رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||
|
|||||||||
إذا كان الزواج المسيحى رابطة إلهية إنسانية، وإذا كانت النقاوة هى سمة هذا الزواج، فإن ذلك راجع إلى أن الروح القدس يسكن فى حياة الزوجين المشتركة، بفاعلية سر الزيجة المقدس.. وبكلمات أخرى نقول.. بما أن الزيجة سر كنسى، فهى - إذن - مجال لحضور الروح القدس، وهذا يجعل الزيجة المسيحية رابطة إلهية، ويجعل النقاوة من لوازمها، ولكن ذلك متوقف - بطبيعة الحال - على نقاوة قلب الزوجين، وانفتاح حياتهما على المسيح.
1- كيف تكون الزيجة سراً مثل باقى الأسرار ؟ القاعدة العامة فى أسرار الكنيسة، أن الروح القدس يعمل فى المادة المنظورة (مادة السر)، ليهب المؤمن نعمة غير منظورة، وبركات منظورة.. وفى سر الزيجة نجد مادة السر هى العروسان المؤمنان المرتبطان بالحب الحقيقى، فإذا ما استدعى الأب الكاهن الروح القدس ليحل عليهما صارا معاً كياناً إنسانياً متكاملاً "جسداً واحداً" (مت 5:19) أى كياناً مسيحياً متحداً One Christian Body.. وكما يحل الروح القدس على الخبز والخمر فى سر الأفخارستيا، ويحولهما إلى جسد ودم المسيح، هكذا يحل على العروسين ليجعلهما معاً "إنساناً متكاملاً" وليسا بعد فردين (مت 6:19)، وهو حلول ليس للسكنى كما فى سر الميرون (1يو 20:2،27، 1كو 19:6)، بل هو حلول لتوحيد الاثنين فى كيان زيجى مسيحى فريد. 2- ما هى ثمار (نتائج) سر الزيجة؟ أ- مواهب غير منظورة : إن حلول الروح القدس فى حياة الزوجين المشتركة، هو - فى الواقع - مواهب سمائية غير منظورة، ولكنها موجودة وقائمة يشعر بها الزوجان المؤمنان فى أعماق كيانهما، ويمكن أن نسميها موهبة "الجسد الواحد". فى كل سر من أسرار الكنيسة تكمن معجزة تتحول عن طريقها حياة المؤمن متجهة بدفعة روحية خاصة نحو الله، ففى الأفخارستيا تكمن معجزة تحول القرابين إلى جسد ودم المسيح، التى تؤدى بدورها إلى معجزة اتحاد المؤمن بالمسيح، والثبات فيه، حينما يتناول من ذبيحة المسيح.. أما فى سر الزيجة فتكمن معجزة تحول الرجل والمرأة إلى كيان زيجى مسيحى، أى معجزة الاتحاد الزيجى بين الرجل والمرأة على نمط اتحاد المسيح بالكنيسة (أف 25:5،26). حينما يكون كل من العروسين شخصاً روحياً على علاقة حية بالمسيح، سالكاً بأمانة فى خوف الرب، يحيا بنقاوة قلب، فإن الروح القدس فى سر الزيجة يمكن أن يفتح قلب كلٍ منهما على الآخر، ويوحد بسهولة حياتهما، ويبلغ بهما إلى حالة "الجسد الواحد"، أى القلب الواحد، والفكر المشترك، والاتجاهات الروحية المشتركة، والهدف الواحد. أما حالة "الجسد الواحد" فلها خصائص أساسية تميزها : هى حالة من الانفتاح الداخلى بين الزوجين المؤمنين من ناحية، وبين المسيح وبينهما من ناحية أخرى، حيث يشعر كل منهما بالآخر كما يشعر بنفسه، لأن الروح يفتح نفس كل منهما على الآخر، ويربط بين عواطفهما ومشاعرهما الداخلية، فيشعر ببهجة الآخر كما يشعر بمعاناته وآلامه، ويشعر بأنه ما عادت هناك