منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18 - 10 - 2017, 10:46 AM   رقم المشاركة : ( 191 )
sama smsma Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية sama smsma

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 8
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : قلب طفلة ترفض أن تكبر
المشاركـــــــات : 91,915

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

sama smsma غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب بستان الرهبان

الأب نسترون: كان يتمشَّى في البريةِ مع أحدِ الإخوةِ، فلما شاهد تنيناً هرب. فقال له الأخ: «أأنت كذلك أيها الأب تفزع»؟ أجاب الشيخُ: «لا، لستُ أفزعُ يا ولدي، لكن الهربَ أوفق لي، ولولاه لما كنتُ قد تخلَّصتُ من روحِ المجدِ الفارغ».
قيل: إنه كان في الصعيدِ راهبٌ قد بلغ من التقشفِ مبلغاً عظيماً، ظافراً على صلواتٍ وطلباتٍ وسهر، ومالكاً عدم القنيةِ إلى أبعد غايةٍ، يُفني جسدَه بالأصوامِ والأتعاب. هذا كان قد بدأ جهادَه بأن كان يتناول كلَّ عشيةٍ ملءَ راحتيه قطينية مبلولة وكفى، وصار يتدرج إلى أن أصبحَ يتناول ذلك القدر يوماً بعد يومٍ، وهكذا حتى استطاع بعد مدةٍ أن يأكله مرةً واحدةً كلَّ أسبوعٍ مساء الأحد، أو يأكل مما اتفق له من الحشائش النابتة، ومكث على هذه الحال مدةً من الزمانِ، فحسده الشيطانُ ورامَ أن يرميه في الكبرياءِ، فوسوس له بأنه قد سلك في النسكِ مسلكاً لم يبلغه أحدٌ من البشرِ، وأنه يجب أن يجترحَ الآيات كي يزدادَ نشاطُه، ويرى الناسُ العجائبَ فيمجِّدوا الله، لأن الربَ نفسَه أيضاً قال: «ليرى الناسُ أعمالَكم الحسنةَ فيمجدوا أباكم الذي في السماوات». فسأل الربَّ من أجلِ هذا الأمرِ، وإذ لم يشأ الإلهُ المتعطِّف أن يظلمَ تعبَه، فقد ألهمه فكراً بأن الرسولَ يقول: «لسنا كفاةً أن نرى رأياً من أنفسِنا». وقال: «إن كان ذلك السيد لم يجد نفسَه كُفئاً لأن يرى رأياً من ذاتِه، فكم بالحري يجب عليَّ أنا الشقي أن أقولَ هذا القول، أقومُ إذن وأمضي إلى فلان المتوحد، ومهما قال لي أقبله كمرسَلٍ لي من قبل الله». وكان ذلك المتوحد راهباً كبيراً وقد نجح في عمل التاؤريا، قادراً على منفعةِ من يسأله. فقام للوقتِ ومضى إليه، فلما دخل قلايته رأى المتوحدُ قردين جالسين على كتفيه، ممسكين عنقَه بسلسلةٍ، وكلٌّ منهما يرهقه جذباً إليه، فلما شاهد هذا المنظرَ عرف السببَ إذ كان متفقهاً جداً. وإنه تنهد باكياً بسكونٍ. ومن بعدِ الصلاةِ وما جرت به العادةُ من السلامِ، جلسا مدة ساعةٍ صامتيْن، لأنه هكذا كانت عادة الآباء الذين هناك، ثم فتح الراهبُ القادمُ فاه قائلاً: «أيها الأب، انفعني وأرشدني للخلاصِ». فأجابه الشيخُ: «إنني لستُ كفئاً لذلك يا ولدي، لأني محتاجٌ بعد إلى إرشادٍ». فقال له: «لا تردَّني يا أبي، لأني موقنٌ بفضلِك وقد ألزمتُ ذاتي قبول مشورتك». فأجابه الشيخُ: «إني أخشى أنك لا تسمع مني، ولذلك أُفضِّلُ أن أمتنعَ من ذلك». فحقَّقَ وأكَّد له أنه قبل مجيئهِ قد عاهد نفسَه قائلاً: «مهما قلتَه لي أقبله كمِن فم الله». فقال الشيخُ: «خذ قِطعَ النقودِ هذه وامضِ إلى المدينةِ وابتع عشرَ خبزاتٍ وقسطَ نبيذٍ وعشرة أرطال لحمٍ وعُد بها إليَّ». فحزن الأخُ لذلك جداً، لكنه على كلِّ حالٍ أخذ ما أعطاه له ومضى كئيباً. وفي طريقِه جاءته الأفكارُ قائلةً: «أيُّ شيءٍ يقصده ذلك الشيخُ، وكيف أستطيع أنا أن أبتاع هذه الأشياء وكيف أحملها؟ وما هو موقفي من العلمانيين مما يضطرني إلى أن أذوبَ خجلاً»؟ وهكذا سأل واحداً فابتاع له الخبزَ، وآخرَ ابتاع له النبيذَ، ولما جاء دورُ اللحم، قال: «يا ويلي كيف أحصلُ على اللحمِ، سواء ابتعتُه أنا بيدي أم كلفتُ آخرَ». ثم كلَّف رجلاً علمانياً فابتاع له اللحمَ، وحمل الجميعَ وجاء بها إلى الشيخِ مفكراً. فقال له الشيخُ: «اطبخ اللحمَ وطجِّنه». ففعل ذلك مُعَبَّساً. فقال له الشيخُ: «لا تنسَ ما عاهدتني به أنك سوف تفعل جميعَ ما أُشير به عليك، فخذ هذه الأشياء جميعها، وامضِ إلى قلايتك، وصلِّ وتناول خبزةً واحدةً وشربةً واحدةً من النبيذ ورطلَ لحمٍ في كل يومٍ عند المساء. ومن بعد عشرة أيامٍ عُد إليَّ». فلم يتجاسر على أن يردَّ له جواباً.
  رد مع اقتباس
قديم 18 - 10 - 2017, 10:46 AM   رقم المشاركة : ( 192 )
sama smsma Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية sama smsma

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 8
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : قلب طفلة ترفض أن تكبر
المشاركـــــــات : 91,915

