رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
فرح بالصليب ليس من فرحٍ مثل بهجة المخلص بخلاص الراجعين إليه. يبدأ المزمور بالتسبيح خلال الصليب، إذ هو تسبحة الحب وينتهي بالتسبيح من أجل الذين يتمتعون بالخلاص. أَعِنِّي يَا رَبُّ إِلَهِي. خَلِّصْنِي حَسَبَ رَحْمَتِكَ [26]. * "أعني يا رب إلهي، خلصني حسب رحمتك". تشير هذه العبارة إلى الرأس والجسد، إلى الكل. الرأس بكونه أخذ شكل العبد، والجسد بكونهم العبيد أنفسهم. فإنه وهو منهم يقول لله (الآب): "أعِنِّي" و"خَلِّصني"، وذلك وهو فيهم قال لبولس: "لماذا تضطهدني؟" (أع 9: 4). الكلمتان التاليتان: "حسب رحمتك" تصفان النعمة المُقَدَّمة مجانًا وليس بحسب استحقاق الأعمال. القديس أغسطينوس * "خلصني حسب رحمتك" من جانب آخر: "لي سلطان أن أضعها، ولي سلطان أن آخذها أيضًا" (يو 10: 18) و"ليس أحد يأخذها مني" (يو 10: 18). إذن كيف يطلب رحمة. إنه كإنسانٍ يطلب، وكإله يعطي. القديس جيروم وَلْيَعْلَمُوا أَنَّ هَذِهِ هِيَ يَدُكَ. أَنْتَ يَا رَبُّ فَعَلْتَ هَذَا [27]. ليس من يفكر جديًا في حياة داود منذ صباه حتى موته دون أن يتلمس يد الله التي كانت دومًا سندًا له وعونًا لخلاصه من أعدائه. جاءت أحداث الصليب متطابقة مع النبوات عبر العصور، ليُدرِك الكل أن هذا الحدث كان بخطة إلهية فائقة، ولم تحدث اعتباطًا أو نتيجة ظروف مُعَيِّنة. * "وليَعْلَموا أن هذه هي يدك، أنت يا رب فعلتَ هذا". قال: "ليَعْلَموا" بالنسبة لأولئك الذين لأجلهم كان يصلِّي بينما كانوا ثائرين. فإنهم صاروا مؤمنين به، من كانوا بين جموع الذين نفضوا رؤوسهم ساخرين منه... لنفهم أن يد الله تعني المسيح، الذي قيل عنه في موضع آخر: "لمن استُعْلِنَتْ ذراع الرب؟" (إش 53: 1) القديس أغسطينوس * ما هو معنى: "هذه هي يدك"؟ يدك هي المعونة؛ يدك هي السند. إنه يقول: لست أطلب فقط أن أُخَلِّص، وإنما أطلب لأجلهم أن يعرفوا من الذي يُخَلِّصَني، فأقتني لنفسي غنائم مضاعفة، إكليلًا مزدوجًا، وسُمْعَة سامية. القديس يوحنا الذهبي الفم * ما هذا الذي يقوله: "وليَعْلَموا أن هذه هي يدك؛ أنت يا رب فعلت هذا" [27]؟ ليدرك اليهود أنهم لم يغلبوني، إنما هذه هي إرادتي أن أتألم. بجانب هذا، إنني أرغب أن أتألم. لهذا من الجانب البشري الذي لي "أن أفعل مشيئتك يا إلهي سررت" (مز 40: 8). إنها إرادتك وإرادتي أن أتألم، ولا يتم ذلك بسبب خططهم وسلطانهم، إنما أنت وأنا نرغب ذلك... ما ترغب أنت فيه، أنا أيضًا أرغبه. من الضروري أن تأتي هذه العثرة، ولكن ويل للرجل الذي تأتي منه (مت 18: 7). القديس جيروم أَمَّا هُمْ فَيَلْعَنُونَ، وَأَمَّا أَنْتَ فَتُبَارِكُ. قَامُوا وَخَزُوا، أَمَّا عَبْدُكَ فَيَفْرَحُ [28]. تصوير