رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كتابة درج السفر: 1 وَكَانَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِيَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، أَنَّ هذِهِ الْكَلِمَةَ صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ قَائِلَةً: 2 «خُذْ لِنَفْسِكَ دَرْجَ سِفْرٍ، وَاكْتُبْ فِيهِ كُلَّ الْكَلاَمِ الَّذِي كَلَّمْتُكَ بِهِ عَلَى إِسْرَائِيلَ وَعَلَى يَهُوذَا وَعَلَى كُلِّ الشُّعُوبِ، مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي كَلَّمْتُكَ فِيهِ، مِنْ أَيَّامِ يُوشِيَّا إِلَى هذَا الْيَوْمِ. 3 لَعَلَّ بَيْتَ يَهُوذَا يَسْمَعُونَ كُلَّ الشَّرِّ الَّذِي أَنَا مُفَكِّرٌ أَنْ أَصْنَعَهُ بِهِمْ، فَيَرْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيءِ، فَأَغْفِرَ ذَنْبَهُمْ وَخَطِيَّتَهُمْ». 4 فَدَعَا إِرْمِيَا بَارُوخَ بْنَ نِيرِيَّا، فَكَتَبَ بَارُوخُ عَنْ فَمِ إِرْمِيَا كُلَّ كَلاَمِ الرَّبِّ الَّذِي كَلَّمَهُ بِهِ فِي دَرْجِ السِّفْرِ. 5 وَأَوْصَى إِرْمِيَا بَارُوخَ قَائِلًا: «أَنَا مَحْبُوسٌ لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَدْخُلَ بَيْتَ الرَّبِّ. 6 فَادْخُلْ أَنْتَ وَاقْرَأْ فِي الدَّرْجِ الَّذِي كَتَبْتَ عَنْ فَمِي كُلَّ كَلاَمِ الرَّبِّ فِي آذَانِ الشَّعْبِ، فِي بَيْتِ الرَّبِّ فِي يَوْمِ الصَّوْمِ، وَاقْرَأْهُ أَيْضًا فِي آذَانِ كُلِّ يَهُوذَا الْقَادِمِينَ مِنْ مُدُنِهِمْ. 7 لَعَلَّ تَضَرُّعَهُمْ يَقَعُ أَمَامَ الرَّبِّ، فَيَرْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيءِ، لأَنَّهُ عَظِيمٌ الْغَضَبُ وَالْغَيْظُ اللَّذَانِ تَكَلَّمَ بِهِمَا الرَّبُّ عَلَى هذَا الشَّعْبِ». [1-7]. كان إرميا محبوسًا لا يقدر أن يدخل بيت الرب [5]. هنا كلمة "محبوس" لا تعني أنه كان مسجونًا، لكنه كان ممنوعًا من الدخول إلى بيت الرب، فحسب نفسه محبوسًا. الفعل العبري Asur الذي يصف سجن إرميا يرد في (إر 33: 1، 39: 15) بمعنى إلقاء القبض عليه أو سجنه، لكن المعنى هنا مختلف حيث أن عدد 19 يبين أن إرميا كان حرًا في أن يهرب عندما يريد. ولعله تم استبعاد إرميا من الهيكل وحرمانه من دخوله بعد الأحداث الواردة في (إر 19: 1-20)، أو بعد صدور أمرٍ عامٍ بذلك بسبب الاشتباه في أمره حتى يُحرم من الحديث مع الشعب. يظهر أن إرميا لم يجمع قبل هذا الوقت أقوال نبواته في سفر. ولسنا نعرف هل دونها حين ألقاها، أم تركها في ذاكرته. ومهما يكن من أمر، فقد أمره الله أن يجمع كل ما تنبأ به في تلك المدة الطويلة، فيعلنه للشعب بقراءته أمامهم في يوم احتفالٍ عامٍ. أُملى الدرج الأول ما بين نيسان (أبريل) 605 ق.م. ونيسان 604 ق.