطاقة والحسابات البشرية والإمكانيات الروحية، ويحتاج الأمر إلى قوة إضافية وتدخل مباشر من الله. فقد كان الجيش كبيرًا والعتاد كثيرا، وكان في نية الملك الاستيلاء على أورشليم من جديد وإعادة البلاد إلى ما كانت عليه من الحضارة الهيلينية، وما رافقها من توقف العبادة وتدنيس الهيكل ومنع العمل بالشريعة.
أما تعبير خلا يهوذا بالشيوخ/ أية3" فهو يعنى عقد مجلس للتباحث فيما يجب أن يفعلوه، وهكذا لم يسلك يهوذا كقائد عسكري وحسب، بل كسياسي محنك أيضا، إذ كان هؤلاء الشيوخ من بين حكماء الشعب وليس من قواد جيشه. وقد قرر المجلس نقل المعركة إلى خارج البلاد وعدم انتظار جيوش أنطيوخس حتى تصبح على مشارف أورشليم، وهكذا خرج جيش المكابى وعسكر عند "مودين" (1مكا2: 1) وأما كلمة السر:"نصرة الله" وكما أشرنا عند التعليق عليها في (8: 23) فهي العبارة التي كانوا يصرخون بها صرخة حماسية عند الهجوم لإكسابهم قوة قتالية إضافية وكذلك لإيقاع الرعب في قلوب الأعداء بها.
كان مجئ العدو عن طريق أرض أدوم (1مكا6: 31) وكانت أرض أدوم في الجانب الجنوبي الشرقي لبيت صور. كان من الصعب على يهوذا أن يعرف في أي طريق سيجيء العدو لأورشليم، فهل سيجيء عن طريق ساحل البحر أم عن طريق لود، أو بكلا الطريقين معا، ومن لود كان أمامه طريقان ليتجه ناحية جنوب أورشليم، الأول طريق بيت حورون، والثاني الطرف الجنوبي، وكان هناك طريق ثالث لأورشليم غربا بجانب قلعة جازر على طريق عماوس. لذا عسكر يهوذا في مودين التي تبعد 15 كم. من لود وجازر وعماوس، إذ رأى أنه أنسب مكان لنصب المعسكر.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
هجمة مباغتة:

وبينما كان السلوقيين مطمئنون غاية الاطمئنان مستندين على عددهم وعتادهم، كانت بسالة اليهود أشد تأثيرا وضراوة من ذلك، وأما عن اختيارهم لخيمة الملك عند الهجوم فلابد وأنه كان القصد من ذلك إيقاع الرعب في قلوب بقية الخيام والجنود بقتل ذلك العدد الهائل من الجنود، لاسيما وأنهم من البديهى من خيرة وصفوة الفرسان والجنود، أولئك الذين كانوا حول تلك الخيمة، كما كان قتل فيل واحد يعد خسارة كبيرة، فقد كان العدد الكلى للأفيال الحربية في هذه الحملة" أثنين وعشرون فيلا فقط، ربما أضيف إليهم أحد عشر فيلا في وقت لاحق (راجع1مكا6: 30) إذ يذكر في أنباء هذه الحملة أنها كانت تضم أثنين وثلاثين فيلا، وكان البرج الخشبى المثبت فوق الفيل يسع اثنين وثلاثين رجلا مع أسلحتهم، ولكن الفيل الذي قتل لم يكن معه سوى قائده فقط، وربما كان ألعازر أخو يهوذا المكابى هو الذي قتل الفيل ومات هو تحته (1مكا6: 43-46). وهكذا أوقع اليهود الرعب والفزع في معسكر السلوقيين محدثين جلبة قبل أن ينصرفوا عند الفجر.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
أنطيوخس يتفاوض مع اليهود


شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
18 فلما خبر الملك ما عند اليهود من الجرأة، حاول أن يأخذ المعاقل بالحيلة. 19 فزحف على بيت صور، وهي قلعة ليهود منيعة، فهزم وأعاد الكرة فكسر. 20 وأمد يهوذا الذين في القلعة بما يحتاجون إليه. 21 وإن رجلا من جيش اليهود اسمه رودقس كان يكشف الأسرار للعدو، فبحثوا عنه وقبضوا عليه وأعدموه. 22 فعاد الملك وفاوض أهل بيت صور ومد يمناه إليهم وأخذ بيمناهم وأنصرف، وهاجم يهوذا وأصحابه وكسر. 23 وبلغه أن فيلبس الذي كان قد تركه في أنطاكية لتدبير الأمور قد تمرد عليه، فوقع في اضطراب ففاوض اليهود وخضع وأقسم لهم بأن يوافق على جميع شروطهم المشروعة. وبعد أن صالحهم، قدم ذبيحة وأكرم الهيكل وأحسن إلى المكان المقدس. 24 ورحب بالمكابى وترك هيجمونيدس قائدا من بطمايس إلى حدود الجرانيين. 25 ثم جاء إلى بطلمايس، وكان أهل المدينة قد شقت عليهم هذه المعاهدة، فإنهم كانوا ساخطين على تلك الاتفاقيات يريدون نقضها. 26 فصعد ليسياس إلى المنصة ودافع ما استطاع عن تلك الاتفاقيات، فأقنعهم وهدأهم واستمالهم إلى الرفق وذهب إلى إنطاكية. وهكذا كانت حملة الملك ورجوعه.

اجتاح صور:

ترد تفاصيل تلك المعارك والحصار الذي ضرب حول صور في 1 مكا6: 48-63) حيث استطاع الملك بالفعل إجبار سكان بيت صور على الاستسلام وذلك بعد مقاومة لأيام كثيرة(1مكا6: 31)، وذلك بسبب طول مدة الحصار ونفاذ المؤن برغم الإمدادات المستمرة أتى كان يهوذا يرسلها سرا للمدينة كما حاصر الملك أيضًا جبل الهيكل ونصب المجانق والكباش الحديدية، بل كاد أن يستولى على أورشليم من جديد، ولكن اليهود أبدوا مقاومة عنيفة وأظهروا رباطة جأش أذهلت الملك، مما جعله يتجه بفكره نحو المهادنة وعقد اتفاقية سلام.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
الجاسوسية:

يبدو أن السبب الحقيقي لفتح "بيت صور" كان الخيانة، حيث مكنهم ذلك الجاسوس الرديء من ذلك، هذا وقد عرف التجسس منذ قديم الزمان سواء في السلم أو في الحرب، وكان عمل الجاسوس يتسم بالمخاطرة الشديدة، إذ كانت العقوبة المرشحة دائمًا لذلك هي الإعدام في حال اكتشافه. هذا وتسمى الجاسوسية في الحروب "الطابور الخامس" وإن كانت في الواقع تعد "الطابور الأول!!" الذي يعمل بفاعلية أكبر إبان الإعداد للحروب (4)، وقد أرسل يشوع بن نون قديمًا الجواسيس ليكتشفوا أرض الموعد، كما أرسل يوناثان المكابي بعض الجواسيس ليكتشفوا معسكر جيش ديمتريوس (1مكا12: 26).
وهنا انتبه اليهود إلى أن هناك من ينقل الأسرار العسكرية إلى الأعداء، فلن يكن التفوق العسكري للسلوقيين هو السبب الفعال لتقدمهم في الحرب، حتى اكتشفوا ذلك الجاسوس، فقد كان هناك بالطبع من أفشى سره!! وحينئذ أعدموه، أما اسم ذلك الجاسوس فهو رودقس.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
رودقس Rodokos: الاسم ليس يونانيا ولا يهوديا ولا أراميا، ولكنه إيرانى على الأرجح، وقد تسمى الكثير من اليهود في تلك الآونة أسماء إيرانية (فارسية) ورما جاء من الاسم "رودقس" الأسماء روس Rose أو Rosy ويكون شكل الاسم الإيرانية Rodak، ويأتي من الكلمة Rose أي وردة.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
التفاوض مع اليهود:

يأتي السعي إلى هذه المفاوضات عن إعدام الجاسوس، مما يؤكد أنه كان له ضلع في تلك الأحداث المؤسفة، وقد بدأ الملك التفاوض مع بيت صور وعقد الصلح معهم، ربما ظما منه أنهم يؤيدونه ضد المكابى، وإلا لما كان قد واصل هجومه على جيش يهوذا (آية22) غير أن القضية قد حلت بشكل حاسم عندما أصبح الأمر يتعلق بتاجه وعرشه، حيث وصلته الأنباء من إنطاكية بأن فيلبس نائبه هناك قد آثر الاستحواذ على العرش، ومن ثم بادر بعقد الصلح الكامل مع اليهود كافة، ولقد أظهر في ذلك حسن النية عندما قام بإكرام الهيكل، الأمر الذي يحسب بالنسبة لليهود دليلا دامغا على صدقه، إذ يعكس إكرامه للهيكل الذي يحسب بالنسبة لليهود دليلا دامغا على صدقه، إذ يعكس إكرامه للهيكل إكرامه للأمة بأسرها وشرائعها وعقائدها وإلهها.
ثم تصادف الملك مع يهوذا (رحب بالمكابى/آية24) باعتباره ممثلا لليهود كلهم. غير أن ذلك أتى بعد تدمير الملك لتحصينات جبل الهيكل (1مكا:62) ثم تعيينه ألكيمس Alcimus في نفس الفترة رئيسا للكهنة خلفا لمنلاوس.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
هيجمونيدس Hegemonids: جاءت هذه الكلمة في العبرية: (سر سافا = رئيس جيش) ووردت في النص اليوناني بمعنى: (يكون حاكما) غير أن البعض بطريقة الخطأ قد ترجمها على أنها اسم قائد عينه أنطيوخس على ذلك الإقليم، ولكن الأرجح أن الملك في سياق مراضاته لليهود قد عين يهوذا قائدا من عكا (بتولمايس) حتى الجرانيين (جرار) وهو ما يرد لوضوح في الترجمة اللاتينية (فولجاتا)، ويبدو الأمر منطقيا عندما نقرأ كيف ثار أهل عكا على تلك الاتفاقية مع اليهود رافضين خضوعهم لقيادتهم، وهو السبب الذي جعل الملك يتجه إليهم بصحبة ليسياس ليهدئ من روعهم مدافعا عن تلك الاتفاقية، مؤكدا لهم عدم تخلى المملكة عنهم، وعليه يمكن قراءة النص كالآتي: "رحب بالمكابى وعيته قائدا لبطلمايس إلى حدود الجرانيين."
وهذه الكلمة هيجمونيدس هي التي اشتق منها كلمة هيغومينوس، والمستخدمة في الكنيسة بمعنى "قمص" أو "مدبر" وهي رتبة إدارية في الكنيسة تعطى لأحد القسوس يصبح بموجبها مسئولا عن مجموعة من القسوس، كواحد متقدم في الجماعة يدبرهم ويخضعون له في أتضاع وطاعة. وفي كثير من الكنائس الآن يوجد أب قمص مع عدد من القسوس ويخضع له الجميع في أبوة روحية.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
الجرانيين / الجرار Gerar, Gerrenians

(5) كلمة عبرية معناها "جرة" وهي مدينة هامة بالقرب من البحر المتوسط، جنوب وجنوب غرب حدود كنعان، وتقع كذلك على مسافة 14 كم جنوب شرق غزة وغرب بئر سبع، وهي المدينة التي انحدر إليها كل من إبراهيم واسحق عندما حدث جوع في الأرض (تك20: 1و 126) مما يدل على غناها ورفاءها لمدة طويلة وتقع الآن على مسافة 23كم حنوب غرب "بيت جبرين).
ويرى البعض الآخر أن الجرانيين شعب سكن شبه جزيرة سيناء بقرب سيربونيس Sirbonis شرق البلزيوم، وإن كانت في ذلك الوقت واقعة تحت السيطرة البلطمية بخارج الحدود السلوقية، ولكن علماء آخرين يرون أن جرار كانت بقعة محلية مهمة في أضيق موقع بوادى لبنان شرقا وإلى الجنوب من بيروت قليلا وهي التي اطلق عليها فيما بعد اسم "خلقيس" Chalkis، وقد سميت المدينة ليس باسم المنطقة ولكن باسم الجماعة العرقية التي تسكنها.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
وضع اليهود بعد رحيل أنطيوخس الخامس عنها:

انسحب الملك الصغير دون أن يرغم يهوذا ورجاله على إلقاء أسلحتهم، وترك المجال مفتوحا أمام اليهود ليعود من ترك مسكنه منهم إلى دياره، وربما ترك الملك أيضًا الطريق ممهدا أمام المزيد من التوغل اليهودي شمالا رغم أن السامرة كانت تقع ما بين اليهودية والجليل، إلا أن يهوذا ورجاله كانوا يتنقلون بحرية تامة طوال الوقت كم خلال السامرة (1مكا5:21-23و-52-53و2مكا15: 1-5) ومن هنا ربما كان تعيين القائد (الهيغومينوس) بهدف وقف تطلعات اليهود شمالا، وطمأنة الوثنيين الذين سكنوا بمحاذاة الحدود البطلمية، ولكن ذلك على صعيد آخر يعنى تراجع في النفوذ السلوقى مقابل تزايد في القوة اليهودية الأمر الذي حرك المخاوف لدى السكان هناك، بسبب معاهدة السلام ومن اليهود المستردين قوتهم، انظر(6: 8).
هذا وقد سجل اليهود تاريخ رحيل أنطيوخس الخامس عن أورشليم في 5 يناير من عام 162ق.م. (أو5 مارس حسب التقوىم الكبيس) (6) ولا شك أنه هزم فيلبس المتآمر عليه هناك في إنطاكية (1مكا6: 63) وهو ما يؤيده أيضًا يوسيفوس المؤرخ اليهودي. (7)
___________________________________
(1) الآثار اليهودية كتاب 12، فصل9: 7.
(2) Jonathan A. Goldsten, II Macc.
(3) جاء في الترجمة اليونانية للآية 9 τοιζ δε φρονημασιν Βεβαρβαρω μενος= قسى قلبه) وهو التعبير الوراد عن فرعون (خروج7: 14).
(4) هناك العديد من الوقائع المثيرة والمتعلقة بالجاسوسية أثناء الحرب العالمية الثانية، وتجمع ما بين البطولة والخسة والخيانة، جمع بعضها الكاتب: أحمد الصاوى في كتابه "الطابور الخامس".
(5) جاءت جرار في المخطوطة اليونانية التي تحمل رقم 55 هكذا: εως των Τεραρηρων
(6) وذلك حسبما ورد في قسم (تاعنيت Ta'anit في التلمود).
(7) عصور اليهود القديمة (12-9-7-386)
  رد مع اقتباس
قديم 01 - 04 - 2014, 03:25 PM   رقم المشاركة : ( 14 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,276,540

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني

المكابيين الثاني 14 - تفسير سفر المكابيين الثاني
المواجهات مع نكانور

ما تزال وشايات رؤساء الكهنة غير الشرعيين ومؤامرتهم مستمرة، ومازال الشعب المسكين يعاني من نتائجها، فقد أثار ألكيمس - رئيس الكهنة المُبعد - ديمتريوس الثاني ضد شعبه وقادته، مبتغيًا من وراء ذلك إعادته إلي منصبه، وقد جرت مواجهات دامية ما بين السلوقيين واليهود نتيجة لذلك، وحتي عندما مال نكانور (القائد الذي عينه ديمتريوس للقصاص من اليهود) إلي مصادقة اليهود، عاد ألكيمس ليثير نار الفتنة بين الطرفين، مما أسفر عن إعلان نكانور الحرب علي اليهود ولكنه قُتل ومُثل بجثته.ويضم الأصحاح أيضًا قصة بطولة إيمانية رائعة لواحد من أتقياء اليهود، تُعزي مطالع السفر عما اقترفه ألكيمس.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
وشاية الكيمس

1 وبعد مدة ثلاث سنوات، بلغ أصحاب يهوذا أن ديمتريوس بن سلوقس قد نزل في مرفا طرابلس بجيش جرار وأسطول، 2أوأستولي علي البلاد وقتل أنطيوخس وليسياس وصيه.3 وإن أحدا يدعي ألكيمس الذي كان قد قلد الكهنوت الأعظم، ثم تنجس عمجًا أيام التمرد، أيقن أن لا خلاص له البتة ولا سبيل إلي أرتقاء المذبح المقدس.4فقصد ديمتريوس الملك في السنة المئة والحادية والخمسين، وأهدي إليه إكليلًا من ذهب وسعفة وأهدي إليه، بالإضافة إلي ذلك، أغصان زيتون جرت العادة بأن تقدم للهيكل، وبقي في ذلك اليوم ساكتًا. 5 وسأله عن أحوال اليهود ومقاصدهم. فقال: 6 "إن الحسيديين من اليهود، الذي يقودهم يهوذا المكابي، يلقمون نار الحرب والفتنة، ولا يدعون للمملكة راحة. 7 فبعد أن جردت من منصبي الموروث، أي من الكهنوت الأعظم، قدمت إلي هنا 8 أولا لأهتمامي الصادق بمصلحة الملك، وثانيًا سعيًا مني لخير قومي، لأن رعونة أولئك الذين عنيتهم قد أنزل بأمتنا جميعها مصيبة غير صغيرة.9 فإذا أطلعت، أيها الملك، علي كل من هذه الشكاوي، تنازل وارع شئون بلادنا وأمتنا المهددة من كل جهة، بما فيك من الإنسانية والإحسان إلي الجميع، 10ولما أتم كلامه، اسرع سائر أصدقاء الملك، وهم أعداء ليهوذا، إلي استفزاز ديمتريوس. 12 فأختار من ساعته نكاتور، وكان قد أصبح مروض الأفيال، وأقامه قائدًا علي اليهودية وأرسله.13وأمره أن يقتل يهوذا ويبدد أصحابه ويقيم ألكيمس عظيم كهنة للهيكل الكبير. 14 وأخذ الوثنيون الذين في اليهودية، والذين فروا عن يهوذا، ينضمون أفواجًا إلي نكانور، ظنًا منهم أن نكبات اليهود وبلاياهم ستنقلب إلي خير أنفسهم.

إلي أحد المواني في طرابلس وصل ديمتريوس الأول علي متن سفينة شراعية عادية ساعيًا إلي استرداد العرش، وذلك في ربيع سنة 161 ق.م.(سنة 149 سلوقية) وقد كان ديمتريوس هذا ويلقب "سوتير" في روما كرهينة محل أخيه أنطيوخس الرابع أبيفانيوس، غير أنه استطاع الهرب من هناك بمعاونة بوليبيوس المؤرخ والذي روي هذه الواقعة.(1)
وعندما نزل ديمتريوس في طرابلس كان بصحبته عدد يسير من الجنود (وكانت وقتئذ تقع علي مسافة ثلاثة كيلومترات من طرابلس الحالية)، غير أنه استطاع هناك جمع الكثير من الجيوش المستاءة من حكم أنطيوخس الخامس وليسياس وصيه وهو مايفسر لنا كثرة الجيوش هنا مقارنة بما ورد في (ا مكا 7)، ومن ثم اتجه إلي أنطاكية حيث افتتحها وقتل اثنيهما وملك مكانهما، راجع العليق علي ذلك في (1 مكا 7: 1- 4)هذه هي الأخبار التي بلغت يهوذا المكابي، ومن ثم بدأ القادة اليهود في أنتظار ما عسي أن تتمخض عنه تلك الاضطرابات السياسية.
أما ألكيمس والذي تدنس عمدًا (آية 3) بمعني أنه أعتنق الحضارة الهيلينية بمحض ارادته خلال المدة التي فرضت فيها الثقافة الهيلينية بامر أنطيوخس أبيفانيوس، أو حسبما يري البعض أنه تجرأ علي الخدمة في الهيكل وهو غير طاهر، وأما التمرد: فُيقصد به أيام تمرد المحافظين من اليهود ورفضهم التعامل مع الطقوس الوثنية (آية38) راجع (1مكا1: 53و 2: 33 و2مكا 5: 7).ما أن سمع ألكيمس هذا بالانقلاب الذي جري في أنطاكية حتى بادر إلي هناك عله يجني بعض الثمار، أهمها اعادته إلي وظيفته، وقد نجح في مسعاه.!
يبدو أن ألكيمس قد لاقي بعض المعارضة في أثناء فترة حُكم أنطيوخس الخامس القصيرة، بسبب اعتبار اليهود عدم شرعية حكم أنطيوخس كطفل صغير، وبوفاته سقط تعيين ألكيمس وحتي إعادة تعيينه عن طريق الملك الجديد ديمتريوس، نظر غليه الحشمونيين ومعارضيه بعدم شرعيته كرئيس للكهنة، ولكن كاتب سجلات رؤساء الكهنة لم يأبه لذلك واعتبر مدة رئلسته أربعة سنوات متصلة. ومن (الأية 6) هنا وكذلك من (1مكا7: 5- 7) نلاحظ أن ألكيمس قد واحه متاعبًا من معارضيه اليهود في بدء حكم ديمتريوس الأول.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني

شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
الحسيديين Asidaioi (آية 6):

هم أول من تقبل ألكيمس، ووثق بالحملة المغيرة علي المكابيين (1مكا2: 42 و 7: 13) ويُشتق اسمهم من hysd العبرية أو الأرامية والتي تعني "تقي " وقد كانوا يهودا أتقياء محاربين (1مكا2: 42) اقتنع الحسيديين في البداية بعمل متتيا الكاهن الحماسي(2) ولنهم عادوا واحتجًوا علي سياسة الأطماع السياسية والتي انتهجها المكابيين فيما بعد، ومن الحسيديين خرج الفريسيين وكذلك الأسينين سكان مغائر قمران.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
هدايا ألكيمس:


قدم ألكيمس إلي الملك نفس نوع الهدايا التي قدمها سمعان المكابي إلي ديمتريوس الثاني(1مكا13: 37)مما يدفع إلي الاعتقاد بأنها كانت هدايا تقليدية تُقدم من رؤساء الكهنة إلي الملوك، وكانت التجان تصنع من الذهب وترصًع بالحجارة الثمينة والجواهر، وكانت إما تذكارية وإمًا لاستخدام الملك، وأما السعفة Frond فهي عبارة عن جريدة بها بعض السعفات وُيصنع الكل من الذهب، وكانت تشير إلي البهجة والخير والنصرة، إذ كان السعف وأغصان الزيتون والرمان تستخدم في الاحتفالات، وفي وقت لاحق قدم سمعان المكابي هديتين مماثلتين
لديمتريوس الثاني (1مكا 13: 26- 37)، وكانت مثل هذه " السعفة" تقدم كهدايا للهياكل أيضًا، هذا وقد أضاف ألكيمس إلي هاتين الهديتين: هدية ثالثة عبارة عن أغصان زيتون، من الذهب غالبًا أيضًا.
ويعني تعبير أنه بقي ذلك اليوم ساكتًا، أنه سلك بالخبث، حيث تظاهر بأنه إنًما حضر في ذلك اليوم فقط للتهنئة، وإلً لصارت الهدايا في عيني الملك مثل رشوة!!، فلما وجد الفرصة سانحة: سكب وشايته بغزارة متآمرًا علي شعبه، مؤثرًا كرامة هذا العالم علي خير شعبه وكرامته والمبادئ السامية بل وخلاص نفسه هو.
وكان من حق الملك تعيين أو اقصاء من يشاء من رؤساء الكهنة وفي المقابل كان رئيس الكهنة يسعي دائمًا لتأييد الملك لاسيما إذا لم يكن علي وفاق مع اليهود أو حتى مع بعض منهم.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
نكانور:

وهو الذي كان مسئولًا عن الفيلة (3) اقامه الملك هنا قائدًا علي اليهودية بشكل مؤقت (راجع آيه 26) لكي يؤكد خضوعها وتبعيتها للمملكة السلوقية ولكي يجرًد يهوذا من أية سلطة سياسية، وقد وجدها كل من الوثنيين واليهود المتأغرقين والمعارضين، فرصة للتحالف مع نكانور نكاية بالمكابيين، وكانت الأوامر الموجهة من الملك إليه تتضمن التخلص من قادة الثورة في أورشليم وإعادة ألكيمس إلي وظيفته.
هذا وتبدأ قصة نكانور هذا من الآية 15 كتراجيديا مقسمة إلي خمسة أقسام:
1 0 الحرب في دساو: (16 - 17).
2 0 السلام مع يهوذا: (18 - 25).
3 0 وشاية ألكيمس ضده ونقضه للعهد (26 - 30).
4 0 تجبصره علي الهيكل (31 - 36).

