رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
المتميزة اسعاد يونس ومقالة جديدة بعنوان تسونامى كيكو ■ زمان واحنا صغيرين.. أنا وإخواتى البنات كنا فى أعمار متفاوتة من الصبا.. نعيش مع أمنا فى بيت هادئ هانئ أنيق.. تمتلئ أركانه بقطع رفيعة الذوق من الأثاث والزرع الحقيقى ذى الأوراق النادرة.. هنا بيانو هوفمان أسود يبدو كلؤلؤة سوداء وسط حجرة المعيشة.. وهناك لوحة أو فازة أو برواز صور فضى.. وكانت أمى تمارس هواية لطيفة وهى تغطية الجمدانات والزجاجات متباينة الأحجام بتنقيط الشموع الملونة عليها حتى تصبح كتلة شمعية من الدموع الملونة وتملأ بيها البيت.. وكان لدينا بيك أب متعدد السرعات والأسطوانات بحيث تغذيه بعدة أسطوانات موسيقية وهو يلعبها بالتوالى لمدة ساعة ساعتين.. وعندما ينتهى من المجموعة تقطع عملية الطبيخ أو التنضيف وتذهب إليه لتموّنه بمجموعة جديدة فتمتلئ أجواء البيت بالموسيقى المتنوعة.. وكانت تحرص على تزيين سفرة الطعام الكبيرة أو سفرة المطبخ ببعض الزهور الطازة لتضفى لمسة شاعرية على طقس تناول الطعام.. ويمكن كان نوع من التمويه على أصناف الطعام الفقيرة فى حالات الفلس، فناكل الموجود ونحن نشعر بالسعادة ونحمد ربنا عالنعمة.. كانت لا تطيق الغبار أو الفوضى وتنزعج جداً لو طقطوقة اتعوجت عن مكانها أو بوز لوحة مال على جنب والسيمترية باظت.. ■ فإذا ما علمت أن إحدى أخواتى كانت طالبة فى الكونسيرفاتوار قسم غناء، والثانية طالبة فى معهد الباليه سهل عليك تخيل جو البيت الفنى وقدسية الموسيقى والغناء وأهمية البيانوا الهوفمان الأسود الأنيق.. وأيضاً أهمية الذوق والترتيب والحرص على ألا تصدر فى البيت تصرفات مزعجة أو نشاز، سواء فى الصوت أو فى السلوك. ■ جاءتنا أمنا فى يوم قائلة وعلى وجهها فرحة «النهاردة عندنا ضيوف».. فرحنا لفرحها وسألناها فى لهفة «مين.. مين؟؟».. قالت «واحدة صاحبتى من زمان قوى.. بقالى عمر ماشفتهاش.. كانت أكبر منى بكتير بس كنت بحبها جداً وكانت ست زى القمر وكذا وكيت.. النهاردة لقت نمرتى وكلمتنى وقالتلى إنها عايزة تشوفنى.. وتورينى ابنها اللى جابته أخيراً بعد طول عذاب ومحاولات للخلفة.. صحيح هى عندها خمسة وستين سنة لكن لما ربنا بيريد بيكون.. بتقوللى ابنها عنده تسع سنين ونفسها توريه لكل أصحابها من فرحتها بيه.. عاوزين نحسن استقبالها ونكون لطاف مع الولد.. خدوا هاتولوه لعبة لطيفة وشوكولاتة وكده.. دلعوه بقى بما إنكوا بنات وأكبر منه عشان مايحسش بغربة». ■ دق جرس الباب فهرعنا كلنا لاستقبال الضيفة العزيزة.. خلف الباب كانت تقف.. امراة مترهلة سمينة وعريضة.. مرهقة وصوت نهجانها أعلى من بابور الجاز رغم أنها طالعة فى الأسانسير.. على وجهها تبدو علامات جمال رائع.. شبه سوزان هيوارد بالظبط.. بس بعد ما جالها انتفاخ فى الأوداج وكلضمة فى الخدود.. «أهلا أهلا أهلا».. لم تتحرك كإن فيه تُقيلة ف ضهرها مثبتاها فى الأرض.. توقفنا لحظة نشوف حاتهمّ بالتقدم والا لسه.. ابتسمت فى خجل «ياللا يا كيكو يا حبيبى.. ماتتكسفش أمال بقى».. نظرنا حولنا