رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أيوب قاض غير مؤهل للحكم على عناية الله أنْصُتْ إِلَى هَذَا يَا أَيُّوبُ، وَقِفْ وَتَأَمَّلْ بِعَجَائِبِ اللهِ [14]. يدعو أليهو أيوب أن يحول نظره عن الضيقات التي تحل به، والتي دفعته للتذمر، إلى التأمل بجدية في عجائب الله، وأعماله الفائقة من أجل المؤمنين. بهذا يمتلئ فكره وقلبه بحب الله ويدرك رعايته الإلهية، فتستريح نفسه في داخله. يقول المرتل: "عظيمة هي أعمال الرب، مطلوبة لكل المسرورين بها" (مز 111: 2). أَتُدْرِكُ انْتِبَاهَ اللهِ إِلَيْهَا، أَوْ إِضَاءَةَ نُورِ سَحَابِهِ [15]. يتساءل أليهو: هل يمكن للإنسان أن يدرك كيف يحرك الله العواصف والسحب والأمطار الخ، وكيف يخرج برقًا منيرا من سحب قاتمة مظلمة؟ أَتُدْرِكُ مُوازَنَةَ السَّحَابِ، مُعْجِزَاتِ الْكَامِلِ الْمَعَارِفِ [16]. من يعرف كيف تصير السحب معلقة في الجو في اتزانٍ عجيب، وكيف تتكون من الماء المتبخر وتتجمع معًا في الهواء، وتبقى سابحة في مكانٍ معينٍ لمدة معينة، كأن يدًا خفية تمسك بها وتحفظها، ثم تهطل كأمطارٍ لتروي الأرض. إنها تكشف عن حكمة عظيمة وكاملة! مع ما بلغه العلم والمعرفة فإن هذه الظواهر يمكننا تبريرها، لكنها ليست تحت سلطان الإنسان، ويعجز عن إدراك كل أسرارها بدقة. كَيْفَ تَسْخُنُ ثِيَابُكَ إِذَا سَكَنَتِ الأَرْضُ مِنْ رِيحِ الْجَنُوبِ [17]. كيف يفسر الإنسان أن جسمه يصير دافئًا عندما تهب الرياح الجنوبية الدافئة، وتصير حتى الملابس دافئة؟ رأينا في سفر النشيد كيف تطلب العروس أن تهب عليها ريح الشمال وأيضًا ريح الجنوب، فتعطي جنتها الداخلية ثمار الروح المبهجة (نش 4: 16). يرى البعض أن أليهو يقدم هذا التساؤل بطريقة تهكمية، فإنه من أبسط الأمور أن تصير الثياب دافئة عندما تهب رياح دافئة، مع هذا لا يقدم الإنسان تفسيرًا دقيقًا لهذه الظاهرة. هَلْ صَفَّحْتَ مَعَهُ الْجَلَدَ الْمُمَكَّنَ كَالْمِرْآةِ الْمَسْبُوكَةِ؟ [18] يسأله: هل بسطت مع الله جَلَدْ السماء القوي مثل مرآة مسبوكة؟ هل كنت مع الله حيت صنع اتساع الرياح وامتدادها بما يتناسب مع وزنها؟ ألاَّ ترى كيف تكون السماء وهي صافية أشبه بمرآة مسبوكة ضخمة وقوية؟ هنا يتحدث عن جَلَدْ السماء كمرآة. يتحدث عنها الكتاب المقدس أيضًا بكونها أشبه بخيمة أو ستارة: "الذي ينشر السماوات كسرادق (كستارة)، ويبسطها كخيمة للسكن" (إش 40: 22). وأيضًا كدرجٍ: "وتلتف السماوات كدرجٍ، وكل جندها ينتثر كانتثار الورق من الكرمة، والساقط من التينة" (إش 34: 4). وأحيانًا كثوبٍ: "السماوات هي عمل يديك. هي تبيد وأنت تبقى، كلها كثوبٍ تبلى، كرداءٍ تغيرهن فتتغير" (مز 102: 25-26). "قوية" حتى أنها تسند نفسها بنفسها. عَلِّمْنَا مَا نَقُولُ لَهُ. إِنَّنَا لاَ نُحْسِنُ الْكَلاَمَ بِسَبَبِ الظُّلْمَةِ! [19] يدعو أليهو أيوب إلى الاهتمام بالرعد، الذي يرمز إلى صوت الله، الذي يعبّر عن عظمة الله. في تواضعٍ يعلن أليهو أن فكر الإنسان مظلم للغاية، عاجز عن الدخول في جدالٍ مع الله العظيم، وإن فعل هذا فليتوقع دماره [19-20]. إذ يشعر أليهو بالرهبة الشديدة نحو الله يسأل أيوب أن يعلمه ماذا يقول لله المهوب، أية كلمات