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

sama smsma غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب بستان الرهبان

وهكذا أخذ كلَّ ما أعطاه ومضى حزيناً باكياً قائلاً في نفسِه: «من أيِّ درجةٍ في الصومِ هبطتَ، وفي أيِّ حالةٍ حصلتَ»؟ ثم أنه قال لنفسِه: «إن لم أفعل ما أمرني به أكونُ قد خالفتُ الله، لأني قد عاهدتُه أنه مهما قال لي أفعله كمِن فمِ الله، والآن يا ربُّ، انظر إلى شقاوتي وارحمني واغفر لي خطيئتي، لأني مضطرٌ أن أعملَ خلافَ هواي». وجاء إلى قلايتهِ باكياً، وتمَّم ما قاله له الشيخُ، وعكف على الصلاةِ عكوفاً بليغاً، وكان إذا ما أكل، يبلُّ الخبزَ بدموعِه قائلاً: «يا الله قد أُهملتُ وخُذلت من يدِك». فلما رأى الله حزنَه وبكاءَه ومسكنته، عزَّى قلبَه وكشفَ له السببَ، فشكر الله واعترف بالقول النبوي: «إن كلَّ برِّ الإنسانِ مثل خرقة الطامث». وأيضاً: «إن لم يبنِ الربُّ البيتَ ويحرس المدينةَ، فباطلاً سهر الحارسُ». وهكذا عاد إلى الشيخ منهوكَ الجسمِ متوعكاً أكثرَ مما كان وهو يطوي الأسابيع صائماً. فلما رآه الشيخ متذلِّلاً متمسكناً، قبله بفرح بوجهٍ طلق، وصلَّيا وجلسا صامتين مدة ساعةٍ، ثم قال الشيخُ: «يا ولدي، إن الله المحبَّ للبشرِ قد تعاهدك، ولم يمكِّن العدوَ من الاستيلاء عليك، لأنه من عادتِه دائماً خداع من يسلك مسلكَ الفضيلةِ بوجوه تتبين أنها واجبةٌ ويسوقهم بها إلى مرض الكبرياء، ويأمرهم أن يخوضوا في خوضٍ عظيمٍ من الفضائلِ حتى من هذه الوجهة يُهبطهم هبوطاً عظيماً، لأنه ليس عند الله شيءٌ مرذولٌ مثل مرض الكبرياء. ولا ثمة فضيلة تساوي التواضع، فتأمَّل الأمرين مِن مَثل الفريسي والعشار، لأن بعضَ الشيوخِ يقولون إن بعض الإفراطات من أعمالِ الشياطين، فاسلك طريقاً ملوكيةً كما يقول الكتاب، ولا تمل يُمنى ولا يُسرى، اتبع التوسط في الأمورِ، وفي كلِّ عشيةٍ يكونُ غذاؤك، وإن دعت الضرورةُ لمرضٍ أو عارضٍ يعرض، فاسلك للوقت بحسب ما تقتضيه الحال، كذلك إن اقتضى الأمرُ حلَّ الساعة المحدودة فلا تحزن، وإن اقتضى أن تتناول في يومٍ غير مطلق، فتناوله، لأننا لسنا تحت ناموسٍ بل تحت نعمةٍ. فإذا أكلت فلا تمتلئ بل اقتصر سيما من الأطعمة اللذيذة، وأحب أبداً ما كان دوناً، واحفظ قلبَك لأن النبي يقول: الذبيحة لله روحٌ منسحقة، والله لا يُرذل القلبَ المتواضع المنكسر. وقد قال أيضاً: تواضعتُ فخلَّصني الربُّ. والربُّ يقول بلسان إشعياء النبي: إلى من أنظر إلا إلى الوديع الخائف من كلامي. فألقِ يا بُني جميعَ اتكالِك على الربِّ واسلك طريقَك بسلامٍ وهو يفعل لك الخيرَ، ويُخرج عدلَك كضوءٍ وحُكمك كالظهيرةِ». وبعد أن دعَّم الأخَ بأقوالٍ كثيرةٍ، أخلى سبيلَه مسروراً بالربِّ، وإذ كان يمضي ترنَّم قائلاً: «خائفوك وعارفو شهاداتك ليردُّوني، وأدباً أدَّبني الربُّ وإلى الموتِ لم يُسلِّمني، ويؤدبني الصديقُ برحمةٍ ويوبخني». وقال لنفسه: «ارجعي يا نفسي إلى موضع راحتك لأن الربَ قد أحسن إليك، وبقية القول». وهكذا جاء إلى قلايته، وقضى بقيةَ عمرِه حسب مشورة الشيخ.
  رد مع اقتباس
قديم 18 - 10 - 2017, 10:46 AM   رقم المشاركة : ( 193 )
sama smsma Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية sama smsma

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 8
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : قلب طفلة ترفض أن تكبر
المشاركـــــــات : 91,915

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

sama smsma غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب بستان الرهبان

أخٌ أقلقته الأفكارُ، فذهب إلى أحدِ الشيوخِ وسأله قائلاً: «يا أبي، ما أصعب التجارب التي لحقت ضعفي». فتنهَّد الشيخُ وقال: «يا بُني، لا يُدهشك هولُ عساكر الشياطين إذا كان اللهُ معك، فإن الشياطين إذا أبصروا النفسَ صاعدةً إلى اللهِ، يغتاظون عليها دائماً ويحسدونها. وأحياناً لا يحضرُ الله وملائكتُه في المحنِ، فلا تفتُر أنت عن الاستغاثةِ به، بتواضع قلبٍ. ومتى أصابك حادثٌ مثل هذا، فتأمَّل بفكرِك عِظم قوة الله المنيعة، وانظر ضعفَك واطلب الله بكلِّ قلبك تجدهُ سريعاً».
قال أحدُ الشيوخ: «لا تكونُ تحتَ السماءِ أمةٌ مثلَ المسيحيين إذا أكملوا ناموسَهم، كما لا توجد مرتبةٌ جليلةٌ كمثلِ مرتبةِ الرهبان إذا حفظوا طقوسَهم. ولذلك فإن الشياطين لحسدِهم، يحاربونهم بكلِّ أصنافِ الرذيلةِ، ويجعلونهم يُغمِضون أعينَهم عن خطاياهم ويوبِّخون خطايا غيرهم، لكي يُبعدوا عنهم السلامةَ، ويلقوا فيهم الشرورَ. فلنسأل الربَّ الإله أن يخرقَ شِباكَهم عنا ويخلِّصنا من أيديهم».
قال شيخٌ: «كما أن عابرَ الطريقِ ضيفُ يومهِ، لا يدخل المنزلَ ما لم يأمره صاحبُه بذلك، هكذا العدو، إن لم يقبله الراهبُ، لا يقدر أن يدخلَ إلى عندِه. فإذا صلَّيتَ فقل: يا ربُّ أنت العارف بكلِّ الأشياءِ، أنا بهيمةٌ، ما عرفتُ شيئاً بعد. لكن علِّمني كيف أبدأُ، أنت قد جئتَ بي إلى ههنا فعلِّمني كيف أخلصُ».
  رد مع اقتباس
قديم 18 - 10 - 2017, 10:47 AM   رقم المشاركة : ( 194 )
sama smsma Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية sama smsma

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 8
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : قلب طفلة ترفض أن تكبر
المشاركـــــــات : 91,915

