رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
طوبى لمن يخاف الربّ
المزمور المئة والثاني عشر 1. المزمور المئة والثاني عشر هو مزمور أبجدي يرجع إلى العالم الحكمي الذي بعد الجلاء. هدفه تعليمي، وهو يصلح للصلاة الفردية كما للصلاة في الهيكل. فيه ينشد المؤمنون لله شكرهم على أعماله خلال رتبة الشكر الليتورجية. وارتباطه بالمزمور السابق واضح. فالمزمور 111 يصوّر الله الرحوم، والمزمور 112 يتحدّث عن الانسان الصالح والشفوق. 2. مديح الانسان الذي يخاف الله. في المزمور 111 أرسل المرتّل مديحًا إلى اله العهد وذكر أعماله العظيمة. وفي المزمور 112 صوَّر سعادة الناس الذين يعرفون العهد ويقبلون أن يسلكوا بحسب موجباته. في المزمور 111 نقرأ مديحًا لله، في المزمور 112 نقرأ مديحًا للانسان الذي يحفظ العهد، فيعطيه الله الذرّية والغنى والتسلّط على الاعداء. ويكتشف المرتّل أيضًا في حماية الله وعهده فرحَ الحياة بحسب الشريعة، ويتأكّد أن نعمة الرب تجعله شفوقًا رحومًا مع الغير، ناجحًا في أعماله ليستطيع أن يقرض ويعطي. 3. يتحدّث المزمور عن الرجل البار التقي الذي بيتهج بوصايا الرب ويعيش بالاستقامة. هذا الرجل هو رؤوف، رحيم، عادل، يدبّر أموره بالعدل، يجود ويُقرض لأنه لكل على الرب. هذه صورة مثالية عن الرجل الامين للعهد والبعيد عن هؤلاء المتصلّبين (إر 6: 10) الذين لا يُصغون إلى كلمة الرب ولا يسرَّون بها. أما أساس حياة البار فهو مخافة الله. من يكون بارًا فهو سعيد وله الهناء والبركة ووفرة الخير. يكون المال والغنى في بيته وفضله يدوم إلى الأبد. هو لا يتزعزع، ولا يخاف. قلبه ثابت وآماله لا تخيب لأنه يستند إلى الرب. 4. المسيح هو البار الاول الذي ربط حياته بمشيئة الآب وجعل ثقته به. همُّه العدالة للمظلومين والشفقة على المساكين. وهذه الصورة عن البرارة تحافظ على قيمتها بالنسبة إلى المؤمن، وقد صوّره القديس بولس (2 كور 9: 9) مستعينًا بكلام المزمور فقال فيه: "فرّق بسخاء وأعطى الفقراء، فجوده دائم إلى الأبد". فالمؤمنون الذين يسيرون وراء الرب ويحفظون وصاياه يحيون إلى الأبد دون أي خوف، ولو كان خطر الموت أمامهم. 5. تأمّل يبدأ هذا المزمور بتحيّة تُرفع إلى البارّ. بتحيّة هي مديح له وبرنامج للذين يسمعون. أما الموضوع الجوهريّ لهذه البركة فهو وعد بالامان والسلام. ونجد تجاه هذا البار، الشرّير الذي يختلف مصيره كل الاختلاف عن مصير الابرار. انتهى مز 111 بتشديد على "مخافة الله" التي هي ضروريّة للمؤمن. وجاء مز 112 يهنّئ الذين يخضعون لهذا الاله. "طوبى لمن يخاف الرب ويُسرّ بوصاياه جدًا". وهكذا نكون في خط 84: 5، 6، 13: طوبى للمقيمين في بيتك. طوبى للذين عزّتهم بك. طوبى لمن يتّكل عليك يا ربّ، يا إلهنا القدير. وفي خط 89: 16: "طوبى لشعب يعرفون الهتاف لك. فبنور وجهك يا ربّ يسلكون". وفي خطّ 94: 12: "طوبى لمن تؤدّبه يا رب، وتعلّمه أحكام شريعتك". ونقرأ في مز 128: "طوبى لمن يتّقي الربّ". فنفهم هذه الطاعة المطلوبة التي ليست فقط انفعالاً لا حريّة لنا فيه. بل يجب أن نشتعل غيرة لكل ما يطلبه الله. مثل هذه الموقف له نتائج هامّة للمؤمن، لبيته، لذرّيته. نداء من الرب لكي نرتفع على مستوى الربّ في الالتزام. لكي نمارس البرّ والعمل بوصايا الله. وهذا النداء يقودنا إلى التضامن مع إخوتنا. وظهور النور للمستقيمين يذكّرنا بما في أش 58: 8- 10 حيث تُذكر المحبّة التي ترافق الصوم المرضيّ لله. "تدعو فيستجيب، وتستغيث فيقول: ها أنا... إذا سكبت لقمتك للجائعين، ولبَّيت حاجة البائسين، يُشرق في الظلمة نورك. وكالظهر تكون لياليك". 6. قرأنا في المزمور السابق: "مخافة الربّ بداية الحكمة" (آ 10). وفي هذا المزمور نقرأ: "طوبى لمن يخاف الربّ". هي الحقيقة الواحدة يعبّر عنها بطريقتين. من جهة، يسمّي الانسان "حكيمًا". ومن جهة ثانية يطوّبه. تلك هي السعادة الحقّة، وكل شيء آخر هو باطل وظلّ وتفاهة، أكان غنى أم عظمة أم جمال الجسد أو شعاع الثروة الخارجيّ. ما قيمة أوراق تتساقط، ظلال تمرّ وأحلام تتبخَّر. إذن، مخافة الرب هي السعادة الحقّة. ولكن الشياطين أنفسهم يخافون الله ويركعون أمامه. ولكن الملك النبيّ نبّهنا بأن هذا الخوف لا يكفي للخلاص. هذا ما رأيناه في المزمور السابق. بعد أن قال: "مخافة الله هي بداية الحكمة"، أضاف: "كل من مارسها امتلأ فهمًا خلاصيًا". وهكذا ضمّ الحقائق التي هي موضوع إيمان إلى قواعد سلوك حكيمة. وهنا أيضًا. بعد أن أعلن سعادة هذه المخافة، ميّزها عن تلك التي مبدأها المعرفة والتي تُوجد عند الشياطين أنفسهم. وأضاف: "من عنده إرادة حارّة لتتميم فرائضها". إذن، طلب حياة وسلوكًا منظمين في الكمال، ونفسًا مملوءة بمحبّة الحكمة. ما قال: "يمارس وصاياه" بل: "تكون له إرادة حارّة لتتميمها". هذا يعني استعدادًا كاملاً جدًا. وبمَ يقوم هذا الاستعداد؟ بحفظ وصايا الله باهتمام مقدّس، بالتعمّق بها بشغف، لا من أجل أجر وُعدنا به، بل من أجل ذاك الذي أعلنها. لا خوفًا من الجحيم وما فيه من عذاب، بل حبًا بذاك الذي أعطانا هذه الشرائع. (يوحنا الذهبي الفم). |
|