يمكنه أن ينطق بها مع عظمة الله. كثيرًا ما ردد أيوب ملتمسًا أن يدخل في محاكمة مع الله، وأن يلمس الحضرة الإلهية لكي يشكو له مما هو عليه. لذا ينصحه أليهو ألاَّ يطلب هذا، فستهرب الكلمات من شفتيه حين يقف أمام جلال الله العظيم. كأنه يقول له: "يبدو عليك أنك حكيم جدًا، ولك معرفة كاملة عن الله؛ هب لنا أن نكون حكماء مثلك، فنقدر أن نقترب من الله، ونتحدث معه، لأننا نشعر كمن قد التحفوا بالظلمة. من جانبنا نعترف بجهلنا وعجزنا، أخبرنا وعلمنا كيف نقف لنحاوره!" أو كأنه يقول له: "لا يقدر البشر على تفسير عجائب الله وإدراك أسرارها، وبالتالي لا نقدر أن ندخل في خصومة معه. علَّمنا كيف يمكننا أن نفعل هذا؟" هَلْ يُقَصُّ عَلَيْهِ كَلاَمِي إِذَا تَكَلَّمْتُ؟ هَلْ يَنْطِقُ الإِنْسَانُ لِكَيْ يَبْتَلِعَ؟ [20] يقول: هل يمكنني أن أتجاسر وأهمس في حضرة الله؟ وإن تكلم أحد ضدي، واتهمني أمامه بسبب ما قلته، حتى وإن قدم الاتهام بنية صادقة، كيف أتجاسر وأقف في حضرته؟ فإنني أُبتلع من الرعب، وأهلك بسمو عظمته. إن تجاسر أحد وتكلم بما لا يليق بعظمة الله، أي كان متذمرًا، يُبتلع تمامًا! وَالآنَ لاَ يُرَى النُّورُ الْبَاهِرُ الَّذِي هُوَ فِي الْجَلَدِ، ثُمَّ تَعْبُرُ الرِّيحُ فَتُنَقِّيهِ [21]. إن كانت عظمة الله الآن مخفية، حتمًا ستُعلن في وقت ما فجأة في كمال بهائها، حيث تبدد الظلمة عن عيني أيوب. وذلك كما يحدث بالنسبة للشمس التي تختفي أشعتها خلف الغيمة، لكن ما أن تهب الرياح وتبدد السحب حتى يظهر بهاؤها. هكذا يليق بالمؤمن الذي تحجب التجارب عن عينيه رؤية بهاء مجد الله وبرَّه وعدله أن ينتظر في صبرٍ وطول أناةٍ، إذ يهب الروح القدس عليه، فيزيل عنه غمامة الظلمة، ويرى ما كان مخفيًا عن عينيه. إذ كانت العاصفة قد بدأت فعلًا يطلب أليهو من أيوب أن ينتظر بصبرٍ، فقد اقترب الوقت الذي فيه يتجلى الله له ببهائه، ويتحدث معه بعد أن تطرد الرياح سحابة التجارب التي أظلمت عينيه. يرى البعض أن أليهو هنا يشير إلى عجز الإنسان عن رؤية الشمس في بهائها متى هبت الرياح وصارت السماء صافية من السحب، فكيف يطلب أن يرى الله وجهًا لوجه ليعرض شكواه أمامه. يليق به عوض ذلك أن يسجد أمامه، خاضعًا له بروح التواضع، عوض التذمر والتحدث مع الله كمن يتهمه. يعلن الله عن ذاته كسحابة جارية هذه التي تترك نور الشمس لامعًا للغاية، يمكن أن يرى في بهاء مجده الذي يكتنفنا [21-22]. مِنَ الشِّمَالِ يَأْتِي ذَهَبٌ. عِنْدَ اللهِ جَلاَلٌ مُرْهِبٌ [22]. جاء في الترجمة السبعينية: "السحب تتلألأ مثل الذهب". إذ رأى أليهو العاصفة قادمة من الشمال، أوضح أن السحب القادمة مع العاصفة تبرق مثل الذهب الخالص اللامع كرمزٍ لاقتراب الله. يرى القديس أغسطينوس أن الشمال يشير إلى مدينة الأمم حيث صهيون في الجنوب، وأن إبليس كان يسيطر على الشمال، حيث يقول: "أصعد إلى السماوات، ارفع كرسي فوق كواكب الله، وأجلس على جبل الاجتماع في أقاصي الشمال" (إش 14: 12-13). إذ يقبل الأمم الإيمان بالسيد المسيح، يتركون مملكة إبليس، ويتحررون منها، فيأتون من الشمال، وقد صاروا ذهبًا، أي صاروا ملوكًا، استناروا بالنعمة في المسيح يسوع؛ صاروا سحابًا ذهبيًا. |
|