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

sama smsma غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب بستان الرهبان

قال يوحنا ذهبي الفم: «من أجلِ أننا لا نتحفَّظ من الزلاَّت الصغار فإننا نقع في الكبار، فمثلاً ضَحِكَ إنسانٌ في غير وقت الضحك، فَجَرَّ غيرَه إلى الضحكِ».
كما قال أيضاً: «ما هو الضحك؟ وما هو ضَرَرُه؟ بالضحكِ تبدأُ مخافةُ الله في أن تنقطع، ويتولَّد من الضحكِ المزاحُ، ومن المزاح الأقوال القبيحة، ومن هذه تكون الأفعال المذمومة. فالعدو المخادع يسهِّل علينا الزلات الصغار، ومنها يُدخلنا إلى الخطايا الكبار، ومن ههنا يقودُنا إلى اليأسِ. فبهذا التدرج يُدخل إلينا الأمورَ مستورةً، فينبغي لنا أن نطردَ هواجسَه من مبادئها، ولا نتهاون بالصغار حيث يكمن العدو فيها، ومنها يجرُّنا إلى الكبار. وإلا فلو كان يحاربنا ظاهراً عياناً، لكان قتالُه سهلاً علينا، وقهرُه متيسراً لدينا، لكنه يعمل لنا كميناً وفخاً، لا نقدر على الخلاص منه سريعاً، فإن تيقَّظنا أفسدنا عليه كلَّ حيلِهِ، وذلك لأن ربنَا قد كسر عنا كلَّ سلاحِه، وقد حذَّرنا من الصغارِ، إذ أنه ما وقف عند حدِّ قوله: لا تقتل، فحسب، بل قال: ولا تغضب، وانتهى إلى منعنا من مخاطبةِ أحدٍ لأخيه بكلمة امتهانٍ. وما وقف عند حدِّ قوله: لا تزن، لكنه حذَّرنا من النظرِ إلى امرأةٍ بشهوةٍ. وأعطى الويلَ للضاحكين. وبالغ في الاستقصاء في باب الصغار إلى أن قال: إن كلَّ كلمةٍ بطالةٍ يقولها الإنسانُ، سوف يعطي عنها جواباً. فإذا عرفنا ذلك، فسبيلُنا إذن أن نحفظ أنفسَنا من الخواطرِ، فلا نسقط سريعاً».
قال شيخٌ: «لو نظرنا إلى خطايانا لما نظرنا إلى خطايا غيرِنا، لأنه من ذا الذي يَدَع ميته ويبكي على ميت غيرهِ، وخطيةُ الإنسانِ هي موتُ نفسِه».
وقال آخر: «إن أنت قصدتَ الإحسانَ إلى الأخيارِ والإساءةَ إلى الأشرارِ، فمنزلتُك منزلةُ قاضٍ لا عابد».
وقال آخر: «مَن فيه اتضاعٌ، فمن شأنهِ أن يوضِع الشياطين (أي يغلبهم)، ومن ليس فهي اتضاعٌ فمن شأن الشياطين أن يوضِعوه».
وقال أيضاً: «ليس من يحتقر ذاتَه هو المتضع، ولكن من قَبِلَ من غيرِه ضروبَ الهوانِ بفرحٍ، فهذا هو المتضع».
وقال كذلك: «لا يمكننا أن نحوزَ ربَّنا داخلنا بدون تواضعٍ وتعبٍ كثيرٍ وصلاةٍ بغيرِ فتورٍ».
كان أخٌ مقاتَلاً بالزنى، فسأل شيخاً أن يبتهلَ في أمرِه لكيلا يقهره الشيطانُ، فسأل الشيخُ اللهَ في أمرِهِ سبعةَ أيامٍ، وبعدها سأل الأخَ عن حالِهِ، فقال له: «لم يخف القتالُ بعد». فتعجَّب الشيخُ لذلك، وإذا بالشيطانِ قد ظهر له قائلاً: «أما أنا، فمنذ اليوم الأول في ابتهالك إلى اللهِ بشأنِهِ، انصرفتُ عنه. إنما هو يقاتلُ ذاتهَ وحدَه، لأنه يأكل ويشرب وينام كثيراً».
قال الآباءُ: «حيث يكون شربُ النبيذِ أو النظر إلى الصبيان فلا حاجة هناك إلى شيطان».
وقف الشيطانُ برجلٍ قديس ساعةَ وفاتهِ وقال له: «لقد انفلتَّ مني». فأجابه: «لستُ أعلمُ». إلى هذا المقدار كان احتراسُ الآباء من الافتخارِ في شيءٍ.
قال الآباءُ: «المناظرة في الآراء، والقراءة في العقائد المختلفة، والكلام في الإيمان، من شأن هذه أن تطردَ من الإنسانِ خشوعَه، أما أقوالُ الآباءِ وأخبارُ القديسين فمن شأنِها أن تنيرَ النفسَ وتليِّنها».
  رد مع اقتباس
قديم 18 - 10 - 2017, 10:47 AM   رقم المشاركة : ( 195 )
sama smsma Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية sama smsma

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 8
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : قلب طفلة ترفض أن تكبر
المشاركـــــــات : 91,915

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

sama smsma غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب بستان الرهبان

حدث أن شيخاً مغبوطاً أخذ عوداً صغيراً وخيطاً صغيراً وقال: «من ذا الذي يغتمُّ على فقدِ هذه الأشياء الحقيرة ويحقد بسببها إن كان عاقلاً، لَعَمْري، إن من استبصر في قدرِ هذا العالم الزائل كلِّه فلن يعتبره سوى اعتبارِهِ لهذه الأشياءِ الحقيرة، ومع هذا أقولُ إنه لن يَضُرَّ الإنسانَ أن يكون له إشفاقٌ على شيءٍ ويأسف على فقدِهِ فقط، بل وعلى جسمِه الذي هو أكرم من كلِّ ما يمتلكه عنده، لأننا قد أُمرنا أن نتهاون بأنفسنا وأجسادنا، فكم يجب علينا على أكثرِ الحالات أن نتهاونَ بما هو خارجٌ عنا».
وقال شيخٌ: «سبيلنا أن نعلم أنه لا يوجد أصدقُ ممن يذمُّنا ويبكِّت أعمالَنا، وينبغي لنا أن نراعي مذلّتنا، لأن الذين يُراعون مذلّتهم ويتحققونها يطحنون إبليسَ المحتال، وقد قال الآباءُ: لو أُحدر التواضع إلى الجحيم، لصعد إلى السماء، ولو رُفعت الكبرياءُ إلى السماءِ لهبطت إلى أسفلِ الأرضِ».
قال قديس: «متى أحزنك أحدٌ في شيءٍ، فلا تنطق البتة إلى أن تُسَكِّن قلبَك بالصلاةِ، ثم بعد ذلك استعطفه».
وقال أيضاً: «من لا يضرُّ ذاتَه فلا يضرُّهُ إنسانٌ».
كذلك قال: «إن الفضيلةَ تريد منا أن نريدها لا غير».
كما قال أيضاً: إذا أُحزن إنسانٌ، فاضطرب ولم يتكلم، فهو مبتدئٌ في الفضيلةِ، وليس من الكاملين بعد، أما الكاملُ فهو ذاك الذي لا يضطرب أصلاً، كالنبي القائل: «استعديت ولم أضطرب». فيا ليتنا نكون من المبتدئين، لنستمدَّ من الله المعونةَ. إن الصلاة بتكلفٍ من شأنِها أن تولِّد صلاةً نقيةً براحةٍ، فتكون الأولى بتكلُّف النيةِ، والثانية براحةٍ من النعمةِ.
قال شيخٌ: «إن خاتم المسيح الظاهر هو الصليب، وخاتمه الباطن هو الاتضاع، فهذا مثل صليبه، وذاك مثل خُلُقِه».
  رد مع اقتباس
قديم 18 - 10 - 2017, 10:47 AM   رقم المشاركة : ( 196 )
sama smsma Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية sama smsma

