منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 27 - 03 - 2024, 01:57 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,257,101

بولس معلِّم العقيدة



بولس معلِّم العقيدة

نستطيع هنا أن نتبع الخطَّ الذي استعملته 1 كو 1: 24 في كرستولوجية الآباء اليونان، ونبيِّن أهمِّيَّة لقبَيْ حكمة وقدرة في التوسُّع العقائديّ. ونذكر أقلَّه الأزمة الأريوسيَّة كإحدى محطَّات هذا التاريخ. أراد أريوس أن يكون الكلمة (لوغوس) حكمة الله وقدرة الله، بالنعمة، وكأنَّها وظيفة مُنحت له، لا صفة طبيعيَّة(7). ردَّ عليه أثناز الإسكندرانيّ فأبرز لقب الحكمة الذي هو، في نظره، أهمُّ من لقب الابن. واستند هو أيضًا إلى كو 1: 24 ليماهي المسيح مع الحكمة بعد أن أورد مطلع يوحنّا ورو 9: 5 (المسيح، الله المبارك إلى الأبد) لكي يبيِّن لاهوته وأزليَّته. من الواضح أنَّ همَّه كان أن يعيد القراءة الصحيحة لآيةٍ كانت برهانًا للأريوسيِّين: وهذا ما سوف يفعله أحدُ خلفائه، كيرلُّس(8). هذا ما يبيِّن أهمِّيَّة هذه الآية البولسيَّة في الحرب حول طروحات أريوس، وفي الوقت عينه، جعلوا منها تأكيدًا أونطولوجيٌّا (الكائن بما أنَّه كائن). بما أنَّ الابن هو بالطبيعة حكمة وقدرة، فهو ينتمي إلى جوهر الآب. ودوَّن أوغسطين في الكتابين السادس والسابع من الثالوث مع جدال حول تفسير هذه الآية، فأورد (6/1) وأكَّد في ردوده على الاستعمال الكبير لهذه الآية لدى الأريوسيِّين.

أ - نشيد المسيح في فل 2

وكان لنصِّ بولسيٍّ آخر دورٌ جوهريٌّ في بناء الكرستولوجيا الآبائيَّة. هو نشيد فل 2: 6-11. ففي حركته النازلة والصاعدة، قُرئ دومًا على أنَّه إعلان تجسُّد الكلمة الموجود من الأزل والعائد إلى الأبد. ففي القسم الأوَّل، في النزول، اعتُبر موازيًا لمطلع يوحنّا. وهذا إلى درجة أنَّه منذ القرن الرابع صار لفظ forma (صورة) اليونانيّ موازيًا للفظ طبيعة jusiV في اليونانيَّة، بسبب فل 2: 6-8، وذلك في سياق كرستولوجيّ. وانضمَّ مرارًا 2 كو 8: 9 (هو الغنيّ صار فقيرًا لكي يغنينا بفقره) ليُفهَم عن المسيح الموجود من الأزل الذي تخلَّى عن امتيازاته الإلهيَّة، وتجسَّد لكي يخلِّص البشريَّة. إنَّ التقبُّل الكرستولوجيَّ لهذا النصِّ في إطار كرستولوجيَّة »نازلة«، ورد مرَّات ولا حاجة إلى إعطاء الأمثلة العديدة.

يبدو أنَّ أوَّل شاهد على ذلك كان كليمان الإسكندرانيّ (المربِّي 3/2: 2). وبعده، سجَّل أوريجان بوضوحٍ النشيدَ في رسمة كرستولوجية القبوجود (préexistence، قلسوس 4/15، 18). فتوقَّف عند الأزمة الأريوسيَّة التي قدَّمت المناسبة لجدال دقيق حول القسم الثاني من المديح في فل 2: 6-8. بحسب أثناز (1/38)، قرأ أريوس في رفعة المسيح (2: 9) أجرَ استحقاقه. في هذا الوقت نال لقب الابن والله، وبالتبنِّي، بدون شكّ. ولكن قبل ذلك لم يكن الابنَ ولا الله. بيَّن أنَّ القسم الأوَّل من النشيد فرض فكرة قبوجود إلهيّ لذلك الذي تنازل، لا للصعود انطلاقًا من تحت. فالارتفاع، في نظر أثناز، لا يعني سوى التدبير économie، أي بشريَّة الكلمة: نحن في تاريخِ خلاصُ يبرز منطقَ »لأجلنا«. فالكلمة لا »ينال« شيئًا إلاَّ لأنَّه يمثِّل بشريَّتنا ببشريَّته. لا نستطيع أن ننسب إليه أيَّ نقص لأنَّه »نال«. ونلاحظ أنَّ أثناز حين يؤكِّد المتتالية نزول/صعود، يلجأ مثل سائر الآباء (قلسوس 1/35) إلى أف 4: 10 (ذاك الذي نزل هو أيضًا ذاك الذي صعد) الذي اعتُبر عادة، شأنه شأن يو 3: 13، أعلانًا عن التجسُّد.