5 0 سقوط وموت نكانور (أصحاح 15 كله).
راجع التعليق علي شخصية نكانور ودوره في الأحداث المكابية في (1مكا 7: 26).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
ما بين ألكيمس ومتتيا الكاهن:

كان متتيا الكاهن أبو المكابيين مجرد كاهن عادي ولكن تأثيره بلغ أقصي مدي في ذلك الوقت، بينما كان أليكس رئيسًا للكهنة وقد بلغ تأثيره السلبي إلي حد استعداء الوثنيين علي بلاده.
كان متتيا يسعي جاهدًا علي العمل بالشريعة ورفض كافة أشكال الوثنية، بينما سعي ألكيمس في تأكيد الحضارة الهياينية وإبعاد الشعب عن التمسك بالوصايا.
كان متتيا يدافع عن الحق، بينما زيف ألكيمس ذلك الحق. وبينما رفض متتيا الكرامة الزمنية واستخفف بامتياز " صديق الملك" وهي رتبة جليلة مقابل حمل الشعب علي الذبح للأوثان، سعي ألكيمس إلي مثل تلك الكرامات علي حساب الوصية والعبادة ولذلك فليس من العجيب أن يُمتدح متتيا في حين يُذم ألكيمس.(راجع 1مكا 2: 18)
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
العلاقات بين يهوذا ونكانور:

تأرجحت علاقة المكابي بـنكانور، ما بين الصداقة والمهادنة من جهة، والعداء والمواجهة من جهة أخري، حيث لعب ألكيمس رئيس الكهنة دورًا رديئلً في اشعال نار العداوة بين اثنيما، وذلك خشية أن يؤدي تحالفهما إلي حرمانه من مزاولة رئاسة الكهنوت.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
نكانور يصادق يهوذا

(1مكا 7: 27، 28)
15ولما بلغ اليهود قدوم نكانور واعتداء الوثنيين، حثوا التراب علي رؤوسهم وابتهلوا إلي الذي أقام شعبه ليبقي للأبد والذي لم يزل يؤيد ميراثه بآيات مبينة.16ثم أمرهم القائد فرحلوا من ساعتهم من هناك، والتحم القتال بينهم عند قرية دساو.17وكان سمعان نأخو يهوذا، قد شن القتال علي نكانور ففوجئ بقدوم الأعداء، وأصيب ببعض الفشل.18ولكن، لما سمع نكانور بما أبداه أصحاب يهوذا من البأس والبسالة في دفاعهم عن الوطن، خاف أن يفصل الأمر بالدم.19فأرسل بوسيدوينوس وتاودوتس ومتتيا لمد اليمني علي رجاله نفأجمعوا كلهم علي راي واحد ووافقوا علي الاتفاقيات.21وعينوا يومًا يتلاقي فيه الرؤساء علي انفراد.وتقدمت مركبة من الجانبين وجئ بالكراسي، 22وأقام يهوذا رجالًا مسلحين متأهبين في المواضع الموافقة، مخافة أن يدهمهم الأعداء بشرنثم تفاوضوا واتفقوا.23وأقام نكانور في أورشليم لا يأتي منكرًا، لا بل أطلق الجموع التي احتشدت إليه افواجًا.24وكثيرًا ما كان يهوذا عنده، وكان قلب نكانور يميل إليه.25وحثه علي الزواج وعلي إنجاب الأولاد، فتزوج يهوذا وذاق الراحة وتنعم بالحياة.
دسادًاو: جاءت في اليونانية (Δεσσαου) أو "ليساو"، وهو مكان غير معروف علي وجه الدقة، ربما كان جديد " أداسة" (Αδασσα) الوارد في 1مكا 7: 45).
ظهرت بوادر المتاعب بعد الانقلاب الذي جري في أنطاكية وأسفر عن تغيير الملك، ويعود اليهود من جديد للصراخ إلي الله، وكما اعتادوا أن يصرخوا فقد اعتادوا علي الثقة في أن ينالوا المعونة من الله في كل مرة.ولكن سمعان المكابي والذي شن هجومًا مباغتًا عند دساو (أداسة) طالما رأي اليهود الخونة والوثنيون جيرانهم، بين رجال نكانور: صدُم، ولعل ذلك يفسًر لنا تعبير " أصيب ببعض الفشل!" (آية 17).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
نكانور يرسل سفارة للصلح:

يبدو هنا وبشكل خاص كيف يفكر نكانور بتعقل وموضوعية رغبة في حقن الدماء، وأن لم تدم الهدنة بينه وبين اليهود كثيرًا، ويُقصد باعطاء اليمني والأخذ باليمني: المصالحة، كما أن عقد الصفقات هو تعبير يجئ من صفق اليد اليمني باليد اليمني......
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
بوسيدونيوس Posidonius: اسم إله يوناني ذُكر أنه وجه جزيرة "ديلس" إلي موقعها الحالي، بعد أن كانت طافية علي وجه المياة تائهة، كما وهبها أن يولد فيها " أبو للو"(4).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
تاودوس Theodotus: اسم يوناني مشتق الاسم " ثيؤدوسيوس".(5)
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
متتيا Marthathias: ويبدو من الاسم أن الرجل هو من أصل يهودي، عمل كمستشار لنكانور.وقد نجح الثلاثة في مهمتهم حيث مهدوا للقاء القائدين (علي غرار ما يحدث الآن حين يقوم وزراء الخارجية بالتحضير للقاء رؤساؤهم فيما يسمي الآن اصطلاحًا:لقاء القمة) غير أنه ونظرًا لوجود الشك والتحًفز، فقد احتاط كل من الطرفين بوضع قوات علي مقربة من مكان الاجتماع، بحيث تكون علي أهبة الاستعداد وهكذا أبرم الاتفاق.(6)
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
لفتة إنسانية وجدانية (آية 23 - 25):

هذه الآيات منعمة بالحياة وهي ذات بعد وجداني اجتماعي، وتُعد من اللفتات القليلة في السفر التي تتناول مثل هذا الجانب، لاسيما وسط أحاديث وأخبار متلاحقة عن الحروب والهزائم والدماء والانتصارات والصراعات والوشاية والخيانة والمؤامرات، وهي تؤكد لنا أن لغة المحبة تجمع ما بين يهوذا (إذ عاد ليجمع رجاله عندما شعر بالخطر يحدق به لاحقًا / آية 30) ويظهر - ذلك أن نكانور لم يحتال علي يهوذا بعرض الزواج عليه ليصرفه عن روح القتال، ولكن الوشاية كانت السبب الحقيقي والمباشر في فصم عري تلك الصداقة العجيبة.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
ألكيمس يتآمر من جديد

26 ولما راى ألكيمس ما هما عليه من التفاهم، أخذ ما عقد من اتفاقات وذهب إلى ديمتريوس وقال له إن نكانور يرى رأيا يخالف مصالح الدولة، فإنه عين في منصبه يهوذا، عدو المملكة. 27 فغضب الملك غضبا شديدًا واستفزه افتراء ذلك الفاجر، فكتب إلى نكانور يقول أنه مستاء من تلك الإتفاقيات، ويأمره بأن يبادر إلى إرسال المكابى مقيدا إلى أنطاكية.
28 فلما وقف نكانور على ذلك، وقع في اضطراب وصعب عليه أن ينقض الإتفاقيات، ولم ير من الرجال ظلما. 29 ولكنه لم يجد سبيلا إلى مقاومة الملك، فتربص لينفذ الأمر بالمكيدة. 30 ورأى المكابى أن نكانور قد تغير عليه، وأمسى يتلقاه عادة بخشونة. ففطن أن هذا التغير ليس للخير. فجمع عددا كثيرا من أصحابه وتوارى عن نكانور. 31 فلما رأى نكانور أن الرجل خدعه على أكمل وجه، ذهب إلى الهيكل العظيم المقدس، وكان الكهنة يقدمون الذبائح على عادتهم، فأمرهم أن يسلموا إليه الرجل.32 فأقسموا وقالوا إنهم لا يعلمون أين الرجل المطلوب. فمد نكانور يمينه نحو الهيكل، 33 وأقسم قائلا: "إن لم تسلموا إلى يهوذا موثقا، لأهدمن بيت الله هذا إلى الأرض، ولأقلعن المذبح وأشيدن هنا هيكلا رائعا لديونيسيوس". 34 قال هذا وانصرف. فرفع الكهنة أيديهم إلى السماء ودعوا من لم يزل يحارب عن أمتنا قائلين: 35 "يا من هو رب الجميع والغنى عن كل شئ، لقد حسن لديك أن يكون هيكل سكناك فيما بيننا. 36 فالآن، أيها الرب القدوس، يا قدوس كل قداسة، صن هذا البيت الذي قد طهر عن قليل، واحفظه طاهرًا للأبد".
انزعج ألكيمس من تلك الصداقة وخشى من تطورها الأيجابى، إذ كان ذلك يعنى بالنسبة له تهديد وظيفته الكهنوتية، ومن ثم فقد راح يشى من جديد، ولكن وشايته لدى الملك هذه المرة شملت الرجلين "نكانور ويهوذا" حيث استطاع أن يثير حفيظته ضدهما. وبالرغم من استياء نكانور من تلك الوشاية، لقناعته الشخصية بيهوذا المكابى وتقديره لصداقتهما، إلا أنه أذعن لرأى الملك دون الدفاع عن موقفه! ولم يجاهر بالعداء ليهوذا، ولا نقض الإتفاقيات، إلا أنه راح يتحين الفرصة ليغدر بيهوذا، انقاذا لوظيفته وحياته الشخصية، ولما شعر يهوذا بذلك احتاط من جانبه تجاه هذا التحول الجديد، تحسبا لوقوع مالا يحمد عقباه، راجع في ذلك (1مكا 7: 29، 30) ولعل هذا التحول في علاقة نكانور بيهوذا ما يفسر لنا كيف أن نكانور كان مبغضا ومعاديا لإسرائيل، حسبما ورد في (1مكا 7: 26 ب).
ومن ثم فلم يجد نكانور مناصا من مواجهة اليهود ومعاداتهم علانية، حيث يظهر ذلك في أسوأ مشهد عندما ظن أن يهوذا مختبئا في الهيكل، فوقف هناك ورفع يمناه مهددا بهد المكان مجدفا على الله، واعدا بنزع المذبح وتحويل الهيكل إلى معبد للاله ديونيسيوس.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
رازيس "أب اليهود"

