11 - 05 - 2012, 09:33 PM
|
|
|
..::| VIP |::..
|
|
|
|
|
|
شخصيات الكتاب المقدس (9)
يعقوب أبو الآباء...
فى رحلة العودة : خوفه من أخيه عيسو
بقلم قداسة البابا شنودة الثالث
انتهي أبونا يعقوب من مشاكله العائلية من جهة صراعات زوجتيه ومن مطاردة خاله لابان وسار في طريق عودته إلي بيت أبيه.
رعبه من عيسو:
لا أقول كان خائفا من عيسو بل كان مرتعبا ومرتعدا كان مرتعبا منه, علي الرغم من كل وعود الله ومساندته له.
لعل عبارة عيسو كانت لاتزال ترن في أذنيه أقوم وأقتل يعقوب أخيتك27:41ولعله كان يذكر كيف أخذ من أخيه البكورية كيف استغل جوعه في ذلك اليوم وقال له بعني بكوريتك واحلف ليتك25:33,31ولعله تذكر أيضا كيف أخذ منه البركة بالخداع كيف قال لأبيه أنا بكرك عيسو وكيف قال أبوه لعيسو قد جاء أخوك بمكر وأخذ بركتك تك27:35,19.
كانت خطايا ارتكبها منذ عشرين عاما.. لاتزال تطارده وتزعجه.
لقد أخطأ منذ عشرين عاما أتري قد جاء الآن وقت الحساب..؟أتري هل سيلتقي به عيسو في البرية بعيدا عن أبيه وأمه وينتقم منه؟لاشك أنه مذنب أمامه والسنوات الطويلة التي مضت لم تمح الذنب بعد.. إن الله يمكن أن يغفر الذنوب, أما عيسو فهل يستطيع أن يغفر؟إنه صياد يعرف كيف يضرب بالنبال من بعد ولا يتحرك قلبه حينما يجد فريسته تتلوي قدامه من الألم ..أتراه سوف يصيدني أنا أيضا؟هكذا كانت الأفكار تتعب يعقوب.
كان يدفه ثمن خطيئته خوفا.. الخوف يتعقبه مثلما تعقب هو عيسو أخاهتك27:36تك25:26.
كان الخوف جزءا من طبيعته وكان يزيده أمران: شعوره بالذنب الذي اقترفه تجاه أخيه ويقينه من شدة أخيه وقسوته.
والمعروف أن البشرية لم تعرف الخوف إلا بعد الخطية ونتيجة لها فأبونا آدم بعد أن أخطأ خاف واختبأ وراء الأشجارتك3:8
وخوف يعقوب أنساه وعود الله.. أو لم تكن الوعود تكفي لطمأنته!!
كان الوعد الأول الذي سمعه من فم الله هوها أنا معكوأحفظك حيثما تذهب وأردك إلي هذه الأرض لأني لا أتركك حتي أفعل ما كلمتك بهتك28:.15
وكان الوعد الثاني هي قول الرب له ارجع إلي أرض آبائك وإلي عشيرتك فأكون معك تك31:3 ..وفي المرة الثالثة قال له الله أنا إله بيت أيل حيث مسحت عمودا الآن قم اخرج من هذه الأرض وارجع إلي أرض ميلادك تك31:..13 وما دام الله هو الذي أمره بالرجوع فهو الذي سيحفظه في رجوعه حسب وعده الإلهي أحفظك حيثما تذهبمع ذلك بقي يعقوب خائفا ,كان لابد أن يعمل الله عملا آخر ليزيل عنه الخوف.
ففيما كان يعقوب سائرا في الطريق لاقاه ملائكة الله وقال يعقوب إذ رأهم هذا جيش اللهتك32:2,1 إن ملاكا واحدا يكفي لطمأنة الخائف ولكن يبدو أن خوف يعقوب كان بدرجة يحتاج فيها إلي ملاقاة جيش من الملائكة هذا من جهة الإيمان أما من جهة العمل فقد تصرف يعقوب هكذا.
إجراءات اللقاء:
أرسل أولا رسلا قدامه إلي عيسو أخيه لاسترضائه.
وأمرهم هكذا تقولون لسيدي عيسو:هكذا قال عبدك يعقوب: تغربت عند لابان ولبثت إلي الآن وقد صار لي بقر وحمير وغنم وعبيد وإماء وأرسلت لأخبر سيدي لأجد نعمة في عينيك تك32:3-.5
وسنري أن عبارتي سيدي وعبدك ستتكرران كثيرا منه.