وكانت نهاية النشيد موضوع قراءتين متتاليتين: قراءة قدَّمها أثناز في خطِّ »لأجلنا«، فضمَّت الرفعة وتأليهَ بشريَّة المسيح بحيث يُؤلَّه فيها البشرُ كلُّهم. والقراءة الثانية تفسِّر الرفعة على أنَّها القيامة التي هي شكل آخر من »الصعود«. ووردت أيضًا أف 4: 10، هذه المرَّة، لتتحدَّث عن القيامة في جسده، ذاك الذي مات في جسده. فالقيامة، شأنها شأن الموت، هي نتيجة التلاشي kénose، وهي »لأجلنا«. هذه النظرة الكرستولوجيَّة تشرح لأثناز لفظ »لهذا« (فل 2: 9) الذي استند إليه أريوس ليؤسِّس كرستولوجيَّة الاستحقاق (الابن استحقَّ...).

من الواضح أنَّ مطلع يوحنّا هو الذي وهب الإطار اللاهوتيَّ الذي فيه قُرِئَ فل 2. فعند الآباء، كرستولوجيَّة المطلع هي المبدأ، وهي البنيةُ التي انضمَّ إليها عددٌ من الآيات البولسيَّة التي بها وجدت وحدتها: هناك فل 2؛ 2 كو 8: 9؛ أف 4: 10. ثمَّ 1 كو 15: 47 (الإنسان الثاني يأتي من السماء). ونلاحظ بشكل أوسع، رواحًا ومجيئًا فساريٌّا بين إنجيل يوحنّا ونشيد فيلبّي 2. ونذكر مرَّة أخرى كاتبًا لاتينيٌّا، ولكنَّه أقرب اللاتين إلى العالم اليونانيّ، هيلاريون أسقف بواتييه، في فرنسا. استعاد من الأريوسيِّين بفضل فل 2، آيات يوحنّاويَّة اعتبروها لهم خبزًا مباركًا. مثلاً، يو 17: 35 (أنت وحدك الإله الحقيقيّ) شُرح في توالي صورة الله/صورة عبد، حيث رأى هيلاريون، بجرأة لاهوتيَّة حلوة لم تكن لأثناز، فكرة تقول: لا يستطيع ابن الله أيضًا، خلال حياته على الأرض أن ينعم بشكل محسوس، بامتيازاته الإلهيَّة، بل تخلَّى عنها نوعًا ما وجوديٌّا، ولكنَّه بقي أنطولوجيٌّا الله. واستنار أيضًا يو 14: 28 (الآب أعظم منِّي) بواسطة فل 2: في الحقيقة نال الابن الاسم، أي هذه الصورة، هذا الشكل habitus الإلهيّ الذي تعرَّى منه بالحقيقة. وفي نهاية الكتاب الثامن كلِّه (8/42-56)، قدَّم هيلاريون تارة النصوص اليوحنّاويَّة وطورًا النصوص البولسيَّة لكي يبرهن عن طبيعة الآب والابن، وهكذا مثَّل أطيب تمثيل نهج الآباء، الذي يعتبر من الوجهة العقائديَّة، مجملَ العهد الجديد كلاٌّ متماسكًا وموحَّدًا، مهما كانت الفنون الأدبيَّة، والأشخاص الموجَّه إليهم الكلام، وشخصيَّة الكاتب. ومع ذلك، إن كان من الواضح أنَّ مطلع يوحنّا أمَّن بنية كرستولوجية الكنيسة القديمة، فالأمثلة التي قدَّمنا تبيِّن أنَّ المجموعة البولسيَّة لم تكن مع ذلك حقل تطبيق بسيط، بل قدَّمت هي أيضًا بُنى لاهوتيَّة، ولعبت دورًا محرِّكًا في توسُّع الفسار والتفسير.