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 8
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : قلب طفلة ترفض أن تكبر
المشاركـــــــات : 91,915

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

sama smsma غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب بستان الرهبان

قيل: إن ثلاثةً من الإخوةِ زاروا شيخاً، فقال له الأول: «يا معلمُ، لقد كتبتُ بنفسي العتيقة والحديثة، (أي العهدين القديم والجديد)»، فأجابه الشيخُ: «لقد ملأتَ طاقات قلايتِك ورقاً». فقال له الثاني: «إني قد حفظتُ العتيقةَ والحديثةَ في صدري»، فقال له الشيخُ: «لقد ملأتَ الهواءَ كلاماً». أما الثالث فقال له: «لقد نبتَ الحشيشُ وملأ موقدي». فقال له الشيخُ: «لقد طردتَ عنك محبةَ الغرباءِ».
أتى شيخٌٌ إلى قلايته، فوجد لصاً يسرقها، فقال له: «أسرع قبل أن يأتي الإخوةُ فيمنعونا من تكميل الوصية».
سُئل شيخٌ: «ما هي أعظمُ الفضائل»؟ فقال: «إذا كانت الكبرياءُ أشرَّ الخطايا حتى أنها أهبطت طائفةً من السماءِ إلى الأرضِ، فمن البديهي يكون الاتضاعُ الحقيقي المقابل لها أعظمَ الفضائلِ، إذ هو يرفعُ الإنسانَ من الأعماقِ إلى السماءِ، وقد غبَّطه الله قائلاً: مغبوطون أولئك المساكين بالروح، أي المتضعين بقلوبهِم، فإن لهم ملكوت السماوات».
وقال شيخٌ: «كما أن الميتَ لا يتكلمُ البتة، كذلك المتضع لا يزدري أحداً، حتى ولو رآه للأصنامِ ساجداً».
وقال أيضاً: «لا يوجد شيءٌ أصعب من العادةِ الرديئةِ، إذ يحتاجُ صاحبُها في سبيلِ قطعِها إلى زمانٍ وتعبٍ كثير، أما التعبُ فهو في متناول الكثيرين، ولكن الزمانَ الذي يحتاج إليه فما أقلَّ من قضاه حتى النهايةِ، لأن أكثرَ أصحابهِا اختطفهم الموتُ قبل تمامِ زمانِ قطعِها، والله وحدُه هو الذي يعلمُ كيف يدينهم».
كما قال أيضاً: «من لا يستطيع أن يُبغضَ المقتنيات، فلن يقدرَ أن يُبغضَ نفسَه حسب الوصيةِ المسيحية».
زار أخٌ شيخاً وسأله قائلاً: «كيف حالك»؟ فأجابه الشيخُ قائلاً: «أسوأ الأحوال». فقال له الأخُ: «لِمَ ذلك»؟ فأجابه الشيخُ قائلاً: لأن لي ثلاثين سنةً وصلاتي خلالها عليَّ لا لي. لأني أقفُ قدام الله وألعن ذاتي وأقول ما لا أشتهي أن يخرجَ من فمي. إذ أقولُ: «ملاعين الذين حادوا عن وصاياك»، وأحيدُ عن الوصايا. وأفعلُ الآثامَ وأقول: «لا تتراءف على فاعلي الإثم». وأكذب كلَّ يومٍ وأقول لله: «إنك تُهلك كلَّ من يتكلم بالكذبِ». وأحقد وأقول: «اغفر لنا خطايانا، كما نغفر نحن لمن أخطأ إلينا». وأخطئ وأقول: «عندما يُزهر الخطاةُ ويعلو جميعُ عاملي الإثم، فهناك يُستأصلون إلى الأبد». وآثم وأقول: «أبغضتُ جميعَ عاملي الإثم». وهمي كلُّه في المأكل وأقول بين يدي الله: «نسيتُ أكلَ خبزي». وأنامُ إلى الصباح وأقول: «في نصفِ الليلِ كنتُ أنهضُ لأسبِّحك». وليس لي خشوعٌ ولا دموع وأقول: «تعبتُ في تنهدي، وصارت دموعي خبزاً لي نهاراً وليلاً، وبدموعي أبلُّ فراشي». وأفكِّرُ فِكراً خبيثاً وأقولُ لله: «إن ما يتلوه قلبي هو لديك كل حين». وليس لي صيامٌ وأقول: «ركبتاي ضعفتا من الصوم». ونفسي متكبرةٌ وجسدي مستريحٌ وأقول لله: «انظر تواضعي وتعبي واغفر لي جميع خطاياي». ولا استعداد لي وأقول: «مستعدٌ قلبي يا إلهي». فقال الأخُ: «يا معلم، على ما يلوح لي، إن النبي قال ذلك عن نفسِه». فتنهَّد الشيخُ وقال: «صدقني يا ابني إن لم نعمل نحن بما نصلي به قدام الله، فإن صلاتَنا تكونُ علينا لا لنا».
قال شيخٌ: «إذا كان لا يعرفُ ما في الإنسانِ إلا روحُه، كقول الرسول، وإذا كنا نعلم أن كثيرين تابوا ولم نعلم بتوبتهم، وإذ قد يتفق أن يتوبَ إنسانٌ في آخرِ حياتِه ويُقبل كاللِّصِ، فسبيلنا إذن، أن لا ندينَ أحداً، فالديان هو الله وحده فكيف يجسر أحدٌ أن يتدخل فيما يخصُّ الله»؟
أتى لصوصٌ إلى قلايةٍ في وقت الصلاةِ، فقال القسيس للإخوةِ: «اتركوهم يعملون عملَهم، ونحن نعمل عملَنا».
قال أخٌ لشيخٍ: «لماذا لا أستطيع مساكنة الإخوةِ»؟ فقال: «لأنك لا تتَّقِ الله، فلو تذكرتَ المكتوب: إن لوطاً تخلص من بين أهلِ سدوم، لأنه لم يكن يدين أحداً منهم، فلو تذكرتَ ذلك، لاستطعت الإقامة أينما شئتَ، حتى ولو بين الوحوشِ».
وقال شيخٌ: «من يحقد على أخيه، فقد خزَّن ذنوبَه في ذاتهِ، وختم عليها».
وقال أيضاً: «كما أن الذئبَ لا يجتمع مع النعجةِ لإنتاجِ ولدٍ، كذلك شبع البطن لا يجتمع مع توجع القلب لإنتاج فضيلةٍ».
وقال كذلك: «كما أن الأرضَ لا تُنبت وحدها من غير بذارٍ وفلاحةٍ ومطر سمائي، وحراسةٍ مما يمكن حراستها من البهائمِ والطيور، وسلامةٍ من الله مما لا يقدر الإنسانُ على دفعِه، كالدود والجراد وريح السموم، فإن كانت الأرضُ لا تنبت بغير تلك الأمور، فكم بالحري النفس، فإنها لا تُثمر الفضائلَ بدون تعليمٍ وتعبٍ كثير ومعونةٍ إلهية واحتراسٍ من الأعداء بقدر استطاعةِ الإنسان، ثم تضرُّع إلى الله في طلب تعضيدِه إزاء ما تعجز قدرته عنه».
سأل أخٌ قديساً عالماً بما ينبغي أن يكون عليه الراهبُ. فقال له الشيخُ: «على ما أعرفُ أنا، ينبغي أن تكون وحدةُ السكنِ ملازمةً لوحدة الذات». فقال الأخُ: «إذا انفردتُ أخافُ». فقال له الشيخُ: «ذلك لأنك حيٌ بعد».
قال شيخٌ: «كما أن الأرضَ لا تسقط أبداً لكونها موضوعةً هكذا إلى أسفل، كذلك مَن وضع ذاتَه لا يسقط أصلاً».
كما قال: «لا تصادق رئيساً ولا صبياً ولا تخاطب امرأةً ولا تبغض إنساناً».
  رد مع اقتباس
قديم 18 - 10 - 2017, 10:48 AM   رقم المشاركة : ( 197 )
sama smsma Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية sama smsma

