الا أن الشيء الذي أحزن قلب هذه الأم الإلهية أشد حزناً، وأوعبها من مرارة التألم والتوجع بأبلغ نوع من كل ما سواه، هو سماعها أبنها الحبيب متشكياً من أن أباه الأزلي عينه قد كان أهمله، بنوع أن: يسوع صرخ بصوتٍ عظيمٍ قائلاً إيلي إيلي لما صافختاني: الذي تأويله إلهي إلهي لماذا تركتني: (متى ص27ع46) فهذه الكلمات قد جرحت فؤاد مريم البتول جرحاً هكذا عظيماً، حتى أنه، حسبما أوحت هي للقديسة بريجيتا لم يكن يبرح من فكرها ذكر تلك الكلمات مدة باقي أيام حياتها. فاذاً قد كانت هذه الأم السابحة في بحر الأحزان تشاهد أبنها من كل الجهات معذباً متألماً متروكاً، وكانت تجتهد في أن تسعفه بشيءٍ ما ولكن لم يكن ممكناً لها. والأبلغ من ذلك هو أنها كانت تلاحظ حسناً أن وجودها أمام عيني أبنها في تلك الحال، كان يسبب له آلاماً خصوصيةً مزادةً على آلامه.