رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مثلا: وليمة الملك (مت22: 1-14) من المفيد أن نعيد قراءة المثل مراراً، مسترشدين بالحركة الداخلية التي تقوده، وواعين بالتساؤلات التي أثارها المثل في سامعيه آنذاك. إن مثل الوليمة مليء بالمفاجآت والتقلبات. الرواية دعا أحد الملوك رعاياه لحضور وليمة أقامها بمناسبة عُرس ابنه. إنها صور كتابية معروفة: ينتمي العُرس والوليمة إلى رموز ملكوت الله، ذاك الملكوت الذي بشّر به الأنبياء والذي ينتظره كل يهودي تقي بفارغ الصبر. تتم الدعوة على مرحلتين وبالتالي هناك إصرار عليها. ويتوقع القارئ أن يهرول المدعوون لتلبية الدعوة. ولكن المدعوين يرفضون الدعوة في كلتا الحالتين: إنها المفاجأة الأولى. إن رفضهم لا مبرر له، إذ أن دعوة الملك هي أمنية غالية، وهي حلم كل يهودي، هي شيء هام جداً. لا يبالي المدعوون بدعوة الملك ويفضّلون عليها أشياء أخرى. لا بل يرى البعض في هذه الدعوة ما يثيرهم ضدها: فيضربون عبيد الملك ويقتلونهم . مَن هم هؤلاء المواطنون؟ أثار رفض المدعوين لتلبية الدعوة غضب الملك وتصرّف بصرامة لا يلومه عليها أحد. ولكن الملك، بعد أن انتقم من الرافضين، لا يستسلم: إنها مسألة أخرى غير متوقعة. إنه يرسل عبيده مرة أخرى ليدخلوا كل من يجدونه أشراراً وصالحين. إنه لم يطبق على المدعوين الجدد أي مقياس أو شرط. إن ما يهم هو أن تمتلئ ردهة العُرس. وهكذا حقق الملك هدفه. كان من الممكن أن تنتهي القصة عند هذا الحد. ولكنها تستمر، مقدمة مفاجئة أخرى: دخل الملك إلى الردهة فوجد أن أحد المدعوين لا يلبس ثياباً تليق بعُرس ابن الملك، فيعنّفه ويعاقبه. إنها نهاية غير متوقعة ونهاية سيئة لقصة فاشلة! لا يقع الرفض من المدعوين الأولين فقط فينالون عقابهم، بل يقع أيضاً على بعض المدعوين في الدفعة الثانية: قد يثير هؤلاء أيضاً غضب الملك وقد يقع عليهم عقابه. شخصيات المثل ويمكن استعراض المثل بطريقة أخرى: عن طريق شخصياته وأعمالهم. يدور المثل كله حول بعض الصور المركزية: الملك، الوليمة، العُرس والدعوة. ولكن الصورة المسيطرة هي صورة الملك. كما تُنسب إليه أهم الأعمال والمواقف، دور الآخرين هو تنفيذ أوامره ومبادراته بكل عناية. ولا ترد في المثل كلمات مباشرة إلا كلمات الملك، بينما يتحرك الآخرون بصمت: الابن، العبيد، المدعوون في الدفعة الأولى، والمدعوون في الدفعة الثانية، والرجل الذي ليس عليه ثياب العُرس. وتقود دراسة الأفعال إلى نفس النتيجة. تعبّر أفعال الملك عن مبادرة تجاه العبيد (يقول ويرسل) والمدعوين (يأتي ويدعو). أمّا أفعال العبيد فتعبر كلها عن تنفيذ (ذهبوا، خرجوا، جمعوا) وبالتالي نقول إن بطل القصة هو الملك، ويتم التركيز كله عليه وعلى أعماله. ويمكن أن نلاحظ أن "شخصية هامة تقوم بعمل يبدو أولياً أصلياً في مرحلة حاسمة قياساً بكل الأعمال التي نقابلها في التاريخ وتنتظر مبادرته، على تنوعها، وتخضع كل الردود للفحص". يتم عمل الملك على ثلاثة مراحل: يبادر الملك وتفشل المبادرة، ثم يتغلّب الملك على الفشل. ويتم التغلّب على الفشل باستبدال (يدخل آخرون بدلاً من المدعوين الأولين) يصاحبه فرز وانتقاء (حتى الذين قبلوا، في مرحلة لاحقة الدعوة، يخضعون للفحص). الظروف التاريخية هنا يبدو أنه قد تم توضيح هدف المثل الرئيسي، ولكن ظاهرياً فقط! يرتكز المثل كله على نقطة تضاد: مدعوون يرفضون الدعوة، مدعوون يلبون الدعوة. مَن هم المدعوون في الحالتين؟ ما هي الخلفية التاريخية وراء صور وأبطال المثل؟ لدينا اقتراحان: الاقتراح الأول: يروي يسوع هذا المثل رداً على الشكوك التي أثارتها مخالطته للخطأة والعشارين لدى الفريسيين والمكتفين بذواتهم. لا يعي الفريسيون أهمية دعوة الله، التي وجهها إليهم يسوع، ولذلك لم يلبوا الدعوة. عندئذ يقبل الله، بدلاً منهم، العشارين والخطأة والزناة والوثنيين. إن التضاد بين مدعوين يرفضون تلبية الدعوة ومدعوين يلبونها ينطبق على كل تاريخ بني إسرائيل: من ناحية هناك الشعب، الناس البسطاء والخطأة الذين يستقبلون ويقبلون يسوع؛ ومن ناحية أخرى هناك السلطات والمعلمون الذين يرفضونه. يتفق هذا الاقتراح مع ظروف حياة يسوع، لأنه كان يتعامل مع الخطأة والعشارين. إن هذا الاعتراض ليس قوياً، كما يبدو لأنه ليس من الضروري أن يتناول المثل حقيقة ما بكل تفاصيلها، فمعارضو يسوع يرفضونه ليس بسبب صداقته مع الخطأة فقط بل أيضاً لأن طريقة إعلانه الخبر السار لا تتفق مع توقعاتهم. الاقتراح الثاني: يتناول المثل واقعاً تاريخياً لاحقاً أي بعد القيامة. يشرح المثل واقعاً تاريخياً غير متوقع، أثار، بالتأكيد، دهشة المسيحيين الأوائل: يرفض بنو إسرائيل الخبر السار بينما يستقبله الوثنيون. إن التضاد لا يقوم في داخل فئات شعب بني إسرائيل بل بين بني إسرائيل والشعوب الأخرى. يميل بعض المفسرين إلى الاقتراح الأول بينما يحبّذ آخرون الاقتراح الثاني. ونتساءل لماذا لا نحتفظ بالاقتراحين معاً؟ وليس من الضرورة أن نختار اقتراحاً ونرفض الآخر إذ يمكن الجمع بينهما. ففي الاقتراحين يوجه الله نفس الدعوة والتي يرفضها البعض وبوعي. إذا صادق يسوع الخطأة والعشارين، إلا أنه لا يهمل توجيه الدعوة للصديقين، ولكن رفض هؤلاء تلبية هذه الدعوة. وإذا كان الملكوت قد نقل من بني إسرائيل إلى الأمم، فذلك لم يتم لأن الله أهمل شعبه، بل لأن الشعب هو الذي رفض إلهه. إن الله لم يتصرف بعشوائية بل بحكمة: هذا هو جوهر الرسالة التي نقلها المثل ونقلتها الجماعة الكنسية. لم تتغير الرسالة بل الشعب. إن الرفض الثاني هو توسّع في الرفض الأول. إن نقل المثل وتطبيقه على مرحلة تاريخية لاحقة استوجب بعض التغييرات وكلها طفيفة. فمثلاً عبارة "أهلك هؤلاء القتلة وحرق مدينتهم" (7:22) أضيفت على الأرجح على ضوء حصار الرومانيين لأورشليم وهدمهم وحرقهم إياها. لكن لا هذا التعديل ولا التعديلات الأخرى غيّرت مضمون المثل وهدفه الأساسي. التفسير: الدعوة والدينونة الخلاصة هي أن المثل يقوم بشرح حدثين تاريخيين شرحاً لاهوتياً: الحدثان هما رفضُ السلطات اليهودية ليسوع، ورفضُ الشعب اليهودي لرسالة المسيحية. ولكن المثل لا يقف عند هذين الحدثين. إنه تنبيه أن الساعة قد أتت وكل شيء مُعدّ. تجتاح المثل نبرة استعجال: لا مجال للتشتت والتردد تجاه دعوة الإنجيل ولا يوجد ما هو أهم من تلبيتها. تفسير حدث ودعوة لأخذ قرار: المثل هو أيضاً إعلان دينونة الله. إنها دينونة قاسية لا يفلت منها أحد: لا تخص الدينونة فقط مدعوي الدفعة الأولى، بل تمتد إلى مدعوي الدفعة الثانية أيضاً، الذين قد يعتقدون أنهم بتلبيتهم للدعوة أصبحوا في مأمن من الدينونة. تطال دينونة الله كل إنسان ودائماً لا مجال للأوهام. الجميع مدعوون ولكن ليس الجميع مختارين. إن دخول الردهة ليس ضماناً: يجب أن يظل المرء ساهراً وفي موقف طاعة دائمة. لقد طالت الدينونة على بني إسرائيل وتطال أيضاً المسيحيين. هذا ما تعنيه ثياب العُرس. |
18 - 04 - 2017, 10:06 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: مثلا: وليمة الملك (مت22: 1-14)
أمين
ربنا يبارك خدمتك |
||||
|