القديسة سوسنه العفيفة
“احفظ نفسك طاهراً” ( 1 تي 22:5)
أحداث هذه القصة كانت في فترة سبي اليهود إلى بابل .
نشأتها
نشأت سوسنه (معني اسمها زهرة السوسن) من أسرة صالحة عاشت في مخافة الله ، إهتم والداها بتربيتها بحسب وصايا الله ، فعاشت حياة القداسة والعفة والإحتشام . وتزوجت من إنسان بار غني في الروح والمادة اسمه يواقيم – كان يملك قصراً كبيراً له حديقة واسعة – ومن كرمه , أفسح لإخوته اليهود مكاناً في حديقته، يجتمعون للقضاء فيه للنظر فی قضاياهم ، وذلك بإنتخاب قاضيان من شيوخ الشعب ليحكما بينهم منذ الصباح حتى الظهر. وبعد إنصرافهم يبقى القاضيان قليلاً يستريحان ثم ينصرفان.
التجربة
كانت سوسنه العفيفة ، لا تخرج من دارها حتى ينصرف الناس جميعاً- عندئذ كانت تدخل الحديقة لتتمشى قليلاً فكان الشيخان القاضيان ينظراها ، وهما مختبئان ، وكانت سوسنه جميلة في شكلها ، كما كانت جميلة في روحها. فأحبها الشيخان ، وأرادا أن يصنعا معها الشر. فإتفقا أن ينتهزا أقرب فرصة لتحقيق غرضهما الشرير، وإختبئا في ركن من أركان الحديقة حتى يعتقد الجميع أنهما انصرفا … فدخلت سوسنه كعادتها للحديقة ، ومعها خادمتين ، وأمرتهما أن تحضرا لها من القصر غسولاً وزيتاً عطرياً لتغتسل في الحديقة، وأن تغلقا الباب عليها. وعندما انصرفت الجاريتان ، إتجه الشيخان الخبيثان إليها ، فخافت، وطلبا منها أن تصنع الشر معهما. وإلا فسيدعيا عليها زوراً أنه كان معها شاب فی الحديقة ، فرفضت سوسنه أن تفعل الشر وقالت : “إن فعلت هذا فهو لی موت وإن لم أفعل فلا أنجو من أيديكما. ولكن خير لي إن لا أفعل ثم أقع في أيديكما ، من أن أخطأ أمام الرب” ( تتمة دانيال 23.22:13 ).
ثم صرخت بصوت عظيم فصرخ الشيخان كذلك ، وفتحا أبواب الحديقة ، فأسرع إليها أهل بيتها ليروا ما حدث لسوسنه ، فقال الشيخان كذباً: ( أن سوسنه خائنة لزوجها وعاصية لوصايا إلهها- فقد كنا مُنصرفين لبيوتنا ورأيناها جالسة مع شاب تحت شجرة كبيرة ، فلما أقبلنا عليها فزعت وصرخت ، وحاولنا أن نقبض على الشاب فلم نستطيع لأنه أقوى منا، فقبضنا عليها ، وسألناها عن الشاب من هو ؟ فلم تجيبنا … لذلك سنعقد جلسة هنا غداً لمحاكمتها ، بحسب قوانين شريعتنا ) ، فتعجب أهل الدار والخدم وحزنوا ، لأنهم يعرفون جيداً أن سوسنه زوجة طاهرة عفيفة ، تتقي الله وتحفظ وصاياه.
الحكم الظالم
في الغد استدعى الشيخان الشريران سوسنه ، وذكروا أمام الشعب التهمة الموجهة لها. وكان أهلها ومعارفها جميعهم يبكون – فصدق الشعب أكاذيب الشيخين ، لأنهما كانا معروفان أنهما قاضيا الشعب وحكموا عليها بالموت – فرفعت سوسنه عينيها للسماء وهي باكية مترجية معونة الرب . وكان إيمانها قوياً، وصرخت إلى الله بصوت عظيم وقالت : “أيها الإله الأزلي البصير بالخفايا العالم بكل شئ قبل أن يكون . إنك تعلم أنهما شهدا على بالزور ، وها أنا أموت ولم أصنع شيئاً مما افترى على هذان. فاستجاب الرب لصوتها” ( تتمة دانيال 42:13-44 )
براءة العفيفة
“ليستجب لك الرب في يوم الضيق ” ( مز 1:20 ) .
فنبه الرب دانيال النبي ، وكان شاب صغير السن ، فصرخ بصوت عظيم : ” أنا برئ من دم هذه “( تتمة دانيال 46:13 ) فالتفت إليه الجمهور متعجباً، وسألوه عن معنى كلامه. فوقف وسطهم وقال : أهكذا أنتم أغبياء يا بني إسرائيل ، حتى تقضوا على بنت إسرائيل أن تفحصوا وتتحققوا الأمر ( تتمة دانيال 48:13 ) . إن القاضيان شهدا عليها بالزور فتهكم الشيخان عليه لصغر سنه ، ولكن الله أعطى لدانيال هيبة عند الشعب فاستمعوا إليه . فقال دانيال للناس أن يفرقوا الشيخان أحدهما عن الآخر، وأخذ واحدا منهما وسأله : ” إن كنت قد رأيت سوسنه مع الشاب فقل تحت أى شجرة رأيتهما ؟ فأجاب : تحت شجرة الضروه ” . ثم أبعده واستدعى الشيخ الآخر وسأله نفس السؤال ، فأجاب : تحت السنديانة .. وسمع الشعب إجابتهما وعلما أنهما كاذبان وشاهدا زور . فصرخوا بصوت عظيم وباركوا الله مخلص الذين يترجونه. وحكموا على الشيخين ، بنقس الحكم الذي نويا أن يفعلاه بسوسنه ، فحكموا عليهما بالقتل . ونجت سوسنه العفيفة من القتل ، وظهرت براءتها أمام الجميع . فسبح زوجها وأقربائها الرب ، لأنه أظهر براءة سوسنه قديسة العفة ، التي فضلت الموت على كسر وصايا الله ، فنجاها الله و علا شأنها وسط أسرتها وشعبها . هكذا يقول معلمنا داود النبي “لأنه تعلق بي أنجيه . أرفعة لأنه عرف اسمي . يدعوني فأستجيب له . معه أنا في الضيق . أنقذه وأمجده” ( مز 14:91-15 )
توجد في العالم تحديات كثيرة ضد وصايا الله فلنتمسك بالحياة بحسب وصاياه ، مهما قيل عنا ومهما واجهنا من ضيقات ، لأن البعد عن وصايا الله هو موت كما قالت القديسة العفيفة سوسنه ، لأن كلام الله هو روح وحياة . فلنتمسك به كل أيام حياتنا وليتنا نتعلم من القديسة العفيفة الاحتشام ليس في الملابس فقط بل في الكلام والسلوك بوجه عام ، هذه هي العفة الحقيقية التي هي من ثمار الروح القدس.