فى تساؤل.. فظهر ببطء وجه كيكو من خلف ظهرها.. أتاريه قافش فيها ومستخبى خلف جثتها فمش باين.. ظهر وجهه على مراحل.. فقد كان وجها مبطرخاً مربعاً تعانى عيونه وأنفه وفمه من اكتظاظ اللحم حولهم فباينين بالتيلة.. مجرد علامات فقط لتعرف إن ده وجه بنى آدم مش ضلع كندوز مشفى.. ■ المهم استسلم كيكو لنداء الجماهير بأن يظهر من خلف باب التلاجة الستة وعشرين قدم الممثل فى الوالدة الغالية.. غمغمنا كلنا وقد اعتلت وجوهنا تعبيرات أمومية مبالغ فى سماجتها.. يا حوبيبى.. ياتى ياتى ياتى.. كميلة خالص.. كيوتى كيوت فعلا.. اتفضل يا كيكو يا حوبيبى.. إن كيكو يتتعتع.. أبتا.. كوتى كوتى كوتى.. طق طق طق.. بس بس بس.. أصدرنا كل الأصوات التى تستدعى الكتاكيت والقطط والكلاب والبط.. وده متبّت فى الأرض وقافش فى فستان أمه.. المهم نجحنا أخيراً فى إطلاق يديه من عفقة قفا الولية.. حاولنا السلام والتقبيل والطقوس الرخمة دى فما كان من كيكو إلا أنه غطى وشه بكوعه قال الواد زهقان م البوس ومش طايق.. فتراجعنا حامدين شاكرين تعففه.. ده حتى عجل وصوته كإنه قايم من على تعميرة جوزة فى غرزة فى الصحراوى.. ■ بيتك حلو قوى يا حبيبتى.. خدوا لفة فى البيت وماما بتشرح معالمه.. واحنا عينينا على كيكو بنشتغلله بيبى سيتر لحد ما رحلة الاستكشاف تخلص.. ولسبب خفى كنا نردد معاً بعض الآيات القرآنية.. قلب المؤمن بقى.. جاءت الصديقتان واستقرتا على الكنبة الاستوديو فى أريحية وبدأتا الحديث عن الذكريات وكيف ترملت أمى فى سن صغيرة وكيف تزوجت صديقتها فى سن كبيرة.. كل ده واحنا التلاتة قاعدين عينينا على كيكو الصامت الذى لم يستجب للحظة لمداعباتنا، كما أوصتنا أمنا، لحد ما حسينا بكم لا بأس به من البواخة.. ولكننا لاحظنا أن عيونه تتجول فى المكان وتستقر أحياناً على بعض المعالم وهو يهز رجليه اللى مش واصلة للأرض وقاعد متنى وموطى كده زى ما يكون بيخمر فعلة دنيئة فى دماغه.. ■ زغرتلنا ماما فقمنا وأحضرنا الهدية والشوكولاتة والبومبونى.. وسبحان الله كنا أفرطنا فى الكمية.. وقدمناهم للمحروس كيكو.. فى ثانية كانت الهدية اتفكت واتعضت واتقطمت وتحولت لأنقاض.. بينما انتفخ الشدقين بكل الحلويات دفعة واحدة.. وابتدى يريل ريالة مشكلتة على الكنبة من كتر التلميظ بسرعة كأن حد حايدخل جوه بقه ياخد الحاجة.. ابتدت عينين ماما تزنهر وهى بتختلس نظرات للريالة اللى كنا بنلحقها قبل ما توصل للكنبة.. لكن الحقيقة كيكو ماطولش.. كان بلع الوليمة مما أثبت لنا إن الواد مابيمضغش الأكل.. ده بيطوحه على زوره عدل.. ثم انتفض قائماً.. وسعت عيون ماما رغم محاولة التمويه عشان أمه المسترسلة فى الحكاوى ماتاخدش بالها.. وانتفضنا احنا التلاتة معاه.. ولكن الواد مع تخنه وتربيعة كسمه كان سريع.. انتشر فى البيت انتشار صاعقى.. وابتدى يلحوس فى اللوحات والفازات وينخور بضوافره فى الشمع اللى طلع عين ماما فى عمايله ويقطع الورد والزرع وينطور.. واحنا بنلعب أدوار حراس المرمى ونلقى بجثثنا عالحاجة قبل ما توصل للأرض وتندش.. واحدة تطير فى الهوا تلحق القذيفة