37 وكان في أورشليم شيخ كبير أسمه رازيس، وهو رجل محب لأبناء وطنه، محمود السمعه، يسمى بأبى اليهود لما كان عنده من العطف عليهم، فوشى به إلى نكانور. 38 وكان فيما سلف من أيام التمرد قد أتهم بالتمسك بدين اليهود، ولم يزل يظهر غيرة تامة ويبذل جسمه ونفسه في سبيل الدين. 39 وأراد نكانور أن يبدى ما عنده من العداوة لليهود، فأرسل أكثر من خمس مئة جندي ليقبضوا عليه، 40 لاعتقاده أنه إن أمسكه، فقد أنزل بهم مصيبة جسيمة. 41 فلما رأى رازيس أن الجنود قد أوشكوا أن يستولوا على البرج ويكسروا باب الدار، وقد أمروا بإضرام التار وإحراق الأبواب، وأنه أصبح محاطا من كل جانب، ضرب نفسه بسيفه. 42 واختار أن يموت بكرامة ولا يصير في أيدي المجرمين ويشتم بما لا يليق بأصله الكريم. 43 ولكنه، بسبب سرعة القتال، أخطأ الضربة، وكان الجنود قد هجموا إلى داخل الأبواب، فصعد راكضا إلى السور بقلب جليد وألقى بنفسه من فوق الجمع. 44 فتراجعوا من ساعتهم فسقط في وسط المكان الفارغ. 45 وكان فيه رمق وقد اشتعلت فيه الحمية، فنهض ودمه يتفجر كالينبوع، وجراحه تؤلمه كثيرا، فاخترق الجمع راكضا، وانتصب قائما على صخرة شديدة الانحدار، 46 وكان قد نزف دمه، فأخرج أمعاءه وحملها بيديه وطرحها على الجمهور، ودعا رب الحياة والروح أن يردهما إليه، وهكذا فارق الحياة.
رازيس Razic: وفي العبرية "رازى" (7)، وفي اليونانية "Ραζεις"، وهو يطابق اسم المرك رازائيل (في التقليد اليهودي) واختصاره رازى (8) وهناك صيغ عديدة ل رازى مثل "رازيا" ك "عزرا وعزرياط"... إلخ، وقد ترجم الإسم للآرامية هكذا "راجيش".
واحد من وجهاء اليهود الغيورين، صاحب تاريخ طويل في الدفاع عن الإيمان، وفضلا عن هيبته واستقامته فقد كان له ثقل كبير في أورشليم، حتى لقد سمى ب "أبى اليهود" مما يعنى أنه كان يعادل في مركزه الأدبي والروحي مركز يهوذا في القيادة ورئيس الكهنة في مكانته، وتشير (الآية 3) إلى أنه من المحتمل أن يكون قد اعتقل إبان فترة الاضطهاد (الآية 3) غير أنه استمر في دفاعه عن الشرائع والخدمة الهيكلية ضد الممارسات الوثنية، ويبدو لنا من الآية نفسها (38) أنه كان من أكثر النشطين في هذا المجال (بذل الجسم والنفس) وهكذا لم يتوقف دوره على الافتاء واصدار البيانات فقط .!!
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
ولكن لماذا قبض عليه، وما هي التهمة التي وجهت له.. هل كان يعرف مكان اختباء يهوذا المكابى والذي كان يجد نكانور في البحث عنه؟ ثم كيف نجا "رازيس" من أحداث استشهاد العائلة المكابية؟؟ (ص 6 و 7).
وهكذا لم تعدم تلك الفترات العصيبة وجود شهود يشهدون لله ويمجدون اسمه، فيصبحون نماذجا حيَّة لبقية الشعب وسفراء عن الله بين الناس، كما كان يحدث في فترات الاضطهاد النازى والشيوعية في روسيا والاضطهاد في مصر، وهكذا في أحلك الأوقات لم يترك الله نفسه بلا شاهد (أعمال 14: 17) وكان أمثال هؤلاء أقوى من الاضطهاد وأقوى من المضطهدين.
فلما وشى بهذا الرجل إلى نكانور، وجد في القبض عليه فرصة للضغط على اليهود، إذ سوف تكون ضربة موجعة لهم، ويظهر اغتنامه للفرصة وحرصه عليها من العدد الضخم الذي أرسله للقبض عليه، فقد كان "رازيس" يحيا فيما يشبه القلعة، ولكنه لم يزعن لأوامرهم بالخروج للقبض عليه قرروا اقتحام المسكن واضرام النار فيه، فلما أيقن أنهم ماضين قدما لا محالة فيما عزموا عليه، وأنهم أوشكوا على تحقيق غرضهم، أبى على نفسه وعليهم ذلك خوفا من التشهير والإهانة والتعذيب مما يتسبب في خوف الباقين من جنسه، ومن ثم فقد قرر قتل نفسه. ولكن الضربة لم تكن حاسمة أغلب الظن أنه سقط على سيفه مثلما فعل شاول (1 صم 31: 4) وكان الجنود عند ذلك قد أصبحوا داخل المسكن بالفعل، ومن ثم فقد صعد إلى السطح وألقى بنفسه إلى الأرض حيث تفرق الجمهور لمجتمع أسفل القلعة ما بين الجنود واليهود، فلما سقط لم يمت أيضًا وأن كان الارتطام الشديد قد الحق به اصابات جسيمة وآلام مبرحة حتى أن أحشاءئه قد برزت من بطنه، مع كل ذلك فقد تحامل على نفسه ووقف ومشى إلى جرف صخري قريب. هناك أمسك أمعاءه بيديه ودفعها نحو الجمع مصليا إلى الله لكي يردها إليه، أي أن يقيمه في يوم الدينونة.
ونحن نؤمن أن الأجساد ستقوم ولكن في مجد لتكتسب طبيعة جديدة، طبيعة نورانية، لا تجوع ولا تعطش ولا تتألم ولا تفنى "هكذا أيضا قيامة الأموات. يزرع في فساد ويقام في عدم فساد. يزرع في هوان ويقاوم في مجد. يزرع في ضعف ويقاوم في قوة. يزرع جسما حيوانيا ويقام جسدا روحانيا" (كورنثوس الأولى 15: 42 - 44). وهكذا رقد "رازيس" في الرب.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
هل كان موته انتحارا؟

كان هناك اختلاف في الرأي بين اليهود، فيما يتعلق بالأنتحار، فعندما أوشك يوسيفوس ومن معه على الوقوع في أيدي الرومان دارت مناقشة طويلة بينهم حول ذلك، فبينما أيده الرجال فقد رفضه هو، وتدين بعض المدارس الحاخامية الانتحار بشدة، بينما نقرأ عن رابى حنينا بن تيراديون Rabbi Hanina , Ben Tyradion أنه تعجل موته رغم أنه كان يحرق عند الوتد.(9) وهناك أمثلة امتدح فيها الكتاب اليهود القدماء
أولئك الذين سلبوا أنفسهم الحياة في مواقف مثل التي تمر بها "رازيس" هنا، ويمتدح يوسيفوس نفسه شخصا يدعى باسيل Phassel والذى انتحر مفضلا الموت على البقاء تحت نفوذ عدوه اللدود أنتيجونوس، ويذكر فيلو أن اليهود كانوا على أستعداد لقتل أنفسهم وأسرهم بدلا من أن يروا تدنيس كاليجولا المتوقع للهيكل، وتسمح الشرائع الحاخامية عمومًا بالانتحار في حالة التعرض للوقوع في الزنا أو
عبادة الأصنام، بل انتحرت مجموعات يهودية كاملة في العصور الوسطى خوفا من فرض المعمودية عليها. (10)
أما الكنيسة فهي ترفض الانتحار وتعلم بأنه خطية تفضى إلى هلاك الإنسان، فمع أنه لا توجد خطية بلا غفران فإن هذه الخطية على وجه الخصوص لا يتسنى معها وجود وقت للتوبة، ولذلك فالكنيسة لا تصلى على المنتحرين، فالمنتحر شخص ليس فاقدا للرجاء فحسب بل أنه قتل نفسا ليست ملكا له، إلا إذا كان فاقدا لرشده وقت اقترافه هذا العمل، أو لم يكن في كامل وعيه، أو وصل إلى حالة نفسية سيئة أفقدته عقله، أما غذا انتحر إنسانًا ما ولم يمت فور ذلك بل عاش قليلا بعدها، فمن الممكن أن يكون قد قدم توبة عنها فتصلى عليه الكنيسة.
وقد ورد في الكتاب المقدس أكثر من قصة تبدو لأول وهلة أنها انتحار، مثل أبيمالك الذي طلب من غلامه أن يقتله بعد أن أصابته امرأة بحجر ألقته على رأسه من أعلى، وذلك لئلا يقال أن امرأة قتلته (قضاة 9: 54) وفي أوقات الحروب كثيرا ما يلجأ بعض الجنود حال وقوعهم في الأسر إلى قتل أنفسهم خشية أن يقعوا تحت التعذيب الشديد فيضطرون إلى الأدلاء بأسرار تضر ببلادهم، وفي معبد داجون بفلسطين قام شمشون بهدمه فسقط عليه وعلى من بداخله، فقتل في موته أكثر مما قتل في حياته، ومع ذلك يمتدحه القديس بولس كواحد من أبطال الإيمان (عبرانيين 11: 32) كما طلب شاول من حامل سلاحه أن يقتله بعد أن أصيب في الحرب، فلما استعفى الغلام من ذلك سقط شاول على سيفه ومات خوفا من تشهير الفلسطينيين به (1صم 31: 4).
ونقرأ في التاريخ الكنسي أكثر من مرة عن فتاة فضلت قتل نفسها مؤثرة ذلك على فقد عفتها وتدنيس جسدها، مثل تلك التي دهنت رقبتها بالزيت وأسلمت رأسها للجندي الذي أطاح به، وأخرى ألقت نفسها من ارتفاع شاهق فسقطت ميتة، بعد أن خيرت بين أنكار إيمانها أو إفساد بتوليتها، وقد استخف أعدائها بدموعها ولم يأبهوا لتوسلاتها بأن يتركوها وشأنها.. ولكن ذلك لا يحسب انتحارا بل نوعا من الشهادة للمسيح، وفي عصور الاضطهاد كان المسيحيون يندفعون أفواجا معلنين إيمانهم مجاهرين بالشهادة للمسيح مستخفين بالموت.
جدير بنا أن نمتدح رازيس على تفضيله الموت على إنكار الإيمان، لاسيما وقد كان من المحتمل ضعفه بسبب تقدمه في السن وتحت طائلة التعذيب.
_____________________________________
(1) وكانت قد وصلت إلي روما أنباء عن مقتل سفيرها جنايوس أوكتافيوس أثناء قيامه بمهمة إلي الأمبراطورية السلوقية، وقد تم تأريخ جريمة القتل هذه في سنة 162 ق.م.وقد رحل ديمتريوس من روما قبل فصل هبوب العواصف علي البحر المتوسط والذي كان يبدأ في 3 نوفمبر فوصل ولعله تأخر بعض الشيء حتى تسلم الحكم في ربيع 161 ق.م.
(2) في كتاب اليوبيلات (23: 16 و 19- 20) يذكر الحسيديين علي أنهم الشباب المتحمس، وفي كتاب نبوة أخنوخ (كتاب أبو كريفي)(90: 9- 11)يذكروا بوصفهم الحملان ذات القرون.
(3) عُين نكانور من قبل كققائد لفرقة الأفيال وهو منصب رفيع في الجيش السلوقي وكانت الأفيال من مكونات الجيش الهامة، وفي سنة 162 ق.م.عمل وفد روماني علي تأكيد اتفاقية السلام بين روما والسلوقيين والمبرمة سنة 188ق.م. والتي حظرت علي الأخيرين استخدام الفيلة، وعلي ذلك أُبطلت فاعلية تلك الحيوانات بقطع أوتار أرجلها، أما ما ورد في (1مكا 6: 30 - 46، 2مكا 13: 2، 15) عن أستخدام الفيلة فقد كان قبل قطع أوتار أرجلها.
(4) يوجد مؤرخ فيلسوف وروائي مشهور بهذا الاسم "بوسيدونيوس" (135 -51 ق.م)من أباميا، يقول عنه يوسينوس أنه كان أحد الكتاب المعادين لليهود.
(5) نقرأ عن شخص آخر بأسم تاودوس، عينه بطليموس فيلوباتور المصري واليًا علي احدي المدن التابعه له في سوريا، ولكنه تحالف مع أنطيوخس ضد بطليموس وحبك له مؤامرة أدت إلي اغتياله.
(6) حدث مثل ذلك عند عقد اتفاقيات وقف اطلاق النار بين قوات التحالف والعراق، في حرب الخليج الثانية.
(7) وله تهجئات مختلفة في المخطوطات مثل Razias و Radias و Rachisو Raxis و Radoxoc، وقد تكون التهجئة الأخيرة مشتقة عن الإيرانية، ويرى أحد العلماء أن رازيس ربما اسم تدليل مصغر ربما نتج عن حذف المقاطع الأصلية له، وربما كانت هناك علاقة بين ما ورد في إشعياء (24: 16 - 18) وقصة استشهاد الشيخ اليهودي هنا. انظر: Jonathan A. . Goldsten,II Macc
(8) أنظر: Shwab, Vocabulaire de langelologie
(9) (التلمود: عبودا زاراه 18 أ)
(10) (انظر Jonathan A.Goldsten,Ii Macc)
  رد مع اقتباس
قديم 01 - 04 - 2014, 03:31 PM   رقم المشاركة : ( 15 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,276,540

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني

المكابيين الثاني 15 - تفسير سفر المكابيين الثاني
يوم نكانور

يتمادى نكانور في تجديفه وتحدّيه، وينسحب يهوذا إلى قرب السامرة متفاديًا جيش نكانور، وخلال تلك الأزمة الشديدة برى يهوذا رؤيا مُبهجة فيتعزّى هو وجنوده وتثور فيهم الحميّة العسكرية، فيهزمون جيش نكانور ويُقتل الأخير فيعلقون رأسه على القلعة ويرسمون ذلك اليوم ذكرى سنوية لعمل الله معهم. هذا وبينما ترد تفاصيل أكثرعن تلك الحملة في سفر المكابيين الأول، يركز السفر الثاني هنا على الجوانب الإيمانية والروحية، فيورد الصلوات والرؤى والعظات.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
تشَامخ نكانور