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 8
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : قلب طفلة ترفض أن تكبر
المشاركـــــــات : 91,915

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

sama smsma غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب بستان الرهبان

كذلك قال: «سبيلُنا أن نتطهر بالدموعِ ما دمنا في هذا العالم، قبل أن نمضي إلى حيث تَحرق دموعُنا أجسادنَا».
سكن شيخٌ مع إخوةٍ، واعتاد أن يقولَ لهم عن الشغلِ دفعةً واحدةً، فإذا لم يفعلوه، قام هو وعمله بدون غيظٍ.
كان أخٌ مسرعاً في الذهابِ إلى المدينةِ، فلما سأل شيخاً مشورةً صالحةً، قال له الشيخُ: «لا تسارع في الذهابِ إلى المدينةِ، ولكن اهرب من المدينةِ بسرعةٍ».
شكا أخٌ إلى شيخٍ من قتالِ الزنى، فقال له الشيخُ: «أتريدُ أن تتخلصَ وأنت نائمٌ؟ اذهب واتعب واجتهد، اطلب تجد، اسهر وتضرع تُعطَ، اقرع يُفتح لك. فكم من الناسِ يتجلَّدون في التعبِ والسهرِ وقد يتحملون العذابَ من أجلِ ربحٍ جسماني، فاثبت أنت إذن وتجلَّد من أجلِ اللهِ، واللهُ ينتصر لك».
قال أخٌ لشيخٍ: «إن أفكاري لا تتركني أستريح، ولذلك تجد نفسي مغمومةً». فقال له الشيخُ: «إذا زرع الشياطيُن فيك الأفكارَ، فلا تتحدث معهم، فمن شأنِهم أن يطرحوا زرعَهم دائماً، ولكنهم لا يُلزمون أحداً بقبولِهِ اضطراراً، فلك أن تقبلَه أو لا تقبله. ألا ترى ما عمله أهلُ مديان، كيف أنهم زيَّنوا بناتهم وأظهروهن، ولكنهم لم يلزموا أحداً بالزنى معهن، فكان من الإسرائيليين من أراد مخالطتهن، ومنهم من لم يريدوا فلم يدنوا منهن، كذلك من اغتاظ منهن فشرع في قتلهن. وهكذا تكون حالُ الرهبانِ مع الأفكار التي تهجِسُ بها الشياطين إليهم». فأجاب الأخُ وقال: «كيف أعملُ يا أبي لأني ضعيفٌ والوجع غالبٌ عليَّ وليس لي قدرةٌ على مقاومةِ الأفكار». فقال له الشيخُ: «إذا ألقوا فيك الأفكارَ فلا تجاوبهم، بل اهرب إلى اللهِ بالصلاةِ والسجودِ، وقل يا الله ارحمني واصرف عني هذه الأفكار بقوتِك العظيمةِ، فإني ضعيفٌ عن مقاومتِها». فقال له الأخُ: «إني إذا وقفتُ لأصلي، لا أحسُّ بخشوعٍ لعدم معرفتي بمعنى الكلامِ وقوتِه». فقال له الشيخُ: «لقد سمعتُ أنبا موسى وجماعةً من الآباءِ يقولون هذا القولَ هكذا: إن الراقي (أو الساحر) لا يعرفُ قوةَ الكلامِ الذي يُعزِّم به، لكن الحيةَ تحسُّ بقوةِ القولِ فتخرج، كذلك نحن أيضاً، إن كنا لا نعرفُ ما نقولُه، ولكن الشياطين تعرفُ قولَنا وتنصرف عنا».
قال شيخٌ: «طوبى لمن أبغضَ الإثمَ وأحبَّ البرَ، وخاف عقابَ الجحيمِ وآثرَ ثوابَ الملكوتِ، وقاوم إرادةَ الشياطين، وأطاعَ إرادةَ الله، وصلى بلا فتورٍ، بلا طياشةٍ».
سئُل شيخُ: «ما هي الطريقُ الصعبةُ الضاغطة»؟ فقال: «هي أن تضبطَ أفكارَك وإرادتك لأجلِ الربِّ، وألا تتعلق بشيء مما لهذا العالمِ».
سُئل شيخٌ: «ما معنى المكتوب: وتبصر بني بنيك»؟ فقال: «إن ثمرة أتعاب القديسين هي بنو بنيهم».
قال شيخٌ: «إن العلماءَ الأشحاء المتكبرين يُشبهون ينبوعاً فيه ثعابين لا يقدر أحدٌ أن يشربَ منه، فمن لا ينطق فعلُه بالأكثرِ لا يُقبَل كلامُه. من أجل ذلك طلب داود الطوباوي من الله قائلاً، أعطني صلاحاً وأدباً ومعرفةً، لأن الصلاحَ بغير معرفةٍ باطلٌ، كذلك المعلم بلا صلاحٍ فهو معلمٌ باطلٌ».
  رد مع اقتباس
قديم 18 - 10 - 2017, 10:50 AM   رقم المشاركة : ( 198 )
sama smsma Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية sama smsma

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 8
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : قلب طفلة ترفض أن تكبر
المشاركـــــــات : 91,915

