كما رأيت في هذه الصورة أنها تنقل لنا مشهد لطفلة جائعة جسديًا تأكل طعامها في الشارع، إلا أنني رأيتها أيضًا طفلة شبعانة نفسيًا على إستعداد أن تُعطي من طعامها للآخر، وإن كانت لا تعرفه! حتمًا تحتاج هذه الطفلة للحب، لكنها أيضًا على استعداد أن تعطي حبًا في صورة طعامها الشخصي. تذكرني هذه الطفلة بأخرى أكبر منها قليلاً كانت تعاني من سبي وشعور بالحرمان من أهلها وبيتها وموطنها الأصلي؛ إلا أنها لم يكن لديها أي شعور بالبغضة والكراهية تجاه من فعلوا بها ذلك. بل على العكس كانت ترى نفسها شبعانة، وترى أسيادها هم من يحتاجون لنصيحتها ورأيها. إنها الفتاة المسبية التي كانت في بيت نعمان السرياني، ووجدت أن سيدها مريض بالبرص، فلم تبخل بالنصيحة التي ستنهي مشكلته تمامًا من جذورها. «فَقَالَتْ لِمَوْلاَتِهَا: يَا لَيْتَ سَيِّدِي أَمَامَ النَّبِيِّ الَّذِي فِي السَّامِرَةِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَشْفِيهِ مِنْ بَرَصِهِ» (٢ملوك٥: ٢، ٣). كانت محرومة بالجسد من أهلها، إلا أنها كانت شبعانة نفسيًا ولم تشمَت في سيدها المريض، بل كانت هي المنقذ له من مرضه، ومن مشكلة حياته التي كانت تؤرقه ليلاً نهارًا.