1 وبلغ نكانور أن أصحاب يهوذا في نواحي السامرة، فعزم على مهاجمتهم يوم السبت دون التعرض للخطر. 2فقال له اليهود الذي رافقوه مضطرين: "لا تهلك القوم بهذه القسوة والبربرية، بل أرع حرمة يوم قد أكرمه وقدسه الرقيب على كل شئ. 3فسأل ذلك الشديد الفجور هل في السماء ملك أمر بحفظ السبت. 4فقالوا:" إن الرب الحي والملك في السماء هو الذي أوصى بحفظ اليوم السابع". 5فقال الرجل:"وأنا أيضًا ملك في الأرض، فامر بأخذ السلاح والقيام بخدمة الملك". ولكنه لم يتمكن من تحقيق مقصده الوخيم.
الأماكن التي بجانب السامرة: جاءت في النسخة اليونانية للسفر هكذا (En toiς kata Samarein topoiς)، وقد وردت في النسخ الآرامية للسفر هكذا (عَل جَنْب شمرون = بجانب السامرة)، بينما وردت في الفولجاتا اللاتينية (In locis Samariae = في الأماكن التي في السامرة). وفي الأصل العبري (في الأماكن التي بجانب السامرة).
انسحب يهوذا ورجاله إلى الأماكن الشمالية من منطقة يهوذا وهي المناطق المتاخمة للسامرة بحكم الموقع الجغرافي، حيث اتخذ موقعًا قرب أداسة (1مكا7: 40) متفاديًا بذلك جيش نكانور. وجدير بالذكر أن المسافة التقريبية من هذه المناطق وختّى بيت حورون التي كان بها جيش نكانور حوالي ساعة ونصف، كما كان هناك أيضًا جيش يهوذا (راجع 1مكا40: 7).
فلما بلغت نكانور تلك الأخبار، قرر مهاجمة اليهود في يوم السبت، وهو يعلم بحكم تواجده في المنطقة لفترة طويلة ماذا يعنى السبت بالنسبة لليهود، وكيف أنهم يمتنعون فيه عن القيام بأي عمل أو قتال، وهذا هو المقصود بأنه لن يتعرض لخطر الحرب (آية)، غير أن اليهود كانوا قد قرَروا من قبل أنه تجوز الحرب في السبت متى كانت حربًا دفاعية، وذلك بعد استغلال السلوقيين ذلك فقتلوا ألف نفس بما فيهم النساء والأطفال والشيوخ، راجع (1مكا2: 41). ولكن يهوذا مع ذلك كان متشددا في حفظ السبت، مما أتاح له حشد تأييد الأتقياء من اليهود، انظر (2مكا 8: 26، 25)
أما اليهود المشار إليهم هنا باعتبارهم مرافقين لنكانور عن اضطرار، فهم إما بعض الأسرى، أو بعض اليهود المتأغرقين والذين ما يزال بهم بقية من الحب والوفاء لأمتهم. وأما ردّ نكنافور فجاء متشامخًا، بغرور وكبرياء، شأن الكثير من الملوك والقدماء مثل نبوخذ نصر الذي تشامخ في قلبه فعوقب بطرده من مملكة البشر إلى الحيوان، وكذلك تشامخ أنطيوخس إبيفانيوس والذي ظن أنه يتسلط على الجبال والبحار (9: 8) وهيرودس والذي نسب مجد الله إلى نفسه فضُرب بالدود ومات.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني

شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
رؤيا يهوذا المكابى

6ورفع نكانور رأسه بزهو وصلف، وعزم على نصب تذكار مشترك من أسلاب يهوذا وأصحابه. 7زأما المكابى فلم يزل يثق كل الثقة ويأمل كل الأمل أن الرب سيؤتيه النصر. 8فحرض أصحابه على ألا يخافوا من غارة الوثنيين، بل يذكروا النجدات التي طال ما أمدوا بها من السماء، وينتظروا الظفر الذي سيؤتونه الآن من عند القدير. 9ثم شدد عزائمهم بالشريعة والأنبياء، وذكرهم بالمعارك التي قاموا بها، حتى أذكى حماسهم. 10وبعدما استنهض هممهم، شرح لهم كيف نقض الوثنييون عهودهم وحنثوا بإيمانهم. 11وسلح كلا منهم بتشجيع كلامه أكثر مما سلحهم بالتروس والرماح. ثم قص عليهم نوعًا من الرؤيا تجلت له في حلم جدير بأن يصدق، فشرح بها صدورهم أجمعين. 12وهذه هي الرؤيا، قال: "رايت أونيا عظيم الكهنة السابق، رجل الخير والصلاح، المتواضع المنظر الحليم الأخلاق، صاحب الأقوال الطريفة، المواظب منذ صباه على جميع أعمال الفضيلة، باسطا يديه يصلى من أجل جماعة اليهود بأسرها.13ثم تراءى كذلك رجل كريم المشيب، أغر البهاء، عليه جلال عجيب سام. 14فتكلم أونيا وقال: "هذا محب الإخوة، المكثر من الصلوات لأجل الشعب والمدينة المقدسة، إرميا، نبي الله". 15ثم إن إرميا مد يمينه وناول يهوذا سيفًا من ذهب فقال: 16"خذ هذا السيف المقدس هبة من عند الله، به تحطم الأعداء".
ثم كمن هو واثق في قدرته متأكدًا من النصر، وعد نكانور بأقامة "نصب مشترك" أو نصب عام، وهو عبارة عن كومة من الحجارة على هيئة هرم صغير تقام فوق جثث قتلى الأعداء وتكدس حولها الأسلحة التي سلبت منهم.
وكان من عادات اليونانيين قديمًا، أن يقيموا في موقع الانتصار نصبًا تذكريًا عبارة عن طاقم أسلحة كامل مستولى عليه من العدو ومعلقًا شكل صليب بحيث يبدو وكأنه رجل كامل التسلّح، وبحلول الفترة التي نحن بصددها هنا أصبحت هذه النُصب التذكارية نُصبًا تذكاريًا للنصر ولم يصبح ضروريًا أن تقام في مواقع المعارك. وبحلول القرن الثاني ق.م. لم يكن من الضروري أن يتألف النصب التذكارى من طاقم واحد كامل من الأسلحة معلق على صليب بل كان من الممكن اقامة تشييدات مهيبة تزخرف بعدد كبير من قطع السلاح، راجع (1مكا39: 13) وإنما قال نكانور ذلك ليوقع الرعب في قلوب اليهود.
ولكن اليهود في كل ذلك لم يفقدوا رجاءهم، ولم تلن عزائمهم بل جعلوا ثقتهم في الله.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
الرؤيا:

تأتى رؤيا المكابى امتداد وتكليل لكافة الرؤى والمعونات الآتية رأسًا من السماء في جميع مراحل جهاد المكابيين، وقد راح يهوذا يشجع جنوده بتعديد تلك الرؤى التي عاصروها، مضيفًا إليها ما ورد أيضًا في كتب الشريعة والأنبياء من رؤى وأحلام وعون سمائى لشعب الله منذ خروجهم من مصر. هذا وكان العهد القديم يطلق عليه الشريعة (الناموس) والأنبياء، راجع (لوقا 24: 27) وقد أضاف يشوع بن سيراخ إلى ذلك قوله، وسائر الكتب التي للأجداد"، وفي الاشارة إلى كتب الشريعة والأسفار المقدسة، راجع (1مكا3: 48 و7: 17، 12: 9 و2مكا2: 13 و8: 23).
إن جميع الأعمال التي أجراها الله معهم على مدار تاريخهم الطويل، يجب أن تتحول إلى رصيد خبرة يعينهم ويعضّدهم وبقوّى فيهم الرجاء، كلما ألمّ بهم الضيق، لأن الله أمين في وعوده حتى أن عدم أمانة البشر لا تبطل أمانته، حاشا فهو يبقى أمينًا إلى الأبد، في حين ينقض الوثنيون عهودهم ووعودهم كما فعل نكانور هنا (14: 29).
وقد استخدم الله طرقًا شتى في حديثه مع الإنسان "الله بعدما كلم الآباء والأنبياء بأنواع وطرق شتى. كلمنا هذه الأيام في ابنه.." (عبرانيين 1: 1) ما بين الكلام فمًا لأذن، كما حدث مع آدم وقايين وإبراهيم وإسحق ويعقوب وموسى، إلى استخدام المناظر ذي الدلالات، مثل سلم يعقوب والعليقة، إلى ظهور ملائكة تبلغ الرسائل، مثل نوح وبلعام، وكانت الرؤى تتم والإنسان يقظ مفتوح العينين، أو من خلال الأحلام والإنسان نائم، مثل حلم يعقوب ويوسف وساقى فرعون وخبازه، وكانت بعض الظهورات تمثل الله نفسه مثل عمود السحاب والنار في ترحال بنى إسرائيل والذي عبّر عن الحضرة الإلهية (الشاكيناه) أو ظهور الله في شكل ملاك، مثل ظهوره لهاجر ومناداته لإبراهيم وظهوره ليعقوب في هيئة إنسان يصارعه، لموسى النبي في البرية (خروج33: 2-6) ويشوع لجدعون، من الأحلام نذكر حلم أبيمالك في جرار وحلم لابان وسليمان الحكيم ويوسف النجار والمجوس وغيرهم. كما ظهر الله في العهد الجديد في هيئة حمامة عند معمودية السيد المسيح، وفي هيئة ألسنة من نار عند حلول الروح القدس يوم الخمسين.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
الوحى:

يضاف إلى ما سبق: الوحي، عندما يوحى الله إلى بنيه برسالة يكتبها أو يبلغها إلى شعب تاركًا له صياغتها حسبما تكون لغته وثقافته، وكان كلاّ من النبي والكاهن في العهد القديم متمّمان أحدهما للآخر في العمل، فبينما يبلغ النبي الرسالة إلى الشعب، يتلقّى الكاهن اعترافات الشعب ونذورهم وتوبتهم وذبائحهم ليرفعها بدوره إلى الله.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
قائمة بالرؤى التعضيدية الواردة في السفر


الرؤيا
المناسبة
الشاهد
1
ظهور فارس على ظهر جواد.
اعتداء هليودورس على الهيكل.
3: 24-28
2
ظهور خمسة رجال يحاربون عن اليهود.
حرب المكابى ورجاله مع طيموتاوس العمونى.
10: 30، 29
3
فرس عليه ثوب أبيض.
حملة ليسياس الأولى على اليهود.
10: 8، 9
4
ظهور الله في شكل غير محّدد
معركة قرنيم.
12: 22
5
ظهور أونيا الكاهن مع إرميا النبي.
المواجهات مع نكانور
15: 11-16
وفى الرؤيا الأخيرة يظهر أونيا الثالث رئيس الكهنة ذو السيرة العطرة، حيث يحمل له اليهود أثناء وبعد وفاته أجمل المشاعر ويوسمونه بأفضل الصفات. وهو يمارس دوره الشفاعي في الرؤيا كما كان يمارسه من خلال العمل الكهنوتي في حياته، راجع التعليق على (3: 10و4: 5) وأما إرميا وهو الرجل المحب لشعبه والذي تألم كثيرًا في سبيله (إرميا11: 19، 21و14: 15 و18: 8 و20: 1، 2، 26) وكانت ظروف البلاد في أيامه مشابهة لتلك الظروف التي يمر بها اليهود هنا. ويمثل ظهور كل من أونيا وإرميا النبى وكأنهما يصدّقان على المسار الذي اتخذه يهوذا المكابى.
هذا وتمثل هذه الفقرة من السفرأهمية بالغة في تعضيد عقيدة قيامة الأموات وشفاعة المنتقلين من الأحياء، وسيكون من المناسب أن نعتبرها كنيسة واحدة مجاهدة منتصرة معًا. (وليس كنيستين احداهما منتصرة في السماء وأخرى مجاهدة ما تزال على الأرض) راجع التعليق على (12: 42-45).
سيف من ذهب: قد يكون من الغريب أن يتسلم يهوذا المكابى سيفًا من إرميا النبي ليحارب ويقتل به، مما يوحى للوهلة الأولى أنها عملية تشجيع على القتل! إلاّ أن اليهود كانوا في ذلك الوقت في حالة دفاع عن النفس، وهناك نوعان من القتل، الأول يتم في الحروب الدفاعية Killing وهو شرعي وتقع تبعيته على الحاكم الذي أصدر قرار الحرب، وهذا يُعفى أو يدان عن مسئولية ذلك بحسب الدافع خلف الحرب، أما النوع الثاني فهو القتل على خلفية جنائية "جريمة Murder" حيث يُحسب خطية.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
الاستعداد للقتال