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

sama smsma غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب بستان الرهبان

قال يوحنا فم الذهب: «إننا إذا أخطأنا فإن الله قد يُنهض علينا أعداءنا ليؤدِّبونا. وعلى ذلك فلا ينبغي لنا أن نحاربهم، بل يجب أن نحاسب نفوسَنا ونثقِّفها، ولكونه أطلقهم علينا لأجلِ خطايانا، فمتى حاربناهم أصرُّوا هم على مضايقتنا، ولهذا أَمَرَنا ألا نكافئ أعداءنا، فلنقبل إذن الامتحانات كقبولِ الأدويةِ من الحكيم لنخلص، وكقبولِ التأديب من الأب لنتشرف، ولذلك قال سليمان الحكيم: أيها الولد، إن تقدمتَ لخدمةِ ربك، فتأهب للتجارب، واصطبر».
قيل: إن شيخاً راهباً تجذَّم، فأحضر له بعضُ المسيحيين مالاً وقال له: «انفق هذا المال على نفسِك في حالِ كبرِك ومرضِك». فأجابه الشيخُ وقال له: «أتريد أن تُفقدني في ساعةٍ واحدةٍ ما قد تعبتُ في اقتنائه منذ بدء حياتي حتى هذه الساعةِ»؟ وهكذا لم يقبل منه شيئاً.
أحاط إخوةٌ بشيخٍ عند وفاتِه، ففتح عينيه وضحك ثلاث مراتٍ، المرة بعد الأخرى. فقالوا له: «لماذا تضحك يا أبتاه ونحن نبكي»؟ فقال لهم: «أما ضحكي الأول، فهو لأني رأيتُكم تخافون الموتَ، والثاني فهو لأنكم رغم خوفِكم منه فإنكم لا تستعدون له، أما ضحكي الثالث فهو لأني ماضٍ من التعبِ إلى الراحةِ». وهكذا تنيَّح فانتفع الإخوةُ منه.
وقال شيخٌ: «لا تدع لسانَك يخلو من التسبيح، فإن تصرفتَ في تدبيرِ قلايتك، فإن الأفكارَ السوء تنقطع عنك، ولا يجد العدو سبيلاً لما يخطره ببالك، فيبعد عنك».
وقال راهبٌ: «إن الذي يجلس في طاعةِ أبٍ روحاني لهو أكثرُ أجراً وأقلُ خطراً من ذاك الذي يجلس منفرداً في الوحدةِ والسكوت. الطريق المخلِّصة هي: أن يرجعَ الراهبُ باللائمةِ على نفسِه. الصمتُ في جميعِ الأمور هو الغربةُ. والغربة بالحقيقةِ هي الصمتُ. والذي يريد الخلاصَ فليتحمل الظلمَ ويصبر على الإهانةِ والخسارةِ الجَسَدَانية».
وقال شيخٌ: «ليس شيءٌ من الخطايا يستمر وجودُه بالفعلِ في الإنسانِ سوى الحقد، فإن القاتلَ مثلاً يكون زمانُ مباشرتِه بالفعلِ لخطيئتهِ أقلَ بكثيرٍ من زمان تركه لها، وكذلك الزاني والسارق وغيرهم. أما الذي يحقد، فإنه إن كان جالساً أو راقداً أو واقفاً أو ماشياً أو متكلماً أو ساكتاً أو صائماً أو آكلاً أو في سائرِ حالاتِه وأوقاتِه، فالحقد لا يزال ملازماً لقلبهِ. فمثل هذا الإنسان، صلاتُه باطلةٌ لأنه يطلب الغفرانَ وهو لا يغفر. فتعبُه كلُّه ضائعٌ حتى ولو سُفك دمُه كالشهداءِ، لأن الرسولَ قد قال إن هذه كلها لا تفيدُ شيئاً مع عدم الحبِّ، ولا حب مع الحقد».
  رد مع اقتباس
قديم 18 - 10 - 2017, 10:50 AM   رقم المشاركة : ( 199 )
sama smsma Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية sama smsma

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 8
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : قلب طفلة ترفض أن تكبر
المشاركـــــــات : 91,915

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

sama smsma غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب بستان الرهبان

قال أنبا ألوجيوس لتلميذِهِ: «يا بُني عوِّد نفسَك إضعاف بطنِك بالصومِ شيئاً فشيئاً، لأن بطنَ الإنسانِ إنما يشبه زقاً فارغاً، فبقدرِ ما تُمَرِّنه وتملأه تزداد سعتُه، كذلك الأحشاء التي تُحشى بالأطعمةِ الكثيرة، إن أنت جعلتَ فيها قليلاً ضاقت وصارت لا تطلبُ منك إلا القليلَ».
وقال شيخٌ: إنَّ كلَّ صغيرٍ يطرحُ كلمتَه في وسطِ شيوخٍ أكبر منه، فهو يشبه إنساناً يطرحُ ناراً في حجر أخيه».
قال بعضُ الشيوخِ: «أدِّبوا الأحداثَ يا إخوة قبل أن يؤدبوكم».
وقال أيضاً: «إنَّ فخَ الشيطان بالنسبة للرهبان هم الصبيان أكثر من النساء».
سأل أخٌ شيخاً: «كيف يقتني الإنسانُ البكاءَ»؟ فقال: «يقتني الإنسانُ البكاءَ إذا كان عقلُه يذكر دائماً خطاياه وموته ودينونته».
قال شيخٌ: «مكتوبٌ إنَّ من أجاب عما لا يُسأل عنه فهو جاهلٌ، فإن لم تُسألوا فلا تجيبوا».
وقال أيضاً: «كلُّ من يسكنُ في موضعٍ ولا يعمل فيه ثمرةً صالحةً، فالموضع نفسُه يطرده».
كما قال أيضاً: «ليس كلُّ فكرٍ يأتينا يُحسب خطيةً ما لم نقبله ونعملُ به، والأفكار منها ما هو لخلاصِ الإنسان، ومنها ما هو لهلاكهِ».
سُئل شيخٌ: «كيف ينبغي للمتوحد أن يسكنَ في قلايتِه»؟ فقال الشيخُ: «ليكن له عدم اهتمام بذكر إنسانٍ أصلاً، ويحفظ عقلَه من الطياشةِ، كما يذكر الله دائماً».
قال شيخٌ: «ينبغي للراهب أن يشتريَ السكوتَ لنفسِه بما عزَّ وهان، ولو أدى ذلك إلى إصابته بخسارةٍ جَسَدَانية».
  رد مع اقتباس
قديم 18 - 10 - 2017, 10:51 AM   رقم المشاركة : ( 200 )
sama smsma Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية sama smsma

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 8
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : قلب طفلة ترفض أن تكبر
المشاركـــــــات : 91,915

