التجارب عمومًا
يخاف البعض من التجارب، وقد يضطرب لها. بينما يقول الرسول:
"احسبوه كل فرح يا أخوتي، حينما تقعون في تجارب متنوعة" (يع 1: 2).
المسألة تحتاج إلي ثقة في عمل الله معنا أثناء التجربة، وكيف يجعلها تؤول إلي خيرنا. وهنا نري القديس يعقوب الرسول، لا يدعونا فقط إلي الاحتمال والصبر، وإنما بالأكثر يدعونا إلي الفرح بالتجارب.
وهكذا ندخل في حياة الفرح الدائم. في. في النعمة نفرح، وفي التجربة أيضًا نفرح. ونقول:
المر الذي يختاره الرب لي، خير من الشهد الذي اختاره لنفسي..
نقول كل طرقك يا رب، بحكمة قد صنعتها.. كله للخير..
هيرودس أراد ان يقتل المسيح وهو طفل، فصار هذا خير لمصر جاءها المسيح.
بارك الرب أرض مصر، وصارت لنا مقادس فيها. وسقطت كثير من الأصنام (اش 19: 19-22) وكانوا حينما يطردون العائلة المقدسة من بلد بسبب سقوط الأصنام، تذهب إلي بلد مصري آخر. فكثرت البلاد التي تقدست بزيارة العائلة المقدسة لمصرنا، وصار ذلك تمهيدًا لا نتشارك الإيمان المسيحي فيها..
بتذكرنا لكل هذا، نسعد بكل ما يحدث لنا، مؤمنين أنه:
إن لم يكن الأمر خيرًا في ذاته،
فلابد سيكون خيرًا في نتيجته.
خذوا كمثال: متاعب داود من شاول الملك.
لقد طارده من مدينة إلي مدينه، ومن برية إلي أخرى. وعاش بسببه هاربًا في البراري والقفار، يترصده الموت في كل خطوة. ولكن كل ذلك التعب أعده لتحمل مسئوليات الملك فيما بعد. إذ نضج داود سنًا وشخصية. وصار جبار بأس، كثير الاحتمال. يعرف كيف ينتظر الرب بإيمان ويؤمن بتدخله.
و الضيقات التي أحتملها، صارت نبعًا لمزاميره.
يغنيها علي العود والقيثار والمزمار. وصارت ينبوعًا لتأملات روحية وصلوات عميقة، تصليها الأجيال من بعده.. وتري فيها كيف يختلط الطلب بالشكر بالإيمان.. وأعطانا أسلوبًا نصلي به ونحن في وقت ألألم والضيقة،وصار داود رجل صلاة، صقلته التجارب، وصاحب خبرة بالعشرة مع الله.
ولو عاش داود مدللًا، ترى ماذا كانت شخصيته ستكون؟!
الضيقات لو لم تنته إلي خير علي الأرض، فعلى الأقل ستعد لنا أكاليل يهبها لنا في ذلك اليوم الديان العادل.
إن الضيقات هي مدرسة للصلاة.
ربما حياة التنعم تبعدنا عن الله. أما حياة الألم فإنها تقربنا إليه. فتصير صلواتنا أعمق وأكثر، وتصير أصوامنا أكثر روحانية. كما نقترب إلي الله بالتوبة والمصالحة معه، فنرجع إليه. إن الضيقة التي وقع فيها أخوه يوسف، جعلتهم يتذكرون خطيئتهم إليه "وقالوا بعضهم لبعض: حقًا إننا مذنبون إلي أخينا، الذي رأينا ضيقة نفسه لما استرحمنا ولم نسمع له. لذلك جاءت علينا هذه الضيقة.. فهوذا دمه يطلب (منا)" (تك 42: 21، 22).
حتى سقوط الناس في الخطية كان يؤول بالتوبة إلي خير.
عاش أوغسطينوس في الخطية زمنًا طويلًا، بكت عليه فيه أمه القديسة مونيكا..
ثم تاب أغسطينوس، وكان من نتائج حياته الأولي كتابة الرائع عن اعترافاته، وهو كنز روحي، وسبب منفعة روحية للملايين، يعرفنا كيف يعترف الإنسان علنًا، ويعترف حتى بخطاياه وهو طفل رضيع..
و بالمثل يمكن أن نتحدث عن خطية داود النبي.