17فطابت قلوبهم بأقوال يهوذا الرائعة التي حركت بقوتها حماسهم وجعلت نفوس الشبان كنفوس الرجال، وعقدوا عزمهم على أن لا يعسكروا، بل يهجموا بشجاعة ويخوضوا المعركة بكل بسالة، حتى يفصلوا الأمر، بما أن المدينة والأقداس والهيكل في خطر. 18وكان قلقهم على النساء والأولاد والإخوة وذوى القرابات أخف وقعًا من خوفهم على الهيكل المقدس الذي كان هو الخوف الأعظم والأول. 19وكان الباقون في المدينة في قلق شديد في أمر القتال الذي كانوا يتوقعونه في العراء. 20وبينما كان الجميع ينتظرون ما يؤول إليه الأمر، وقد احتشد العدو واصطف الجيش وأقيمت الأفيال في مواضعها واصطفت الفرسان على الجناحين، 21تفرس المكابى في كثرة الجيوش وتوفر الأسلحة المختلفة وضراوة الأفيال، فرفع يديه إلى السماء ودعا الرب صانع المعجزات، لعلمه أن ليس الظفر بالسلاح، ولكنه بقضائه يؤتى الظفر من يستحقه. 22وصلى قائلًا: "إنك، ياسيد، قد ارسلت ملاكك في عهد حزقيا، ملك يهوذا، فقتل من جند سنحاريب مئة وخمسة وثمانين ألفًا. 23والآن يا ملك السموات، أرسل ملاكًا صالحًا أمامنا يوقع الرعب والرعدة. 24وبعظمة ذراعك ليروع الذين خرجوا على شعبك المقدس مجدفين". وسكت بعد هذا الكلام.
أثلجت تلك الرؤيا - التي نصها المكابى على رجاله - قلوبهم، وأشاعت الطمأنينة في قلوب الجنود "الشبان" والذين من الواضح أن صغر سنهم كان العامل الكبير في خوفهم، فلما تشجّعت قلوبهم مكتسبين قوة هجومية عظيمة قرروا المبادرة بالقتال دون انتظار هجوم الأعداء ليدافعوا من ثمّ. وقد كان عظيمًا منهم أن يجعلوا الدفاع عن الهيكل والعبادة والشرائع في المركز الأول، قبل أسرهم ومقتنياتهم، حيث كان الهيكل هو مركز العبادة والناموس، كما كان هو الهدف الرئيسى للحرب المكابية (وسوف نلاحظ انتهاء هذا السفر عند تحرير الهيكل واستئناف العبادة) وبعكس ما هو متبع في سائر الحروب، حين يُحفّز الجنود للقتال دفاعًا عن شرفهم وعن زوجاتهم وأولادهم وبيوتهم.. هنا كان اهتمام القائد والجنود هو الحرية الدينية، وفي المقابل كان هدف العدو هو نزع هذه الحرية بتدنيس الهيكل.
وأما الشعب في أورشليم فقد كان يتابع الأمر عن كثب، إذ على نتائج هذه الحرب تتوقف سلامتهم وسلامة هيكلهم وبنيهم وممتلكاتهم.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
استعراض السلوقيين للقوة العسكرية:

كان استعراض القوى مسلكًا تقليديًا في الحروب وما يزال معمولًا به، بغرض ايقاع الرعب في قلوب الجنود - وهم المقاتلين الفعليين - اولًا ثم قادتهم، وفي ذلك الوقت (وكما مر بنا في التعليق على هذه الحملة في سفر المكابيين الأول) كانت الأفيال توضع في المقدمة وفوق كل منهما البرج العملاق وفيه الجنود والذين يصل عددهم في بعض الأوقات إلى اثنين وثلاثين جنديًا مع أسلحتهم وذخائرهم، ثم الفرسان بخيولهم على الجانبين ومن خلفهم الجنود المشاه ويسمون الرجال (او المترجلين/ أي على أرجلهم وليس على صهوات الخيول) ومن خلف الجميع كان طابور التمويل سواء الطعام أو الذخائر، وكذلك طابور الاسعافات والخدمات ورفع الجرحى والقتلى، وكان طابور الخدمات يضم الكثير من الدواب مثل الإبل والحمير، وفي النهاية عدة فرق عسكرية لحماية ظهر المعسكر. هكذا كان مجمل المشهد مما يثير الخوف والرعب، كفيلًا بهروب وانسحاب الجنود اليهود قليلى العدد والعتاد. بخصوص استعراض القوة (راجع 1مكا 6: 35 و 2مكا 6: 38).
ومن جديد يلجأ المكابى ورجاله إلى التضرع لله مستندين على وعوده، متذكرين أعماله المجيبة مع أجدادهم عندما هاجمهم جيش الأشوريين (2ملوك أول 19: 35 و إشعياء 37: 36 و 2مكا8: 19) وكذلك جيوش السلوقيين منذ وقت قصير والتي كانت تفوق جيوشهم الآن بكثير (1مكا7: 40-42) وهكذا طلبوا الله بدالة وهم واثقين من نجدته لهم، إذ لا يعسر عليه أمر.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
المواجهة.. هزيمة نكانور

25وكان أصحاب نكانور يتقدمون بالأبواق والأغانى الحربية، 26فنازلهم أصحاب يهوذا بالدعاء والصلوات. 27وفيما هم يقاتلون بالأيدي، كانوا يصلون إلى الله في قلوبهم، فصرعوا لا أقل من خمسة وثلاثين ألفًا، وهم في غاية التهلل من ظهور الله. 28ولما انتهوا من هذا العمل، ورجعوا مبتهجين، تبينوا أن نكانور صرع مع سلاحه. 29حينئذ ارتفعت الهتافات وعمت البلبلة، وباركوا الملك العظيم بلسان آبائهم. 30ثم إن يهوذا، الذي لم يزل في مقدمة أهل وطنه، باذلًا عنهم جسده ونفسه، حافظًا لبنى أمته المودة التي كنها لهم منذ حداثته، أمر بقطع رأس نكانور ويده حتى الكتف، وحملهما إلى أورشليم. 31ولما وصل إليها، دعا نبي أمته وأقام الكهنة أمام المذبح، واستحضر الذين في القلعة. 32وأراهم رأس نكانور القذر ويد ذلك المجدف التي مدها متكبرًا على بيت القدير المقدس. 33ثم قطع لسان نكانور الكافر، وأمر بأن يقطع ويطرح إلى الطيور وتعلق أجرة ذلك الأحمق تجاه الهيكل. 34وكانوا جميعًا يرفعون إلى السماء بركات إلى الرب الذي تجلى ويقولون: "تبارك الذي حفظ مكانه المقدس منزهًا عن كل دنس". 35وربط يهوذا رأس نكانور على القلعة، ليكون دليلًا بينًا منظورًا على نجدة الرب. 36ثم فرضوا جميعًا باقتراع عام أن لا يترك ذلك اليوم بدون احتفال، بل يكون عيدًا، وهو اليوم الثالث عشر من الشهر الثاني عشر، الذي يقال له آذار بلسان أرام، قبل يوم مردكاى بيوم واحد.
بينما راح الجنود السلوقيون يطلقون الصيحات العسكرية والأناشيد القومية والحربية (مثلما كان اليهود يهتفون بعبارة "نصرة الله") راح اليهود هنا يتضرعون إلى الله، كانت مثل تلك الترانيم او الأغانى الحربية الوثنية تُعرف باسم "أناشيد الشكر أو التسبيح أو النصرة" وكانت عادة ما توجّه إلى الإله أبوللو Apollo من قِبل الجنود المتوجهين إلى المعارك. وبينما التحم القتال كانوا يرفعون قلوبهم بالصلاة إلى الله، وعند انتهاء الاشتباك والذي أسفر عن قتل هذا العدد الهائل، وُجد نكانور نفسه مقتولًا وبجواره سلاحه ويظهر ذلك عادة عند الكشف عن جثث القتلى مثلما حدث بعد معركة جلبوع حين عُثر على جثث شاول وبنيه الثلاثة وحامل سلاحه (1صم31).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
نهاية نكانور:

عبّر اليهود عن سعادتهم بهذا النصر الحاسم بترتيلهم الأناشيد التي تقال في مثل هذه المناسبات (وهي موضوعة وملحنة في اللغة العبرية آية 29) ومن ثَم امر يهوذا بقطع رأس نكانور وذراعه اليمنى بكاملها وهي التي رفعها على الهيكل مهددًا ومتوعدًا (1مكا 7: 35، 2مكا 14: 33) بل أمر يهوذا بقطع لسان نكانور وألقاه إلى الطيور، وربما كان ذلك ردًا على ما فعله السلوقيون قبلًا مع اليهود "دفعوا جثث عبيدك طعامًا لطيور السماء. لحم اتقيائك لوحوش الأرض سفكوا دمهم كالماء حول أورشليم وليس من يدفن" (مزمور 79: 2، 3 و1مكا7: 17). وقد يكون التمثيل بالجثّة صعبًا ومؤلمًا، ولكن دعونا نقدّر المعاناة النفسية الشديدة التي لحقت باليهود من ذلك المعتدى والذي كان مقررًا فى قلبه افناء الجيش وتدمير الهيكل والتخلّص من يهوذا المكابى كامر الملك. كما أن مثل تلك الإجراءات كانت تقليدية في أزمنة الحروب القديمة.(وأراهم رأس نكانور القذر (آية 37): وأراهم رأس نكانور القاسي، حيث كلمة "القذر" الواردة هنا غير موجودة في الأصل العبري، بل وردت كلمة "رشع" والتي تعني (قاسي - أثيم - ظالم - مفترى).
أما تعبير أجرة Folly فيعنى حماقة، وفي العبارة "جناس لغوى" إذا قلنا علقت "حماقة الأحمق" وهي الكلمة التي تعني ذراع أيضًا، أما المكان الذي عُلّق فيه كلِّ من الرأس والذراع فهو القلعة، ولكن ولأنها كانت محتلة من الحامية السلوقية حتى ذلك الوقت، ولم تحرّر إلا في أيام سمعان المكابى بعد تسع سنوات من موت نكانور (1مكا 13:51) فالمرجَح أنها رُبطت على سور القلعة من أسفل، مقابل الهيكل الذي جدف عليه لكي يكون في ذلك عبرة بعقبة الأعداء وإذلالاّ لساكنى قلعة عكرة من الجنود السلوقيين، وكثيرًا ما سلك القدماء على ذلك النحو من حيث تعليق الجثة أو الرأس على أسوار المدن كما فعل الفلسطينيون عندما علّقوا جسد شاول على سور بيت شأن (صموئيل الأول 31: 9، 10)، وكذلك عندما قام آخرون بتثبيت رأس القائد المقتول على سن رمح (حربة).
ومع أننا نقرأ في (سفر العدد 19: 11-16 و 21 و 31: 19- 24) عن تحريم احضار مثل هذه الأشياء النجسة إلى المدينة المقدسة، لا سيّما جبل الهيكل، وكذلك لحوم وجلود الحيوانات النجسة. ولكن أجزاء من جثة نكانور قد أحضرت إلى الهيكل ربما في ساحة النساء فوق جبل الهيكل، ويؤكد احد النصوص الحاخامية (8: 1 To Kalim) جواز إحضار جثة حتى إلى داخل فناء النساء، وفي سفر صموئيل الأول نقرأ أن داود حمل رأس جليات إلى أورشليم (17: 54).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
رجال القلعة (آية 32، 33):

لم تبق هناك قوات سلوقية تمنع يهوذا من دخول أورشليم، فلقد دخلها كظافر ومنتصر مع رجاله وغنائمه، وأما القوة السلوقية والتي كانت ما تزال في قلعة عكرة، فقد كانت أقل بكثير من قوة المكابى، بحيث لم تغامر بالاشتباك معها، وربما خرج ممثلون عن الحامية للتفاوض وربما خرجوا لمشاهدة رأس تكانور وذراعه معلقتين على سور قلعتهم، وهذه هي المرة الأولى التي تُذكر فيها القلعة في هذا السفر، والتي كانت تُمثل الوجود السلوقى في أورشليم، ولم يخرج الجنود منها إلا في أيام سمعان المكابى حيث قام بتطهيرها واستخدامها (1مكا 13: 49- 51)
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
يوم نكانور (عيد سنوى):

تحدد الشهور العبرية بأطوار القمر، فظهور الهلال هو بداية الشهر (وهو في العبرية "حودش" أي "شهر"). كما كان يطلق على الشهر أيضًا كلمة
" القمر "، وهي تسمية أقدم ومشتقة من الفينيقية، وظلت تستخدم إلى أزمنة متأخرة، وفيما بعد السبي دخلت أسماء الشهور البابلية إلى التقوىم العبري.
كان يوم نكانور يجئ في الشهر الثالث عشر في التقوىم العبري القديم - وهذا الشهر ما يقابله الآن في تقويم اليهود المعدل بعد السبي (آذار "مارس" في السريانية (الأرامية))، وقد جاء ذلك اليوم قبل "يوم مردخاى" بيوم واحد، وهو يوم خلاص اليهود من المكيدة التي دبرها لهم هامان الشرير (إستير9). وحتى عام 124ق.م. كان يوم مردخاى (ويُسمى اليوم الموردخايي Mordachaiic Day وعيد الكفارة يحتفل بهما في يوم واحد حتى بدأوا منذ ذلك التاريخ في الفصل بينهما. أما الاحتفال ب"نكانور" فقد توقّف في وقت مبكر، وأن كان اسم نكانور قد اُطلق على إحدى بوابات الهيكل الرئيسية. راجع التعليق على (1مكا 7: 49).1(برغم قرب "أراسة" من أورشليم إلا إنه لا يُعرف بالضبط أن كان يوم 13 آذار هو يوم النصر أو يوم الاحتفال بالنصر).
ولكن أورشليم لم تنعم بالحرية بعد قتل نكانور طويلًا (1مكا9: 23وما بعدها) غير أن الهيكل لم يتعرض للإهانة والتدنيس مرة أخرى وكذلك جبل الهيكل كله.
  رد مع اقتباس
قديم 01 - 04 - 2014, 03:32 PM   رقم المشاركة : ( 16 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,276,540

