غيرة القديس بولس الرسول
إنه من أروع الأمثلة البشرية للغيرة المقدسة، بل هو أروعها فعلًا.
عندما آمن بالمسيحية، دخلتها طاقة عجيبة من الحرارة والقوة.
فاستطاع أن يشهد للرب في أورشليم، وفي بلاد اليهودية، وفي قبرص، وآسيا الصغرى. وثم في بلاد اليونان، وفى ايطاليا. وهو الذي أسس كنيسة رومة.
* يضاف إلى 14 رسالة كتبها، وكانت لها أهميتها في وضع قواعد الإيمان المسيحي وانتشاره. وقد كتب بعضها وهو في السجن.
أية غيرة هذه: أن الإنسان يبشر وهو في السجن!
بل ما أجمل ما يقوله عن أنسيمس "الذي ولدته في قيودي" (فل 10). ومن السجن يكتب إلى أفسس، قائلا لأهلها "أطلب إليكم أنا الأسير في الرب أن تسلكوا كما يليق بالدعوة التي دعيتم إليها" (أف 4: 1). كان وهو أسير، في السجن، يهتم بخلاص غيره.
بل أن اهتمامه بخلاص غيره، فاق اهتمامه بنفسه. ولذلك فإنه في محبته العجيبة لمواطنيه، يقول عبارته المؤثرة جدًا، المملوءة غيرة وحبًا.. يقول:
".. كنت أود لو أكون أنا نفسي محرومًا من المسيح، لأجل أخوتي وأنسبائي حسب الجسد.." (رو 9: 3).
غيرته إذن مبنية على الحب العميق، الذي يريد فيه خلاص الكل، ويخشى فيه على الحب العميق، الذي يريد فيه خلاص الكل، ويخشى فيه على الكل من السقوط. فيقول لأهل كورنثوس "إني أغار عليكم غيرة الله. لأني خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح. ولكنني أخاف أنه كما خدعت الحية حواء بمكرها تفسد أذهانكم عن البساطة التي في المسيح" (2كو 11: 2، 3).
بولس الرسول من أجل غيرته على الملكوت، كان دائم الأسفار، يحتمل المتاعب لنشر الإيمان.
إنه يقول عن خدمته "ثلاث مرات انكسرت بي السفينة. ليلًا ونهارًا قضيت في العمق. بأسفار مرارًا كثيرة. بأخطار سيول، بأخطار لصوص، بأخطار من جنسي، بأخطار من الأمم. بأخطار في المدينة، بأخطار في البرية، بأخطار في البحر. في تعب وكد، في أسهار مرارًا كثيرة. في جوع وعطش، في أصوام مرارًا كثيرة. عدا ما هو دون ذلك.." (2كو 11: 25: 27). وما هو ذلك؟ يقول:
"التراكم على كل يوم. الاهتمام بجميع الكنائس" (2كو 11: 28).
هذه هي الغيرة حقًا. التي أمامها نقف متعجبين حينما يحارب شاب بالمجد الباطل، لمجرد أنه يدرس فصلًا في التربية الكنسية، أو يلقى عظة فى كنيسة!!
أما القديس بولس الرسول فبالإضافة إلى كرازته في ميادين جديدة، كان عليه الاهتمام بالكنائس القائمة: يدبر ويفتقد ويرعى، حتى وهو في السجن.
وما أكثر الآلام التي تحملها القديس بولس بسبب غيرته على الملكوت.
يشرحها فيقول "في الأتعاب أكثر، في الضربات أوفر، في السجون أكثر، في الميتات مرارًا كثيرة. من اليهود خمس مرات قبلت أربعين جلدة. ثلاث مرات ضربت بالعصي. مرة رجمت.." (2كو 11: 23-25).
وعن تعبه وتعب زملائه في الخدمة يقول " في كل شيء نظهر أنفسنا كخدام الله في صبر كثير، في شدائد ضرورات في ضيقات، ضربات في سجون في اضطرابات، في أتعاب في أسهار في أصوام.. كمضلين ونحن صادقون.. كمائتين وها نحن نحيا.. كحزانى دائما فرحون.." (2كو 6: 4-10).
إن الغيرة لم تنفصل إطلاقًا عن الصليب، في خدمة بولس الرسول وزملائه.
ولذلك فإنه يصف حياته وحياتهم في الخدمة فيقول ".. مكتئبين في كل شيء، لكن غير متضايقين. متحيرين ولكن غير بائسين، مضطهدين لكن غير متروكين، مطروحين لكن غير هالكين، حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع.." (2كو 4: 8-10). هذه هي حالتهم، لئلا يظن البعض أن حياة القديس بولس كانت مجرد مجد كقديس ورسول.
أو لئلا يظن البعض أن الغيرة هي حماس يأمر وينهى، وينتقد ويوبخ!!
وينسى أن الذي يحيا حياة الغيرة المقدسة، يجاهد لأجل الملكوت، لابد أن يحمل صليبه كل يوم ويتبع الرب..
ما أكثر ما يمكن أن يقال عن القديس بولس الرسول:
لقد تكلمنا في الفصل الأول عن غيرة بولس الرسول، وفى الفصل الثالث عن ثمر هذه الغيرة في حياة بولس الرسول. وما نقوله الآن لا يكفى..