كيف أوصلته الخطية إلي حاله عجيبة من انسحاق النفس، قال فيها "ابلل في كل ليله سريري. بدموعى أبل فراشي" (مز 50). وكيف اعترف إلي الرب قائلًا "لك وحدك أخطأت، والشر قدامك صنعت.. قلبًا نقيًا أخلق في يا الله وروحًا مستقيمًا جدده في أحشائي".. إلي ما حواه المزمور الخمسون، مزمور التوبة وما حوته باقي مزاميره من مشاعر الانسحاق.. كان ملكًا عظيمًا، محترمًا ومبجلًا من الكل. ولكن الخطية أذلته، فقال:
"خير لي يا رب أنك أذللتني، حتى أتعلم وصاياك" (مز 119).
وحينما إهانة شمعي بن جيرا إهانة مؤلمه، وهو هارب من أبشالوم، لم يمسح لأنصاره أن ينتقموا من هذا الإنسان، بل قال في اتضاع "دعوة يسب. لأن الرب قال له: سب داود.. لعل الرب ينظر إلي مذلته" (2 صم 16: 10).
و بالمثل ما استفاده خاطئ كورنثوس من خطيئته وعقوبته.
كم أوجد فيه ذلك من الحزن والبكاء، حتى أن القديس بولس الرسول في رسالته الثانية إلي أهل كورنثوس، أمرهم أن يمكنوا له المحبة "لئلا يُبْتَلَع مثل هذا من الحزن المفروض" (2 كو 52: 7).. وكان دسًا للمدينة كلها في أن "يعزلوا الخبيث من وسطهم" (1 كو 5: 13).
سقوط إنسان في خطية، تدعوه إلي الشفقة علي الذين يسقطون.
لأنه قد أدرك بالخبرة، قوة حروب الشياطين وسهوله السقوط في الخطية التي "طرحت كثيرين جرحي، وكل قتلاها أقوياء" (أم 7: 26). ولذلك يقول القديس بولس "اذكروا المقيدين كأنكم مقيدون معهم، والمذلين كأنكم أنتم أيضًا في الجسد" (عب 13: 3).
و السقوط أيضًا يكشف للإنسان ذاته وضعفه.
وهذا يؤول إلي الخير، إذ يجعله يكون أكثر حرصًا وتدقيقًا في المستقبل، ويبعد عن التهاون. كما أن اكتشاف ضعفه يعطيه فرصه للرد علي كل فكر كبرياء أو افتخار يحاربه فيما بعد.
لذلك عيشوا باستمرار في بشاشة وفرح.
"أفرحوا في الرب كل حين" (في 4:4). في كل ما يحدث لكم قولوا: أننا تحت رعاية الله محب البشر، الله الذي يحبنا أكثر مما نحب أنفسنا، والذي يعرف خيرنا أكثر مما نعرفه.. الله الذي يسخر جميع الأمور لكي تعمل من أجل خيرنا.. الذي جعل قوانين الطبيعة تعمل معًا للخير، والذي خلق الحيوانات والطيور والنباتات أيضًا لأجل خيرنا. وخلق الهواء والشمس والقمر والنجوم من اجلنا.. كلها تعمل معًا للخير، من أجل راحتنا وسعادتنا.
فلنشكر الله الذي جعل كل الأشياء تعمل معًا للخير، لأجلنا.
الله صانع الخيرات، الذي قيل عن ملائكته "أليسوا جميعًا أرواحًا خادمه، مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب 1: 14). ولأجلنا أيضًا عين الرب رتبًا في الكنيسة "أعطي البعض أن يكونوا رسلًا، والبعض أنبياء، والبعض مبشرين، والبعض رعاة ومعلمين. لأجل تكميل القديسين، لعل الخدمة، لبنيان جسد المسيح" (أف 4: 11، 12).
عش سعيدًا مهما حدث لك. قل: كله للخير.
بهذا يكون إنسان الله خاليًا من كل الأمراض النفسية. خاليًا من الكآبة، والاضطراب، والحزن السيئ، والتعقيد واليأس.. بل باستمرار يملك السلام علي قلبه.. السلام القائم علي الإيمان بالله وعمله..
ولكن كل ذلك علي شروط واضح في الآية، وهو "كل الأشياء تعمل معًا للخير، للذين يحبون الرب" (رو 8: 28).
إذن الشرط هو: أن تكون ممن يحبون الرب.
لأن هناك أناسًا لا تعمل الضيقات معهم للخير: بل ربما الضيقة تسبب له ألوانًا من التذمر والتعب والتجديف واليأس.
هناك أناس لا يحبون الرب المحبة التي تجعلهم يثقون به وبمواعيده وبتدخله وبحلوله. ليس لديهم الإيمان الكافي، لذلك تعصرهم الضيقة، وتجعل نفوسهم متأزمة معقده، تعيش في رعب المشكلة، وليس في حلها.