رائع لأحداث الصلب، فقد كان الصالبون يكيلون الشتائم له، أما الآب فكان يُسَرُّ بذبيحة الصليب. قاموا عليه ليصلبوه، لكنه إذ قام صاروا في خزي، أما رب المجد فقد نزل إلى الجحيم وحطَّم متاريسه، وأطلق الأسرى، فتهللوا بخلاصه العجيب، وتهللتْ السماء بهم! * "أما هم فيلعنون، وأما أنت فتبارك". باطلًا هي لعنة أبناء البشر وكاذبة، فإن مسرتهم هي في الباطل، ويطلبون الكذب (مز 4: 2). أما الله فإنه إذ يبارك يتمم ما يقول. "والذين يقومون عليَّ يخزون" [28 LXX]. لأن تصوُّرهم أن لديهم سلطان عليّ هو السبب في قيامهم عليَّ. ولكنني إذ أرتفعُ فوق السماوات، ويبدأ مجدي ينتشر في كل الأرض يخزون. "أما عبدك فيفرح"، إما عن يمين الآب، أو في أعضائه حين يفرحون، وذلك في الرجاء أثناء التجارب، وبالأكثر عندما تنتهي التجارب . القديس أغسطينوس * هنا يُعلَّم المُستمِع مجموعة من القيَّم. إنه يشير بأنه لا يبالي إن صبُّوا عليه لعنات بشرط أن يباركه الله. لن يصيبه ضرر منهم، بل يرد عليهم العار واللعنات التي يصبونها... "أما عبدك فيفرح بك (فيك). حسنًا يقول "فيك" حاسبًا أن الفرح ينبع من ذات المصدر، من فيض الخيرات. فإنه لا يمكن لمتاعب أن تضايقني مادام الفرح يحل بيّ من عندك، ويبقى غير مشوبٍ. القديس يوحنا الذهبي الفم * "أما هم فيلعنون، وأما أنت فتبارك" [28]. هذا ما يحدث إلى هذا اليوم عينه. إنهم يلعنون في المجمع، والرب يبارك في الكنيسة. "والذين يقومون عليّ يخزون، وأما عبدك فيفرح" [28 LXX]. إنهم يقومون ضدي، وأما أنا عبدك فأفرح. كيف أنا عبدك؟ فإنه وإن كان بالطبيعة هو الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلًا لله، الأمر الملتصق به، لكنه أخلى ذاته، آخذًا طبيعة عبد (في 2: 6-7). القديس جيروم لِيَلْبِسْ خُصَمَائِي خَجَلًا، وَلْيَتَعَطَّفُوا بِخِزْيِهِمْ كَالرِّدَاءِ [29]. بصلبه حسبوا أنهم حققوا شهوة قلوبهم، لكن بقيامته صاروا في خزي؛ كَسَاهُم العار من كل جانب مثل العباءة التي تُغَطِّي جسم الإنسان. * لاحظ مرة أخرى كيف أنه لا يطلب لهم فقط العقوبة، بل العار، والخزي، ليكون ذلك لهم درسًا لإصلاحهم، وفرصة ليصيروا إلى حالٍ أفضل . القديس يوحنا الذهبي الفم * "وليلبسْ الذين يثلبونني العار" [LXX]. ليكن عار عليهم أن يثلبونني، ولكن ليُفهَمْ ذلك أيضًا كبركة، حيث أنهم يُصلَحون. "وليشتملوا الخزي كالرداء (المزدوج)". بمعنى أنهم يخزون من الداخل والخارج، أمام الله والناس . القديس أغسطينوس * "ليلبس خصمائي خجلًا". إنه لم يقل: ليهلكوا؛ لم يقل ليبيدوا إلى الأبد، إنما ماذا قال؟ "ليلبسوا خجلًا"، أي ليتحققوا أخطاءهم، ويصيروا في خزي، ويثابروا في توبتهم. من يتغطى بالخزي يقترب من الخلاص، لأن من يضطرب بإخلاص، ويرتبك يبدأ في التوبة. تأملوا بعمق أيها الرهبان، إن كان لكم شيء على أخيكم، يلزمكم ألا تكفوا عن التوسل إلى الله من أجله. الرب صُلب وكان يصلي من أجل صالبيه. لذلك إن سمعتَ كلمة مُفْسِدة، لا تقاوم في غضبك. لا تدع الشمس تغرب على غضبك (أف 4: 26). "وليتغطوا بخزيهم كعباءة mantle". وهي نوع من العباءة المزدوجة، تُدْعَى في العبرية mail. إنها مزدوجة لأنها تُلَف حول الجسم مرتين... إنني أتشفع فيهم. ماذا أسأل عنهم؟ ليخجلوا ويرتبكوا حتى يخلصوا. إنهم عرايا. لقد فقدوا سترتي tunic. هب لهم ارتباكًا، هب لهم خزيًا، ودعهم يلتحفون بعبائة مزدوجة من الخزي والارتباك. لا تدعهم يضطربون بجانب واحد بل باثنين لكي يُقَدِّموا توبة عن كل شيءٍ. لم يقل هذا ضد اليهود، وإنما لصالحهم. أتريدون برهانًا على ذلك؟ بطرس كان واحدًا منهم، وبولس كان واحدًا منهم، وكل الرسل كانوا منهم. لقد طُعِّمنا في جذرهم، نحن الأغصان وهم الجذر. لنصلي للرب كما أن الأغصان تخلص هكذا الجذر أيضًا. القديس جيروم أَحْمَدُ الرَّبَّ جِدًّا بِفَمِي، وَفِي وَسَطِ كَثِيرِينَ أُسَبِّحُهُ [30]. ذبيحة الصليب مُقَدَّمة عن العالم كله، وهي أغنية أو تسبحة يترنم بها المؤمنون القادمون من كل بلاد العالم. ليس لدى المؤمنين ما يُقَدِّموه للآب، ولمجده، سوى عمل الابن الخلاصي على الصليب. يرى القديس أغسطينوس أن المُتَحَدِّث هو السيد المسيح الحاضر في كنيسته يحمد الآب باسم الكنيسة ولحسابها. * هل يقول: "أحْمَدُ... في وسط كثيرين"، لأن هو مع كنيسته حتى انقضاء العالم (مت 28: 20)، فنفهم من "وسط الكثيرين" أنه سيُكَرَّم بهذه الجموع عينها؟ فإنه يُقَال بأنه سيكون في الوسط، حيث تُقَدَّم له الكرامة الرئيسية. فإن كان القلب كما لو كان وسط الإنسان فليس من وضعٍ يمكن أن يكون أفضل من هذه العبارة: "أحمدك في قلوب الكثيرين". فإن المسيح يسكن في قلوبنا بالإيمان . القديس أغسطينوس * "أحْمَدُ الرب جدًا بفمي". هذا يُقَال بعد القيامة، وقد سبق أن أُخبِرَتْ الكنيسة بما سيحدث. "وفي وسط الحشد أُسَبِّحه"، ليس في اليهودية وحدها، بل في العالم كله، في الكنيسة، أُسَبِّحك. القديس جيروم * فم المسيح نحن المؤمنين به، لأننا جسده وأعضاؤه، فشكرنا لله هو خاص به، لأجل هذا يقول "أشكر (أحمد) الرب بفمي، وفي وسط كثيرين أُسَبِّحه". لأنه لم يزل موجودًا بيننا، ومترددًا فينا، إذا كنا نُسَبِّح الله بأعمال مرضية له. الأب أنسيمُس الأورشليمي لأَنَّهُ يَقُومُ عَنْ يَمِينِ الْمَسْكِين،ِ لِيُخَلِّصَهُ مِنَ الْقَاضِينَ عَلَى نَفْسِهِ [31]. يجلس عن يمين الآب، ويقوم الآب عن يمين الابن، لأن "اليمين" لا يعني اتجاهًا مكانيًا مُعَيَّنًا، بل هو رمز للقوة، فكل مِنْ الآب والابن