حواجز نفسية تفصله عن الآخر، ويشعر بأنهما معاً كيان واحد (جسد واحد) موجود فعلاً، وإن كان مخفياً عن العيون بسبب كونه جسداً سرياً لا يشعر به أحد سواهما. هى حالة معرفة داخلية عميقة لكل منهما بالآخر، تنم وتتزايد كلما سقطت الحواجز النفسية بينهما، وكلما انصهرت النفسان معاً فى بوتقة المسئولية الزوجية، وآلام الحياة عبر سنوات العمر. وهى حالة حرية داخلية تتحرك فيها النفسان دون أن يجرح الواحد حرية الآخر، أو يقيدها أو ينال منها، بل يبقى كل منهما كياناً شخصياً فريداً متميزاً فى عينى الآخر، ذلك لأن الروح القدس يحرر عواطف المؤمن ومشاعره من النزعات الأنانية والاتجاهات الحسية، وبذلك تتقدس العاطفة وتتحرك بوقار وتعقل واتزان. وحالة "الجسد الواحد" أيضاً هى حالة من وحدانية الفكر والقلب، ووحدانية الهدف الحياتى والروحى، برغم اختلاف السمات الشخصية للشريكين، ويتجلى هذا فى تزايد اهتمام كل منهما بالآخر، والسعى لاكتشاف احتياجاته، ولهذا يوصى الكاهن العريس بأن (تجتهد فيما يعود لصالحها.. وتسرع إلى ما يسر قلبها). إن حالة "الجسد الواحد" - إذن - تنمو وتتزايد عبر الزمن بفعل الروح القدس، وذلك بقدر اتفاق الزوجين فى الخضوع للمسيح، وبقدر اتحاد هدف سعيهما نحو الملكوت السمائى. ب- بركات منظورة : قلنا إن السر الكنسى يعمل فى المادة المنظورة، ليهب للمؤمن مواهب غير منظورة وبركات منظورة.. فى الأفخارستيا يهب الروح القدس للمتناول التائب اتحاداً داخلياً بالمسيح وثباتاً فيه وشبعاً روحياً، وهذه كلها مواهب غير منظورة، يشعر بها المؤمن داخلياً فى علاقته الخاصة بالله.. كما أن هناك أيضاً بركات منظورة يحصل عليها المؤمن المتناول، مثل الثبات فى عضوية الكنيسة (باقى المؤمنين)، بما يترتب عليه من تفاعل حى مع جماعة المؤمنين، ونمو فى خدمة الآخرين، وهذه كلها بركات منظورة يشعر بها المؤمنون معاً فى علاقتهم المشتركة. على نفس القياس نجد الروح القدس يعمل فى الزوجين المؤمنين، من خلال سر الزيجة، فيمنحهما موهبة "الجسد الواحد" التى يشعران بها معاً فى أعماق كيانهما الزيجى دون أن يشعر بها الآخرون، فهى موهبة غير منظورة.. ومن الناحية الأخرى يرتبط بسر الزيجة بركات أخرى منظورة يشعر بها الآخرون، مثل إنجاب الأطفال، والتنشئة الروحية السليمة لهم، بحسب ما يوافق روح الله الذى يجمع الزوجين معاً فى زيجة روحانية، ويعمل فيهما عبر الزمن، حتى يقدما للكنيسة أبطالاً روحيين، وأمهات قديسات، ومكرسين للخدمة، ورهباناً وراهبات.. كذلك تعتبر بركة الرزق وتوفير احتياجات المعيشة اليومية من قبل الرب، من البركات المنظورة لسر الزيجة، مع ملاحظة الاتكال على المسيح بلا تواكل، وتسليم الأطفال له بالصلاة الدائمة من أجلهم.. ولذلك نجد الأب الكاهن يخاطب العريس قائلاً: (ومتى قبلت ما أوصيت به، أخذ الرب بيدك، وأوسع فى رزقك، ورزقك أولاًداً مباركين.. ويمنحك العمر الطويل والعيش الرغد..)، وبنفس المعنى يخاطب العروس أيضاً. منقول |
|