فخِفتُ وذَهَبتُ فدَفَنتُ وَزْنَتَكَ في الأرض، فإِليكَ مالَك
تشير عبارة "خِفتُ" الى خوف الخادم من ضياع الوزنة بالاتجار بها، فيعرض نفسه للوم سيده القاسي وعقابه فخبأها حفظا لها. انه تصوّر زائف عن الربّ وخوفه من عقاب ينتظره ومن المخاطرة والخسارة، وله أعذاره.
إذ ظنَّ أنه مهما عمل فان سيده لن يكون عادلا معه. ونتيجة لذلك لزم جانب الأمان وحماية نفسه من سيده القاسي، فحكم عليه تقوقعه على نفسه.
لقد نسى نفسه انه وكيلٌ وليس مالكٌ، وبنى علاقة مع سيده ليست مبنيّة لا على الثقة ولا على المحبّة، بل بالأحرى على الخوف. خوف الخادم خطير، لأن الخائفون وغير المؤمنون هم على رأس قائمة من يُطرحون في البحيرة المتَّقدة بالنار والكبريت كما ورد في سفر الرؤيا "أَمَّا الجُبَناءُ وغَيرُ المُؤمِنينَ والأَوغادُ والقَتَلَة والزُّناة والسَّحَرَةُ وعَبَدَةُ الأَوثانِ وجَميعُ الكَذَّابين، فنَصيبُهم في المُستَنقَعِ المُتَّقِدِ بِالنَّارِ والكِبْريت: إِنَّه المَوتُ الثَّاني" رؤيا 21: 8).
ولم يكن خوف صاحبنا من نوع خوف نوح (عبرانيين 11: 7)، أو خوف راحاب (يشوع 2: 9-11)، بل من نوع خوف الحاكم فيلكس وارتعابه (أعمال 24: 25). الشر كل الشر هو ان نعرف ونخاف. والواقع، لو كان يحب سيده ما كان قد خاف، فالمحبة تطرد الخوف. قال يوحنا الرسول " لا خَوفَ في المَحبَّة بلِ المَحبَّةُ الكامِلةُ تَنْفي عَنها الخَوف لأَنَّ الخَوفَ يَعْني العِقاب ومَن يَخَفْ لم يَكُنْ كامِلاً في المَحَبَّة"(1 يوحنا 4: 17-20). والمحبة لا تخاف المخاطرة، الحياة هي مخاطرة لأنها اختيار، وكل اختيار يقوم على التضحية والمسؤولية. الخوف أفسد عمله.
ويعلق القديس اوغسطينوس " استخدموا الوزنة ولا تُحسَبون عبيدًا كسالى ولا تخافون العقاب المرعب". من يخاف الله ولا يحب الله فهو لا يعرف الله (1 يوحنا 4: 8).