الخاتمة

هناك أيضًا عدد كبير من الآيات الهامَّة، التي أوردها الآباء على الدوام في إطار قراءة بولس الكرستولوجيَّة، مثل كو 1: 15 من أجل لقبَي صورة وبكر، رو 8: 29 للقب بكر. وفي طريقة أساسيَّة عميقة، مقاربة الآباء السوتيريولوجيَّة في الكرستولوجيا، أعطت أهمِّيَّة كبيرة لآيات أعلن فيها بولس »لأجلنا«، في التجسُّد، مثل رو 8: 3-4. ونستطيع أن نضمَّ إلى هذا المقطع الأخير، وفي هامش المجموعة البولسيَّة، عب 2: 14-15: فذلك اللاهوتيّ، كيرلُّس الأسكندرانيّ، ضمَّ مرارًا هذين الإيرادين اللذين جعل منهما، مع يو 1: 11-13، المواضع الكتابيَّة الرفيعة حيث نكشفُ »أسبابُ التجسُّد«. هذه المقاطع الثلاثة هي بالنسبة إليه طرق متنوِّعة لتفسير موضوع بولسيّ، عمليَّة الجمع التي نقرأها في أف 1: 10 (في يوحنّا 9/1): فالبشريَّة خُلِّصت من الخطيئة والموت، وتبنَّاها الله في المسيح. في هذه الأشكال، وسَّع كيرلُّس لاهوته حول »التشبُّه« (نحن في شكل، في صورة conformation) بالمسيح حيث يُعطى دور جوهريٌّ لعمل الروح: فنحن هنا في عالم بولسيّ، أكثر من أيِّ وقت كان. وأبعد من لغة يوحنّا والرسمة اليوحنّاويَّة، ما فتئت الكرستولوجيا والسوتيريولوجيا عند الآباء اليونان، تتعمَّقان وتغرفان من الرسائل البولسيَّة.

كيف نفهم تقبُّل بولس، بشكل جزئيّ، كما فصَّلناه في هذه الصفحات؟ كان من المنتظر أن تُعطى حصَّة أكبر من مواضيع رومة وغلاطية، اللتين اعتُبرتا قلب الفكر البولسيّ وذروته. ولكن منذ يوستين، لم يكن كلام كثير عنهما. وهذا الصمت مرتبط جزئيٌّا باعتباطيَّة الخيار الذي وجب أن نأخذ به في ملف واسع جدٌّا: كان بالإمكان أن نتبع على مدى العصور مسائل النعمة والتبرير مثلاً، وقد يكون الحصاد وفيرًا عند اليونان، ولكن أقلَّ ممَّا نجد عند اللاتين. ولكن بما أنَّ وجهة هذا التعليم البولسيّ (الشريعة التي لم تعد الوسيطة الضروريَّة للخلاص) كانت الأكثر جدَّة والأكثر صعوبة، وكانت ستطرح منذ البداية على الجماعات مسائل مساكنة ووحدة، حضر تقبُّلها سريعًا خلال القرنين الأوَّل والثاني، في مواجهة بين حافظي الشريعة ولا حافظيها. وبالتالي أفلتت عمليٌّا من الحقبة التي مررنا فيها، مع النصوص الهجوميَّة الأنتييهوديَّة.

وبعد نهاية القرن الثاني، ومع إيرينه، صارت الرسائل البولسَّة موضوع قراءة لاهوتيَّة واسعة. توقَّفنا عند الدور الذي لعبته في مجالات مختلفة. ورأينا أيضًا أنَّ قراءة بولس هذه المتنامية، ترافقت منذ القرن الثالث مع توجُّه عقائديّ جديد (اختلف الوضع عند اللاتين، الذين تنبَّهوا بالأحرى إلى الخلقيَّة وإلى لاهوت الخطيئة). يبقى السؤال إن كانت هذه الطريقة في فهم فكر بولس لم تشوِّهه إذ تضعه في المقام الأوَّل: هكذا كانت محاكمة بولس في القديم والحكم لم يصدر إلى الآن. وها نحن نعطي مثلين أو ثلاثة.