الواحد عن يمين الآخر، إذ لا انفصال بين قدرة الآب وقدرة الابن، بل ويُدْعَى الابن نفسه "قوة الآب". * قيل عن يهوذا: "ليقف الشيطان عن يمينه:؛ فإنه إذ اختار أن يُزيد من غناه ببيعه المسيح. أما هنا فيقف الرب عن يمين الفقير، فيكون الرب نفسه هو غِنَى الفقير. "يقف عن يمين الفقير" لا ليضاعف سنوات حياته التي ستنتهي يومًا ما، ولا ليزيد مخازنه، ولا يجعله قويًا في الجسد، ولا في أمان من جهة الزمن، إنما يقول: "ليخلص من المُضطهِدين نفسي". الآن تصير النفس في أمان من المُضطهِدين، إن كان لا نوافقهم في الشر. ولا يكون مثل هذا التوافق معهم عندما يكون الرب قائمًا عن يمين المسكين، هذا العون وُهِبَ لجسد المسيح في حالة كل الشهداء القديسين . القديس أغسطينوس * دُعِيَ ربنا مسكينًا، لأنه اتَّخذ صورة الإنسان المسكين، ولأنه تصرف في العالم بالفقر والمسكنة. ولأن اليهود كانوا يرونه كمسكينٍ. وأيضًا يدعو مَعْشر الناس مسكينًا، فالذي يفعل أعمالًا تستحق اليمين يقوم الله عن يمينه، ويُخَلِّصه من مضطهديه المنظورين وغير المنظورين. الأب أنسيمُس الأورشليمي * لأنه يقوم عن يمين المسكين". وقف الشيطان عن يمين يهوذا، وأما الرب فوقف عن يميني. "لتُخَلِّصْ نفسي من القاضين عليّ"... إن كان (المسيح) حزينًا، فهو له عواطفه، لأن الحزن عاطفة. لهذا إن أرادوا أن يقولوا لنا: "إننا نقول إنه ليس له عواطف بشرية أو وجدان، لهذا لم يكن لديه مجال أن توجد فيه خطية" لنجيب عليهم بهذا: أليس له جسد مثلنا أم لا؟ إن قالوا: "له" نجيبهم "إذن لديه عواطف أجسام. كل واحد يفهم ما أقوله". إن أنكروا أن له عواطف أو رغبات الجسد نلتزم بالرد أنه بلا جسم. ولكن يلزمنا أن نؤكد لهم: "إذ له جسم حقيقي مثل جسمنا، لكن ليس له خطايا الجسم"، فإن له أيضًا نفس حقيقية، ولكن ليس له خطايا النفس. ليتنا ندرك ونشكر أن له جسم حقيقي ونفس حقيقية، لأنه إن كان الرب لم يتخذ طبيعة بشرية بكاملها فإنه لم يخلص البشرية. لو أنه اتخذ جسمًا فقط بدون نفس، فهو خلص الجسم دون النفس. لكننا نريد أن أنفسنا تخلص أكثر من جسمنا، لهذا أخذ الرب كل من الجسم والنفس ليُخَلِّص كل منهما، يُخَلِّص الإنسان بكماله كما خلقه. القديس جيروم * ها أنتم ترون، هذه هي ذبيحة حقيقية، تَقْدِمة حقيقية، حافظين في أذهاننا على الدوام إحسانات الله، ننقشها في تفكيرنا، كارزين بها بكلمات الفم، فنجعل الكثيرين يسمعون عن إحساناته. بهذه الوسيلة، فإن من ينال إحسان حنوه يتمتع بمكافأة عن شُكْرِه، ويربح نعمة أعظم من قِبَل الله، وأيضًا الذين يسمعون عن الإحسانات المُقَدَّمة للغير، يصيرون أكثر غيرة، ويحسبون الإحسانات المُقَدَّمة للآخرين، فرصة أن يقتدوا بهم في الفضيلة. القديس يوحنا الذهبي الفم |
|