م، بعد هزيمة مصر في موقعة كركميش مباشرة. وربما كانت بداية الكارثة باعثًا على جمع النبوات على أمل أن يتوب يهوذا. كان الدرج رقوقًا من الجلد أو البردي (مز 40: 7، حز 2: 9). وكانت الكتب العبرية القديمة تُكتب على شكل أعمدة متوازية تستوجب فتح الدرج عند الاستمرار في القراءة. واضح أن السفر لم يكن حجمه كبيرًا جدًا بدليل أنه قُرأ في جلسة واحدة [10، 15، 21، 22]. لم يسجل إرميا النبي نبواته قبلًا لأنه كان في وسط الشعب يتحدث إليهم من حين إلى حين. أما الآن إذ اقترب السبي جدًا تم تسجيل النبوات كتابة بأمرٍ إلهيٍ حتى يحمل المسبيون نسخة منها إلى بابل فتشهد لهم بكلمة الرب، وتبقى نسخة أخرى مع الذين يبقون في يهوذا أو مع الراحلين إلى مصر. لعل إرميا أدرك أن حياته في خطرٍ، فلا تعود توجد فرص كثيرة للحديث الشفوي مع الشعب، خاصة وأنه ليس له ابن يردد ما قاله أبوه (إر 16: 2)، فأراد تسجيل النبوات. محتويات الوثيقة التي نحن بصددها غير معروفة، وإن كان من المحتمل أنها ضمت نبوات في شكل مختارات أدبية وأشعار أُعلنت بين عامي 626 و605 ق.م، وبمضاهاتها بالنبوة الحالية يتضح أنها قصيرة نسبيًا، لأنه يمكن أن تقرأ ثلاث مرات في يومٍ واحدٍ [10، 15، 21]. واضح من [3، 7] أن الله يترجى توبة شعبه ولو في اللحظات الأخيرة حتى ليغير الحكم الإلهي من نحوهم؛ فتغْير اتجاه بيت يهوذا يتبعه تغيير في حكم الله (إر 26: 3). ما قد سجله إرميا من نبوات ضد يهوذا بواسطة باروخ كان قاسيًا على نفسية إرميا صاحب المشاعر الرقيقة لو لم يتحقق أنها كلمة الرب. لذلك كثيرًا ما يكرر العبارات: "لأنه هكذا قال الرب"، "وصارت إليّ كلمة الرب"، "لأنه هكذا قال رب الجنود"، "اسمعوا كلمة الرب"، "يقول الرب"، "اسمعوا الكلمة التي تكلم بها الرب"، "قال الرب لي". فما نطق به هو إعلان إلهي كما يقول الرسول بطرس "لأنه لم تأتِ نبوة قط بمشيئة إنسانٍ بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2 بط 1: 21). كان رجلا الله إرميا النبي وباروخ تحت قيادة الروح القدس، يُعطى للأول كلمة ينطق بها والثاني يكتب. كان ثمن هذه النبوات حياته كلها، لكنه بقوة الروح يقول للكهنة والأنبياء والرؤساء "أما أنا فها أنذا بيدكم، اصنعوا بي كما هو حسن ومستقيم في أعينكم، لكن اعلموا علمًا أنكم إن قتلتموني تجعلون دمًا زكيًا على أنفسكم وعلى هذه المدينة وعلى سكانها لأنه حقًا قد أرسلني الرب إليكم لأتكلم في آذانكم بكل هذا الكلام" (إر 24: 14-15). كان الرب هو المشدد والمعضد له، لذلك على الرغم مما أصابه من أتعابٍ وسخريةٍ وعارٍ واستهزاءٍ لم يستطع السكوت، إذ يقول: "فكان كلام الرب في قلبيَ كنارٍ محرقةٍ محصورةٍ في عظامي فمللت من الإِمساك ولم أستطع" (إر 20: 9) إنه يشهد للكلمة الإلهية التي ألهبت أعماقه، إذ يقول: "هأنذا جاعل كلامي في فمك نارًا وهذا الشعب حطبًا فتأكلهم" (إر 5: 14)، كما قال الرب له: "لأني ساهر على