عند أوريجان الآية في 1 كو 6: 17 (من يتَّحد بالربِّ يكون معه روحًا واحدًا) وردت مرارًا في المبادئ. وأُبعدت من السياق الخلقيّ حيث أوردها بولس. طُبِّقت مرَّة على نفس المسيح المتَّحدة بالابن (2/6: 3)، وطورًا على وضع المؤمن (الإسكاتولوجيّ) الذي بلغ إلى نهاية ارتقائه الروحيّ (1/8: 4؛ 2/10: 7؛ 3/6: 6). وليست هذه الظاهرة منعزلة، فهي تكشف عند مفسِّري الكتاب القدماء ميلاً عامٌّا للانتقال من الخلقيّ إلى الأونطولوجيّ. وإليك مثلاً آخر، مأخوذ من القرن الخامس، ولكنَّه مأخوذ من 1 كو 4: 7 (ماذا لك وما أخذته؟). يقول: الإيمان عطيَّة الله، لا عمل بولس أو أبلُّوس. والموهبةُ الرسوليَّة عينها عندهما، ينبوعها الله. غير أنَّ كيرلُّس الإسكندرانيّ قرأ هذه الآية بعيدًا عن سياقها الأصليِّ في معنى أونطولوجيّ حصرًا (مع نيَّة أنتي أريوسيَّة) ليؤكِّد أيضًا أنَّ الخليقة لا تملك شيئًا في ذاتها وليست ينبوع ذاتها. حتّى لو حسبنا أنَّ هذا المعنى يمكن أن يكون بعض ما أرادته الآية، يجب أن نقرَّ أنَّه أُخذ هنا على مستوى لم يفكِّر فيه صاحبه. فما يهمُّ منذ الآن هو المستوى العقائديّ. مثل هذا التطوُّر يشبه تطوُّرًا نلاحظه في تفسير خر 3: 14 حين استخرجوا منه، في زمن أوريجان، نظرة ماورائيَّة على الله أنَّه الكائن (قلسوس 1/3: 6). هذا ما يتجاوز، أكيدًا، المجموعة البولسيَّة وحدها.

ونأخذ مثلاً آخر أكثر وضوحًا في استعمال 1 كو 1: 24 (المسيح قدرة الله وحكمة الله). عارض بولس حكمة الله مع حكمة خفيَّة، حكمة القصد الإلهيِّ الذي كشفه المصلوب. ونستطيع القول بالنسبة إلى بولس، إنَّ المسيح يمثِّل حقٌّا في شخصه، حكمة الله وقدرته. ولكن حيث كان يقول من قبل إنَّ حكمة الله وقدرته هما المسيح على الصليب، رأى قُرَّاء الأجيال اللاحقة في هذه الآية أسماء علم للابن مع معنى يؤسِّس بشكل مباشر كلامًا عقائديٌّا. هذه القراءة تفترض المرور على مطلع يوحنّا الذي شخصن بشكل صريح اسم المسيح - الكلمة، مطالبًا بإرث الأقوال الحكميَّة. وهكذا إذ خدم بولس نفسه كمفتاح فساريٍّ لقراءة الأخبار الكتابيَّة، ها هو يُقرأ بدوره على أنَّه مفتاح يوحنّاويّ، مثل الأناجيل نفسها، وهذا بقدر ما التوجيه العقائديُّ لهذه القراءة يَبرز بمساعدة رواحٍ ومجيء مع النصوص اليوحنّاويَّة. نحن هنا في علاقة مع المؤلَّفات البولسيَّة حيث لا خيانة ولا صراحة ووضوح.(9)
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
الرسول بولس معلِّم الكنائس
أوريجان معلِّم الإسكندريَّة وبولس الرسول
مكان الجرح بيستمر معلِّم حتى لو اتشفى
بولس وتطوّر العقيدة المسيحيَّة
مقدمات فى العقيدة (1) أهمية العقيدة فى حياتنا


الساعة الآن 04:52 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024