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني

ختام تفسير سفر المكابيين الثاني
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
هذا ما تم من أمر نكانور. وبما إنه منذ تلك الأيام بقيت المدينة في حوزة العبرانيين، فأنا أيضًا أجعل هنا خاتمة كلامي. فإن كنت قد أحسنت التأليف ووفقت منه، فذلك ما كنت أتمنى. وإن كان ضعيفا ودون الوسط، فإني قد بذلت وسعى. وكما أن شرب الخمر وحدها أو شرب الماء وحده مضر، وإنما تطيب الخمر ممزوجة بالماء وتعطى لذة وطربا، كذلك تنميق الكلام بطرب مسامع مطالعى السعر. انتهى.
هنا أدرك كاتب السفر الغرض الذي كتب لأجله، ألا وهو تحرير جبل الهيكل (جبل صهيون) وأما تحرير اليهودية بكاملها فقد استغرق وقتا أطول، فإن جهادات المكابين لها بقية على أيام خلفاء يهوذا المكابى، مثل يوناثان و سمعان وهركانوس، وهي الأحداث المذكورة في سفر المكابين الأول منذ موت يهوذا وحتى تسلم يوحنا هركانوس قيادة الأمة.
ورغم أنه لم تحكم أورشليم دولة يهودية مستقلة منذ ذلك الوقت فصاعدا، إلا أن المدينة كانت بالفعل في حوزة اليهود المتدينين بدلا من المرتدين و الأجانب (أنظر 1مكا 1: 38) كما ظل ألكيمس رئيسا للكهنة حتى مايو 159 ق.م. وظلت المدينة هكذا حتى سقطت في يد بومباى Pompey القائد الروماني سنة 63 ق.م.
وبهذا يكون يهوذا المكابى والذي تدور أحداث هذا السفر كله حول أعماله، قد أتم رسالته من حيث استعادة الحرية الدينية واستئناف الخدمة في الهيكل والعمل بالناموس.
ثم يأتي يوناثان المكابي من بعده ليتخذ خطوات أعظم نحو تحرير أورشليم (1 مكا 10: 6-11 و 12: 35-37) وقد عرف عنه أنه كان دبلوماسيا ماهرا، ومن بعده أتى سمعان المكابى والذي حقق ما هو أعظم من الجميع في الحصول على كامل الحرية (1 مكا 13: 39، 41) وفي الاستيلاء على قلعة عكرة Akra (1 مكا 13: 49 - 51).
  رد مع اقتباس
قديم 01 - 04 - 2014, 03:33 PM   رقم المشاركة : ( 17 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,276,540

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني

العامل البشري في تدوين الأسفار المقدسة


لفتة أدبية:

يتوسم الكاتب في اتضاع أن يحوز أسلوبه اعجاب القارئ، وقد بذل ما وسعه من جهد في سبيل جعل سفره شيق المطالعة، وأما عن تشبيه "مزج الخمر بالماء" فهو لا شك يقصد به عرض الأمور الروحية والعقائدية بطريقة أدبية شيقة، (كانت الخمر في العالم اليوناني قوية جدا، بحيث أصبحت العادة أن تشرب ممزوجة بالماء) فالأدب وحده يمكن أن يجده القارئ في الكتابات والمؤلفات العالمية العادية غير الدينية، كما أن الأمور الروحية واللاهوتية ما لم تعرض بشكل جذاب فقد يجد القارئ صعوبة في متابعتها.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
العامل البشرى في تدوين الأسفار المقدسة:

"فإن كنت قد أحسنت التأليف ووفقت منه، فذلك ما كنت اتمنى.
وإن كان ضعيفا ودون الوسط، فإني قد بذلت وسعى"(آية 38):
اتخذ بعض النقاد من هذه الآية هدفًا للتشكيك في كون الكتاب سفرًا موحى به من الله، معتبرين أن النص هنا ما هو إلا جهد بشرى بحت! ولذلك فإننا سنلقى بعض الضوء عليها دفعا للشك وتأكيد لصحة الوحي. فالاية تأتى في الترجمة العبرية هكذا:
(وإم هايا دبورى يافهو عاروخ عل أفنايو، زه هايا حفتسى، وإم قل هو و رافه هلو عاسيتى إت أشر هايا بكوحى) ونرجميها كالآتي:

شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
فإذا كان كلامي جميل ومرتب على شكله، هذه كانت رغبتى، وإذا كان بسيط (خفيف، سهل، صغير، قليل، سريع) هو وضعيف (واهن، ضئيل، مرتخ، كسول، خامل) ألم أعمل ما كان بقوتى؟!
وقد وردت "رافه" ومعناها "ضعف" في العهد القديم في مواضع كثيرة مثل: (أيوب 12: 21، 27: 6 ومزمور 37: 8 و 46: 10 و 138: 8 وأمثال 4: 13 و 18: 9 و 24:10 وإرميا 6: 24 و 38: 4 وحزقيال 1:24 وصفنيا 3:1).
وقد جاءت الكلمة اليونانية " اسثينيس" في العهد الجديد للتعبير عن الكلمة العبرية "رافه" وذلك في (متى 25: 39 و 26: 41 وأعمال 4: 9 ورومية 5: 6 وكورنثوس الأولى 1: 25، 27).
وبالرجوع إلى الآيات التي وردت فيها كلمة (ضعف) سنجد أن المقصود بها ضعف ألم بالشخص نتيجة مرض ما أصابه من عند الله، أو ضعف جسدي...
ثم هل لنا أن نرفض العديد من الآيات التي ورد فيها دور البشر في تدوين الوحي الإلهي بعوى إنها تشكك في صحة الوحى؟! ومن أمثال هذه الايات:
1 - "لأن جهالة الله أحكم من الناس، وضعف الله أقوى من الناس" (كو 1: 25) فهل الله فعلا له ضعف أو هل عند الله جهالة؟ أم أن هذا أسلوب أدبي..؟!
2 - "وأنا كنت عندكم في ضعف وخوف ورعدة كثيرة" (1كو 2:3) هل كان بولس رسول الأمم ضعيف وخائف ومرتعد كثيرا وهو يبشرهم؟؟
أين إذن قوة الله العاملة فيه؟، ولكنه كان يخاف كإنسان أنه ضعف الطبيعة البشرية.
3 - "إن كان يجب الأفتخار فسأفتخر بأمور ضعفى" (2 كو 11: 30). هنا يفتخر بولس الرسول بضعفاته. إنه يفتخر باتضاعه. ولم يقل أحد أن هذا الأسلوب ضد الوحي المقدس!
4 - اتهم بعض الكورنثوسيين بولس بالضعف قائلين: "الرسائل ثقيلة وقوية وأما حضور الجسد فضعيف والكلام حقير" (2 كو10: 10). هل يليق بأن يوصف كلام الله بالحقارة؟ ومع هذا لم يرفض أحد هذه الرسالة طبعا.
5 - قيل عن الرب يسوع أنه صلب من ضعف؟ "لأنه وإن كان قد صلب من ضعف، لكنه حيّ بقوة الله، فنحن أيضًا ضعفاء فيه" (2 كو 13: 4) ومع هذا لم يعترض أحد أن الرب يسوع صلب من ضعف وهو القائل أنه له سلطان على روحه وله أن يضعها وله أن يأخذها.
هذا وقد ورد أيضًا في الكتاب المقدس بعض الآيات التي يظهر فيها الدور البشرى في تدوين الأسفار، ولم ينقص ذلك من قداسة السفر أو يشكك في الوحي المقدس. وإليك بعض الآيات التي يظهر فيها ذلك:
1 - "وأما الباقون فاقول لهم أنا لا الرب أن كان اخ له امراة غير مؤمنة وهي ترتضى أن تسكن معه فلا يتركها" (1 كو 7: 12).
2 - " ايها الأخوة بحسب الإنسان أقول ليس أحد يبطل عهدا قد تمكن ولو من إنسان او يزيد عليه" (غلاطية 3: 15). فهل نرفض رسالة غلاطية وهذه الآية بدعوى أن بولس الرسول كان يتكلم بالحكمة الإنسانية وليس بوحي الله؟!
3 - "ولكن أن كان اثمنا يبين بر الله فماذا نقول العل الله الذي يجلب الغضب ظالم اتكلم بحسب الإنسان" (رومية 3: 5) وهل نرفض رسالة رومية وهذه الأقوال التي يصرح بولس الرسول فيها بمنطق بشرى محض؟!
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
ولا شك أن الكاتب -مجهول الأسم- قد أحسن الكتابة و الصياغة كما أمل هو في بداية العمل (2:19- 32)، في حين كان أمينا في نقل الوحي و صياغته، ونحن كمطالعين ودارسين نقدر الجهد الذي بذله، ونشكره لأجله، ونؤكد له كلما طالعنا هذا السفر الرائع، أنه نجح بجدارة في جعله كتابا ممتعا للقارئ، مهما كانت ثقافته. ونطلب له من الله أجرا سمائيًا.
  رد مع اقتباس
قديم 01 - 04 - 2014, 03:35 PM   رقم المشاركة : ( 18 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,276,540

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني

مقدمة في سفر المكابيين الثاني " Macccbees 2 "

شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
الاختصار: 2مك 2 Macc.
** محور السفر:
+ الحث على مراعاة عيدي التجديد، عيد هزيمة نكانور.
+ ترقب مجيء المسيح.
+ الاستشهاد بثبات، رعاية الله.
** مكان السفر:يوضع في الكتاب المقدس بعد سفر المكابيين الأول أي أن آخر سفر في العهد القديم.
** مكابيين الثانيليس هذا السفر تابعًا ولا ملحقًا لسفر المكابيين الأول، بل هو كتاب ثان عن ثورة المكابيين، ويبدأ في آخر ملك سلوقس الرابع المسمى فيلوباتير وينتهي بخبر انتصار يهوذا المكابي على نكانور سنة 160 ق.م. أي يروى حوادث فترة تمتد خمسة عشر عامًا.
** الكاتب وتاريخ الكتابة:+ السفر في جوهرة عبارة عن ملخص لخمسة كتب تاريخية ليأسون القيرواني (2: 23 - 28)، ويتضح من السفر إنه كان فريسيًا.
+ يروي السفر أحداث التاريخ اليهودي من أيام رئيس الكهنة أونياس الثالث والملك السرياني سلوقس الرابع (فيلوباتير) إلى هزيمة نيكانور (من حوالي عام 180 - 160 ق.م.) وهو يقابل الفترة المذكورة في السفر السابق (1 مك 1: 10- 7: 50).
+ اجمع الآباء على إنه كتب باللغة اليونانية بين سنة 125، 115 ق.م.
** سماته: -+ غايته تفسير التاريخ لاهوتيا معلنا عناية الله الفائقة بشعبه وتدخله في أوقات الشدة (ص 22:2، 29:10، 6:11)، كما يعلن قدسيه الهيكل.
+ يتحدث عن خلقة العالم من العدم (7: 28) ويقدم لنا أعمالًا عجيبة للملائكة.
+ يربط بين الكنيسة المنتقلة والمجاهدة (ص 36:3، 4:6- 14، 44:12) أو بمعني أدق الأعضاء الراقدين والمجاهدين. فالراقدون يطلبون من أجل المجاهدين علي الأرض (15: 11 - 16) والأحياء يقدمون صلوات وتقدمات عن الراقدين (12: 43 - 45).
+ أقتبس الرسول بولس بعض العبارات من هذا السفر في رسالته إلى العبرانيين: 2 مك 6: 9 - 19 مع عب 11: 35: 37، 2 مك 8: 5 - 6 مع عب 11: 33: 34 (ستجد المزيد حول السفر في صفحة سفر مكابيين 1 بقسم أسفار قانونية ثانية في موقع القديس تكلا).
+ يتكلم عن قيمة الصلوات الشفاعية (ص 12:15- 14) وعن الصلوات لأجل الموتى (ص 43:12- 45)، وكثيرا ما يرد فيه اسم الله.
+ يمجد الديانة اليهودية ويعظم الهيكل (ص 19:2، 2:3، 16:9)، (اقرأ بموقع الأنبا تكلا نص السفر كاملًا). ويفخم الأعياد اليهودية الكبيرة ويدعو إسرائيل شعب الله (ص15:14 ، 16:6)، وأقرب إشارة فيه إلى الرجاء بالمسيا قوله أن "الله يرحمنا قريبا ويجمعنا مما تحت السماء إلى الموضع المقدس" 2:18.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
** محتويات السفر:
أولا: مقدمة ص 1، 2:
- رسالة إلى اليهود في مصر (1: 1 - 9).
- رسالة إلى ارسطوبولس (1: 10 - 2: 18).
- مقدمة الكاتب (2: 19 - 32).
+ قبل أن يوجز الكاتب تاريخ ياسون قدم رسالتين إلى مصر يحث فيها اليهود عل حفظ العيد الجديد (1: 9، 18).
+ الرسالة الأولي وجهت إلى جماعة اليهود الضخمة في مصر التي عاشت منذ أيام الإسكندر الأكبر (1 مك 1: 1).
+ الرسالة الثانية موجهه إلى ارسطوبولس معلم بطليموس الملك والي اليهود الذين في مصر فيها يروي قصة قتل انطيوخس وأتباعه في فارس (1: 13 - 16) وإخفاء النار المقدسة أيام السبي البابلي في بئر عميق (1 : 19 - 23) وصلاة نحميا وتسبيح الكهنة (1: 24 - 30)، وما جاء من أساطير أرميا أنه أخفي الخيمة والتابوت ومذبح البخور (2: 1 - 8) وصنع خزانه الكتب بواسطة نحميا (2: 13).
+ حدد هدف السفر (2: 25 - 33).
ثانيا: انقسامات داخلية ص (3 - 5):
+ وضح الكاتب أن ما أصاب الشعب من شر ليس بسبب عدو خارجي بل بالأكثر بسبب الانقسامات والفساد الداخلي فأورد حال اليهود قبل تدنيس الهيكل بواسطة انطيوخس:
- خطة شمعون البنياميني ضد حونيا رئيس الكهنة لدي القائد الروماني الذي أرسل حملة يطلب أموال الهيكل والرب يقاومه (ص 3).
- اغتصاب ياسون رئاسة الكهنوت عن أخيه اونيا بطريق الفتنة والغدر (ص 4).
- اغتصاب منلاوس (منيليوس) الكهنوت وسرقته آواني المذبح وإهداؤها إلى القائد الروماني.
- ثورة الشعب ضد ليسيماكس شقيق منلاوس وقتلهم إياه. محاولتهم عزل منلاوس لكن المحاولة فشلت.
- هجوم ياسون علي أورشليم ونهب أموالها (ص 5) وهروبه إلى عمون ومنها إلى مصر.
- هجوم انطيوخس علي المدينة وبيع كثيرين من شعبها عبيدا وتدنيسه آنية الهيكل.
ثالثا: غيرة يهوذا المكابى (ص 6 - 9):
+ استعرض مدي بشاعة ما فعله انطيوخس من تدنيس الهيكل بالزنا وتقديم ذبائح أوثان فيه، وإلغاء الأعياد، واضطهاد المختتنين، وحرق الذين يعيدون السبت، واضطهاد العازار لرفضه أكل لحم الخنزير إلخ..
+ غيرة يهوذا المكابي ونصرته علي نيكانور قائد حملة الملك.
+ سماع الملك وهو يحارب في فارس عن هزيمة قائدة ومرضه من الحزن وموته.
+ هجوم دنس ضد الهيكل والشريعة (6: 1 - 6).
+ الشهداء الأول (6: 7 - 17).
+ استشهاد العازار (6: 18 - 31).
+ استشهاد الأخوة السبعة وأمهم (ص 7).
+ ثورة يهوذا (8: 1 - 7).
+ نصرته الأولي علي نيكانور (8: 8 - 29).
+ انتصاراته الأخرى (8: 30 - 36).
+ مرض انطيوخس (9: 1 - 12).
+ موت أنطيوخس (9: 13 - 29).
رابعا: انتصارات يهوذا (ص 10 - 15):
بدأ يهوذا المكابي بتطهير الهيكل والإصلاح الداخلي الروحي فأعطاه الله نصره علي الأعداء الخارجيين.
+ تطهير الهيكل والتعييد ثمانية أيام. (10: 1 - 8).
- ابن انطيوخس يقيم ليسياس قائدا للجيش عوض بطلماوس.
+ هزيمة ليسياس أمام يهوذا وهروبه.. وتمتع اليهود بشيء من الحرية في ممارسة طقوسهم (ص11).
+ توسع يهوذا واستيلاؤه علي المدن المجاورة. (ص 12).
- اعتقاد يهوذا في قيامة الأجساد والصلاة عن الموتى.
+ تجهيز الملك جيشا بقيادة ليسياس لمحاربة يهوذا. (ص 13).
- انتصارا يهوذا وتمتعه بسلطات واسعة لحكم اليهودية.
+ انتصار ديمتريوس علي الملك وقائدة واستيلاؤه علي الحكم (ص 14).
- مؤامرة الكيمس اليهودي ضد يهوذا وإثارة ديمتريوس.
- تعيين نيكانور قائدا لليهودية وطلبه صداقة يهوذا.
- إثارة الكيمس ديمتريوس ثانية فيطلب الأخير من قائدة نيكانور القبض علي يهوذا فيهرب الأخير.
- محاصرة نيكانور لرازيس أحد الشيوخ اليهود المحبين لوطنهم وموت رازيس بعد أن ضرب نفسه بالسيف والقي أحشاءه علي الجند طالبي نفسه.
+ نيكانور يهاجم يهوذا المحتمي في السامرة فينهزم الأول ويموت، امتلاك اليهود للمدينة (ص 15).
## جدول متزامن من التاريخ الميلادي والتاريخ السلوقي للأحداث المكابية:
+ 323ق.م: موت الإسكندر الأكبر 1مك1:7.
+ 175 ق.م. - 137 سلوقى: تولى انطيوخس أبيفانيوس 1مك1:10،2مك4:7.
+ 174 ق.م. -138 سلوقى: بدء الأغرقة (التأثير اليوناني) 1مك1:11 - الخ، 2مك4:8 - الخ.
+ 172 ق.م. - 140 سلوقى: الحملة الأولى على مصر من قبل انطيوخس أبيفانيوس. 2مك4:21 - الخ.
+ 171 ق.م. - 141 سلوقى: أبيفانيوس في أورشليم منلاوس يتقلد رئاسة الكهنوت 2مك4:21 -24.
+ 169 ق.م. - 143 سلوقى: حملة انطيوخس أبيفانيوس الثانية على مصر 1مك1:21،2مك5:1.
+ 168 ق.م. - 144 سلوقى: نهب الهيكل 1مك 1:21 , 2مك5: 15 - الخ.
+ 167 ق.م. - 145 سلوقى: ابلونيوس في أورشليم، تدنيس الهيكل 1مك1: 29 ,1: 54 ,2مك5:24 ,6: 2.
+ 166 ق.م. - 146 سلوقى: الانتفاضة بقيادة متتيا الكاهن، موت متتيا , يهوذا المكابى يتولى القيادة 1مك 2: 24 ,70 ,3: 1،2مك 8: 1.
+ 165 ق.م. - 147 سلوقى: الانتصارات على ابلونيوس ، الانتصارات على سارون في بيت حورون، وأيضا على نيكانور وجرجياس, وحرب انطيوخس أبيفانيوس في بلاد فارس 1مك 3: 11 , 23 , 37 , 4: 3 - الخ، 2مك 8: 9 - إلخ.
+ 164 ق.م. - 148 سلوقى: هزيمة ليسياس وتطهير الهيكل 1مك 4: 28 - الخ , 2مك 10: 1 - 8.
+ 163 ق.م. - 149 سلوقى: انتصارات اليهود في أدوم و جلعاد 1مك 5: 1 - الخ , 12: 18 - 31، 10: 24 - 38.
+ 163 ق.م. - 149 سلوقى:موت انطيوخس أبيفانيوس و اعتلاء انطيوخس الخامس العرش 1مك 6:16 , 6: 17 , 2مك 9:28 , 11: 22 , 23.
+ 162 ق.م. - 150 / 149 سلوقى: يهوذا يهاجم القلعة في أورشليم انطيوخس الخامس يهاجم اليهودية ويستولى على بيت صور 1مك 6: 20 , 31 - الخ , 2مك 13: 1.
+ 161 ق.م. - 151 / 150 سلوقى: ديمتريوس الأول يصل إلى سورية، ومحاولة بكيدس فرض ألكيمس رئيسا للكهنة , وأيضا محاولة نيكانور فرض ألكيمس رئيسا للكهنة وهزيمة نيكانور في 13 آذار 1مك 7: 1 - الخ , 2مك 14: 1- الخ، 15: 28.
+ 160 ق.م. - 152 سلوقى: المحاولة الثالثة لإعادة ألكيمس بمساعدة بكيدس، وفاة يهوذا المكابى وتولى يوناثان القيادة وحملته عبر الأردن 1مك 9: 1 - إلخ.
159 +ق.م - 153 سلوقى: ألكيمس يأمر بهدم الحائط الداخلي للهيكل، موت ألكيمس 1مك 9: 54 - 56.
+ 158 ق,م - 154 سلوقى: سنتان من السلام. 9: 57.
157 ق.م. - 155 سلوقى: بكيديس يفشل في حملته في بيت حجلة، عقد مصالحة 1مك 9:68 - 70.
+ 152 ق.م. - 160 سلوقى: الإسكندر بالاس يصل إلى عكا (بتولمايس)، يوناثان رئيسا للكهنة 10: 1، 21.
+ 151 ق.م. - 161 سلوقى: الحرب بين ديمتريوس الأول والاسكندر بالاس، موت ديمتريوس 1مك 10: 48 - 50.
+ 150 ق.م. - 162 سلوقى: التحالف بين بطليموس و الإسكندر , ديمتريوس الثاني يرسو في سورية 1مك 10: 57 , 67.
+ 147 ق.م. - 165 سلوقى: ابلونيوس في اليهودية - هزيمته من يوناثان 1مك 10: 69 - إلخ.
+ 146 ق.م. - 166 سلوقى: الخلاف بين بطليموس و الإسكندر بالاس، موت الإسكندر بالاس 1مك 11: 1 - 18.
+ 145 ق.م. - 167 سلوقى: ديمتريوس الثاني يخلف الاسكندر بالاس 1مك 11: 19.
+ 144 ق.م. - 168 سلوقى: يوناثان في عكا ( بتولمايس)، يوناثان يتحالف مع ديمتريوس، تريفون ينصب انطيوخس السادس على العرش، انطيوخس يؤكد امتيازات يوناثان، تجديد التحالف مع روما وهزيمة قادة ديمتريوس 1مك 11:24 ,44 , 54 , 57، 73، 12: 1 - 30.
+ 142 ق.م. - 170 سلوقى: اسر يوناثان وتولى سمعان القيادة، طرد تريفون وتحرير إسرائيل 1مك 12: 48، 13: 8 , 24 , 41.
+ 141 ق.م. - 171 سلوقى: الاستيلاء على القلعة 1مك 13:51.
+ 140 ق,م - 172 سلوقى: ديمتريوس يقع في الأسر (في فارس)، قرار تكريمي لسمعان (نقش على ألواح النحاس) 1مك 14:1 ,3، 27 .
+ 139 ق.م- 173 سلوقى: رسائل إلى سمعان من انطيوخس 1مك 15: 1 - إلخ.
+ 138 ق.م. - 174 سلوقى:انطيوخس السابع ينزل في سوريا، موت تريفون 1مك 15:10.
+ 137 ق.م. - 175 سلوقى: أبناء سمعان يهزمون القائد كندباوس 1مك 16: 10.
+ 135 ق.م. - 177 سلوقى: وفاه سمعان ويوحنا هركانوس يخلفه 1مك 16: 14 - 16 , 23.
  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
كتاب تقديس الحاضر - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام -تفسير سفر المكابيين الأول
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر يهوديت
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر طوبيت
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا


الساعة الآن 02:33 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024