كلمتي لأجريها" (إر 1: 12). وقد شبَّه إرميا كلمة الله بالنار والمطرقة فيقول: "أليست هكذا كلمتي كنارٍ يقول الرب، وكمطرقةٍ تحطم الصخر؟!" (إر 23: 29). وقد قال له الرب "إذا أخرجتَ الثمين من المرذول فمثل فمي تكون، هم يرجعون إليك وأنت لا ترجع إليهم" (إر 15: 19). ولا ننسى أن نبوة إرميا كانت موضوع اهتمام ودراسة الأمناء المعاصرين له مثل دانيال الذي قال: "أنا دانيال فهمت من الكتب عدد السنين التي كانت عنها كلمة الرب لإرميا لكمالة سبعين سنة على خراب أورشليم" (دا 9: 2). كانت كلمة الرب طعامًا مفرحًا لنفس إرميا: "وُجد كلامك فأكلته فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي" (إر 15: 16). وهذا يذكرنا بقول داود النبي "ما أحلى قولك لحنكي أحلى من العسل لفمي" وقول الرب للنبي حزقيال الذي كان معاصرًا لإرميا "كُل هذا الدرج واذهب كلم بيت إسرائيل، ففتحت فمي، فأطعمني ذلك الدرج، وقاللي يا ابن آدم أطعم بطنك واملأ جوفك من هذا الدرج الذي أنا معطيكه، فأكلته فصار في فمي كالعسل حلاوة" (حز 3: 1-3). غاية كتابة السفر هو أن يدفعهم إلى التمتع بمغفرة ذنوبهم وخطاياهم، فإن الله لا يشغله كثيرًا إن كنا نسقط تحت التأديب أو نُعفي منه، قدرما يشغله نقاوة قلوبنا وتقديس أعماقنا لكي نصير قديسين كما أنه هو قدوس. إنه الأب الذي يشتهي أن يقتدي به أولاده، يشاركونه حياته لكي يتمتعوا أيضًا بشركة مجده. لقد أدرك المرتل قوة كلمة الله في رفع الخطايا ونزع عارنا الداخلي فقال: "دحرج عني العار والخزي، فإني لشهاداتك ابتغيت" (مز 119: 22). ويعلق العلامة أوريجينوسعلى هذه العبارة قائلًا: [تستوجب الخطايا العار والخزي، ففي يوم الدينونة يقوم الخطاة إلى الخزي والعار الأبدي (دا 12: 2)... يوجد نوعان من العار: فمن جهة اختار الله أدنياء العالم والمزدرى" (1 كو 1: 28)؛ ومن جهة أخرى: "فاعل الشر مرذول أمام (الرب)" (مز 15: 4)... إنني أقول: "دحرج عني العار والخزي، فإني لشهاداتك ابتغيت" (مز 119: 22). لا تحسبني مستحقًا العار والخزي، لأنني حفظت شهاداتك التي قيل عنها: "طوباهم الذين يحفظون شهاداتك" (مز 119: 2)]. إن كانت الخطايا تلصق الإنسان بالتراب، فإن كلمة الله تلصقه بالله، إذ يقول المرتل: "لصقت بالتراب نفسي، فأحيني بكلمتك" (مز 119: 25). ويعلق العلامة أوريجينوس قائلًا: [إذ وجد داود نفسه ساقطًا في الخطية التصقت نفسه بالتراب بفعل الخطية. لقد دمرت الخطية مكانة نفسي وحطمت علوها الطبيعي. حقًا إن كل نفس خاطئة تكون "ملتصقة بالتراب" لذا قيل: "وراء إلهك تسير، وتلتصق به" (تث 13: 4؛ 6: 13؛ 10: 30)؛ هذا ما قيل في الشريعة. إذ رفض الالتصاق بالتراب وأراد أن يعيش حسب كلمة الرب؛ أي حسب الكتاب المقدس الإلهي الموحي به، يطلب العون الإلهي لكي يحيا. من يهتدي ينطق بكلمات الرب، فتظهر أعماله وسيرته الصالحة]. |
|