والتانية تستلم منها وترجع الحاجة مكانها والتالتة عاملة ساتر بجسمها عشان ماما مايجيلهاش سكتة قلبية. ثم بدأ يقفز عالكراسى ويتنطط محدثاً موجات من الزلازل الرجراجة.. ثم تطايرت أسطوانات البيك أب زى ما يكون بيلعب لعبة الفريسبى بتاعة زمان.. واحنا بنشقط.. ثم فجأة توقف ولمعت عيناه وخرج لسانه من فمه فبدا كلحمة الراس ولسان العجل خارج منها واتجه الى البيانو الهوفمان.. وقفنا بجسمنا فى استعداد للتضحية بأعمارنا حماية لأهم قطعة فى البيت واطمأنينا لحظة إلى أنه جلس على كرسى البيانو الدوار وابتدا يلف يمين وشمال والكرسى بيصوّت تحته.. ولكن بعد مقاومة انتحارية استطاع أن يفتح البيانو ويغلقه على أصابعنا عدة مرات.. واحنا بنأوأو فى صمت.. وبدأ العزف العشوائى بكفوفه وكيعانه ومناخيره وكرشه.. والبعيد اتجرأ كمان وغنى بصوت رعدوى حميرى.. هنا كانت ماما قد أخرجت من ودانها أسنان اللهب، بينما أمه الرخمة بتضحك فى جاموسية شديدة من لطافة الواد.. هدّينا الجو وقررنا المقاومة الخفية.. فبدأ فاصل من اللعب معاه بقى بطريقته عشان يتلهى ويتهد.. وتضمن لعبنا الكثير من الزغد عالساكت.. والقرص فى الخباثة والقرم بسهوكة.. وتوووت فى ودنه ودب صوابع فى مناخيره وشنكله وكعبلة ودوس على صوابع رجليه.. كفاح ومقاومة شعبية.. طب نعمل فيه إيه ده؟؟.. نحطله مسامير فى الشوكولاتة؟؟.. نسمّه مثلا؟؟.. نخبطه حقنة هوا فى الحمام؟؟.. نصفيه تصفية جسدية إزاى ده؟؟.. ما هى طنط دى تريللا قوى وكل اللى بتعمله إنها تضحك وتقوله بس يا كيكو يا حوبيبى.. شربات الواد.. شقى بس جميل.. جيرانى بيموتوا فيه!!.. طبعا كدابة لإنهم بالتأكيد ماتوا منه مش فيه.. الولية دى مالهش جيران أصلاً.. دى جاية لاجئة.. ■ قعدنا فوقه احنا التلاتة واشتركنا فى كتابة التماس لماما إنها تطالبهم بالرحيل فى هدوء درءاً للشر بدل ما نرميهولها من منور المطبخ.. ولكنها أشارت بدماغها أن لا يمكن أطرد صاحبتى.. شاورنالها.. صاحبتك إيه داحنا فاضللنا تكة وندخل مصحة تأهيل بدنى ونفسى.. والبيت اللى ماحيلتناش غيره أصبح كأنه خارج من تسونامى كيكو.. أشارت لتنقطنا «نديهم فرصة».. اتبعنا طقوس العفرتة الطاردة وجبنا مقشة رز ورشينا عليها ملح إنجليزى وشبشب مقلوب وخبيناهم ورا باب المطبخ ياكش يقوموا يغوروا من نفسهم بدل ما نرفع السلاح ونعلن العصيان المدنى ونقلعلهم ملط.. ثم بدأنا نردد شقع بقع يا ديل الفار.. يا يروّحوا يا نقيدهم نار.. ولكن يبدو أن ربنا أراد أن يهدينا للدعاء الصح وهو دعاء الاستغاثة بعد أن صعبنا عليه.. كان فاضللنا هسة ونتحول لأطفال شوارع بعد خراب بيتنا والانتهاء لمصير إن أمنا تدور تشحت علينا.. ■ المهم أخيراً قاموا غاروا بفضل الله وتركونا نلملم فى كراكيبنا ونلعق جراحنا ونحمد ربنا على نجاتنا.. مفيش مشكلة لما نبتدى من جديد.. اليأس خيانة.. ■ تجربة مُرّة من طنطاية بعيل واحد ابن هرمة كانت حاتشردنا.. فمابالكم بطنطاية اليومين دول بعيالها الكتار من فصيل الكيكو اللى كابسين على نفسنا؟؟.. اقرأوا معى دعاء الاستغاثة. المصدر : المصرى اليوم |
|