بهاتين العبارتين سوف يسترضي قلب عيسو لماذا؟لأن البركة التي أخذها يعقوب هي كن سيدا لإخوتك وليسجد لك بنو أمك تك27:29 وحينما طلب عيسو البركة من أبيه أسحق قال له أبوه عن يعقوب إني قد جعلته سيدا لك ودفعت إليه جميع إخوته عبيدا فماذا أصنع لك؟تك27:37
فكان يعقوب يقول لعيسو إن كانت بركتي هذه تتعبك فمن الآن سأقول لك سيدي وسوف أصير أنا عبدك يعقوب أما عن عبارة يسجد لك بنو أمك التي قيلت لي فسوف تراني ساجدا لك مرات عديدة لتستريح..! واستمر يعقوب في خوفه لما رجع رسله إليه.
عادوا إليه وقالوا له عن عيسو هو, أيضا قادم للقائك ومعه أربع مائة رجل أربعمائه رجل؟ياللهول.. إن عيسو وحده مخيف ومرعب فكيف يكون إذن ومعه أربعمائه رجل عنا يقول الكتاب فخاف يعقوب جدا وضاق به الأمر فماذا فعل في خوفه وشعوره بالخطر القادم؟
قسم القوم الذين معه والغنم والبقر والجمال إلي جيشين.. وقال إن جاء عيسو إلي الجيش الواحد وضوبه يكون الجيش الباقي ناجياتك32:8,7. إذن أين إيمانك يايعقوب بالوعود الإلهية المتكررة؟وما مدي تأثرك بما رأيته من جيش الملائكة الذي ظهر لك؟! إن الخوف قد أحدث شللا في مشاعره
وهنا صلي يعقوب صلاة مؤثرة قال فيها:يا إله أبي إبراهيم وإله أبي إسحق الذي قال لي: ارجع إلي أرضك وإلي عشيرتك فأحسن إليك.. صغير أنا عن جميع ألطافك وجميع الأمانة التي صنعت إلي عبدك فإني بعصاي عبرت هذا الأردن والآن قد صرت جيشين نجني من يد أخي من يد عيسو لأني خائف منه أن يأتي ويضربني.. الأم مع البنين وأنت قد قلت إني أحسن إليك وأجعل نسلك كرمل البحر الذي لايعد من الكثرةتك32:9-12. وبات هناك في تلك الليلة.
ونلاحظ في صلاة أبينا يعقوب.
إنه ضعيف ويعترف لله بضعفه وهو خائف ويعترف أمام الله بخوفه وهو أيضا يعترف بإحسانات الله إليه.. ويعترف بأنه صغير عنها أي لايستحقها كذلك هو يذكر الله بوعوده له إنه سيجعل نسله كرمل البحر في الكثرة فكيف يتحقق هذا الوعد إن جاء عيسو فضرب الأم مع البنين وهو في كل ذلك يطلب المعونة قائلا نجني من يد أخي لأني خائف منه.
ما أعجب هذا الأمر أن يطلب أخ النجاة من أخيه..
ولكن الطبيعة البشرية هي هكذا إن دخلها الشر يمكن أن يؤذي الأخ أخاه حدث حينما قام قايين علي هابيل فقتلهتك4:8 وحينما قال عيسو أقتل يعقوب أخيتك27:41 وهكذا فعل فيما بعد إخوة يوسف الذين احتالوا عليه ليميتوه تك37:18. لولا أن أنقذه يهوذا من القتل فباعة إخوته لقافلة من الإسماعيليينتك37:28,26 وأمر أبشالوم غلمانه فقتلوا أمنون أخاه2صم13:29,28 وفي الكتاب أمثلة أخري لا داعي لذكرها الآن.
نرجع إلي قصة أبينا يعقوب في خوفه من أخيه عيسو.
فنقول كما أنه أرسل إليه رسلا وحاول استرضاءه بعبارتي سيدي وعبدك واستئذانه في المجيء وإخباره بما له من غنم وبقر وأبناء وجوار حتي لايفاجأ بهذا فإنه أيضا:
حاول استرضاء أخيه بالهدايا.. وكان كريما في هداياه.. أرسل إليه مائتي عنز وعشرين تيسا مائتي نعجة وعشرين كبشا, ثلاثين ناقة مرضعة وأولادها, أربعين بقرة وعشرة ثيران, عشرين أتانا وعشرة حمير.. ودفعها إلي أيدي عبيده قطيعا قطيعا علي حدة ليجتازوا أمامه جاعلين فسحة بين قطيع وقطيع تك 32:14-16 وقال أستعطف وجهه بالهدية السائرة أمامي وبعد ذلك أنظر وجهه الظاهر أن الله أراد ينقي أملاك يعقوب مما أخذه من لابان.