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

sama smsma غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب بستان الرهبان

قال أنبا مرقص: «كلُّ ما تقوله خلفَ أخيك ولا تقدر أن تذكره قدامه، فهو نميمةٌ وسعايةٌ. كما أن كلَّ اهتمامٍ لا يُفضي إلى صلاحِ العبادةِ، فهو اهتمامٌ عالمي».
قال أخ: قلتُ لأنبا بفنوتيوس تلميذ الأب مقاريوس الكبير: «قل لي يا أبي كلمةً أحيا بها». فقال لي: «احفظ القناةَ التي تجري إلى مزرعتك». فقلتُ له: «ما معنى هذا»؟ قال: «القناة هي فمك، فإن لم تحفظه فلن تثمر نفسُك». فقلتُ: «كيف أحفظه»؟ قال: «إذا لم تسكن مع فلاحٍ فمِن أين لك أن تعرفَ ما تشتمل عليه الفِلاحة من حرثٍ وبذرٍ وحفظٍ وسقي وحصاد وغيره»؟ قلتُ أيضاً: «وما معنى هذا»؟ قال: «إذا لم تسكن مع شيخٍ مجرَّب كي يعلمك الرهبنةَ، فمِن أين تتعلمها؟ فلو انتقلتَ من مكانٍ إلى مكانٍ، أو انفردتَ وحدك، أو صرتَ أباً قبل أن تُستأهل لذلك من قِبل الله، فإنك تقيم كلَّ زمانِك وأنت لا تعرف كيف تحصد ثمر الفضيلةِ، بل تُضيِّع الزرعَ الذي هو تعليم طريق الله، فيجب عليك أن تسكنَ مع شيخٍ حتى تنال منه البركةَ الأخيرةَ، مثل أليشع الذي ثبَتَ مع إيليا حتى رُفع إلى السماء، فلما باركه تضاعفت عليه روحُه، ومثل تلميذيْ أنطونيوس اللذين سكنا مع الشيخِ حتى طرحَ الجسدَ، وباركهما البركةَ الأخيرةَ فحل عليهما روحُ الله وصارا راعيين صالحين، ومثل يوحنا الذي سكن مع بمويه أبيه حتى فارق جسدَه، فسلَّمه للشيوخِ قائلا: هذا ملاك وليس بإنسانٍ، وكمثل يوحنا تلميذ أنبا بلا الذي أطاع أباه فأحضر الضبعةَ مربوطةً، ومثل تلميذٍ آخر لشيخٍ حيث كان يمشي مع متوحدٍ حتى وصلا إلى شاطئ نهرٍ فيه تماسيح، فعبر التلميذُ المطيع بينها وما استطاع المتوحدُ العبورَ، حتى أن الشيوخ في ذلك الوقتِ قالوا: إن التلميذَ المطيع بطاعتِه صار أعلا من المتوحد. ومثل تلميذٍ آخر كان طائعاً لمقاريوس، هذا كان قد أرسله أبوه إلى مصر، لما وقع في تجربةٍ صرخ بصوتٍ عظيم قائلاً: يا إله أبي خلِّصني، فمن ساعتِه وجد نفسَه يمشي في طريق الإسقيط. وقد كُتب: ابذر وقتَ الصباحِ ولا تبطل زرعَك إلى وقتِ المساء، ومعناه: الصلاح الذي بدأت به داوم عليه إلى وقت وفاتك.
وانظر إلى الذين تركوا آباءهم ماذا أصابهم، فعيسو لما ترك والده واختلط بالأمم المرذولة رذله الله، وجيحزي لما لم يُطع أليشع أصابه البرص، والتلاميذ الذين رجعوا إلى خلف وتركوا صحبة السيد أهلكوا ذواتَهم، ويوحنا تلميذ الأب مقاريوس لما لم يُطع أباه تجذَّم. فها أنا قد أخبرتُك بطريقِ الحياةِ والموت، فإن دخلتَ من البابِ الضيق الذي هو طاعتك لأبيك أوصلك ذلك إلى الحياةِ الأبدية، وإن مشيتَ في الطريقِ الواسعةِ التي هي أهوية قلبك أدت بك إلى الهلاكِ».
فقلتُ له: «يا أبتاه، لقد أتى بعضُ الإخوةِ إلى أبي، ولستُ قادراً على السكنى معهم». فقال لي: «لو كان فيك اتضاعٌ، لاستطعت السُكنى مع الوحوش، فكم بالحري مع الإخوةِ؟ واسمع قول داود النبي: ما أحسن وأجمل الإخوة إذا سكنوا معاً».
فقلتُ له: «إني أشاءُ أن أصيرَ شهيداً». فقال لي: «إن خالفتَ أباك فسوف تتعب ولن تصيرَ شهيداً، فقد حدث أنَّ شيخاً قال لتلميذِه في زمانِ الاضطهاد: يا بُني، إن كان لك اشتياقٌ أن تصيرَ شهيداً، فاذهب. أما الأخ فمع اشتياقِه إلى ذلك، إلا أنه لم يُطع هواه، ولم يمضِ، بل قال: لو صرتُ فوق رتبة الشهداء، فبَركَتُك لي كلَّ يومٍ هي أفضل يا أبي. فلما رأى الله إيمانَه في أبيه خاطبه بالصوتِ قائلاً: لأنك أطعتَ أباك، ها أنا أعطيك إكليلَ الشهداءِ، جاعلاً رتبتَك في مصافِ جماعةِ القديسين. أما الذين تركوا آباءَهم في الربِّ قائلين: إننا نتوحد ونصوم ونهرب من الناس، فانخدعوا بذلك للشيطان، ولم يصنعوا لا وحدةً ولا صوماً ولا هرباً من الناسِ، بل تنقلوا بين الأديرة والمدن والقرى، وزخرفوا ملابسهم، وفرح بهم الشيطانُ وهزأ بهم لأنهم قبلوا خداعه».
فقلتُ له: «لقد ربحتُ منك كثيراً يا أبي وأريدُ أن أسكنَ معك بقية حياتي». فقال لي: «أحيٌ أبوك بعد»؟ قلتُ: «نعم». فقال لي: «هذا عدم أدب، لأن من كان لا أب له فإني أقبله، أما أنت فلا، لئلا تصبح وقد أفسدتَ بنوَّتك، وأكون أنا قد بلبلتُ قانونَ الرهبنةِ، فآباؤنا كانوا يحفظون ضميرَ بعضِهم بعضاً، وبغير طاعةٍ لم ينجح أحدٌ».
فقلت: «يا أبي ماذا أصنعُ حتى أكمِّل الطاعةَ»؟ قال: «اسمع، سمعتُ عن رجلين، أُعطي لكلٍ منهما سبعة فدادين قمح ليحصدها في يومٍ واحدٍ، فلما نظر أحدُهما الفدادين قال: مَن مِن الناسِ يقدرُ أن يحصدَ هذه كلها في يومٍ واحدٍ؟ وإذ قال ذلك مضى ولم يحصد شيئاً. أما الآخر فقال: عليَّ أن أعملَ بكل قوتي ولا أوقف الحصادَ. فمَن مِن الاثنين أرضى سيدَه»؟ قلتُ: «الذي عمل بكلِّ قوته طبعاً». قال لي: «إذن امضِ أنت واعمل بكل قوتك، وأنا أؤمن أنك تُحسب مع الذين أكملوا الطاعةَ في الملكوتِ». ثم قال: «إن الخروفَ الثابت في الحظيرةِ محروسٌ، أما الذي يترك حظيرتَه ويذهب إلى قطيعٍ آخر فإنه يبقى وحشياً، ولن يسلم من ذئبٍ أو لصٍ، هكذا الراهب الذي يترك ديرَه، إذ يشبه أيضاً حماراً وكلُّ من يجده يركبه، حتى إذا عُقر لن يوجد له صاحبٌ ثابتٌ يعتني به فيهلك من الجوع والتعب والجراح. هكذا تكون حالُ الراهبِ إذا ترك ديرَه وأباه وإخوته، وسكن عند آخرين، فإنهم يرسلونه إلى هنا وإلى هناك حتى يسقط في الزنى ويهلك ولا يجد من يُنهضه. فمن ذا يترك العناية بأولادِه ويهتم بأولادِ غيرهِ»؟ ثم قال: «إن أبي قال لي: إن المفترقين يتعبدون كلُّ واحدٍ بحسب هواه وإرادته، وأما الذي يطيع أباه من أجلِ المسيحِ فهو أفضل، إذ قطع مشيئَته لله».
فقلتُ له: «يا أبي، إن النجاسات التي يبذرها الشيطان فيَّ، سواء أكملتُها أم لم أكملها، فإن العدو لا يتركني أخبر أبي بها بسبب الاستحياءِ». فقال لي: «لا تُطع عدوَّك بل أخبر أباك بجميعها حتى بأحلام الليل، ولا تُخفِ عنه شيئاً من أفكارِك إن كنتَ مطيعاً له في كلِّ شيءٍ من أجلِ الله مؤمناً أنه يُحاسَب عنك لطاعتِك له، وأما ما تخفيه عنه فسوف تُحاسَب أنت عنه كله». فقلتُ له: «هل لي أن أعرفَ شيخاً آخر يطيبُ به قلبي بنجاساتي»؟ قال: «إذا توفي أبوك وعُين أخٌ آخر ليصير بعده أباً للإخوة، فاتبعه لأن روحَ أبيك قد تضاعف عليه مثل أليشع بعد مفارقة إيليا، ويشوع بعد موسى. فقد قال الآباءُ: لا تُخبر بجراحِك غيرَ أبيك الروحاني. وإن كان أبوك متوفي، ولم يُعَين للإخوة أبٌ، فاطلب لك أباً شيخاً قديساً كاملاً في أعمالهِ قدام الله، وأظهر له جميعَ أمراضِك، فهو يصلي عليك فتُعافى، وهذا واحدٌ من ربوات، لأن الآباء قالوا: لا تُظهر خطاياك لكلِّ الناسِ، لئلا تُعثر كثيرين، وتؤذي الضعفاءَ وأخيراً تعثر بهم. وبالإجمال، فإن لم تضرهم ولم تتضرر بهم، فإنك لن تنتفعَ منهم، فتضطر إلى أن تتقدم لغيرِهم لتنتفع منهم وهكذا، ولكن كما كانت الأحكامُ الصغيرة تُرفع إلى الفهماءِ من شعب إسرائيل، فيحكمون فيها، والأحكام الكبيرة والمسائل الصعبة تُرفع إلى موسى فيحكم فيها، وما صَعُبَ عليه منها سأل الله في حكمهِ فيها، هكذا تصرَّف أنت، فالأمور الصغيرة أخبر بها الفهماء من الإخوة، والأمور الصعبة أخبر بها الأب، وما صَعُبَ عليه منها فهو يسترشد من الله فيها. واحذر أن تقول بقلةِ إيمانٍ كلمةً رديئةً في أبيك وإخوتك لكيلا يمنعك الله من دخول أرضِ الميعاد، وتُحرم من أكل ثمرتها كما جرى مع شعب إسرائيل ومع موسى أبيهم ويشوع وكالب إخوتهم، وأُنذِر أنه لا يدخلُ أرضَ الميعادِ منهم إلا هذان اللذان أطاعا أباهما، أما الذين رجعوا بقلوبهم إلى مصر، فقد ماتوا كلُّهم في البريةِ. فاثبت أنت مع أبيك، مثل يشوع مع موسى، لتصير مثلَه نبياً صانعاً العجائب، وأباً لأمةٍ كثيرةٍ، ووارثاً لأرضِ الميعاد، متمتعاً بثمراتها أنت وبنوك. وقد قال الله: أكرم أباك وأمَّك ليطول عمرك ويُحسن إليك. وقال: من يقل كلمةً رديئةً في أبيه أو أمّه يهلك. فإذا كان هذا عن الأب الجسدي، فكم بالحري الروحي. فالذي يترك أباه ويسعى فيه، فهو يشبه يوداس الذي ترك معلِّمَه وأسلمه، كما أن الذي يهزأ بأبيه، فإنه يرث لعنة حام الذي ضحك على أبيه لما انكشف، ويُحرم من بركة سام ويافث اللذين ستراه.
قلتُ: «يا أبي، إن الشيطانَ يُتعب الرهبان أكثرَ من أهلِ العالمِ». قال: «نعم، مثل ملكٍ يريد أن يطردَ من مملكتهِ قوماً ويُدخل بدلاً منهم إليها، فلابد إذن أن يعادي الذين أخرجهم، أولئك الذين أبدلهم بهم، وأجلسهم على كراسيهم، ومهما قدروا على إتيانهِ من الشرِ بهم فعلوه، فالرهبان الآن يجاهدون في سبيلِ دخول هذه المملكةِ والجلوسِ على كراسيهم، فالشياطين إزاء ذلك يقاتلونهم بالأكثر. فيجب عليك يا بُني أن تطيع وتتضع للآباء الروحانيين، لئلا تسقط مثل الشياطين، فإنهم بالعظمةِ والمعصيةِ لأبي الأرواح، سقطوا وهلكوا».
قلتُ له: «يا أبي، لقد سمعتُ عن قومٍ أنهم يصومون يومين يومين وأربعةً أربعة، وستةً ستة، وتملأني الغيرةُ فأَودُّ لو أصومُ مثلهم». فقال لي: «الذي يصنع هكذا بغير مشورةٍ، فإن الشياطين يرفعونه بالأكثر، وهكذا يحطونه إلى أسفل سريعاً، فالذي يقوم بما يفوق قدرتهِ يقتل جسدَه، وحينئذ ينكسر كالقوس إذا زاد توتُّرها أكثر من حدِّها». قلتُ: «وماذا أصنعُ إن شتمني أخٌ»؟ فقال: «إن المشتومَ إذا احتمل، غُفرت له الخطيةُ التي شُتم بها وصارت على الشاتم، مثل أن يُقال: يا سارق، يا كذاب، فقد جرى ذلك مجرى الاعتراف، فالمشتوم لما أُظهرت خطيئته وسكت واحتمل، فقد اعتُبر كأنه أقرَّ بها ودين عليها، أما الذي شتمه، فقد تحمل وزرها لكونه دان أخاه بذكرها، مع أنه قد أُمر بأن يُظهر خطايا نفسِه، ولكنه بالعكس أَظهر خطايا غيره، وقد قيل: إنه من الجهالةِ أن يهتمَ الإنسانُ بمرضِ غيرهِ، ويترك الاهتمامَ بمرضِ نفسهِ، أو يترك ميته ويمضي ليبكي على ميت غيره، كما أنه من أعظم الجهالات أن يغفلَ الإنسانُ عن خطيئته، ويذكر خطيئة أخيه».
  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
بستان الرهبان كامل مسموع
زهور من بستان - كتاب بستان الرهبان
تحميل كتاب بستان الرهبان كامل مسموع
كتاب بستان الرهبان لبيلاديوس
كتاب بستان الرهبان


الساعة الآن 05:05 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024