والعجيب أن يعقوب لم يخف عن أحد احترامه لسيده عيسو وخوفه منه.
فعل هذا كما قلنا مع الرسل الذين أرسلهم إليه وفعل كذلك مع العبيد الذين حملوا الهدايا.. أمر الأول قائلا إذا صادفك عيسو أخي وسألك قائلا لمن أنت وإلي أين تذهب ولمن هذا الذي قدامك تقول لعبدك يعقوب هو هدية مرسلة لسيدي عيسو وها هو وراءنا.. وبمثل هذا الكلام أمر الثاني والثالث وجميع السائرين وراء القطعانتك32:17-19 .
مباركة الله له.
كان لابد من بركة قوية تصحبه قبل المرحلة الأخيرة إلي اللقاء.. عبر بأولاده وزوجتيه وجاريتيه وكل ماله عبر مخاضة يبوق ثم بقي وحده منتظرا عمل الله.
أراد الله أن يرفع معنويات هذا الخائف بأن يريه أنه يمكنه أن يصارع ويغلب فظهر له في هيئة إنسان يمكن ليعقوب أن يصارعه ويغلبه.. تماما كأب يداعب طفله ويظهر لهذا الطفل أنه يستطيع أن يغلبه فيفرح..! وبدا أن يعقوب كان قويا في مصارعته.. وطلب منه صاحب الرؤيا أن يطلقه ويعقوب يجيب: لا أطلقك حتي تباركني فباركه.. ولكن ضربه علي حق فخده فصار يخمع عليه كان الله يريد أن يفرح بانتصاره ولكن لايكون انتصاره سبب كبرياء له.
لذلك سمح له أن ينتصر وغير اسمه إلي إسرائيل قائلا له لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرتتك352:22-28 ثم ضربه علي حق فخذه.
ودعا يعقوب اسم المكان فنيئيل قائلا لأني نظرت الله وجها لوجه ونجيت نفسي كم مرة ظهر الله لهذا الضعيف ليقويه وينقذه من خوفه.
لقاء عجيب للأخوين:
لا الرؤيا التي رآها يعقوب أفقدته تواضعه ولا البركة التي نالها من الله.
فلما رأي عيسو مقبلا ومعه أربعمائة رجل قسم أسرته إلي ثلاثة أقسام الجاريتان وأولادهما أولا ليكونوا في مقدمة المواجهة ثم ليئة وأولادها وراءهم ثم راحيل ويوسف أخيرا.. لكي تسجد كل مجموعة منهم أمام عيسو أخيه.
أما هو فاجتاز قدامهم وسجد إلي الأرض سبع مرات حتي اقترب إلي أخيهتك33:3. وهنا حدث أمر عجيب غير متوقع انتصر فيه تواضع يعقوب علي قسوة عيسو!!
فركض عيسو للقائه وعانقه ووقع علي عنقه وقبله وبكياتك33:4. لاشك أن يعقوب كان يحسب ألفي حساب لهذا اللقاء ويتصور أخطارا مخيفة تحيط به أما أن يركض عيسو للقائه ويقبله فذلك أمر عجيب ما كان يتصوره أما بكاء عيسو الجبار علي عنق أخيه يعقوب الذي أخذ منه البكورية والبركة فهذا هو العجب العجاب..!!
كان الله يعمل في قلب عيسو من الداخل, وكان يعقوب يسترضيه بتواضعه وسجد كل أفراد أسرة يعقوب أمام عيسو فسأل يعقوب ماذا منك كل هذا الجيش الذي صادفته؟فأجاب باتضاع لأجد نعمة في عيني سيدي وحاول عيسو أن يمتنع عن قبول هدية يعقوب.. فأجابه ذاك إن وجدت نعمة في عينيك تأخذ هديتي من يدي لأني رأيت وجهك كما يري وجه الله فرضيت عليتك33:10. وألح عليه فأخذ.
حقا إن الجواب اللين يصرف الغضبأم15:1وهكذا كانت كلمات يعقوب لقد استخدم يعقوب مع عيسو كل الوسائل الممكنة: أرسل رسلا قدامه وأرسل هدايا كثيرة كثيرة واستخدم التواضع العميق في عبارتي سيدي وعبدك وفي السجود أمامه هو وكل أسرته وفي كلمات الاستعطاف لأجد نعمة في عيني سيدي رأيت وجهك كما يري وجه الله.. أمران لم يشأ عيسو أن يستخدمهما أبدا وهما الكبرياء ومقابلة العنف بالعنف.
لم يذكر إطلاقا إنه صاحب البركة والمواعيد الإلهية.
|